أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - أنمار كامل حسين ريشة الشعر وصوت الوجع الجميل














المزيد.....

أنمار كامل حسين ريشة الشعر وصوت الوجع الجميل


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8402 - 2025 / 7 / 13 - 14:08
المحور: سيرة ذاتية
    


في مدينة الكاظمية، حيث تلتقي المآذن برفيف القصائد، وُلد الشاعر أنمار كامل حسين يوم 22 أيلول من عام 1985، في بيتٍ لم يكن الشعر فيه غريبًا، ولا الفن زائرًا مؤقتًا، بل كانا جزءًا من هوية الأسرة وميراثها. فالأم شاعرة لها حضورها المتفرّد، والأب فنان تشكيلي خلّف أثره في ذاكرة المعارض العراقية، فكان طبيعيًا أن يولد بينهما شاعر يُشبه المرايا في نقائها، ويكتب بلغة تستعير ألوانها من الريشة، وحرقتها من القلب.
ترعرع أنمار في بغداد، ثم تنقّل مع أسرته إلى الحلة، المدينة التي تألف الشعر كما تألف الفرات، وهناك أكمل دراسته وتخرّج في كلية الفنون الجميلة – جامعة بابل، من قسم الفنون التشكيلية – فرع الرسم. ولعل دراسته الأكاديمية أسهمت في بناء حسّ بصري خاص يظهر في قصائده، حيث تتعانق الصورة الشعرية مع الرؤية التشكيلية، فلا تكاد تفرّق بين سطر شعري وخط لوني منساب.
دخل أنمار عالم الشعر بهدوء الواثق، لكنه ما لبث أن فرض حضوره في الساحة الأدبية، لا بالتكلف أو الادعاء، بل بما يملكه من طاقة لغوية، وحساسية مرهفة، وتجريب صادق في اللغة والمعنى. أصدر مجموعته الشعرية الأولى "وأُصفّف الموت في أهدابي"، وهي عنوان يكشف من الوهلة الأولى عن شاعر يكتب من تخوم الألم، ويُخضع المفردة لنبضه الداخلي، لا لمجرّد الموسيقى أو الصناعة. وقد نُشرت قصائده في أبرز الصحف والمجلات العراقية والعربية، بل وتُرجمت إلى لغات عدّة، وهو ما يعكس عالميّة النبرة التي يحملها، وإن بقيت الجذور مزروعة في تربة الوطن.
النقّاد الذين تناولوا تجربته لم يكونوا مجاملين أو عابرين، بل وجدوا في شعره ما يستحق التوقّف. كتب عنه جمال جاسم أمين وزهير الجبوري وطالب عمران المعموري وشكر حاجم الصالحي وعبد الحسين الشيخ علي وغيرهم، وكلّهم أشاروا إلى نضج تجربته، وتفرّد لغته، وقدرته على التوليف بين الإرث الشعري والتجريب الحداثي. بعضهم ذهب إلى أن أنمار يمثّل أحد أبرز أصوات الجيل الشعري الجديد في العراق، جيلٍ يكتب وسط الخراب لكنه لا يسقط فيه، بل يصوغ من الرماد حياةً أخرى ممكنة.
أنمار ليس شاعر قصيدة فحسب، بل هو فاعل ثقافي حاضر، إذ يشغل موقع سكرتير تحرير مجلة متون التي يصدرها اتحاد الأدباء في بابل، وهو نائب رئيس المنتدى الأدبي الإبداعي، وعضو في اتحاد الأدباء والكتاب ونقابة الفنانين العراقيين، كما شارك في المهرجانات الكبرى: المربد، الحبوبي، الجواهري، بابل الدولي، وغيرها من الملتقيات التي احتفت بصوته المتفرّد.
وهكذا يبدو شعر أنمار كامل حسين، رحلة متواصلة إلى الداخل، حيث الحزن والدهشة والتمرد والخسارات الجميلة. لا يكتب ليواسي، بل ليكسر الأوهام، ولا يختبئ وراء الصور، بل يعرّي الحروف من الزيف، ويمنحها نبرة صدق نادرة.
إنه شاعر يسير بثبات، لا يسابق الزمن لكنه لا يتأخر عنه، يُشبه السنبلة التي تنحني لا لأنها ضعيفة، بل لأنها مثقلة بالنضج.
قصيدته "خثرة في عروق الغياب" نصّ شعري مكتنز بالصور الكثيفة، والمجازات الممتدة، والهمّ الوجودي الذي يُشكّل خيطًا شفافًا يربط بين الذاتي والعام، بين الحبيبة والوطن، بين الفقد والخذلان، في مناخ شعريّ ينوس بين الحسيّ والميتافيزيقي، بين الحنين والمأساة.
ومنذ سطرها الأول، "يتدفق وجهكِ مثل نعاس يدهن حنجرة الليل"، يفتح الشاعر بابًا لصورة مركبة، فيها تماهٍ بين الجسد والطبيعة، بين الوجه والنعاس والليل. هذا التشابك يكشف عن خيالٍ شعريّ يجترح الصور لا ليصفها بل ليعيد تشكيلها، في استعارات تتداخل فيها الحواس: البصر، الصوت، اللمس.
