أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - حمدي سيد محمد محمود - الرقابة الذكية والأمن العام: بين الحماية والهيمنة














المزيد.....

الرقابة الذكية والأمن العام: بين الحماية والهيمنة


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8382 - 2025 / 6 / 23 - 15:13
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


د.حمدي سيد محمد محمود
في ظل التحولات الجذرية التي يشهدها العالم الرقمي والتقني، بات مفهوم الأمن العام يتجاوز أبعاده التقليدية التي ارتبطت بالحفاظ على النظام، ومنع الجريمة، وتأمين الممتلكات، إلى مفهوم أكثر شمولًا وتعقيدًا، يرتكز على استباق التهديدات وتوظيف التكنولوجيا لحماية الإنسان والمجتمع في مجالات متعددة: من الأمن الجنائي، إلى الأمن السيبراني، وصولًا إلى الأمن الصحي والبيئي. لم يعد الأمن العام مقتصرًا على أدوات بشرية محضة، بل أصبح اليوم يستند بدرجة كبيرة إلى منظومات ذكية قادرة على الرصد والتحليل والتوقع، وهو ما يشير إلى تزايد حضور الذكاء الاصطناعي كفاعل مركزي في صياغة مستقبل الاستراتيجيات الأمنية.

لقد أحدث الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في آليات عمل مؤسسات الأمن العام، من خلال أدوات المراقبة الذكية، والتحليل الآني للبيانات الضخمة، والتعرف على الأنماط السلوكية، وتوقع الجريمة قبل وقوعها، والتعامل السريع مع الحوادث عبر روبوتات أمنية أو طائرات دون طيار، وكذلك استخدام تقنيات التعرف على الوجه والصوت والسمات البيومترية الأخرى لتتبع الأفراد المحتمل تورطهم في أعمال تهدد السلم العام. هذه التطبيقات، وإن كانت توفر كفاءة غير مسبوقة، إلا أنها تطرح في المقابل أسئلة عميقة حول الخصوصية، والعدالة، ومخاطر الاستعمال المفرط أو المسيء للذكاء الاصطناعي في المجال الأمني.

إن آفاق تطور الأمن العام في ضوء الذكاء الاصطناعي تفتح المجال أمام ما يمكن تسميته بـ "الوقاية التنبؤية"، وهي استراتيجية أمنية تقوم على الاستشراف الدقيق لسلوك الأفراد والمجتمعات، باستخدام خوارزميات تعلم الآلة والتعلم العميق التي تتعامل مع كميات هائلة من البيانات من الكاميرات، والهواتف، ومواقع التواصل الاجتماعي، والمجسات الذكية المنتشرة في المدن. هذه التقنيات تتيح للسلطات المعنية التحرك قبل أن تتحول الإشارات الخفية إلى تهديد حقيقي، مما يعزز فاعلية الأداء الأمني ويقلل من التدخلات العنيفة أو المتأخرة.

ومع ذلك، فإن مستقبل استراتيجية الأمن العام في عصر الذكاء الاصطناعي يجب أن لا يُبنى على التقنية وحدها، بل ينبغي أن يتأسس على رؤية متكاملة تُراعي الأبعاد الإنسانية، والاجتماعية، والقانونية، والأخلاقية. فالمجتمع الآمن ليس فقط هو ذلك الذي يتمتع بحماية تكنولوجية متطورة، بل هو أيضًا المجتمع الذي تحترم فيه الحقوق، وتُصان فيه الحريات، ويُستخدم فيه الذكاء الاصطناعي كأداة تعزيز للعدالة، وليس كوسيلة للرقابة القمعية أو التحيز المؤسسي. وهذا يتطلب حوكمة رشيدة للتقنيات الأمنية، وسن تشريعات تضمن الشفافية، وتمنع الاستخدامات التعسفية، وتشرك المواطنين في وضع معايير الأمان التي توازن بين الحماية والحرية.

