أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - صناع الوعي: الفلاسفة الذين أعادوا تشكيل العالم














المزيد.....

صناع الوعي: الفلاسفة الذين أعادوا تشكيل العالم


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8371 - 2025 / 6 / 12 - 13:28
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


د.حمدي سيد محمد محمود
في زمن تتسارع فيه وتيرة الأحداث وتغمرنا الفوضى المعرفية، تظل الفلسفة الملاذ الأكثر أصالة للإنسان الباحث عن المعنى، والنور الكاشف خلف ظواهر الواقع المعتمة. يأتي كتاب "أعظم فلاسفة غيروا العالم" لمؤلفيه جيريمي ستانكروم وجيمس كارفي كوثيقة فكرية نابضة بالحياة، تستعرض الإرث الخالد لعقول صنعت التاريخ، وزرعت أسس الفكر النقدي والنهضة والتحرر في ضمير البشرية. إنه أكثر من مجرد عرض لسير ذاتية أو تلخيص لأفكار، إنه رحلة عميقة في الوعي الإنساني عبر مسارات الفلسفة التي أعادت تشكيل العالم من جذوره، ومساءلة حادة للوجود، والمعرفة، والسلطة، والحرية، والأخلاق.

ينبثق الكتاب من رؤية تنويرية شاملة، تتجاوز السرديات التقليدية التي تتناول الفلاسفة كمجرد أصنام فكرية، بل تسعى لتقديمهم كذوات ثائرة، متصارعة، تمردت على السائد، وسعت إلى إعادة تعريف العالم من جديد. منذ سقراط، الذي جاب شوارع أثينا كشوكة في حلق السلطة والدهماء، وحتى ميشيل فوكو، الذي مزّق أوهام الحقيقة بإزميل حفرياته الجذرية؛ يسلك الكتاب مسارًا يجمع بين العمق التأريخي، والتحليل الفكري، والتشريح الثقافي. كل فصل من فصوله هو نافذة مشرعة على مشروع فلسفي، وعلى عقل غيّر مجرى التاريخ، لا بالكلمات فحسب، بل بإعادة صوغ الأسئلة الكبرى: من نحن؟ ماذا يعني أن نكون أحرارًا؟ هل الحقيقة ممكنة؟ وما حدود السلطة في تشكيل وعينا؟

يعتمد ستانكروم وكارفي منهجًا جدليًا يربط بين الفيلسوف وزمنه، بين النص والسياق، وبين المفهوم والتحول التاريخي، متفاديين السقوط في النزعة التبجيلية أو النزعة التفكيكية القاحلة. فهم يقرأون أفلاطون في ضوء معضلة المثالية والسلطة، ويعيدون ديكارت إلى سياق الشك وبناء الذات الحداثية، ويستحضرون كانط كجسر فلسفي بين الميتافيزيقا والتنوير الأخلاقي. أما نيتشه، فيظهر كصوت متمرد على العقل، مشاكس للضمير الأوروبي، ممهدٍ لما بعد الحداثة، في حين يُستدعى كارل ماركس بوصفه الفيلسوف الذي أمسك بالعالم لا ليفسره فقط، بل ليقلبه رأسًا على عقب.

ولعل ما يميز الكتاب هو قدرته على تقديم هؤلاء الفلاسفة لا كمجرّد نجومٍ فكرية، بل كقوى حية تصارع فينا اليوم: إن هيغل لا يزال يحكم تفكيرنا في التاريخ؛ وجون ستيوارت ميل يطرح معضلات الليبرالية الحديثة؛ وهيدغر يوقظ فينا هواجس الأصالة والكينونة؛ أما سيمون دي بوفوار وحنة آرندت فتنتصران للفكر النسوي والسياسي في قلب عالم مأزوم بالذكورية والشمولية.

الكتاب ليس مجرد دليل فلسفي، بل بيان وجودي ضد النسيان، تذكير بأن الفكر ليس رفاهية نخبوية، بل ضرورة للتحرر الفردي والجماعي. إنه يضيء كيف أن الفلاسفة الحقيقيين لم يكونوا يومًا بعيدين عن ساحات الصراع، بل كانوا غالبًا في قلب المعركة؛ يواجهون السجون والنفي والتكفير، لا لأنهم عرفوا أكثر، بل لأنهم تجرؤوا على التفكير بجرأة.

