أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حمدي سيد محمد محمود - التأويل في قبضة المعنى: نحو فهم حتمي للاتصال بوصفه فعلاً إنسانيًا متجددًا














المزيد.....

التأويل في قبضة المعنى: نحو فهم حتمي للاتصال بوصفه فعلاً إنسانيًا متجددًا


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8369 - 2025 / 6 / 10 - 12:03
المحور: الصحافة والاعلام
    


د.حمدي سيد محمد محمود
تُعد النظرية الحتمية التأويلية في الاتصال إحدى المداخل المعرفية الحديثة التي تنتمي إلى الحقل التأويلي في الفلسفة والعلوم الاجتماعية، وقد برزت في سياق نقد النزعة الوضعية التي هيمنت طويلًا على دراسات الاتصال. تفترض هذه النظرية أن الفعل الاتصالي لا يمكن فهمه إلا في ضوء التأويل الثقافي والمعرفي الذي يمنحه الأفراد لما يُقال أو يُرسل من رموز، بمعنى أن عملية الاتصال ليست مجرد نقل خطي للمعلومات من مرسل إلى متلقٍ كما تفترض النماذج الكلاسيكية، بل هي سياق تأويلي تتقاطع فيه الرموز مع الأنساق الثقافية والمعرفية التي يحملها الأفراد داخل مجتمعاتهم.

تستند هذه النظرية إلى جذور فلسفية عميقة مستمدة من الفلسفة التأويلية (الهيرمينوطيقا)، خاصة عند هانس جورج غادامير، وبدرجة أقل من مارتن هايدغر وبول ريكور. وهي تقوم على أن الفهم البشري لا يتحقق إلا من خلال التفسير، وأن اللغة ليست مجرد وعاء محايد بل تُنتج المعنى من خلال التفاعل مع التجربة والخلفية التاريخية والثقافية للمتلقي. في هذا الإطار، يصبح الاتصال عملية ديناميكية، غير محايدة، تتسم بالتعدد والتأويل، وتختلف دلالاتها بتعدد المتلقين وسياقاتهم.

ترى النظرية الحتمية التأويلية أن الواقع الاتصالي ليس موضوعًا خارجيًا يُنقل كما هو، بل هو بناء اجتماعي يتشكل من خلال اللغة والتفاعل والتأويل. وهنا تبرز القطيعة المعرفية التي تُقيمها هذه النظرية مع الطروحات الوضعية التي تفترض أن المعنى مستقر وثابت، ويمكن قياسه وملاحظته تجريبيًا. فوفق المنظور التأويلي، المعنى ليس سابقًا للاتصال بل يتشكل عبره، وهو مرتهن بالمرجعيات الثقافية والاجتماعية التي تحكم طريقة تأويل الرسائل.

في ضوء ذلك، لا يُنظر إلى المتلقي بوصفه مستقبلًا سلبيًا للمعلومة، بل فاعلًا في إنتاج المعنى، يشارك في "خلق" الرسالة الاتصالية كما يشاء ويفهم. فمثلًا، الرسالة الإعلامية ذاتها قد تُستقبل بطرائق متعددة بناءً على عوامل مثل: الانتماء الطبقي، المعتقدات الدينية، التوجهات السياسية، التجارب الشخصية، والرموز الثقافية. وهذا ما يجعل الاتصال، وفق هذه النظرية، عملية تأويلية ذات طابع سياقي غير قابل للحتمية الميكانيكية.

يُعد التأويل جوهر العملية الاتصالية في منظور النظرية الحتمية التأويلية. فالمعنى لا يُفهم كما هو، بل يُعاد إنتاجه من خلال تفاعل ذات المتلقي مع النص أو الرسالة، وهو ما يعني أن الاتصال لا ينقل "المعنى" وإنما يُثير عملية إنتاجه. يتطلب هذا الفهم أخذ البعد التاريخي والثقافي للمتلقي بعين الاعتبار، لأن كل فهم للرسالة هو فهم مشروط بإرث ثقافي وتاريخي سابق، ما يُعرف في الفلسفة التأويلية بـ"أفق الفهم". وهكذا يصبح الفهم الاتصالي عملية اندماج بين أفق المرسل وأفق المتلقي، حيث لا توجد حقيقة واحدة وإنما تعددية في المعاني الممكنة.

امتدت النظرية الحتمية التأويلية إلى العديد من التطبيقات في بحوث الإعلام والاتصال، لا سيما في دراسات التلقي وتحليل الجمهور. فقد ساهمت هذه النظرية في تطوير مناهج نوعية تهتم بتفسير كيفية فهم الجماهير للرسائل الإعلامية وفق سياقاتهم الثقافية والاجتماعية. كما شكلت أساسًا مهمًا في تحليل الخطاب الإعلامي والسياسي والديني، إذ لا يُكتفى بتفكيك البنية اللغوية للنص، بل يُنظر إلى الفهم الناتج عنها كنتاج تفاعل معقد بين النص والمتلقي وسياق التلقي.

