أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - تحوّلات الدولة الفاشلة: عندما يفقد القلم والعنف والسلطة معناها الأخلاقي














المزيد.....

تحوّلات الدولة الفاشلة: عندما يفقد القلم والعنف والسلطة معناها الأخلاقي


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8383 - 2025 / 6 / 24 - 16:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
تُعدّ السلطة المعرفية، والقدرة على استخدام القوة، وإدارة شؤون الحكم، من أبرز ركائز قيام الدولة الحديثة. غير أن هذه المرتكزات، متى وقعت في الأيدي الخطأ، تتحوّل من أدوات للبناء والنهضة إلى آليات للهدم والتفكك. في هذا السياق، تُبرز المقولة القائلة: "عندما يمسك بالقلم جاهل، وبالبندقية مجرم، وبالسلطة خائن، يتحوّل الوطن إلى غابة لا تصلح لحياة البشر"، منظومة الانحراف الكارثي التي تنتج حين تُختزل الوظائف الحيوية للدولة في أيدي قوى غير مؤهلة معرفيًّا، أو منحرفة أخلاقيًّا، أو مرتهنة خارجيًّا.

أولًا، حين يحتكر الجاهل سلطة المعرفة، فإن القلم – الذي يشكّل في السياقات الحضارية رمزًا للتحرير والتنوير – ينقلب إلى أداة لتكريس الجهل وإعادة إنتاجه. في ظل هيمنة غير المتخصصين على الخطاب العام، تُشوَّه المفاهيم العلمية، وتُطمس المعايير الموضوعية، ويُستبدل الفكر الناقد بالدعاية والدوغمائية. وهو ما يؤدي إلى تسطيح الوعي الجمعي، وإنتاج حالة من الاستكانة الثقافية التي تجهض إمكانات الإصلاح وتمنع التقدم. هنا تتحول الثقافة إلى آلية للضبط الاجتماعي، لا للتحرر، ويتحول التعليم إلى أداة للامتثال، لا للتمكين.

ثانيًا، عندما تُمنح أدوات العنف الشرعي إلى أفراد لا يملكون رصيدًا من الأخلاق أو الانضباط القانوني، تتدهور العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويتحوّل الأمن إلى تهديد، والسلاح إلى لغة حوار. في مثل هذه البيئة، يُفقد المواطن ثقته بمؤسسات الحماية، ويتآكل الإحساس بالأمان. فالمجرم حين يسيطر على القوة، يعيد توجيهها نحو إخضاع المواطنين بدل الدفاع عنهم، ويعيد تشكيل المدن والقرى إلى ساحات خوف، لا فضاءات معيشية. وبهذا، تتراجع مشروعية الدولة لصالح شرعية الرعب.

أما ثالثًا، فإن تمركز السلطة السياسية في يد خائن – أي شخص يُفرّط في المصلحة العامة لصالح أجندات خارجية أو ذاتية – يؤدي إلى انهيار مفهوم السيادة ذاته. فالخيانة هنا لا تقتصر على أفعال واضحة كالعمالة أو الفساد، بل تشمل كل مسار سياسي يُقصي الإرادة الشعبية، ويُعيد توجيه مقدرات الدولة لخدمة مصالح فئوية أو إقليمية. وتكون النتيجة افتقاد العقد الاجتماعي، وتآكل الانتماء الوطني، وتفكك النسيج المجتمعي. ومع تلاشي الرؤية الوطنية، يفقد الحكم شرعيته الأخلاقية والسياسية، ويغدو الوطن عبئًا لا حلمًا.

إن اجتماع هذه العناصر الثلاثة – الجهل المعرفي، والانحراف الأمني، والخيانة السياسية – يؤسّس لحالة الدولة الفاشلة، حيث تتفكك مؤسسات الضبط والتوازن، ويُستبدل القانون بالعنف، والشرعية بالولاء الشخصي، والهوية الوطنية بالتبعية. وفي مثل هذا السياق، يتحوّل الوطن من كيان حقوقي وثقافي جامع، إلى "غابة" – بالمعنى الرمزي – يسود فيها منطق القوة، وتنعدم فيها شروط الحياة الكريمة.

