أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - حمدي سيد محمد محمود - المدن الذكية في العالم العربي: بين الحلم الرقمي والتحديات الحضارية














المزيد.....

المدن الذكية في العالم العربي: بين الحلم الرقمي والتحديات الحضارية


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8379 - 2025 / 6 / 20 - 13:48
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    


د.حمدي سيد محمد محمود
في ظل التحولات الرقمية العميقة التي يشهدها العالم في العقود الأخيرة، برز مفهوم المدن الذكية باعتباره أحد أبرز تجليات الثورة التكنولوجية في سياق التخطيط الحضري والتنمية المستدامة. فالمدينة الذكية لم تعد مجرد مساحة حضرية مزودة ببعض التقنيات المتقدمة، بل غدت نموذجًا شموليًا جديدًا في إدارة العمران والبنية التحتية والموارد والحوكمة والخدمات العامة. تقوم المدن الذكية على تكامل التقنيات الرقمية، الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، وتحليل البيانات الضخمة في سبيل خلق بيئة حضرية مستجيبة، مستدامة، وآمنة، تسعى إلى تعزيز جودة الحياة، وتسهيل التفاعل بين المواطن والدولة، وتقليل الفاقد والهدر في الموارد، وتكريس مفهوم المدينة المنتجة للمعرفة والقيمة.

ورغم أن هذا المفهوم نشأ وتطور في البيئات الغربية المتقدمة، إلا أن العالم العربي بدأ يشهد، منذ مطلع الألفية الثالثة، اهتمامًا متزايدًا بتطبيقات المدن الذكية، مدفوعًا بعوامل متعددة: منها الطموحات التنموية، والتحديات السكانية والبيئية، والرغبة في تجاوز أوجه القصور البنيوي في المرافق والبنية التحتية، فضلًا عن التنافس الجيوسياسي والإقليمي على الريادة التكنولوجية. وقد تجلّى هذا التوجه بوضوح في مشاريع ضخمة مثل مدينة "نيوم" في المملكة العربية السعودية، التي تُعد واحدة من أضخم المدن الذكية المخطط لها عالميًا، وتطمح إلى إعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والتقنية والبيئة. كما برزت تجارب أخرى مثل مدينة "مصدر" في أبو ظبي، التي تُصمم لتكون نموذجًا عالميًا في الاستدامة البيئية، ومدينة "الرباط الذكية" في المغرب، التي تسعى لتكريس مفاهيم الإدارة الرقمية في مجالات النقل والطاقة والإسكان.

إلا أن تطبيق هذا النموذج في السياق العربي لا يخلو من تحديات بنيوية ومعرفية وثقافية. إذ يواجه العديد من الدول العربية فجوة حادة في البنية التحتية التكنولوجية، وضعفًا في التشريعات الرقمية، وقصورًا في الثقافة التكنولوجية لدى شرائح واسعة من المواطنين، إلى جانب التحديات المرتبطة بالحوكمة الرشيدة، وشفافية البيانات، وضمان الخصوصية الفردية، وهي كلها مكونات أساسية لنجاح نموذج المدينة الذكية. ويضاف إلى ذلك أن بعض المشاريع، رغم ضخامتها، قد تعاني من نزعة شكلانية تتجاهل البعد الإنساني والاجتماعي، مما قد يؤدي إلى خلق مدن ذكية في الشكل لكنها منقطعة عن حاجات المواطن الحقيقية، وعن النسيج الثقافي والاجتماعي المحلي.

ومن جهة أخرى، فإن النجاح الحقيقي للمدن الذكية في العالم العربي يتطلب مقاربة متكاملة، لا تقتصر على إدخال التكنولوجيا فحسب، بل تشمل إعادة هيكلة منظومات التعليم، والتخطيط الحضري، والحكامة الرقمية، وتمكين المواطن من المشاركة في صنع القرار عبر أدوات رقمية تفاعلية. إن بناء مدينة ذكية حقيقية في العالم العربي يقتضي تجاوز النظرة الفوقية إلى التنمية، وتكريس مفهوم "الحق في المدينة"، حيث يصبح الإنسان – لا فقط التكنولوجيا – هو محور العملية الحضرية والتنموية.