كذلك أثرت النظرية الحتمية التأويلية في الحقول المتقاطعة مثل الاتصال عبر الثقافات، حيث أبرزت مدى اختلاف تأويل الرسائل باختلاف المرجعيات الثقافية، ما يُعقّد عملية الفهم ويجعل من التواصل بين الثقافات تحديًا قائمًا على الاعتراف بتعدد الدلالات. أيضًا، في بحوث الإعلام البديل، وفّرت هذه النظرية أرضية لفهم كيف تعيد الجماعات المهمشة تأويل الرسائل السائدة بطريقة تقاومية تُفضي إلى إنتاج معانٍ بديلة.

رغم إسهام النظرية الحتمية التأويلية في تفكيك النزعة الحتمية التقنية والعقلانية للاتصال، إلا أنها واجهت عددًا من الانتقادات. فالبعض يرى أنها تُفرط في النسبية التأويلية، إلى الحد الذي تُفقد فيه الرسالة معناها الأصلي، وتصبح كل التأويلات صحيحة بنفس الدرجة، مما يُفضي إلى غياب أي معيار للحكم على صدقية الفهم أو دقته. كذلك، فإن التركيز المفرط على السياق قد يُغفل البنية التقنية للرسائل، والتي تلعب دورًا أساسيًا في توجيه التأويل، مثل طريقة الإخراج، الإيقاع، الصورة، والإيقاع اللغوي.

كما يشير نقاد آخرون إلى أن النظرية قد تُضعف من إمكانيات التعميم البحثي، بما أنها تعتمد على أدوات نوعية تعتمد على تفسير معاني متغيرة، مما يحدّ من إمكانية بناء نماذج عامة في علم الاتصال. ومع ذلك، فإن هذه المآخذ لا تلغي القيمة المعرفية للنظرية، بل تدفع نحو مزيد من التوازن بين التفسير الذاتي والمحددات البنائية واللغوية التي تؤطر عملية الاتصال.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحياد الكربوني والجيوسياسة: من البيئة إلى ميزان القوى العال ...
- الشعبوية الخوارزمية: كيف تُعيد الخوارزميات تشكيل التعبئة الس ...
- فؤاد الدجوي: قاضٍ بثياب جندي... وبندقية في صدر الكلمة
- الخصم المشترك: كيف أعادت الهند تشكيل الشراكة الصينية الباكست ...
- مسار الفلسفة الأوروبية من عصر النهضة حتى نهاية القرن العشرين ...
- من الطاعة إلى الانهيار: تفكيك بنية الدولة الشمولية
- الميتافيزيقا الرقمية: التحول الوجودي في ظل الذكاء الاصطناعي
- الإعلان الذكي بين الخوارزمية والضمير: الإنسان في قبضة السوق ...
- الإعلان في عصر الذكاء الاصطناعي: التحولات الاقتصادية والآفاق ...
- الهيمنة بلا مدافع: الصين وامريكا في سباق القوة الناعمة
- زمن الواجهة: حين تصنع الصورة مصير المؤسسة في العالم العربي
- المواطن في قبضة الشاشة: كيف أعادت الرقمنة تشكيل وعينا السياس ...
- مناخ الصراع: نحو دبلوماسية بيئية شاملة لأمن عالمي مستدام
- أزمة العلم المتصدع: من اليقين التجريبي إلى سيولة المعرفة
- وداعاً للهاتف الذكي: بداية الوعي التكنولوجي الجديد
- الفردية والقلق الوجودي عند كيركجارد: قراءة فلسفية شاملة
- الحياد الكربوني والاقتصاد: من منطق الربح إلى منطق البقاء
- الخوارزمية والدبلوماسية: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل العلاقا ...
- حروب الخوازميات: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل ميزان القوى ...
- الوحدة العربية: بين معطيات الواقع وإمكانات التحقق


المزيد.....




- المظاهرات بأمريكا تمتد لـ12 مدينة.. وخوارزميات وسائل التواصل ...
- -الجزيرة المباركة- باليمن..مصور يرصد مشاهد ساحرة لسماء الليل ...
- عشرات آلاف الكويتيين يجردون من جنسيتهم: إجراءات تعسفية ذات أ ...
- الإعلام العبري: مصر تخطط لاقتناء سرب ثالث من -رافال- وتصنيعه ...
- بيان جديد حول تخريب قطار الركاب في مصر
- ناسا تتخذ قرارا صادما يثير قلق المتابعين!
- كييف وأوديسا وخاركيف تحت النيران الروسية وأوكرانيا تستهدف م ...
- انفجار للغاز يودي بحياة شخصين في أرمينيا
- بوتين: التعليم يجب أن يخدم الحفاظ على الهوية الوطنية
- الجيش الروسي يصل إلى الحدود الغربية لجمهورية دونيتسك ويتقدم ...


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حمدي سيد محمد محمود - التأويل في قبضة المعنى: نحو فهم حتمي للاتصال بوصفه فعلاً إنسانيًا متجددًا