أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - محمد سالم البيرماني شاعر الغربة والبرهان














المزيد.....

محمد سالم البيرماني شاعر الغربة والبرهان


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8392 - 2025 / 7 / 3 - 12:06
المحور: سيرة ذاتية
    


في قريةٍ صغيرةٍ تدعى بيرمانة، من ريف بابل تنفست في العام 1949 أولى زفرات شاعر قدّر له أن يعيش بين المنفى الروحي والاحتراق الشعري، وكان أن حمل من قريته اسمًا لازمه كوسمٍ أبدي: محمد سالم البيرماني. لم يكن في مطلع حياته ما ينبئ بولادة شاعر سيكتب لمدنٍ لم تطأها قدماه، وسيبتكر بحرًا شعريًا لا يشبه سواه، لكن القدر كان يخط حكاية أخرى لطفلٍ سيصير، فيما بعد، أحد الوجوه البارزة في المشهد الشعري، لا لأنه صعد منصات الأضواء، بل لأنه حمل الكلمة كمن يحمل صليبه، ومضى.
تيتّم صغيرًا، ووجد في حضن أخواله ملاذًا أول، فانتقل مع والدته إلى الكوفة حيث ابتدأ حكاية التعليم في مدرسة "السهيلية"، ثم عاد إلى الحلّة بعد فقد والدته، تلك الخسارات المبكرة شكّلت وجدانه، ومنحته نزعةً تأمليةً عميقةً لم تفارقه حتى وفاته. ولأن الفقر يربّي الحلم أحيانًا، تطوع الشاب في الجيش العراقي ليحيا، لكن قلبه ظل في مكان آخر: بين دفتي كتاب، وعلى حافة بيت شعر. كان يقرأ بنهمٍ من لا يملك غير الحروف قوتًا، ويكتب كما لو أن القصيدة هي الوسيلة الوحيدة للتوازن وسط هذا الخلل الكبير الذي اسمه الحياة.
بدأت قصائد البيرماني تجد طريقها إلى الصحف والمجلات، فتنبه له النقاد، لا لأنه كان شاعرًا تقليديًا مطمئنًا، بل لأنه كان قلقًا، مجتهدًا، طامحًا لاكتشاف الجديد لا حفظ القديم. كتب عنه الدكتور علي عباس علوان والدكتورة بشرى موسى صالح، واحتفى به الناقد ناظم السعود، وقرأ تجربته حامد الهيتي، فيما أفرد له الأستاذ كريم الجنابي كتابًا خاصًا عن حياته ومخطوطاته ونشاطه الثقافي. ولم يفته أن يكون جزءًا من الكتب المرجعية؛ فقد سجّله الدكتور سعد الحداد في أنطولوجيا الشعر في الحلة، وأدرجه الدكتور صباح نوري المرزوق ضمن تكملة شعراء الحلة.
كان شاعرًا لا يكتفي بكتابة القصيدة بل يسائلها، يحفر في بنيتها، ويقدّم رؤى نقدية عن ماهيتها. في وقت كانت قصيدة النثر ما تزال تحاول إثبات شرعيتها بين جدران الأكاديمية، كان البيرماني يقدّم "نظريته" الخاصة التي عُرفت، نصف تندّر ونصف إعجاب، بـ"نظرية البيرماني". وكان من أجرأ ما قام به أنه اكتشف بحرًا شعريًا جديدًا أسماه "بحر بغداد"، وقد سُجِّل باسمه في صحيفتي الرافدين والرأي. ومن مساهماته المميزة أيضًا دراسته اللغوية حول خصائص حرفي الظاء والضاد، تلك الحروف المهملة التي أحياها ببحث مستفيض.
أصدر ديوانين هما: هذا هيامي، والذي رأى البرهان.
أما مخطوطاته، فكانت كثيرةً وتدل على شاعر مسكون بشوقٍ نحو ما وراء الأفق: ساعة استشهاد فارس المسلة، سيدي لبنان، آنستي بيروت… عناوين تقول إن قلبه كان موزعًا على مدنٍ لم يزرها، وأوطانٍ كانت بمثابة أحلام شخصية.
