أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - التحالفات المرتبكة: الحرب الإسرائيلية الإيرانية تحت مجهر السياسة الدولية















المزيد.....

التحالفات المرتبكة: الحرب الإسرائيلية الإيرانية تحت مجهر السياسة الدولية


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8380 - 2025 / 6 / 21 - 04:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د حمدي سيد محمد محمود
تُعدّ الحرب الإسرائيلية الإيرانية منعطفًا استراتيجيًا بالغ الحساسية في النظام الدولي، إذ تتشابك فيها مصالح القوى الكبرى والإقليمية ضمن شبكة معقدة من التحالفات والمخاوف والتوازنات. ولكل طرف من الأطراف الدولية والإقليمية المحددة (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الصين، روسيا، والدول العربية) اعتبارات جوهرية ترسم ملامح موقفه من هذه الحرب، بعضها مرتبط بأمن الطاقة، والبعض الآخر بصراع النفوذ، وآخر باعتبارات أيديولوجية أو جيوسياسية أو حتى داخلية.

الموقف الأميركي من الحرب الإسرائيلية الإيرانية تحكمه مجموعة من المحددات الصلبة والمتغيرة. على رأس هذه المحددات، يأتي الالتزام التاريخي والثابت بدعم إسرائيل عسكريًا وأمنيًا وسياسيًا، وهو التزام مؤسس على اعتبارات أيديولوجية داخلية، تتعلق بتأثير جماعات الضغط الصهيوني في الداخل الأميركي، وتحالف اليمين الإنجيلي مع اللوبي الإسرائيلي، فضلًا عن رؤية الدولة العميقة في واشنطن لإسرائيل كركيزة استراتيجية للنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط. إلى جانب ذلك، تسعى الولايات المتحدة إلى تطويق النفوذ الإيراني الإقليمي الذي تعتبره تهديدًا مزدوجًا لحلفائها في الخليج وللمصالح الأميركية في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وبالتالي، فإن واشنطن تميل إلى دعم إسرائيل في ضرب منشآت إيران النووية أو البُنى التحتية العسكرية للحرس الثوري أو فيلق القدس، في إطار استراتيجية "الاحتواء المتقدم". ومع ذلك، لا تخلو المقاربة الأميركية من حدود أو ترددات، إذ تُولي واشنطن أهمية كبرى لمنع انزلاق الحرب إلى مواجهة إقليمية شاملة قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، وتضر بالاقتصاد العالمي، وتحرج الإدارة الأميركية داخليًا في موسم الانتخابات، كما تخشى من دفع طهران إلى اتخاذ قرارات أكثر تطرفًا، كإغلاق مضيق هرمز أو تسريع البرنامج النووي.

أما الاتحاد الأوروبي، فيقف على مسافة أكثر حذرًا وتعقيدًا من هذه الحرب. تحدد مواقف العواصم الأوروبية الكبرى، كفرنسا وألمانيا، ثلاثية من الاعتبارات: الأمن الإقليمي، والملف النووي الإيراني، وأمن الطاقة. تسعى أوروبا للحفاظ على اتفاق فيينا النووي بوصفه ركيزة لمنع إيران من حيازة سلاح نووي، وقد كانت دائمًا طرفًا وسيطًا في المفاوضات بين طهران وواشنطن. ومن هذا المنطلق، تنظر أوروبا بعين القلق لأي تصعيد قد يدفع إيران إلى إنهاء تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما تعتمد دول أوروبا الشرقية والغربية بشكل متفاوت على النفط والغاز القادمين من الخليج وإيران، وتخشى من أي اضطراب في تدفقات الطاقة، خاصة بعد أزمة الطاقة التي سببتها الحرب الروسية الأوكرانية. أما من الناحية القيمية، فإن أوروبا تحاول المحافظة على خطابها التقليدي المرتكز على "حل الدولتين" و"عدم استخدام القوة خارج قرارات مجلس الأمن"، لكن هذا الخطاب يُختبر بقسوة أمام المجازر الإسرائيلية، والتجاوزات الإيرانية، والمصالح الواقعية، ما يجعل الموقف الأوروبي عرضة للتذبذب والانقسام.

