أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حمدي سيد محمد محمود - صعود المؤثرين: قادة الرأي في زمن الخوارزميات














المزيد.....

صعود المؤثرين: قادة الرأي في زمن الخوارزميات


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8374 - 2025 / 6 / 15 - 12:01
المحور: الصحافة والاعلام
    


د.حمدي سيد محمد محمود
في ظل التحولات العميقة التي شهدها المشهد الاتصالي المعاصر، أعادت مواقع التواصل الاجتماعي تشكيل ملامح السلطة الرمزية والمعرفية في المجتمع، فاتحةً الباب أمام فئة جديدة من الفاعلين عُرفوا بـ"المؤثرين الرقميين". هؤلاء لم يعودوا مجرد مستخدمين نشطين، بل أصبحوا بمثابة شخصيات عامة ذات حضور لافت وتأثير مباشر على الرأي العام والسلوك الاجتماعي. من خلال متابعات جماهيرية واسعة النطاق، وباستخدام أدوات مرئية وسردية جذابة، تمكن المؤثرون من احتلال مواقع متقدمة في تشكيل الذوق العام، توجيه الأنماط الاستهلاكية، وحتى التأثير على القناعات السياسية والاجتماعية، ما يثير سؤالًا جوهريًا حول ما إذا كان هؤلاء المؤثرون هم فعلاً قادة الرأي الجدد في العصر الرقمي.

يُحيلنا هذا التساؤل إلى النظرية التقليدية لـ"قادة الرأي" كما طُورت في بحوث الاتصال الكلاسيكية مثل نموذج "تدفق الاتصال ذي الخطوتين" (Two-Step Flow of Communication) لبول لازارسفيلد وإيليهو كاتز، والذي افترض أن التأثير الإعلامي لا يتم بشكل مباشر من الوسيلة إلى الجمهور، بل عبر "قادة رأي" يتمتعون بمكانة اجتماعية ومعرفية معينة داخل دوائرهم. لكن في العصر الرقمي، باتت هذه الفرضية بحاجة إلى إعادة نظر، فالمؤثرون اليوم لا يستمدون سلطتهم الرمزية من مؤهلات علمية أو خبرة مهنية، بل من قدرتهم على إنتاج محتوى جذاب، مستمر، وسهل الانتشار. إنهم يصنعون ثقتهم لا من خلال المعرفة المتخصصة، بل من خلال الحضور اليومي، التفاعل المباشر، وبناء علاقات شخصية افتراضية مع متابعيهم، وهو ما يجعل تأثيرهم أكثر "عاطفية" و"شخصنة" من قادة الرأي التقليديين.

ورغم ذلك، فإن هذا الصعود السريع للمؤثرين لا يخلو من الإشكاليات. فغياب المساءلة المهنية، واندماج المحتوى الإعلاني بالمحتوى الشخصي، وغلبة الثقافة الاستهلاكية، كلها عوامل جعلت من بعض المؤثرين أدوات غير نقدية في أيدي الرأسمالية الرقمية، يكرسون أنماط تفكير استهلاكية وسطحية بدلًا من إثارة النقاش العام البنّاء أو توجيه الرأي العام نحو قضايا جوهرية. علاوة على ذلك، فإن سيطرة خوارزميات المنصات الرقمية على انتشار المحتوى تمنح الأفضلية ليس للقيمة المعرفية أو الأخلاقية، بل لما يثير الانفعال والجدل، مما يُضعف دور المؤثرين كوسطاء عقلانيين، ويجعلهم أقرب إلى "مديري انتباه" (attention managers) لا إلى قادة رأي بالمعنى التقليدي للكلمة.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن بعض المؤثرين الرقميين قد نجحوا في لعب أدوار حقيقية في التغيير المجتمعي، سواء في حملات التوعية الصحية، أو في الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان، أو في كشف الفساد أو الترويج لقيم بيئية وإنسانية. هؤلاء ينتمون إلى نمط جديد من قادة الرأي الذين لا يرتكزون على المؤسسات التقليدية كالأحزاب أو الجامعات أو الصحف، بل على الديناميكية الرقمية ومهارات التفاعل والتأثير والتأطير السردي. لقد أصبح "القائد الرقمي" الجديد هو من يتقن اللعبة الخوارزمية، ويستثمر في بناء "براند شخصي"، ويستطيع تحريك مشاعر الجمهور وتوجيههم من خلال خطاب متعدد الوسائط لا يخاطب العقول فقط، بل المشاعر والانتماءات والهويات.

