أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - من غزة إلى طهران: إسرائيل في مواجهة أعداء العقيدة والخرائط















المزيد.....

من غزة إلى طهران: إسرائيل في مواجهة أعداء العقيدة والخرائط


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8376 - 2025 / 6 / 17 - 00:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
منذ اللحظة التي قررت فيها إسرائيل شنّ هجوم خاطف على أهداف سيادية إيرانية، بدا وكأن المنطقة على وشك الدخول في مرحلة جديدة من التاريخ الدموي للشرق الأوسط. لم يكن هذا الهجوم مفاجئًا من حيث بنيته، لكنه مثّل قفزة نوعية في منطق المغامرة العسكرية الذي طالما اعتمدته تل أبيب، حيث تجاوز الاستهداف الميداني إلى اغتيال رموز استراتيجية في قلب إيران، من علماء نوويين إلى قادة عسكريين، في توقيت بدا وكأنه مُغلفٌ بخدعة تفاوضية أرادت من خلالها واشنطن والإسرائيليون تمرير مشروع تصفية البرنامج النووي الإيراني تحت ستار الحلول السياسية. غير أن ما لم تحسبه إسرائيل بدقة، هو أن إيران التي لطالما اعتمدت سياسة الصبر الاستراتيجي، باتت أكثر استعدادًا من أي وقت مضى للرد العنيف، المدروس، والمباغت.

جاء الرد الإيراني على نحو غير مسبوق في حجمه ودقته. مئات الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية تجاوزت شبكات الدفاع الإسرائيلية المعقدة، وأصابت مواقع حساسة، بل أسقطت طائرة "إف-35" أميركية الصنع، لتُعلن للعالم أن التفوق الجوي الإسرائيلي لم يعد مطلقًا، وأن عصر القبة الحديدية التي لا تُخترق قد ولّى. في تلك اللحظة، بدأت تتهاوى الأساطير التي بنتها إسرائيل حول نفسها، وبدأ الداخل الإسرائيلي يعيش مشاعر من الذعر الوجودي، فالأراضي التي كانت تُعتبر في الماضي بعيدة عن متناول النيران أصبحت اليوم في مرمى الردع الإيراني.

وفي خضم هذا التصعيد، أطلق بنيامين نتنياهو تصريحات نارية قال فيها إن "القضاء على حكم الملالي في إيران يمثل ضرورة تاريخية لحماية الحضارة الغربية"، مضيفًا أن "ما فعله في طهران لن يختلف كثيرًا عمّا يسعى لتحقيقه في غزة: إنهاء وجود منظمات الكراهية"، في إشارة إلى حماس. لقد انكشف منطق الحرب الإسرائيلية القائم على خوض المعارك الاستباقية بهدف إسقاط الأنظمة المعادية، غير أن هذه العقيدة باتت اليوم أكثر هشاشة أمام معادلة الردع الجديدة التي تفرضها طهران على الأرض.

المواقف الدولية لم تتأخر في التفاعل مع هذه المواجهة. في الغرب، بدا الارتباك واضحًا. واشنطن، التي دعمت لوجستيًا الضربة الأولى، سارعت إلى إعلان النفي السياسي، مؤكدة عبر وزارة خارجيتها أنها لم تكن جزءًا من قرار التصعيد، رغم أن التسريبات كشفت عن وجود تنسيق عسكري مسبق بين البنتاغون والجيش الإسرائيلي. في حين دعا وزير الخارجية الأميركي إلى وقف فوري للتصعيد، محذرًا من انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة تهدد المصالح الأميركية وحلفاءها في الخليج. أما الكونغرس، فقد شهد انقسامًا حادًا بين داعمي إسرائيل التقليديين، وبين أصوات جديدة عبّرت عن قلقها من "تورط واشنطن في حروب الآخرين"، فيما صرح الرئيس السابق دونالد ترامب بأن "إسرائيل قد تكون قدمت خدمة مجانية بتوجيهها هذه الضربة، لكن حسابات الحرب لا تُبنى على الغطرسة".

الأوروبيون من جهتهم تبنوا مواقف أكثر تحفظًا. فرنسا وألمانيا عبّرتا عن قلقهما من انهيار الاستقرار الإقليمي، ودعتا إلى العودة إلى المسار الدبلوماسي. أما إيرلندا والنرويج وإسبانيا، فقد أصدرت بيانات صريحة تدين الهجوم الإسرائيلي، وتدعو إلى محاسبة تل أبيب على خرقها للقانون الدولي، في سابقة أوروبية تشير إلى تراجع الدعم التلقائي لإسرائيل.

في المقابل، أظهرت قوى كبرى دعمًا واضحًا لإيران. الصين أعلنت أن الهجوم الإسرائيلي يُعد انتهاكًا صارخًا لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، ودعت إلى احترام المبادئ الدولية وعدم الانجرار خلف "التحريض الأميركي". روسيا اعتبرت أن الضربات قد تؤدي إلى انهيار الأمن العالمي، وأكدت على دعمها لحق إيران في الدفاع عن نفسها، مع عرض للوساطة السياسية لوقف الحرب. أما باكستان، فقد عبّرت عن تضامنها الكامل مع طهران، محذرة من تبعات التصعيد على العالم الإسلامي، في حين أصدرت كوريا الشمالية بيانًا شديد اللهجة أدانت فيه "العدوان الصهيوني-الإمبريالي"، معلنة دعمها الكامل للقيادة الإيرانية.