الصين تنظر إلى الحرب الإسرائيلية الإيرانية من زاوية براغماتية بحتة، تُركّز على أمن الطاقة، واستقرار الإقليم، ومقاومة الهيمنة الأميركية. فالصين تُعدّ أكبر مشترٍ للنفط الإيراني، رغم العقوبات، وقد عقدت اتفاقية استراتيجية مع طهران تمتد لـ25 عامًا، تشمل التعاون في الطاقة، والبنية التحتية، والأمن السيبراني. في الوقت نفسه، تسعى الصين إلى توسيع نفوذها الدبلوماسي في الشرق الأوسط، وقد نجحت في رعاية المصالحة السعودية الإيرانية، وتحاول أن تظهر كوسيط محايد بين الخصوم الإقليميين. إلا أن بكين لا تميل إلى دعم إيران عسكريًا في مواجهة إسرائيل، ولا تخاطر بمواجهة غير مباشرة مع واشنطن، لكنها ترفض في المحافل الدولية إعطاء الغطاء الشرعي للضربات الإسرائيلية، وتُندد باستخدام القوة خارج الشرعية الدولية. الصين تحرص على الحفاظ على استقرار الأسواق العالمية، وتخشى من أي حرب تؤدي إلى إغلاق مضيق هرمز أو تهدد خطوط الملاحة في بحر العرب. لذا فهي تسعى إلى تهدئة التصعيد عبر القنوات الدبلوماسية والاقتصادية.

الموقف الروسي يتسم بالغموض والتوظيف البراغماتي للصراع. فمن جهة، تُقيم موسكو علاقات عسكرية واستخباراتية وثيقة مع إيران، خاصة في الملف السوري، حيث يتقاطع الدعم الروسي لبشار الأسد مع نشاطات الحرس الثوري الإيراني. ومن جهة أخرى، تُنسق روسيا أمنيًا مع إسرائيل، تجنبًا لأي صدام مباشر في الأجواء السورية، حيث تنفذ إسرائيل غارات متكررة على أهداف إيرانية بموافقة ضمنية روسية. تحاول روسيا استخدام الحرب الإسرائيلية الإيرانية كأداة لابتزاز الغرب وتوسيع هامش المناورة الدولية، خصوصًا في ظل عزلة موسكو بعد غزو أوكرانيا. وقد تسعى إلى تعزيز تعاونها مع طهران لتقويض النفوذ الأميركي في المنطقة، لكنها لا ترغب في انفلات شامل قد يُشعل أسعار النفط ويهدد استقرار حلفائها في الخليج. كما أن موسكو تنظر إلى إيران بوصفها شريكًا مضادًا للهيمنة الغربية، وليس حليفًا استراتيجيًا دائمًا، وتحافظ على توازن دقيق بين تقوية طهران واحتوائها.

أما الموقف العربي، فهو أكثر تشظيًا وتعقيدًا. تنقسم الدول العربية بين محور خليجي مناهض لإيران ومتحالف مع إسرائيل ضمنيًا أو علنيًا (كالإمارات والبحرين والسعودية)، ومحور آخر يحتفظ بعلاقات قوية مع طهران (مثل سوريا والعراق ولبنان)، ومحور ثالث يحاول النأي بالنفس (مثل الجزائر وتونس والمغرب). العديد من الأنظمة الخليجية ترى في إيران تهديدًا وجوديًا بسبب تدخلاتها في اليمن ولبنان والعراق وسوريا، وقد رحبت ضمنيًا بالضربات الإسرائيلية التي تستهدف تقليص قدرات إيران العسكرية. ومع ذلك، فهي تخشى من انفجار شامل يجرها إلى مواجهة مباشرة مع طهران أو يُحدث فوضى في الخليج. من ناحية أخرى، تسعى بعض الدول العربية إلى استثمار الحرب كفرصة لتعزيز مكانتها الإقليمية، عبر الوساطة أو إعادة تشكيل التحالفات، بينما يحذر آخرون من انكشاف الساحة العربية أمام تحالفات دولية متناقضة، قد تؤدي إلى تهديد الأمن القومي العربي وتفاقم الصراعات الداخلية.

