أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - العالم عند مفترق الطرق: صراعات الديمقراطية والتكنولوجيا والهوية في زمن التحولات الكبرى















المزيد.....

العالم عند مفترق الطرق: صراعات الديمقراطية والتكنولوجيا والهوية في زمن التحولات الكبرى


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8400 - 2025 / 7 / 11 - 09:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
يشهد الفكر السياسي المعاصر حالة من الانشغال المتزايد أمام طوفان من القضايا المعقدة والمتشابكة التي تتقاطع في تأثيراتها وتتشابك في تداعياتها على المستويين المحلي والدولي. لم تعد القضايا السياسية مجرد إشكاليات محلية أو إقليمية يمكن احتواؤها داخل حدود الدولة القومية، بل باتت امتداداتها تتخطى الجغرافيا لتشكل معضلات عابرة للحدود، تتطلب نماذج تفكير جديدة، وأدوات تحليلية تتجاوز الأطر الكلاسيكية التي هيمنت على الفلسفة السياسية الحديثة. من بين أبرز القضايا التي تشغل المفكرين السياسيين اليوم، يبرز تراجع الديمقراطية وصعود الشعبوية واليمين المتطرف كأحد التحولات الأكثر إرباكًا للمفاهيم السياسية الليبرالية. فقد أدى تآكل الثقة في المؤسسات الديمقراطية إلى تفشي مشاعر الإحباط السياسي، خاصة في ظل العجز المزمن في الاستجابة لتحديات الاقتصاد، والهجرة، والعدالة الاجتماعية. وأمام هذا الفراغ، وجدت الشعبوية واليمين المتطرف مساحة واسعة للتمدد، حيث بات الخطاب السياسي يتسم بالنزعة التبسيطية، والعاطفية، والاعتماد على استدعاء مفردات الهوية القومية المغلقة في مواجهة الآخر. وفي هذا السياق، يعاني المجال السياسي من استقطاب حاد يعمق الانقسامات الاجتماعية ويقوض إمكانيات التوافق الوطني، في الوقت الذي تتسارع فيه الأحداث والتحولات التي تتطلب من النخب السياسية مستويات عالية من الحكمة والمرونة.

ومن بين أبرز العوامل المؤثرة في المشهد السياسي المعاصر، تبرز التكنولوجيا بوصفها سلاحًا ذا حدين، خاصة في ظل الثورة الرقمية وما صاحبها من هيمنة الذكاء الاصطناعي وانتشار الإعلام الرقمي. أصبحت المعلومات، أو بالأحرى المعلومة المضللة، إحدى أدوات تشكيل الرأي العام والتحكم في السلوك الجماهيري. لم يعد من السهل تمييز الحقيقة من الزيف، بل أصبح التضليل الإعلامي جزءًا من صناعة السياسة اليومية، تُسخَّر له الجيوش الإلكترونية، وتُبنى حوله استراتيجيات النفوذ والسيطرة. وفي خضم هذا الواقع الرقمي المتسارع، يفرض الذكاء الاصطناعي إشكاليات جديدة أمام الأنظمة السياسية، إذ يقدم وعودًا مغرية بتحسين الكفاءة الإدارية، غير أن هذه الوعود لا تخلو من تهديدات عميقة على مستوى الخصوصية، والعدالة، وحرية الإرادة، بل وحتى على مصداقية العمليات الانتخابية، في ظل إمكانية استخدام الخوارزميات لصناعة "رأي عام مزيف". ويزداد المشهد تعقيدًا في ظل تصاعد الهجمات السيبرانية التي باتت تمثل تهديدًا وجوديًا للدول، سواء عبر اختراق البنى التحتية أو التأثير في قرارات السيادة الوطنية، وهو ما يعيد تعريف مفهوم الأمن القومي في العصر الرقمي.

هذه التحديات التكنولوجية تتقاطع مع تحولات أوسع في بنية النظام الدولي، حيث نشهد اليوم نهاية تدريجية للنظام الليبرالي الذي تشكل بعد الحرب الباردة، في مقابل صعود قوى دولية جديدة تعيد رسم خرائط النفوذ الجيوسياسي. فمع تنامي القوة العسكرية والاقتصادية لكل من الصين وروسيا، ودخول أطراف إقليمية فاعلة في معادلة التوازنات، يبرز واقع جديد يتسم بتعدد الأقطاب، وتآكل الهيمنة الغربية، وتراجع دور المؤسسات الدولية التي طالما شكلت الإطار الناظم للعلاقات بين الدول. هذا التحول البنيوي لا يحدث في فراغ، بل يأتي في ظل اشتعال صراعات إقليمية ودولية تغذيها مصالح الطاقة، وصراعات الهوية، وتنافس الموارد، كما هو الحال في أوكرانيا، أو الشرق الأوسط، أو بحر الصين الجنوبي، وهي صراعات تعيد بعث مفاهيم الحرب الباردة في ثوب جديد، معززة بتقنيات القرن الحادي والعشرين. وفي هذا السياق، تزداد أهمية أمن الطاقة وسلاسل الإمداد، التي لم تعد مجرد قضايا اقتصادية، بل باتت محاور مركزية في استراتيجيات الهيمنة والنفوذ، خاصة بعد الأزمات المتكررة التي أثبتت هشاشة الاعتماد المتبادل في ظل الأزمات الجيوسياسية.

