أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - ركن الدين يونس عاشق الكلمات المتوهجة














المزيد.....

ركن الدين يونس عاشق الكلمات المتوهجة


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8392 - 2025 / 7 / 3 - 20:42
المحور: سيرة ذاتية
    


في حضن الفلوجة، وعلى ضفاف نهرٍ يتهجّى الغيم مروره على النخيل، وُلد ركن الدين يونس البياتي، في الثاني عشر من نيسان عام 1961، ليكون واحداً من أولئك الذين كتبوا الشعر لا بوصفه ترفاً لغوياً، بل قدراً يُخاض كما تُخاض الحروب من أجل الحقيقة. ومن هناك، من الأنبار إلى بغداد، ثم إلى الاسكندرية والناصرية فبابل، مضى الرجل في رحلة الحياة والمعنى، ممتشقًا قلمه كما لو كان مشعلاً في ليل الكلمات الطويل.
لم تكن بداية ركن الدين في الشعر عابرة، فقد كان شغفه بالكلمة مبكرًا، وكأن القصيدة نادت عليه ذات مساء من مقاعد الطفولة، فلبّاها بما امتلك من وجد وروح متوثبة. وكان أول همس شعري له قد تفتّح في مجلة الورود اللبنانية، لتتوالى بعد ذلك إطلالاته الشعرية في صحف ومجلات عربية وعراقية عديدة، من العدل إلى الطليعة الأدبية، ومن الرافد الإماراتية إلى اتحاف التونسية، مرورًا بمطبوعات كثيرة حملت روحه بين حروفها كمن يحمل سرّه في جيب معطفه.
لم يكن مجرد شاعر يكتب وينشر، بل كان فاعلاً ثقافيًا لا يهدأ. شارك في تأسيس جماعة الاسكندرية الأدبية، وشغل منصب نائب رئيس ملتقاها الأول، كما كان عضوًا فاعلًا في منتديات أدبية عدّة، من المحاويل إلى بابل، ومن قصيدة النثر إلى حملته الفريدة: "هذا هو الشاعر العراقي"، التي أراد من خلالها أن يضيء الشاعر لا بوهج الجوائز، بل بوهج النص.
ركن الدين يونس لم يكتفِ بالشعر على رفوف الذاكرة، بل نشر مجموعات عدّة تُعبّر عن تحولات رؤيته ورهافة لغته. من مدونات نصف قرن إلى ماراثون وعشبة آدم والهروب من ملاحقة الأسئلة، وصولًا إلى انتظريني عند منحدرات الكلام، كتب يونس عن الإنسان في مكابداته، وعن الوطن في ملامحه المتشظية، وعن الحب كما يراه شاعر يعبر الهشيم حافي القلب.
ولم يكن التنظير بعيدًا عن عالمه، فقد كتب في النقد وفي التناص، وناقش مشروعه الكتابي جملة من النقاد والأدباء، من باقر جاسم محمد إلى سامي طه، ومن حاتم الصكر إلى عباس عبد جاسم، فكلٌّ قرأ ركن الدين من زاويته، ليبقى هو في النهاية المشروع ذاته: شاعرًا لا يتوقف عند سطرٍ أو قالب، بل يمضي كما تمضي القصيدة في مائها الأول.