في هذا السياق، يتضح أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة مساعدة في الأمن العام، بل هو عنصر تحويلي يعيد تشكيل المنظومة الأمنية برمتها. إنه يخلق عالماً أمنياً أكثر ذكاءً، لكنه في الوقت نفسه يفرض مسؤوليات أكبر على صانعي السياسات والمجتمعات في سبيل ضبط إيقاع هذا التحول وضمان ألا يتحول الأمن الذكي إلى قيد ذكي، أو إلى خطر جديد يهدد القيم التي يسعى لحمايتها. من هنا، تبدو الحاجة ملحة لبناء أمن عام إنساني-رقمي، يضع الإنسان في قلب التكنولوجيا، ويجعل من الذكاء الاصطناعي خادمًا للسلامة، لا سيدًا على الحريات.

إن الاستراتيجية المستقبلية الفاعلة للأمن العام لن تكون فقط في قوة التكنولوجيا، بل في حكمة استخدامها، وعدالة توزيعها، وشفافية أهدافها. وهذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمعات الحديثة في عصر الذكاء الاصطناعي.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدولة الإسلامية بوصفها دولة الوقت: نحو تخييل سياسي يتجاوز ا ...
- اللعب بالنار: التحالف الأمريكي الإسرائيلي يفتح أبواب الجحيم ...
- باكستان وإيران تحالف المواقف في زمن الانهيارات الطائفية
- التحالفات المرتبكة: الحرب الإسرائيلية الإيرانية تحت مجهر الس ...
- جذور الحكمة ونُظُم الحياة: أديان شرق آسيا وصناعة الوعي الجمع ...
- المدن الذكية في العالم العربي: بين الحلم الرقمي والتحديات ال ...
- الذكاء الاصطناعي في المشهد الاتصالي: من أداة مساندة إلى لاعب ...
- الرقمنة الكبرى: تحولات الثقافة والاتصال في زمن الذكاء الاصطن ...
- من غزة إلى طهران: إسرائيل في مواجهة أعداء العقيدة والخرائط
- صعود المؤثرين: قادة الرأي في زمن الخوارزميات
- صناع الوعي: الفلاسفة الذين أعادوا تشكيل العالم
- الانفجار العظيم: من لحظة البدء إلى حدود المعنى
- الاتصالات التسويقية المتكاملة في عصر الذكاء الاصطناعي: بين ا ...
- التأويل في قبضة المعنى: نحو فهم حتمي للاتصال بوصفه فعلاً إنس ...
- الحياد الكربوني والجيوسياسة: من البيئة إلى ميزان القوى العال ...
- الشعبوية الخوارزمية: كيف تُعيد الخوارزميات تشكيل التعبئة الس ...
- فؤاد الدجوي: قاضٍ بثياب جندي... وبندقية في صدر الكلمة
- الخصم المشترك: كيف أعادت الهند تشكيل الشراكة الصينية الباكست ...
- مسار الفلسفة الأوروبية من عصر النهضة حتى نهاية القرن العشرين ...
- من الطاعة إلى الانهيار: تفكيك بنية الدولة الشمولية


المزيد.....




- إسرائيل تعلن اقتراب نهاية الحرب مع إيران بعد أن حققت أهدافها ...
- هجوم روسي -ضخم- على العاصمة الأوكرانية كييف ومحيطها
- كاميرا مثبتة بسيارة توثق غارة إيرانية قُرب أشدود بإسرائيل.. ...
- مسؤول إيراني لـCNN: طهران تريد من أمريكا أن -تدفع- ثمن هجمات ...
- من البحرين الى الإمارات.. تعرّف إلى خريطة الانتشار العسكري ا ...
- الصواريخ الإيرانية تجبر الإسرائيليين على البقاء في الملاجئ ل ...
- إساءة عنصرية لروديغر في كأس الأندية... والفيفا يحقق
- بوتين يندد أمام عراقجي بـ -عدوان- إسرائيلي -غير مبرر- على إي ...
- هل أنهت الضربات الأمريكية التهديد الإيراني لإسرائيل؟
- الاتحاد الأوروبي يؤكد على أن إيران -يجب ألا تمتلك أبدا القنب ...


المزيد.....

- حين مشينا للحرب / ملهم الملائكة
- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - حمدي سيد محمد محمود - الرقابة الذكية والأمن العام: بين الحماية والهيمنة