إلى جانب هذه التحولات، تواجه البشرية تحديات عابرة للحدود لا تقل خطرًا، بل ربما تفوقها في أثرها الوجودي. يأتي تغير المناخ في مقدمة هذه التحديات، إذ لم يعد بالإمكان تجاهل تداعياته الكارثية على النظم البيئية، والاستقرار الاقتصادي، والسلم الاجتماعي. وقد كشفت الأزمات المناخية المتكررة هشاشة أنماط الإنتاج والاستهلاك السائدة، وحتمية التحول نحو نماذج أكثر استدامة وعدالة. غير أن هذا التحول يصطدم بعوائق سياسية واقتصادية، ويثير أسئلة معقدة حول العدالة المناخية والمسؤولية التاريخية. كما تشكل قضايا الهجرة واللاجئين إحدى أعقد معضلات العصر، لما لها من تأثير مباشر على التوازنات الداخلية للدول، ولما تطرحه من تساؤلات أخلاقية حول مسؤولية الدول تجاه المعاناة الإنسانية في سياق عالمي يتجه نحو الانغلاق القومي. وقد أظهرت جائحة كوفيد-19 بما لا يدع مجالًا للشك أن الأزمات الصحية يمكن أن تشل العالم بأسره، وتُسقط أوهام السيادة المطلقة، وتفرض على الدول إعادة النظر في مفاهيم الأمن، والتضامن، والحوكمة العالمية.

وفي قلب هذا المشهد المتداخل، تطرح مسألة الدولة القومية نفسها من جديد بوصفها كيانًا مأزومًا، تتقاذفه التحديات من كل صوب. فبين ضغوط العولمة، وتصاعد نفوذ الشركات متعددة الجنسيات، وتحديات الجماعات العابرة للحدود، تفقد الدولة التقليدية الكثير من أدوات سيادتها، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبلها، وإمكانية تجديد دورها في العالم الجديد. وتزداد الصورة تعقيدًا مع تغير مفاهيم المواطنة والهوية في ظل تزايد التنوع الثقافي، والهجرات الكبرى، وتصاعد مطالب الأقليات، ما يفرض على النخب السياسية أن تعيد تعريف أسس التعايش، والاندماج، والانتماء، بعيدًا عن النزعات الإقصائية أو الاستيعابية التقليدية. إن تداخل هذه القضايا، وتشابك تأثيراتها، يعكس تعقيد المرحلة التاريخية التي يمر بها العالم، ويضع المفكرين السياسيين أمام تحدٍ معرفي وأخلاقي كبير: كيف يمكن إعادة بناء المفاهيم السياسية الكبرى بما يتلاءم مع عالم سريع التحول، دون الوقوع في فخ التبسيط أو الحنين إلى ماضٍ لم يعد قادرًا على تقديم الأجوبة؟ هذه هي المهمة الفكرية والسياسية العظمى في زمن التحولات الكبرى.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضياع المعنى وتشظي الانتماء: الهوية في مرايا ما بعد الحداثة
- من تأسيس العقل إلى تفكيك الذات: تحولات الفلسفة الأوربية من ا ...
- تحولات الاقتصاد السياسي في عصر الذكاء الاصطناعي : نهاية العم ...
- الذات والعدم : كيركيجارد والجذور الوجودية للفكر الحديث
- الهوية الأوروبية وصناعة المركز: جذور التفوق وبنية الهيمنة
- قوة الأخلاق في زمن التشظي: الدولة المسلمة بين الواجب والرسال ...
- الدولة والفلسفة: من بناء المفاهيم إلى صناعة المجتمعات
- سردية المقاومة: حصن الأمة الأخير في زمن الهيمنة والتطبيع
- المعتزلة واحتدام العقل والعقيدة: رحلة في قلب الخلافات الكلام ...
- فلسفة المعرفة العلمية: تفكيك اليقين وبناء المعنى في عالم متغ ...
- القرآن الناطق بالعقل: الجذور التأسيسية لعلم الكلام الإسلامي
- غرس الانقسام : كيف أعاق الكيان الصهيوني وحدة الأمة العربية
- في رحاب الوعي: من ديكارت إلى هايدغر، ومن سبينوزا إلى هوسرل
- من ميادين المعارك إلى خوارزميات السيطرة: كيف يعيد الذكاء الا ...
- العقل الأداتي في الفكر المعاصر: قراءة نقدية في أطروحة يورغن ...
- برمجة الضمير: حين تعاد صياغة الأخلاق في زمن الخوارزميات
- العقل في مواجهة المادة: رؤية كانط الأخلاقية في زمن النزعة ال ...
- الظلال النووية : الصراع الأمريكي الإسرائيلي ضد طموحات إيران ...
- الاقتصاد الخوارزمي : حين يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل قوانين ...
- تحوّلات الدولة الفاشلة: عندما يفقد القلم والعنف والسلطة معنا ...


المزيد.....




- البرلمان الجزائري يناقش تعديلات قانون مكافحة تبييض الأموال و ...
- إسبانيا - المغرب: توقيف 9 أشخاص بعد اشتباكات بين متطرفين يمي ...
- المفوضية الأوروبية تقول إنها ستعيد إرسال وفد أوروبي طُلب منه ...
- المحكمة العليا الأميركية تسمح لترامب باستئناف تفكيك وزارة ال ...
- احتجاز? 10?? ?أشخاص بعد اشتباكات بين -متطرفين- ومهاجرين في إ ...
- ماذا نعرف عن الأكواد المميتة التي استخدمت في اغتيال شخصيات إ ...
- غوتيريش: أزيد من 800 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع
- سانت كاترين.. تجربة روحية فريدة جنوبي سيناء
- محللان: نتنياهو يريد مفاوضات تثبت وقائع عسكرية وتهجر الغزيين ...
- زيلينسكي يعلن عن ترشيحات لـ-أكبر تعديل وزاري- تشهده أوكرانيا ...


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - العالم عند مفترق الطرق: صراعات الديمقراطية والتكنولوجيا والهوية في زمن التحولات الكبرى