وبين الفرص الكبيرة التي تتيحها المدن الذكية من حيث إدارة المرور، الطاقة، المياه، النفايات، والتعليم، والخدمات الصحية، تبرز ضرورة التأكيد على أن الذكاء الحضري لا يكمن في مدى انتشار الكاميرات أو السرعة في التحول الرقمي، بل في قدرة المدينة على توليد حلول مبتكرة لمشكلاتها المتراكمة، وفي تحقيق العدالة الحضرية والاجتماعية من خلال أدوات ذكية. ولعل السؤال الجوهري الذي ينبغي أن يُطرح في هذا السياق هو: هل نمتلك رؤية عربية محلية للمدن الذكية تعبّر عن أولوياتنا الثقافية والاجتماعية والسياسية، أم أننا نكتفي بتكرار نماذج غربية لا تنتمي إلى بيئتنا؟

في النهاية، فإن بناء المدن الذكية في العالم العربي ليس مجرد مشروع عمراني ضخم، بل هو مشروع حضاري-معرفي شامل يتطلب إرادة سياسية، واستثمارًا في رأس المال البشري، وتوازنًا بين الطموح التكنولوجي والواقع الاجتماعي. وبين التحديات والفرص، تظل المدن الذكية في العالم العربي رهانًا استراتيجيًا على المستقبل، إما أن يُعيد تشكيل العلاقة بين المواطن والدولة، أو أن يتحول إلى مشهد رمزي للحداثة دون مضمون حقيقي.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكاء الاصطناعي في المشهد الاتصالي: من أداة مساندة إلى لاعب ...
- الرقمنة الكبرى: تحولات الثقافة والاتصال في زمن الذكاء الاصطن ...
- من غزة إلى طهران: إسرائيل في مواجهة أعداء العقيدة والخرائط
- صعود المؤثرين: قادة الرأي في زمن الخوارزميات
- صناع الوعي: الفلاسفة الذين أعادوا تشكيل العالم
- الانفجار العظيم: من لحظة البدء إلى حدود المعنى
- الاتصالات التسويقية المتكاملة في عصر الذكاء الاصطناعي: بين ا ...
- التأويل في قبضة المعنى: نحو فهم حتمي للاتصال بوصفه فعلاً إنس ...
- الحياد الكربوني والجيوسياسة: من البيئة إلى ميزان القوى العال ...
- الشعبوية الخوارزمية: كيف تُعيد الخوارزميات تشكيل التعبئة الس ...
- فؤاد الدجوي: قاضٍ بثياب جندي... وبندقية في صدر الكلمة
- الخصم المشترك: كيف أعادت الهند تشكيل الشراكة الصينية الباكست ...
- مسار الفلسفة الأوروبية من عصر النهضة حتى نهاية القرن العشرين ...
- من الطاعة إلى الانهيار: تفكيك بنية الدولة الشمولية
- الميتافيزيقا الرقمية: التحول الوجودي في ظل الذكاء الاصطناعي
- الإعلان الذكي بين الخوارزمية والضمير: الإنسان في قبضة السوق ...
- الإعلان في عصر الذكاء الاصطناعي: التحولات الاقتصادية والآفاق ...
- الهيمنة بلا مدافع: الصين وامريكا في سباق القوة الناعمة
- زمن الواجهة: حين تصنع الصورة مصير المؤسسة في العالم العربي
- المواطن في قبضة الشاشة: كيف أعادت الرقمنة تشكيل وعينا السياس ...


المزيد.....




- إيران تقدم 3 -مطالب- لعقد مباحثات مباشرة مع أمريكا
- الخارجية الأمريكية: مئات المواطنين فروا من إيران وآخرون يواج ...
- إسرائيل تقصف منصات ومستودعات صواريخ غرب ووسط إيران
- غزة.. عشرات القتلى بنيران إسرائيلية وتحذير من الجفاف
- ترامب يرد على سؤال حول إمكانية إرسال قوات برية في حالة التدخ ...
- قاضٍ أميركي يأمر بالإفراج عن الناشط المؤيد لفلسطين محمود خلي ...
- إيران تستهدف إسرائيل بصواريخ ثقيلة وتطلق مسيرة على خليج حيفا ...
- بوتين: روسيا تبني لإيران مفاعلين نوويين إضافيين في بوشهر
- من المسؤولة الأميركية التي كذبها ترامب وماذا قالت عن إيران؟ ...
- إسرائيل: أخّرنا إمكانية امتلاك إيران سلاحا نوويا سنتين أو 3 ...


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - حمدي سيد محمد محمود - المدن الذكية في العالم العربي: بين الحلم الرقمي والتحديات الحضارية