أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - برمجة الضمير: حين تعاد صياغة الأخلاق في زمن الخوارزميات














المزيد.....

برمجة الضمير: حين تعاد صياغة الأخلاق في زمن الخوارزميات


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8389 - 2025 / 6 / 30 - 10:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


د.حمدي سيد محمد محمود
في قلب التحولات الرقمية المعاصرة، تتبلور واحدة من أكثر الإشكاليات تعقيدًا وحساسية في علاقة الإنسان بالتكنولوجيا، وهي إشكالية **"برمجة الأخلاق"** أو ما يُعرف بالحوسبة الأخلاقية. إن إدماج المبادئ الأخلاقية في صلب تصميم الخوارزميات والأنظمة الذكية لم يعد ترفًا أكاديميًا أو تمرينًا فلسفيًا، بل أصبح مطلبًا ملحًا أمام التطور المتسارع لقدرات الذكاء الاصطناعي ودخوله في تفاصيل الحياة اليومية، من الرعاية الصحية إلى القضاء، ومن الاقتصاد إلى الأمن. لكن هذا المسعى يصطدم بجملة من العوائق البنيوية، في مقدمتها التباين الثقافي والاختلاف الجذري بين النظم القيمية المتنوعة. فهل يمكن اختزال الأخلاق في مجموعة تعليمات قابلة للبرمجة؟ وهل بوسع الخوارزميات أن تفهم المعنى الأخلاقي للسياقات المختلفة، أم أنها ستظل رهينة الحسابات والمنطق الصوري، عاجزة عن تذوق طعم الخطأ أو الصواب بما يحمله من دلالات إنسانية معقدة؟

يبدو هذا التساؤل أكثر حدة عندما نضع منطق الأتمتة والذكاء الاصطناعي في مواجهة المفهوم الفلسفي للحرية. ففي حين يُروَّج للتكنولوجيا على أنها أداة لتحرير الإنسان من عناء التكرار والمهام الشاقة، تتنامى المخاوف من أن هذا "التحرر" المزعوم يخفي في طياته وجهًا آخر للاستعباد، إذ يتحول الإنسان تدريجيًا إلى مجرد ترس في آلة ضخمة، يُعاد تشكيل سلوكه وتوجيه قراراته وفق منطق خوارزمي صارم. وهكذا، لا يعود الفرد حُرًا بل يصبح محكومًا بأنماط سلوك مسبقة، توجّهها خوارزميات "ذكية" لكنها بلا ضمير، وبلا شعور، وبلا سياق تاريخي أو إنساني يُذكر.

التكنولوجيا، إذن، ليست حيادية كما يُشاع في الخطاب التقني، بل تحمل في جوهرها رؤى مضمرة للعالم، ونزعات أيديولوجية تتوارى خلف واجهات المستخدم وشيفرات البرمجة. إنها مشروع للهيمنة الناعمة، لا من خلال العنف المباشر، بل من خلال فرض أنماط تفكير جديدة، وتشويه البنى القيمية الراسخة، وإعادة تعريف الإنسان ذاته. ففي صميم هذا المشروع، يُعاد تشكيل العلاقة بين الإنسان والعالم، بحيث يُنظر إلى الوجود الإنساني لا كغاية في ذاته، بل كوسيط في شبكة من العمليات والمعلومات. وهنا تكمن خطورة الذكاء الاصطناعي: ليس فقط في قدرته على اتخاذ القرار، بل في قدرته على **إعادة صياغة معنى القرار الأخلاقي ذاته**.

فالسؤال الجوهري لم يعد: "هل تستطيع الآلة أن تفكر؟" بل أصبح: "من يفكر من خلال الآلة؟ وبأي منظومة قيمية؟ ولمصلحة من؟" هذه الأسئلة تعكس عمق الأزمة الأخلاقية الكامنة في قلب الثورة الرقمية، وتدعونا إلى إعادة التفكير جذريًا في علاقتنا بالتكنولوجيا، لا بوصفها أدوات محايدة، بل بوصفها امتدادًا للسلطة، وتجسيدًا لقيم معينة، ومحركًا خفيًا لإعادة تشكيل العالم. في هذا السياق، تصبح الحوسبة الأخلاقية مشروعًا فلسفيًا لا تقنيًا فحسب، يتطلب حوارًا حضاريًا عابرًا للثقافات، ويستوجب حضورًا نقديًا متيقظًا، حتى لا نفقد إنسانيتنا باسم التقدم، ولا نصحو ذات يوم على عالم تسيره خوارزميات لا تفهم شيئًا عن الإنسان سوى أنماط سلوكه.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقل في مواجهة المادة: رؤية كانط الأخلاقية في زمن النزعة ال ...
- الظلال النووية : الصراع الأمريكي الإسرائيلي ضد طموحات إيران ...
- الاقتصاد الخوارزمي : حين يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل قوانين ...
- تحوّلات الدولة الفاشلة: عندما يفقد القلم والعنف والسلطة معنا ...
- الرقابة الذكية والأمن العام: بين الحماية والهيمنة
- الدولة الإسلامية بوصفها دولة الوقت: نحو تخييل سياسي يتجاوز ا ...
- اللعب بالنار: التحالف الأمريكي الإسرائيلي يفتح أبواب الجحيم ...
- باكستان وإيران تحالف المواقف في زمن الانهيارات الطائفية
- التحالفات المرتبكة: الحرب الإسرائيلية الإيرانية تحت مجهر الس ...
- جذور الحكمة ونُظُم الحياة: أديان شرق آسيا وصناعة الوعي الجمع ...
- المدن الذكية في العالم العربي: بين الحلم الرقمي والتحديات ال ...
- الذكاء الاصطناعي في المشهد الاتصالي: من أداة مساندة إلى لاعب ...
- الرقمنة الكبرى: تحولات الثقافة والاتصال في زمن الذكاء الاصطن ...
- من غزة إلى طهران: إسرائيل في مواجهة أعداء العقيدة والخرائط
- صعود المؤثرين: قادة الرأي في زمن الخوارزميات
- صناع الوعي: الفلاسفة الذين أعادوا تشكيل العالم
- الانفجار العظيم: من لحظة البدء إلى حدود المعنى
- الاتصالات التسويقية المتكاملة في عصر الذكاء الاصطناعي: بين ا ...
- التأويل في قبضة المعنى: نحو فهم حتمي للاتصال بوصفه فعلاً إنس ...
- الحياد الكربوني والجيوسياسة: من البيئة إلى ميزان القوى العال ...


المزيد.....




- -موقف مرعب-.. انهيار شرفة منزل فوق آخر وإصابة 9 أشخاص أحدهم ...
- مستحضرات مكياج أساسية للصيف وأخرى يجب تجنبّها
- خارجية إيران: دول الجوار رفضت استخدام إسرائيل أجواءها لشن ضر ...
- بعدما قصفته أمريكا.. هذا ما كشفته صور أقمار صناعية جديدة في ...
- إسرائيل: اجتماع الكابينت ينتهي بلا قرار حول مستقبل الحرب في ...
- ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدين -التهديدات الإيرانية- بحق غروس ...
- أوكرانيا تقرر الانسحاب من معاهدة حظر الألغام المضادة للأفراد ...
- طهران تعرب عن -شكوك جدية- بشأن احترام إسرائيل لوقف إطلاق الن ...
- الجيش الإسرائيلي يصدر أوامر إجلاء جماعي.. النزوح يطارد أهالي ...
- باريس تعرب عن -أسفها الشديد- للحكم بسجن صحافي فرنسي في الجزا ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - برمجة الضمير: حين تعاد صياغة الأخلاق في زمن الخوارزميات