أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - تحولات الاقتصاد السياسي في عصر الذكاء الاصطناعي : نهاية العمل وبداية السيطرة الرقمية














المزيد.....

تحولات الاقتصاد السياسي في عصر الذكاء الاصطناعي : نهاية العمل وبداية السيطرة الرقمية


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8398 - 2025 / 7 / 9 - 16:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الاقتصاد السياسي، باعتباره علمًا يدرس العلاقات المتشابكة بين السلطة والمال، وبين السياسات العامة والأسواق، لم يعد بمنأى عن التحولات التكنولوجية المتسارعة، خاصة مع صعود تقنيات الذكاء الاصطناعي التي باتت تعيد تشكيل البنية العميقة للأنظمة الاقتصادية والمؤسسات السياسية على حدّ سواء. فمنذ نشأة الاقتصاد السياسي في القرنين السابع عشر والثامن عشر كمجال لدراسة أنماط الإنتاج والتوزيع والثروة في إطار الدولة، ظلّ هذا الحقل المعرفي أسيرًا للتوازنات البشرية والمؤسساتية التقليدية. إلا أن دخول الذكاء الاصطناعي على خط هذا العلم فتح أفقًا جديدًا يعيد صياغة مفاهيم مثل العمل، والقيمة، والسلطة، والتنمية، بل ويطرح تساؤلات جذرية حول مستقبل الدولة نفسها في ظل اقتصاد ما بعد الإنسان.

لقد بدأت تقنيات الذكاء الاصطناعي بتغيير قواعد اللعبة الاقتصادية من خلال الأتمتة الواسعة للوظائف، وتحليل البيانات الضخمة، والتنبؤ بالسلوك الاستهلاكي، وإعادة تشكيل سلاسل الإنتاج العالمية. ففي حين كانت اليد العاملة تمثل أحد أهم عناصر القوة الاقتصادية والسياسية في العقود السابقة، فإن الذكاء الاصطناعي يهدد بإقصاء عدد كبير من الوظائف البشرية، وخلق فجوة هائلة بين الدول القادرة على امتلاك تقنياته وتوظيفها، وتلك التي ستتخلف عن الركب. الأمر الذي يفرض على الاقتصاد السياسي الكلاسيكي مراجعة نظرياته حول التوزيع العادل، وسياسات الرفاه، والعدالة الاجتماعية، في عالم تحكمه الخوارزميات وتديره الشركات التقنية العابرة للحدود أكثر مما تحكمه الدول الوطنية.

كما أن العلاقة بين رأس المال والذكاء الاصطناعي تثير إشكاليات عميقة حول تركّز الثروة في أيدي قلة تسيطر على أدوات المعرفة والتكنولوجيا. فالذكاء الاصطناعي لا يُنتج ذاته ذاتيًا، بل يتطلب بيئة استثمارية ضخمة ومراكز بحثية متقدمة وشبكات بيانات عملاقة. وهو ما يخلق نوعًا جديدًا من الاحتكار لم تشهده الرأسمالية من قبل، حيث تنتقل القوة من الأسواق التقليدية إلى "أسواق الذكاء" التي تُديرها شركات مثل غوغل وأمازون وتينسنت، ما يكرّس نظامًا اقتصاديًا عالميًا قائمًا على اللاعدالة المعرفية، واللامساواة الرقمية، وهيمنة طبقة جديدة من "الأرستقراطية التكنولوجية".

وعلى الصعيد السياسي، فإن الذكاء الاصطناعي يفتح الباب أمام استخدام أدوات تحليل سلوكي وسياسات توجيه دقيقة تُعيد رسم العلاقة بين الحاكم والمحكوم. إذ لم تعد الدولة بحاجة إلى قمع تقليدي أو إلى مراقبة ميدانية طالما أن الذكاء الاصطناعي يمكنه تحليل تفاعلات المواطنين، وتوجيه الرأي العام، وصناعة الإجماع أو تفكيكه دون عنف مادي. وهو ما يدفع عددًا من مفكري الاقتصاد السياسي المعاصرين إلى التنبيه من نشوء أنظمة سلطوية رقمية ترتكز على الذكاء الاصطناعي كأداة للهيمنة وليس للتحرر، في ظل غياب تنظيم عالمي رادع يحمي المجتمعات من سوء استخدام هذه التقنيات.