ورغم قتام هذا التصور، فإن القراءة النقدية لهذا الواقع تحمل في طياتها دعوة صريحة لإعادة الاعتبار لوظائف الدولة في ضوء مبادئ العقلانية، والعدالة، والكرامة الإنسانية. فالتحرر من هذا المأزق يبدأ باستعادة القلم من الجاهل، والبندقية من المجرم، والسلطة من الخائن، ووضعها جميعًا في أيدي الكفاءة، والنزاهة، والإرادة الوطنية.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرقابة الذكية والأمن العام: بين الحماية والهيمنة
- الدولة الإسلامية بوصفها دولة الوقت: نحو تخييل سياسي يتجاوز ا ...
- اللعب بالنار: التحالف الأمريكي الإسرائيلي يفتح أبواب الجحيم ...
- باكستان وإيران تحالف المواقف في زمن الانهيارات الطائفية
- التحالفات المرتبكة: الحرب الإسرائيلية الإيرانية تحت مجهر الس ...
- جذور الحكمة ونُظُم الحياة: أديان شرق آسيا وصناعة الوعي الجمع ...
- المدن الذكية في العالم العربي: بين الحلم الرقمي والتحديات ال ...
- الذكاء الاصطناعي في المشهد الاتصالي: من أداة مساندة إلى لاعب ...
- الرقمنة الكبرى: تحولات الثقافة والاتصال في زمن الذكاء الاصطن ...
- من غزة إلى طهران: إسرائيل في مواجهة أعداء العقيدة والخرائط
- صعود المؤثرين: قادة الرأي في زمن الخوارزميات
- صناع الوعي: الفلاسفة الذين أعادوا تشكيل العالم
- الانفجار العظيم: من لحظة البدء إلى حدود المعنى
- الاتصالات التسويقية المتكاملة في عصر الذكاء الاصطناعي: بين ا ...
- التأويل في قبضة المعنى: نحو فهم حتمي للاتصال بوصفه فعلاً إنس ...
- الحياد الكربوني والجيوسياسة: من البيئة إلى ميزان القوى العال ...
- الشعبوية الخوارزمية: كيف تُعيد الخوارزميات تشكيل التعبئة الس ...
- فؤاد الدجوي: قاضٍ بثياب جندي... وبندقية في صدر الكلمة
- الخصم المشترك: كيف أعادت الهند تشكيل الشراكة الصينية الباكست ...
- مسار الفلسفة الأوروبية من عصر النهضة حتى نهاية القرن العشرين ...


المزيد.....




- مشهد غريب.. كرة نارية تضيء سماء اليابان ليلًا فجأة
- الحذر أثناء السفر في العطل ضروري.. تجنّبًا للأمراض مثل الحصب ...
- وزير دفاع السعودية يوجه رسالة لليمنيين وسط أحداث حضرموت والم ...
- الإمارات.. محمد بن زايد وفيديو استقبال مهيب له في باكستان
- ما سر الاعتقاد بمفعول الأحجارالكريمة؟
- العلاج بالتعاويذ عبر العصور .. تَمْتَمَةُ كلماتٍ بحثاً عن ال ...
- تايلاند وكمبوديا تتوصلان إلى اتفاق لوقف فوري لإطلاق النار بع ...
- محاكمة لوبان، إسقاط بايرو... كيف أحدث عام 2025 تحولات مهمة ف ...
- أمريكا تقصف داعش في نيجيريا وسط خلاف حول دوافع الهجوم بين وا ...
- مستحضرات لبشرة الكلاب وابتكارات جريئة.. -فوضى عارمة- في صيحا ...


المزيد.....

- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - تحوّلات الدولة الفاشلة: عندما يفقد القلم والعنف والسلطة معناها الأخلاقي