إنّ الحرب الإسرائيلية الإيرانية تمثل مرآة كاشفة لصراعات القرن الحادي والعشرين، حيث تختلط اعتبارات القوة، والهوية، والاقتصاد، والطاقة، في مشهد دولي مضطرب. وتبدو مواقف القوى الكبرى والدول العربية مرهونة بمزيج دقيق من المصالح، والمخاوف، والاصطفافات، والفرص، ما يجعل هذا النزاع مرشحًا للاستمرار كـ"حرب باردة ساخنة"، ما لم يتم احتواؤه ضمن ترتيبات أمنية إقليمية تضمن مصالح الجميع وتكبح اندفاعات التطرف السياسي والعسكري.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جذور الحكمة ونُظُم الحياة: أديان شرق آسيا وصناعة الوعي الجمع ...
- المدن الذكية في العالم العربي: بين الحلم الرقمي والتحديات ال ...
- الذكاء الاصطناعي في المشهد الاتصالي: من أداة مساندة إلى لاعب ...
- الرقمنة الكبرى: تحولات الثقافة والاتصال في زمن الذكاء الاصطن ...
- من غزة إلى طهران: إسرائيل في مواجهة أعداء العقيدة والخرائط
- صعود المؤثرين: قادة الرأي في زمن الخوارزميات
- صناع الوعي: الفلاسفة الذين أعادوا تشكيل العالم
- الانفجار العظيم: من لحظة البدء إلى حدود المعنى
- الاتصالات التسويقية المتكاملة في عصر الذكاء الاصطناعي: بين ا ...
- التأويل في قبضة المعنى: نحو فهم حتمي للاتصال بوصفه فعلاً إنس ...
- الحياد الكربوني والجيوسياسة: من البيئة إلى ميزان القوى العال ...
- الشعبوية الخوارزمية: كيف تُعيد الخوارزميات تشكيل التعبئة الس ...
- فؤاد الدجوي: قاضٍ بثياب جندي... وبندقية في صدر الكلمة
- الخصم المشترك: كيف أعادت الهند تشكيل الشراكة الصينية الباكست ...
- مسار الفلسفة الأوروبية من عصر النهضة حتى نهاية القرن العشرين ...
- من الطاعة إلى الانهيار: تفكيك بنية الدولة الشمولية
- الميتافيزيقا الرقمية: التحول الوجودي في ظل الذكاء الاصطناعي
- الإعلان الذكي بين الخوارزمية والضمير: الإنسان في قبضة السوق ...
- الإعلان في عصر الذكاء الاصطناعي: التحولات الاقتصادية والآفاق ...
- الهيمنة بلا مدافع: الصين وامريكا في سباق القوة الناعمة


المزيد.....




- تحويلات المصريين بالخارج تقترب من 30 مليار دولار خلال 10 أشه ...
- ربما تم إنشاؤه بالذكاء الاصطناعي.. ما حقيقة فيديو قصف إسرائي ...
- تراث أصفهان الفارسي والمواجهة بين إيران وإسرائيل
- غضب في مدينة البندقية على حفل زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز
- يسمع ضجيج القنابل قبل صوت أمه.. عن طفل رضيع في مستشفيات غزة ...
- -فائقو الثراء- في ألمانيا يمتلكون أكثر من ربع إجمالي الأصول ...
- صحيفة روسية: هل هناك من يستطيع تزويد طهران بالقنبلة النووية؟ ...
- ترامب: يمكن للصين مواصلة شراء النفط الإيراني
- فيتنام تحاكم 41 متهما في قضية فساد بقيمة 45 مليون دولار
- صحف إسرائيلية: هدنة ترامب تريح طهران وتنعش مفاوضات غزة


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - التحالفات المرتبكة: الحرب الإسرائيلية الإيرانية تحت مجهر السياسة الدولية