أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - باكستان وإيران تحالف المواقف في زمن الانهيارات الطائفية














المزيد.....

باكستان وإيران تحالف المواقف في زمن الانهيارات الطائفية


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8380 - 2025 / 6 / 21 - 06:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د حمدي سيد محمد محمود
باكستان وإيران: تحالف المواقف في زمن الانهيارات الطائفية
في خضم أتون الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي فجّرت واحدة من أعقد أزمات الشرق الأوسط وأكثرها تشابكًا، برز الموقف الباكستاني كمفاجأة ثقيلة الوزن في ميزان التحالفات الإقليمية والدولية. ففي ظل التصعيد غير المسبوق بين تل أبيب وطهران، والذي بلغت فيه الأعمال العسكرية درجة من الوحشية الاستراتيجية والرمزية القاتلة، أصدرت إسلام آباد موقفًا حاسمًا وحادًا في دعمها لإيران، موقفًا تجاوز الدبلوماسية الباردة وتجاوز كذلك كل ما هو مألوف في الحسابات الطائفية والمذهبية. إذ في لحظة تاريخية مفصلية، تراجعت التباينات العقائدية السنيّة الشيعية، وتقدمت اعتبارات الجغرافيا، والسيادة، والتهديد الوجودي المشترك.

من الناحية التاريخية، لطالما اتسمت العلاقات بين إيران وباكستان بالتذبذب الناتج عن عوامل متعددة، أبرزها التوازن بين طموحات إيران الإقليمية وهواجس باكستان الأمنية، فضلًا عن الحساسيات الدينية في إقليم بلوشستان الحدودي المشترك. ومع ذلك، لم تنقطع جسور التعاون بين البلدين، خاصة في مجالات الطاقة والتنسيق الحدودي. بل إن مواقف باكستان في كثير من الأزمات الكبرى في المنطقة اتسمت بالحياد الحذر، ما جعل دعمها العلني والصريح لإيران في هذه الحرب الحالية حدثًا بالغ الدلالة، لا يمكن تفسيره إلا في ضوء التبدلات العميقة في بنية النظام الدولي، وحالة التفلّت من الهيمنة الغربية، وخاصة من السياسات الأمريكية في عهد دونالد ترامب.

على الصعيد السياسي، كانت باكستان تدرك أن انحيازها لإيران في هذه اللحظة الحرجة لن يمر دون ثمن، وأنها بذلك تدخل في مواجهة غير مباشرة مع المحور الإسرائيلي–الأمريكي الذي أعاد في عهد ترامب تفعيل منظومات الضغط القصوى على إيران. ومع ذلك، اتخذت القيادة الباكستانية قرارها بناءً على حسابات استراتيجية تتجاوز الردع التكتيكي، إلى بناء جبهة مقاومة سياسية إسلامية موحدة ضد ما تعتبره "مشروع تفتيت الأمة". باكستان، التي تراقب منذ سنوات تطويقها عسكريًا عبر الهند المدعومة أمريكيًا، واستنزافها اقتصاديًا عبر المؤسسات الدولية، رأت في دعمها لإيران رسالة جيوسياسية مزدوجة: أنها لن تسمح بانهيار الجبهة الشرقية للعالم الإسلامي، ولن تظل رهينة المحور الغربي في صياغة مصيرها الاستراتيجي.

أما عسكريًا، فقد ترافق الموقف الباكستاني مع تعزيزات حدودية غير مسبوقة على الحدود الإيرانية – البلوشية، وتنسيق أمني عالي المستوى تم بين القيادتين في طهران وإسلام آباد، بلغ حدّ إعلان المناورات المشتركة على طول مناطق التماس، فضلاً عن مشاركة باكستان بوحدات إلكترونية ساهمت في تعطيل جزء من الهجمات الإسرائيلية المدعومة أمريكيًا عبر طائرات دون طيار على منشآت إيرانية حيوية. هذا الدعم الأمني غير المعلن في كثير من تفاصيله، أظهر تحولًا جوهريًا في العقيدة العسكرية الباكستانية، التي كانت حتى وقت قريب تحصر نطاق أولوياتها ضمن مواجهة الهند والجماعات المسلحة في الداخل.

وتظهر التداعيات المباشرة لهذا الموقف في تزايد الضغط الأمريكي على إسلام آباد، حيث قامت واشنطن بإيقاف مساعدات عسكرية وتنموية بمليارات الدولارات، ودفعت صندوق النقد الدولي نحو تعطيل شريحة جديدة من القروض الممنوحة لباكستان ضمن برامج "الإصلاح الاقتصادي". كما شنت وسائل الإعلام الغربية حملة تشويه عنيفة ضد القيادة الباكستانية، متهمة إياها بالاصطفاف مع "أنظمة مارقة" و"رعاة الإرهاب"، وهو ما قابله خطاب باكستاني وطني-ديني جديد، يُعيد الاعتبار لمفهوم الاستقلال السيادي، ويستحضر روح مؤسس الدولة محمد علي جناح الذي لطالما دعا إلى بناء سياسة خارجية مستقلة عن هيمنة القوى الكبرى.