في المحصلة، يمكن القول إن المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي هم بالفعل في طريقهم ليكونوا قادة الرأي الجدد، ولكن ليس على النحو الذي عرفناه سابقًا، بل وفق معايير جديدة تُعيد تعريف القيادة في ظل اقتصاد الانتباه وثقافة البصريات الرقمية. فهم ليسوا بالضرورة حَمَلة للمعرفة أو للحقيقة، بل وسطاء لتدفقات لا نهائية من المعلومات والانفعالات. وهنا يكمن التحدي الأكبر: كيف يمكن استثمار هذا التأثير الهائل في بناء رأي عام نقدي ومستنير، بدلًا من تركه رهينة لعالم من الإثارة اللحظية والتأثير الخوارزمي السطحي؟



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صناع الوعي: الفلاسفة الذين أعادوا تشكيل العالم
- الانفجار العظيم: من لحظة البدء إلى حدود المعنى
- الاتصالات التسويقية المتكاملة في عصر الذكاء الاصطناعي: بين ا ...
- التأويل في قبضة المعنى: نحو فهم حتمي للاتصال بوصفه فعلاً إنس ...
- الحياد الكربوني والجيوسياسة: من البيئة إلى ميزان القوى العال ...
- الشعبوية الخوارزمية: كيف تُعيد الخوارزميات تشكيل التعبئة الس ...
- فؤاد الدجوي: قاضٍ بثياب جندي... وبندقية في صدر الكلمة
- الخصم المشترك: كيف أعادت الهند تشكيل الشراكة الصينية الباكست ...
- مسار الفلسفة الأوروبية من عصر النهضة حتى نهاية القرن العشرين ...
- من الطاعة إلى الانهيار: تفكيك بنية الدولة الشمولية
- الميتافيزيقا الرقمية: التحول الوجودي في ظل الذكاء الاصطناعي
- الإعلان الذكي بين الخوارزمية والضمير: الإنسان في قبضة السوق ...
- الإعلان في عصر الذكاء الاصطناعي: التحولات الاقتصادية والآفاق ...
- الهيمنة بلا مدافع: الصين وامريكا في سباق القوة الناعمة
- زمن الواجهة: حين تصنع الصورة مصير المؤسسة في العالم العربي
- المواطن في قبضة الشاشة: كيف أعادت الرقمنة تشكيل وعينا السياس ...
- مناخ الصراع: نحو دبلوماسية بيئية شاملة لأمن عالمي مستدام
- أزمة العلم المتصدع: من اليقين التجريبي إلى سيولة المعرفة
- وداعاً للهاتف الذكي: بداية الوعي التكنولوجي الجديد
- الفردية والقلق الوجودي عند كيركجارد: قراءة فلسفية شاملة


المزيد.....




- ترامب يدعو لاتفاق سلام بين إيران وإسرائيل: -الاتصالات جارية- ...
- ما مدى انخراط أمريكا في العملية الإسرائيلية ضد إيران؟ مراسلة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل تقليص قواته من غزة لدعم الجبهة ضد إير ...
- هل خدع نتنياهو ترامب في الحرب ضد إيران؟
- ماكرون يصل غرينلاند لتعزيز الدعم الأوروبي للدنمارك
- إسرائيل تمدد حالة الطوارئ حتى نهاية يونيو
- مصادر دبلوماسية عربية تتحدث عن تحرك سعودي عاجل لإعادة إيران ...
- ترامب: قد نتدخل لمساعدة إسرائيل في القضاء على البرنامج النوو ...
- الحرس الثوري الإيراني يعلن إلغاء مراسم تشييع قتلى الضربات ال ...
- الدفاع الروسية: استهداف مركز قيادة أوكراني بصاروخ إسكندر قرب ...


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حمدي سيد محمد محمود - صعود المؤثرين: قادة الرأي في زمن الخوارزميات