أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - حمدي سيد محمد محمود - الانفجار العظيم: من لحظة البدء إلى حدود المعنى














المزيد.....

الانفجار العظيم: من لحظة البدء إلى حدود المعنى


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8371 - 2025 / 6 / 12 - 12:01
المحور: الطب , والعلوم
    


د.حمدي سيد محمد محمود
تُعد نظرية الانفجار العظيم (Big Bang Theory) الإطار العلمي الأكثر قبولًا في تفسير نشأة الكون وتطوره. تقوم هذه النظرية على فرضية أن الكون بدأ من نقطة كثيفة للغاية تُعرف بـ"المتفردة الكونية" (singularity)، حيث كانت المادة والطاقة والمكان والزمان مدمجة في وحدة لا نهائية الكثافة والحرارة، ثم حدث انفجار هائل قبل نحو 13.8 مليار سنة أدى إلى تمدد الكون وتوسعه باستمرار. تستند هذه النظرية إلى عدد من الأدلة التجريبية، أبرزها إزاحة الطيف الأحمر (redshift) للمجرات البعيدة التي رصدها إدوين هابل، والتي تشير إلى ابتعاد الأجرام السماوية عن بعضها البعض، ما يدل على توسع مستمر للكون، إضافة إلى خلفية الإشعاع الكوني الميكروي (CMB) المكتشفة عام 1965، والتي تشكل بقايا حرارية للانفجار الأول.

تمثل هذه النظرية تحولًا جذريًا في فهم الإنسان لمكانه في الوجود. فهي لا تفسر فقط ولادة الكون، بل تعيد صياغة العلاقة بين الزمن والمكان والمادة، وتفتح آفاقًا مذهلة حول المصير الكوني المحتمل. لقد مهدت نظرية الانفجار العظيم الطريق أمام علوم مثل الكوسمولوجيا الفيزيائية والفيزياء الفلكية للتعامل مع أسئلة كانت تعدّ في الماضي شأنًا ميتافيزيقيًا بحتًا: كيف بدأ كل شيء؟ هل للكون بداية محددة؟ وهل هو مصمم أو عشوائي؟

على الرغم من التوافق الواسع حول نظرية الانفجار العظيم، فإنها لم تَسْلم من الانتقاد العلمي والفلسفي. إحدى أبرز الاعتراضات تأتي من المنظور الفلسفي الطبيعي الذي يرى في فكرة "البداية المطلقة" إشكالية عميقة، لأنها تفترض لحظة "خلق" خارج الزمان والمكان، وهي لحظة يصعب تخيلها أو تأطيرها ضمن قوانين الفيزياء المعروفة. هذا ما دفع بعض العلماء، مثل فريد هويل، إلى تبني نظريات بديلة مثل نظرية الحالة الثابتة (Steady State Theory)، التي تفترض أن الكون كان وسيبقى في حالة توسع دائم، وأن المادة تُخلق باستمرار بطريقة ما لتعويض كثافة الكون المتوسعة، ما يعني أن للكون أزلية وليس بداية.

من جهة أخرى، هناك انتقادات تتعلق بمشكلة "المتفردة"، وهي الحالة التي تصبح فيها قوانين الفيزياء عاجزة عن الوصف أو التنبؤ. ففي لحظة الانفجار العظيم تنهار النماذج الرياضية، ويختفي المعنى العلمي للزمان والمكان، مما يثير تساؤلات عن مدى علمية هذه اللحظة الأولى، ويترك مجالًا واسعًا للتأويل الميتافيزيقي أو حتى الديني. ولذلك، فإن بعض المفكرين يعتبرون أن نظرية الانفجار العظيم تلامس حدود العلم، وأنها تحتاج إلى "نموذج موحد" يدمج بين ميكانيكا الكم والنسبية العامة حتى نفهم اللحظات الأولى من عمر الكون بشكل أكثر اتساقًا.

ظهرت عدة نماذج بديلة تهدف إلى تجاوز أوجه القصور في نظرية الانفجار العظيم، من أبرزها نموذج التضخم الأبدي (eternal inflation)، الذي يرى أن الانفجار العظيم لم يكن البداية المطلقة، بل لحظة في سلسلة لا نهائية من "الأكوان المتعددة" (multiverse). وهناك أيضًا نظرية الكون الدوري (cyclic universe) التي تقول إن الكون يمر بدورات متتالية من الانفجار والانكماش (Big Bang / Big Crunch)، دون بداية ولا نهاية حقيقية.