وعلى المدى البعيد، يمكن القول إن الموقف الباكستاني سيسهم في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة، حيث قد نشهد تشكّل محور جديد يضم إيران، باكستان، وربما تركيا لاحقًا، في مقابل المحور الأمريكي–الإسرائيلي–الهندي. كما سيمنح باكستان عمقًا استراتيجيًا متقدمًا في الخليج والشرق الأوسط، ويفتح أمامها أبواب النفوذ في ملفات مثل أمن الطاقة، الملاحة في مضيق هرمز، والمفاوضات الإقليمية حول إعادة تشكيل الترتيبات الأمنية بعد الحرب.

لقد كانت الحرب الإسرائيلية الإيرانية مناسبة فارقة لإعادة اصطفاف القوى في المنطقة، لكن الموقف الباكستاني وحده سيظل الأكثر جرأة واستثنائية، إذ اختار الوقوف إلى جانب المبادئ في زمن المساومات، وإلى جانب إيران في لحظة تاريخية كانت فيها كل المؤشرات تدفعه نحو الحياد أو التواطؤ. وهو موقف قد يكلف باكستان الكثير، لكنه سيمنحها في المقابل مكانة أخلاقية واستراتيجية يصعب تجاهلها في أي خرائط سياسية قادمة.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحالفات المرتبكة: الحرب الإسرائيلية الإيرانية تحت مجهر الس ...
- جذور الحكمة ونُظُم الحياة: أديان شرق آسيا وصناعة الوعي الجمع ...
- المدن الذكية في العالم العربي: بين الحلم الرقمي والتحديات ال ...
- الذكاء الاصطناعي في المشهد الاتصالي: من أداة مساندة إلى لاعب ...
- الرقمنة الكبرى: تحولات الثقافة والاتصال في زمن الذكاء الاصطن ...
- من غزة إلى طهران: إسرائيل في مواجهة أعداء العقيدة والخرائط
- صعود المؤثرين: قادة الرأي في زمن الخوارزميات
- صناع الوعي: الفلاسفة الذين أعادوا تشكيل العالم
- الانفجار العظيم: من لحظة البدء إلى حدود المعنى
- الاتصالات التسويقية المتكاملة في عصر الذكاء الاصطناعي: بين ا ...
- التأويل في قبضة المعنى: نحو فهم حتمي للاتصال بوصفه فعلاً إنس ...
- الحياد الكربوني والجيوسياسة: من البيئة إلى ميزان القوى العال ...
- الشعبوية الخوارزمية: كيف تُعيد الخوارزميات تشكيل التعبئة الس ...
- فؤاد الدجوي: قاضٍ بثياب جندي... وبندقية في صدر الكلمة
- الخصم المشترك: كيف أعادت الهند تشكيل الشراكة الصينية الباكست ...
- مسار الفلسفة الأوروبية من عصر النهضة حتى نهاية القرن العشرين ...
- من الطاعة إلى الانهيار: تفكيك بنية الدولة الشمولية
- الميتافيزيقا الرقمية: التحول الوجودي في ظل الذكاء الاصطناعي
- الإعلان الذكي بين الخوارزمية والضمير: الإنسان في قبضة السوق ...
- الإعلان في عصر الذكاء الاصطناعي: التحولات الاقتصادية والآفاق ...


المزيد.....




- هل دخل الشرق الأوسط في عصر جديد فعلًا؟.. ولي نصر وناداف إيال ...
- السفارة الأمريكية في قطر تنصح مواطنيها بالبقاء في أماكنهم.. ...
- مركز يٌحتجز فيه نشطاء وصحفيون.. فيديو متداول يظهر لحظة قصف إ ...
- لماذا حظرت بريطانيا حركة -فلسطين أكشن-؟
- إيران: من يحكمها فعليا؟
- أهداف إسرائيل تغيرت في إيران.. ماذا عن موقف المعارضة الإيران ...
- غزة.. مكان -دائم- للموت والدمار والانتظار
- ضربات إسرائيلية -مكثفة- على إيران.. ماذا استهدفت؟
- في سوريا -المجزأة- بعد سقوط الأسد.. مبادرات لتعزيز التماسك ا ...
- مسؤول إيراني: الحرب قد تستمر عامين ومستعدون لذلك


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - باكستان وإيران تحالف المواقف في زمن الانهيارات الطائفية