والقصيدة ليست قصيدة غزل تقليدية، بل تذهب بالحبيبة إلى مقام الأسطورة، فهي "خرافة إغريقية لم ينجُ منها أحد"، مما يُحمّل العلاقة بعدها التراجيدي. لكن الفقد هنا لا يتعلّق بها وحدها، بل يتسع ليشمل الذات والذاكرة والوجود والوطن، حتى يتحول الغياب إلى خثرة، إلى علّة تتجلّى في "عروق الغياب".
في ثلثها الأخير، تنقلب القصيدة من الحديث عن الحبيبة إلى خطاب وطني ساخر وأليم في آن، حيث تصبح النهاية تصويرًا مروّعًا لـ"الوطن الذي يخون"، فـ"يُبصق أبناءه صعاليك على أرصفة الغربة مثل أعقاب السكائر". وهنا نرى أن الحبيبة ليست فقط امرأة، بل قد تكون رمزًا لوطنٍ مفقود، أو حُلُمٍ مسروق.
أما لغتها فهي مشحونة بالتوتر، والتراكيب تميل إلى التفصيل والتكثيف معًا. هناك ميل إلى الجُمل الطويلة، ذات النَفَس العالي، كما في: من يطارد عتمةَ هذا الليل الحالكِ بسلاحٍ أبيضَ؟ وهو ينحرُ عُنقَ الضوءِ..." وهذا البناء يولّد لدى القارئ شعورًا بالتدفق والانفعال، وكأن الشاعر لا يكتب بل ينزف.
وتنتهي قصيدته بواحدة من أقسى الصور: "فالأوطان تخون أيضاً يا حبيبتي... مثل أعقاب السكائر". هنا تبلغ المفارقة ذروتها، إذ يختلط الحنين بالمرارة، ويظهر الشاعر كمن يمزج الرثاء بالسخرية، والحب بالخذلان.
والقصيدة نصّ وجودي مغلّف بثوب العاطفة، يبدأ من الحب وينتهي في الخيانة الكبرى، في انكسار الإنسان في حضرة الحب والوطن والذاكرة. وهي تقدم تجربة شعرية ناضجة، فيها عمق وجداني، واشتغال جمالي على اللغة، وتكثيف دلالي يجعل النص قابلًا لقراءات متعددة.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتورة إنصاف سلمان الجبوري سيدة الحرف وناقدة الخطاب الثقاف ...
- أمل عايد البابلي بين اعترافات الشعر وهمس النثر
- أحمد الخيّال شاعرٌ يمشي في ظل القصيدة
- إبراهيم خليل ياسين قلبٌ يخطُّ القصيدة ويحكي الحكاية
- إبراهيم الجنابي شاعرُ الأرضِ والهواء ومراكبُ الحلم
- شمران الياسري...راوي السخرية الحزينة وصوت الفلاحين
- في ذكرى انتفاضة معسكر الرشيد حسن سريع... أيقونة نضالية لا تت ...
- ركن الدين يونس عاشق الكلمات المتوهجة
- محمد سالم البيرماني شاعر الغربة والبرهان
- الدكتور محمد عبد اللطيف مطلب فيلسوف الفيزياء ورائد الحرف الع ...
- فائق الخليلي قاصٌّ منفىً وسردٌ من ضوء الجرح
- علي جواد الطاهر صوت النقد النابض بين التراث والحداثة
- ستّار خضير… قامة نضالية شامخة
- عبد المجيد الماشطة الحِلّيُّ الذي نَفَذَ إلى لُغَة الإنسان
- الشيخ يوسف كركوش سادن الذاكرة الحِلِّيّة وأحد أعلام التأريخ ...
- الشيخ عبد الكريم الماشطة مصباح علمٍ وتنوير في ظلمات الركود
- قارئ الطين: طه باقر حين نطقت الأرض باللغة السومرية
- ريام الربيعي حين يكتب الجمال أنوثته شعراً
- صبري الحيدري الناقد الذي رأى في الإهداء مرآة للنص
- الدكتور سامي سعيد الأحمد راوي ذاكرة الحضارات


المزيد.....




- السعودية.. ضجة وفاة -الأمير النائم- بين تداول تصريح سابق لوا ...
- مصر.. رد علاء مبارك على تعليق ساويرس عن عمر سليمان نائب حسني ...
- سوريا.. السفارة الأمريكية بعد لقاء مع مظلوم عبدي: الوقت قد ح ...
- أسرار الحياة المزدوجة لـ-السلطان- زعيم المخدرات المولع بالبو ...
- هجوم على النائب العربي أيمن عودة.. كسروا زجاج سيارته وبصقوا ...
- بالفيديو.. الجزيرة نت داخل سفينة حنظلة المتجهة لكسر حصار غزة ...
- إسرائيل تستهدف صيادين حاولوا دخول بحر غزة
- تداول فيديو لـ-الشرع بين أنصاره على تخوم السويداء-.. ما صحة ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي يشيد بعملية -مطرقة منتصف الليل-
- العشائر السورية تعلن إخراج كافة مقاتليها من السويداء


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - أنمار كامل حسين ريشة الشعر وصوت الوجع الجميل