أما في فلسفة العلم، فإن بعض المفكرين، مثل كارل بوبر، انتقدوا غياب القابلية للتكذيب (falsifiability) في بعض تفاصيل نظرية الانفجار العظيم، مشيرين إلى أنها أقرب إلى "سرد كوني" منه إلى نظرية علمية قابلة للاختبار الصارم. وذهب آخرون إلى أن الانبهار بجاذبية النظرية قد يخفي عنا الحاجة إلى المزيد من التفكير النقدي في افتراضاتها الأساسية.

إن نظرية الانفجار العظيم ليست مجرد قصة عن ولادة الكون، بل هي أيضًا مرآة تعكس تعقيد علاقة الإنسان بالكون وبالمعرفة. إنها تثير أسئلة وجودية تتجاوز حدود العلم: لماذا هناك شيء بدلًا من لا شيء؟ هل للكون غاية؟ وهل يمكن للعقل البشري أن يحيط بكل شيء؟ وبينما تواصل الفيزياء سعيها لفهم لحظة البدء، يظل الانفجار العظيم، في جوهره، رمزًا للدهشة والعجب أمام اتساع هذا الكون المذهل وتعقيده المهيب، في لحظة واحدة، احتشد كل شيء، وانبثق الزمن، وولد الوجود.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاتصالات التسويقية المتكاملة في عصر الذكاء الاصطناعي: بين ا ...
- التأويل في قبضة المعنى: نحو فهم حتمي للاتصال بوصفه فعلاً إنس ...
- الحياد الكربوني والجيوسياسة: من البيئة إلى ميزان القوى العال ...
- الشعبوية الخوارزمية: كيف تُعيد الخوارزميات تشكيل التعبئة الس ...
- فؤاد الدجوي: قاضٍ بثياب جندي... وبندقية في صدر الكلمة
- الخصم المشترك: كيف أعادت الهند تشكيل الشراكة الصينية الباكست ...
- مسار الفلسفة الأوروبية من عصر النهضة حتى نهاية القرن العشرين ...
- من الطاعة إلى الانهيار: تفكيك بنية الدولة الشمولية
- الميتافيزيقا الرقمية: التحول الوجودي في ظل الذكاء الاصطناعي
- الإعلان الذكي بين الخوارزمية والضمير: الإنسان في قبضة السوق ...
- الإعلان في عصر الذكاء الاصطناعي: التحولات الاقتصادية والآفاق ...
- الهيمنة بلا مدافع: الصين وامريكا في سباق القوة الناعمة
- زمن الواجهة: حين تصنع الصورة مصير المؤسسة في العالم العربي
- المواطن في قبضة الشاشة: كيف أعادت الرقمنة تشكيل وعينا السياس ...
- مناخ الصراع: نحو دبلوماسية بيئية شاملة لأمن عالمي مستدام
- أزمة العلم المتصدع: من اليقين التجريبي إلى سيولة المعرفة
- وداعاً للهاتف الذكي: بداية الوعي التكنولوجي الجديد
- الفردية والقلق الوجودي عند كيركجارد: قراءة فلسفية شاملة
- الحياد الكربوني والاقتصاد: من منطق الربح إلى منطق البقاء
- الخوارزمية والدبلوماسية: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل العلاقا ...


المزيد.....




- عوامل تعرضك لخطر الإصابة بالخرف والسكتات الدماغية.. تجنبها
- أسباب ظهور البقع الخشنة الجافة على الوجه وطرق العلاج
- حظك اليوم الأحد 15 حزيران/يونيو 2025‎‎‎‎‎‎‎
- هل يجب عليك أداء تمارين العقلة يوميًا؟.. اعرف فوائدها وآثاره ...
- أهمية العناية بصحة القدمين في الطقس الحار
- إسرائيل تستهدف محطة الطاقة النووية في أصفهان الإيرانية
- فى 4 أسئلة.. ما هو مرض اعتمام عدسة العين وكيفية علاجه
- أدوية وحالات صحية تسبب الإصابة بالذهان
- من مطبخك.. مشروبات صحية تخفف القلق والتوتر
- الحلقة 195.. موعد مسلسل المؤسس عثمان وتردد قناة الفجر الجزائ ...


المزيد.....

- هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟ / جواد بشارة
- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - حمدي سيد محمد محمود - الانفجار العظيم: من لحظة البدء إلى حدود المعنى