إن الآفاق المستقبلية لتطور علم الاقتصاد السياسي في عصر الذكاء الاصطناعي تتمثل في قدرته على تجاوز المفاهيم التقليدية نحو نماذج تحليلية جديدة تراعي البعد التكنولوجي في تفسير الظواهر الاقتصادية والسياسية. لم يعد ممكنًا الحديث عن العرض والطلب، والسلع والخدمات، دون فهم دور الخوارزميات في تسعير الأسواق، ودور الذكاء الاصطناعي في تحديد قيمة العمل البشري. كما لم يعد ممكنًا دراسة التنمية دون تحليل البنية الرقمية، والبيئة السيبرانية، ومستوى الأمن الرقمي للدول. لذلك، فإن الاقتصاد السياسي الجديد مطالب بتوسيع أدواته لتشمل تحليل البيانات، والأمن السيبراني، وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، ومراقبة ديناميات القوة الجديدة التي تتحرك في فضاء غير مرئي لكنه شديد الفاعلية.

إننا أمام لحظة مفصلية في تاريخ الاقتصاد السياسي، لحظة تؤذن بإعادة هيكلة المنظومة الكلية للفكر الاقتصادي والسياسي في ضوء ما تتيحه تقنيات الذكاء الاصطناعي من إمكانات، وما تفرضه من تحديات. وإن لم يواكب هذا العلم تلك التحولات بمناهج تحليلية جديدة ونقد جذري للهياكل القديمة، فسيغدو مجرد سردية من الماضي في عالم تحكمه خوارزميات المستقبل.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذات والعدم : كيركيجارد والجذور الوجودية للفكر الحديث
- الهوية الأوروبية وصناعة المركز: جذور التفوق وبنية الهيمنة
- قوة الأخلاق في زمن التشظي: الدولة المسلمة بين الواجب والرسال ...
- الدولة والفلسفة: من بناء المفاهيم إلى صناعة المجتمعات
- سردية المقاومة: حصن الأمة الأخير في زمن الهيمنة والتطبيع
- المعتزلة واحتدام العقل والعقيدة: رحلة في قلب الخلافات الكلام ...
- فلسفة المعرفة العلمية: تفكيك اليقين وبناء المعنى في عالم متغ ...
- القرآن الناطق بالعقل: الجذور التأسيسية لعلم الكلام الإسلامي
- غرس الانقسام : كيف أعاق الكيان الصهيوني وحدة الأمة العربية
- في رحاب الوعي: من ديكارت إلى هايدغر، ومن سبينوزا إلى هوسرل
- من ميادين المعارك إلى خوارزميات السيطرة: كيف يعيد الذكاء الا ...
- العقل الأداتي في الفكر المعاصر: قراءة نقدية في أطروحة يورغن ...
- برمجة الضمير: حين تعاد صياغة الأخلاق في زمن الخوارزميات
- العقل في مواجهة المادة: رؤية كانط الأخلاقية في زمن النزعة ال ...
- الظلال النووية : الصراع الأمريكي الإسرائيلي ضد طموحات إيران ...
- الاقتصاد الخوارزمي : حين يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل قوانين ...
- تحوّلات الدولة الفاشلة: عندما يفقد القلم والعنف والسلطة معنا ...
- الرقابة الذكية والأمن العام: بين الحماية والهيمنة
- الدولة الإسلامية بوصفها دولة الوقت: نحو تخييل سياسي يتجاوز ا ...
- اللعب بالنار: التحالف الأمريكي الإسرائيلي يفتح أبواب الجحيم ...


المزيد.....




- الوشاح يتربع على عرش صيحات إكسسوارات النجمات هذا الصيف
- صاعقة تضرب عائلة وتسقطها أرضًا في حادث مرعب.. إليكم ما حدث
- لبنان: هل ينجح الأمريكيون بالإطاحة بسايكس - بيكو؟
- سوريا.. تهديد إسرائيلي مباشر: ضربة -عنيفة- قريبة على قوات ال ...
- المبادرة المصرية تطالب بإخلاء سبيل نرمين حسين بعد أكثر من 19 ...
- من يملك الأسلحة النووية وكيف حصل عليها؟
- قطاع الطيران يدق ناقوس الخطر.. ألمانيا عاجزة عن صد هجمات الم ...
- وليد جنبلاط: أدين الانتهاكات، ولابد من تثبيت وقف إطلاق النار ...
- سوريا…شاب عشريني يعود من ألمانيا إلى بلاده على متن دراجة هوا ...
- السويداء: إهانة شيخ تؤجج الغضب.. ووزير إسرائيلي يدعو إلى -قت ...


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - تحولات الاقتصاد السياسي في عصر الذكاء الاصطناعي : نهاية العمل وبداية السيطرة الرقمية