وحين يشارك ركن الدين في مهرجانات الشعر، لا يذهب كضيف، بل كصاحب بيت. من مهرجان الجواهري إلى المربد، ومن الموصل إلى النجف، كان الصوت الذي لا يساوم، والصورة التي تلتقط ألم العراقي وفرحه، تاريخه ودهشته، غربته وإشراقه.
وهو من أولئك الشعراء الذين لا تكفيهم المديحيات الجاهزة، ولا يرضون بالسكون في ظل شجرة قديمة. هو شاعر الحفر في المعنى، والبناء في اللغة، والتجريب في الشكل، دون أن يفرّط بروح الشعر التي ظلّ وفيًا لها رغم تقلبات الأزمنة.
لقد كتب القصيدة كما تُكتب الحياة: بعناء، بجمال، بصدق، وبأسئلة لا تنتهي. فمن ذا يقرأه ولا يشعر أنه أمام شاعر لم يعش الشعر فقط... بل كان هو الشعر؟
ومن شعره قصيدته (بقجة أمي) وهي قصيدة مفعمة بالمرارة الشفيفة والتمزق الداخلي، وتنتمي بوضوح إلى تيار شعر ما بعد الحرب في العراق، حيث تتداخل الذات المجروحة مع يوميات الوطن المنكوب، وتنهض القصيدة على تقنية المونولوج الداخلي الممتزج بالسرد الشعري والتداعي الحر.
القصيدة تنقسم إلى خمسة مقاطع، كل منها يتناول وجهًا من وجوه الخسارة والخذلان والحنين والأمل المحاصر. يبدأ النص بعبارة "أنا لا أحبك" التي لا تستقيم مع السياق إلا بوصفها صرخة كاذبة تحاول الشفاء بالنكران، لكنها تنكشف عبر تكرار الجروح العاطفية والوجدانية، حيث يتكرر فيها التناص العميق مع أزمنة الحرب، العلاقات الإنسانية الملتبسة، والموروث العائلي والاجتماعي القامع.
وفيها ثيمات رئيسية: الحب والحرب: تندمج تجربة الحب مع وقع الحرب، فكلتاهما عند الشاعر تجربة فادحة. ذكره للمفخخات، والجنود، والقذائف، يصنع خلفية موحشة للحب الذي لا يستطيع أن يولد في هذا الخراب.
الأم والزوجة: يمثلان في القصيدة سلطتين رمزيّتين تقمعان الحلم الفردي. الأم تحوّل الحديقة إلى "بقجة" للنخيل، رمز الهوية الريفية الموروثة التي تخنق الحلم "المدني"، بينما الزوجة تسلبه حق التفكير بصوت عال، وتمارس عليه رقابة قاسية.
الفن والحرية: في المقطع الثالث إشارة إلى قمع الخيال والإبداع، مقارنًا تجربته مع تجربة بيكاسو، ليوصل إحساسه بأنه ممنوع من الحلم والخلق، فيستبدل البندقية بدستة مصابيح، في مشهد ساخر ومر.
اما من حيث اللغة والصور الشعرية، فلغته تنحو إلى البساطة المتقشفة ذات الإيحاءات الثقيلة، وتُظهر ما يمكن تسميته بـ"بلاغة الجفاف العاطفي"، حيث لا ترف لغوي، بل تقطير للألم والمعنى، وصوره غالبًا سوريالية أو فجائعية: "القذائف التي سقطت على قلبي ولم تمته"، "زوجة بيكاسو تطلق النار"، "الجنود الغائمون في الصيف والشتاء".
ونراه يتحدث بوضوح بلسان جندي سابق، محارب مهزوم، فنان مؤجل، يحمل همًا فرديًا وجمعيًا، ويقاوم الاندثار بالحب والشعر والحلم، رغم القمع المتعدد. "صباح الخير... جندي مكلف ركن الدين يونس": تنتهي الجملة باسم الشاعر، لتكرّس القصيدة سيرة شعرية مباشرة، ووثيقة وجودية ضد المحو.
بقي لنا القول أن "بقجة أمي" قصيدة اعتراف شعري حميم، تكشف عن تعارضات الهوية العراقية المعاصرة: بين الحرب والحب، بين التراث والحداثة، بين الذكرى والخذلان، وتكتب الذات الشاعرة ككائن مسحوق لكنه ما زال يحلم ولو بمصباح.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد سالم البيرماني شاعر الغربة والبرهان
- الدكتور محمد عبد اللطيف مطلب فيلسوف الفيزياء ورائد الحرف الع ...
- فائق الخليلي قاصٌّ منفىً وسردٌ من ضوء الجرح
- علي جواد الطاهر صوت النقد النابض بين التراث والحداثة
- ستّار خضير… قامة نضالية شامخة
- عبد المجيد الماشطة الحِلّيُّ الذي نَفَذَ إلى لُغَة الإنسان
- الشيخ يوسف كركوش سادن الذاكرة الحِلِّيّة وأحد أعلام التأريخ ...
- الشيخ عبد الكريم الماشطة مصباح علمٍ وتنوير في ظلمات الركود
- قارئ الطين: طه باقر حين نطقت الأرض باللغة السومرية
- ريام الربيعي حين يكتب الجمال أنوثته شعراً
- صبري الحيدري الناقد الذي رأى في الإهداء مرآة للنص
- الدكتور سامي سعيد الأحمد راوي ذاكرة الحضارات
- الدكتور صباح نوري المرزوك عاشق الحلة ومؤرّخ وجدانها
- حسين علوان عينٌ على بابل وقدمٌ في لغة العالم
- أحمد الناجي مؤرخ الذاكرة ومثقف الحلة المتجدد
- جعفر هجول شاعر مترحل بين الغربة والعشق
- الناقد الذي عبر الظل أمين قاسم خليل
- أحمد سوسة ضميرُ العلمِ ومسافرُ الزمان في خرائط الأرض وذاكرة ...
- خالد الحلّي شاعر المنفى وصوت الطفولة البعيد
- قراءة في قصيدة -النهر والمقصلة- للشاعر موفق محمد


المزيد.....




- ظبي بأنف غريب.. ما حكاية السايغا الذي نجا بأعجوبة من الانقرا ...
- مصدر إسرائيلي يكشف لـCNN تطورات مفاوضات وقف إطلاق النار في غ ...
- حسام أبو صفية لمحاميته: هل ما زال أحد يذكرني؟
- -إكس- و-واتساب- في قلب جدل جديد: تحقيق يرصد حسابات يمنية ترو ...
- الوحدة الشعبية: استهداف سورية العربية حلقة لاستكمال مشروع ال ...
- مبادرة -صنع في ألمانيا-: أكثر من 60 شركة ألمانية تتعهد باستث ...
- لماذا لم تكشف بغداد عن هوية المتورطين بهجمات المسيرات؟
- بدء خروج العائلات المحتجزة من السويداء -حتى ضمان عودتها-
- عاجل| وسائل إعلام إسرائيلية: سلاح الجو يهاجم أهدافا للحوثيين ...
- شاهد.. مطاردة مثيرة وثقتها كاميرا من داخل دورية الشرطة تعبر ...


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - ركن الدين يونس عاشق الكلمات المتوهجة