في عالم اليوم، حيث يهيمن السطح ويخفت العمق، حيث تُختزل الحكمة في تغريدة أو مقطع قصير، يأتي هذا الكتاب كصرخة في وجه التبسيط، ودعوة إلى العودة إلى الجذور الفلسفية التي صنعت الإنسان الحديث. إنه يُعيد الاعتبار لسلطة السؤال، ولجمالية التفكير، ولشجاعة من سلكوا درب الحقيقة رغم العتمة. ومن خلال لغته الواضحة، وتحليله المتقن، وسرده المتوازن، يصبح هذا العمل مرجعًا لا غنى عنه، ليس فقط لدارسي الفلسفة، بل لكل من يتوق إلى فهم الذات والعالم والتاريخ بلغة الحفر العميق، لا المعلومة العائمة.

إن "أعظم فلاسفة غيروا العالم" ليس كتابًا تقرأه فقط، بل كتاب يقرأك، ويوقظ فيك شوقًا قديمًا للمعرفة، ويضعك في مواجهة نفسك قبل أن تضع نفسك في مواجهة العالم. إن أعظم ما فعله هذا الكتاب أنه يذكّرنا بأن الفلاسفة لا يموتون، بل يتجسدون من جديد في كل من تساءل بصدق عن الحياة، والحرية، والمصير.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانفجار العظيم: من لحظة البدء إلى حدود المعنى
- الاتصالات التسويقية المتكاملة في عصر الذكاء الاصطناعي: بين ا ...
- التأويل في قبضة المعنى: نحو فهم حتمي للاتصال بوصفه فعلاً إنس ...
- الحياد الكربوني والجيوسياسة: من البيئة إلى ميزان القوى العال ...
- الشعبوية الخوارزمية: كيف تُعيد الخوارزميات تشكيل التعبئة الس ...
- فؤاد الدجوي: قاضٍ بثياب جندي... وبندقية في صدر الكلمة
- الخصم المشترك: كيف أعادت الهند تشكيل الشراكة الصينية الباكست ...
- مسار الفلسفة الأوروبية من عصر النهضة حتى نهاية القرن العشرين ...
- من الطاعة إلى الانهيار: تفكيك بنية الدولة الشمولية
- الميتافيزيقا الرقمية: التحول الوجودي في ظل الذكاء الاصطناعي
- الإعلان الذكي بين الخوارزمية والضمير: الإنسان في قبضة السوق ...
- الإعلان في عصر الذكاء الاصطناعي: التحولات الاقتصادية والآفاق ...
- الهيمنة بلا مدافع: الصين وامريكا في سباق القوة الناعمة
- زمن الواجهة: حين تصنع الصورة مصير المؤسسة في العالم العربي
- المواطن في قبضة الشاشة: كيف أعادت الرقمنة تشكيل وعينا السياس ...
- مناخ الصراع: نحو دبلوماسية بيئية شاملة لأمن عالمي مستدام
- أزمة العلم المتصدع: من اليقين التجريبي إلى سيولة المعرفة
- وداعاً للهاتف الذكي: بداية الوعي التكنولوجي الجديد
- الفردية والقلق الوجودي عند كيركجارد: قراءة فلسفية شاملة
- الحياد الكربوني والاقتصاد: من منطق الربح إلى منطق البقاء


المزيد.....




- فيديو ما قاله محمد بن سلمان عن -إيران العام 2025- بتصريح يعو ...
- السعودية.. توجيه ملكي بعد عرض محمد بن سلمان عن حجاج إيران بع ...
- مراسل CNN يتفاجىء بسقوط صاروخ بالقرب منه في إسرائيل.. شاهد ر ...
- الأردن يعلن فتح أجوائه أمام حركة الطيران المدني
- وكالة الطاقة الذرية الإيرانية: الأضرار في منشأة نطنز سطحية ...
- ضربات إسرائيل على إيران تُربك مؤتمر -حل الدولتين-
- في اتصالات عاجلة.. ولي العهد السعودي يحاور قادة أوروبا بشأن ...
- الأردن.. سقوط أجسام جوية في عدد من مناطق المملكة (فيديوهات) ...
- مادورو يدعو شعب إسرائيل إلى وقف العدوان على إيران وفلسطين
- الأردن يعلن فتح أجوائه أمام حركة الطيران المدني


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - صناع الوعي: الفلاسفة الذين أعادوا تشكيل العالم