الموقف العربي كان لافتًا، إذ بدا أن التحولات الجيوسياسية الأخيرة بدأت تؤتي أكلها. فقد أبدى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، موقفًا متوازنًا ومفاجئًا، حين أعرب عن قلقه من الهجوم على إيران، داعيًا إلى التهدئة، ومؤكدًا أن "الأمن الإقليمي لا يمكن أن يتحقق عبر صواريخ طويلة المدى، بل بالحوار الطويل النفس". العراق والجزائر وقطر وسلطنة عمان أصدرت بيانات إدانة للهجوم الإسرائيلي، فيما فضّلت الإمارات والأردن ومصر الالتزام بمواقف ضبابية تدعو إلى ضبط النفس دون الدخول في التفاصيل. هذا التباين في المواقف العربية يعكس تحوّلًا تدريجيًا في الأولويات، وميلاً نحو التخفف من أعباء التحالف مع إسرائيل في ظل تنامي النفوذ الإيراني والتركي والروسي في المنطقة.

الآن، والعالم يرقب عن كثب تطورات هذا الصراع، تتجه الأنظار نحو سيناريوهات المستقبل. أول هذه السيناريوهات يتمثل في انزلاق الجانبين إلى حرب شاملة لا تُبقي ولا تذر، وهو الاحتمال الأخطر، خصوصًا إذا قررت إيران توسيع دائرة الرد ليشمل القواعد الأميركية في الخليج أو فتح جبهة الجنوب اللبناني عبر حزب الله، أو إشراك الحوثيين في معادلة النار. أما السيناريو الثاني، فيقوم على احتواء التصعيد من خلال وساطات دولية، قد تقودها روسيا أو الصين، بهدف التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار يفرض على إسرائيل الاعتراف بمعادلة الردع الجديدة، ويمنح إيران شرعية دفاعية غير مسبوقة. أما السيناريو الثالث، فهو حرب طويلة منخفضة الشدة، تستنزف الطرفين على المدى البعيد، وتؤسس لتحوّل جذري في ميزان القوة الإقليمي، تكون فيه إسرائيل في موقع الدفاع للمرة الأولى منذ عقود.

مهما تكن نتيجة هذه الحرب، فإن المشهد الإقليمي لم يعد كما كان. إسرائيل التي كانت تصدر الحرب إلى الخارج، باتت تعيشها في الداخل. وإيران التي لطالما لعبت دور الضحية المحاصرة، صارت اليوم لاعبًا إقليميًا يُحسب له ألف حساب. في هذه اللحظة المفصلية، يبدو أن الشرق الأوسط يقف على أعتاب عصر جديد… لا مكان فيه للغطرسة الأحادية، ولا للأمن المجاني.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صعود المؤثرين: قادة الرأي في زمن الخوارزميات
- صناع الوعي: الفلاسفة الذين أعادوا تشكيل العالم
- الانفجار العظيم: من لحظة البدء إلى حدود المعنى
- الاتصالات التسويقية المتكاملة في عصر الذكاء الاصطناعي: بين ا ...
- التأويل في قبضة المعنى: نحو فهم حتمي للاتصال بوصفه فعلاً إنس ...
- الحياد الكربوني والجيوسياسة: من البيئة إلى ميزان القوى العال ...
- الشعبوية الخوارزمية: كيف تُعيد الخوارزميات تشكيل التعبئة الس ...
- فؤاد الدجوي: قاضٍ بثياب جندي... وبندقية في صدر الكلمة
- الخصم المشترك: كيف أعادت الهند تشكيل الشراكة الصينية الباكست ...
- مسار الفلسفة الأوروبية من عصر النهضة حتى نهاية القرن العشرين ...
- من الطاعة إلى الانهيار: تفكيك بنية الدولة الشمولية
- الميتافيزيقا الرقمية: التحول الوجودي في ظل الذكاء الاصطناعي
- الإعلان الذكي بين الخوارزمية والضمير: الإنسان في قبضة السوق ...
- الإعلان في عصر الذكاء الاصطناعي: التحولات الاقتصادية والآفاق ...
- الهيمنة بلا مدافع: الصين وامريكا في سباق القوة الناعمة
- زمن الواجهة: حين تصنع الصورة مصير المؤسسة في العالم العربي
- المواطن في قبضة الشاشة: كيف أعادت الرقمنة تشكيل وعينا السياس ...
- مناخ الصراع: نحو دبلوماسية بيئية شاملة لأمن عالمي مستدام
- أزمة العلم المتصدع: من اليقين التجريبي إلى سيولة المعرفة
- وداعاً للهاتف الذكي: بداية الوعي التكنولوجي الجديد


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يرصد دفعة صواريخ إيرانية جديدة.. وموسوى يدع ...
- -لا تحاولون العودة-.. الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا عاجلا إلى ...
- هل ينجر ترامب لحرب إسرائيل ضد إيران؟
- مصدر أمني إيراني: طهران على تواصل مع موسكو وتعول على دور روس ...
- الخارجية الروسية: حياة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ف ...
- الرئيس الإسرائيلي يزور معهد -وايزمان- المتضرر جراء القصف الإ ...
- -سي إن إن- ترجح ميل ترامب لاستخدام القوات الأمريكية لضرب الم ...
- باكستان تجلي عائلات الدبلوماسيين من إيران والبعثات لا تزال م ...
- الجيش الإيراني يعلن تدمير 28 هدفا إسرائيليا معاديا خلال الـ ...
- مباحثات مصرية أمريكية إيرانية لوقف التصعيد بين طهران وتل أبي ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - من غزة إلى طهران: إسرائيل في مواجهة أعداء العقيدة والخرائط