لكن خاتمة البيرماني كانت مأساوية بقدر ما كانت لائقة برجل عاش في تخوم الألم. وفي 12/13 أذار 2011 كان عائدًا من أمسية شعرية في اتحاد أدباء وكتاب بابل، هزّ انفجار شارع المكتبات، وأصيب فيه البيرماني بجراح بليغة، ظل يعاني منها حتى وافاه الأجل في 13 آذار 2011. شُيّع إلى النجف الأشرف، وشيّعت معه طبقة من الشعراء الذين آمنوا أن القصيدة ليست صدى بل فعل حياة، وأن الشعر لا يُكتب إلا من الجراح المفتوحة.
وقد أقامت له جمعية الرواد في الحلة أمسية استذكاريه، لم تكن مجرد حفل تأبين، بل اعترافًا بأن شاعرًا مثل محمد سالم البيرماني لا يموت، بل يتحوّل إلى ظاهرة تُروى، ويظل اسمه حيًّا في ذاكرة الحرف، كما كان قلبه حيًّا في خضم الألم.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتور محمد عبد اللطيف مطلب فيلسوف الفيزياء ورائد الحرف الع ...
- فائق الخليلي قاصٌّ منفىً وسردٌ من ضوء الجرح
- علي جواد الطاهر صوت النقد النابض بين التراث والحداثة
- ستّار خضير… قامة نضالية شامخة
- عبد المجيد الماشطة الحِلّيُّ الذي نَفَذَ إلى لُغَة الإنسان
- الشيخ يوسف كركوش سادن الذاكرة الحِلِّيّة وأحد أعلام التأريخ ...
- الشيخ عبد الكريم الماشطة مصباح علمٍ وتنوير في ظلمات الركود
- قارئ الطين: طه باقر حين نطقت الأرض باللغة السومرية
- ريام الربيعي حين يكتب الجمال أنوثته شعراً
- صبري الحيدري الناقد الذي رأى في الإهداء مرآة للنص
- الدكتور سامي سعيد الأحمد راوي ذاكرة الحضارات
- الدكتور صباح نوري المرزوك عاشق الحلة ومؤرّخ وجدانها
- حسين علوان عينٌ على بابل وقدمٌ في لغة العالم
- أحمد الناجي مؤرخ الذاكرة ومثقف الحلة المتجدد
- جعفر هجول شاعر مترحل بين الغربة والعشق
- الناقد الذي عبر الظل أمين قاسم خليل
- أحمد سوسة ضميرُ العلمِ ومسافرُ الزمان في خرائط الأرض وذاكرة ...
- خالد الحلّي شاعر المنفى وصوت الطفولة البعيد
- قراءة في قصيدة -النهر والمقصلة- للشاعر موفق محمد
- جعفر الكوّاز حاملُ الهوى ومفهرسُ الذاكرة


المزيد.....




- فسيفساء بومبيي الإيروتيكية.. كنز سرقه النازيون قبل 80 عامًا ...
- فرنسا وإسبانيا تكافحان حرائق الغابات وسط ظروف جوية صعبة.. شا ...
- رصاص بالحذاء وطيار واجه الموت.. ما قصة أول اختطاف طائرة في ا ...
- هل مهاجمة ترامب لمؤيديه المطالبين بالكشف عن قائمة -عملاء إبس ...
- -محاولة للسيطرة على الدولة-.. اتهامات جديدة للرئيس الكوري ال ...
- مقتل 32 فلسطينياً بنيران إسرائيلية خلال تواجدهم قرب مركز توز ...
- الكونغو الديمقراطية وحركة -إم23- توقعان اتفاق سلام في الدوحة ...
- غياب العين الأميركية في سيناء.. فجوة رقابية تربك إسرائيل
- مفاجأة بفضيحة كولدبلاي.. زوج السيدة الخائنة -رئيس تنفيذي-
- فيديو..-سيارة مجهولة- تصدم حشدا في لوس أنجلوس


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - محمد سالم البيرماني شاعر الغربة والبرهان