أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الحياد الكربوني والجيوسياسة: من البيئة إلى ميزان القوى العالمي














المزيد.....

الحياد الكربوني والجيوسياسة: من البيئة إلى ميزان القوى العالمي


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8368 - 2025 / 6 / 9 - 12:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



في المشهد العالمي الراهن، لم يعد الحياد الكربوني مجرد هدف بيئي تقني، بل بات ساحة مركزية من ساحات التنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى، وأداة لإعادة تشكيل ميزان القوى الدولية. إذ تحوّل الالتزام المناخي إلى معيار جديد لتوزيع النفوذ، حيث تسعى الدول الصناعية الكبرى إلى توظيف سياسات الحياد الكربوني كوسيلة للضغط، أو كأداة للهيمنة الأخلاقية والاقتصادية. في هذا السياق، نجد أن الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، يستخدم "آلية تعديل الكربون على الحدود" كإجراء يفرض ضرائب على السلع القادمة من دول لا تطبق معايير بيئية صارمة، ما يهدد اقتصادات الدول النامية التي تعتمد على التصدير كمصدر أساسي للدخل.

تتقاطع هذه التحولات مع بروز "الطاقة الخضراء" كساحة صراع عالمي، إذ تتسابق الدول الكبرى على امتلاك تقنيات الطاقة الشمسية، والرياح، والهيدروجين الأخضر، باعتبارها مصادر القوة المستقبلية. وهنا تظهر مفارقة جذرية: في الوقت الذي تروج فيه الدول الغربية لخطاب بيئي مثالي، نجدها تستثمر بكثافة في المعادن النادرة الضرورية للانتقال الطاقي (مثل الليثيوم والكوبالت)، وتتنافس بشراسة على النفوذ في إفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا الوسطى حيث تُستخرج هذه المواد. وهو ما يشير إلى أن الحياد الكربوني قد يتحول إلى نوع جديد من الاستعمار الأخضر، تُعاد من خلاله صياغة التبعية الاقتصادية والسياسية في ثوب بيئي.

أما الدول النامية، فتجد نفسها أمام معادلة معقدة: من جهة، هي المتضرر الأكبر من التغير المناخي، حيث تواجه التصحر، وندرة المياه، وارتفاع درجات الحرارة، والكوارث الطبيعية التي تهدد الأمن الغذائي والاستقرار المجتمعي. ومن جهة أخرى، هي الأكثر عجزًا عن تمويل التحول إلى الحياد الكربوني، بسبب ديونها المرتفعة، وهشاشة بنيتها التحتية، واعتمادها على الصناعات الاستخراجية. وفي هذا السياق، تُطرح قضية العدالة المناخية باعتبارها ضرورة وجودية، تقتضي من المجتمع الدولي ليس فقط الدعم المالي والتكنولوجي، بل الاعتراف بالتفاوت التاريخي في المسؤولية عن الأزمة المناخية.

الحياد الكربوني، من هذا المنظور، لا يمكن أن يُفرض كإملاء خارجي، بل يجب أن يكون عملية تفاوضية قائمة على شراكة متكافئة، تراعي الخصوصيات التنموية والاجتماعية للدول النامية. ومن دون ذلك، فإن السياسات المناخية قد تؤدي إلى تعميق الفجوة بين الشمال والجنوب، وزيادة التوترات الجيوسياسية، وخلق أشكال جديدة من التهميش والإقصاء البيئي.

في المستقبل القريب، سيكون للحياد الكربوني تداعيات حاسمة على طبيعة التحالفات الدولية، وشبكات التجارة، وهياكل التنافس الصناعي. الدول التي تسبق غيرها في التحول الأخضر قد تهيمن على أسواق جديدة بالكامل، وتعيد رسم خرائط النفوذ العالمي. أما الدول التي تتخلف عن الركب، فقد تجد نفسها معزولة تجاريًا، معرضة للعقوبات البيئية، أو مرهونة بشروط تمويلية مشروطة تفرضها المؤسسات الدولية. لذلك، فإن المعركة من أجل الحياد الكربوني ليست معركة بيئية فقط، بل هي معركة من أجل السيادة الاقتصادية، والكرامة التنموية، والاستقلال الجيوسياسي.

إن عالم ما بعد الكربون، الذي يُبشَّر به اليوم، لن يكون أكثر عدالة بالضرورة إلا إذا استبقه ورافقه نضال عالمي من أجل أن يكون الانتقال البيئي انتقالًا عادلاً، تشاركيًا، وتحرريًا. وإلا، فإن "التحول الأخضر" قد يتحول إلى "قيد أخضر"، يُستخدم لتجميل أشكال جديدة من السيطرة والهيمنة.*



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعبوية الخوارزمية: كيف تُعيد الخوارزميات تشكيل التعبئة الس ...
- فؤاد الدجوي: قاضٍ بثياب جندي... وبندقية في صدر الكلمة
- الخصم المشترك: كيف أعادت الهند تشكيل الشراكة الصينية الباكست ...
- مسار الفلسفة الأوروبية من عصر النهضة حتى نهاية القرن العشرين ...
- من الطاعة إلى الانهيار: تفكيك بنية الدولة الشمولية
- الميتافيزيقا الرقمية: التحول الوجودي في ظل الذكاء الاصطناعي
- الإعلان الذكي بين الخوارزمية والضمير: الإنسان في قبضة السوق ...
- الإعلان في عصر الذكاء الاصطناعي: التحولات الاقتصادية والآفاق ...
- الهيمنة بلا مدافع: الصين وامريكا في سباق القوة الناعمة
- زمن الواجهة: حين تصنع الصورة مصير المؤسسة في العالم العربي
- المواطن في قبضة الشاشة: كيف أعادت الرقمنة تشكيل وعينا السياس ...
- مناخ الصراع: نحو دبلوماسية بيئية شاملة لأمن عالمي مستدام
- أزمة العلم المتصدع: من اليقين التجريبي إلى سيولة المعرفة
- وداعاً للهاتف الذكي: بداية الوعي التكنولوجي الجديد
- الفردية والقلق الوجودي عند كيركجارد: قراءة فلسفية شاملة
- الحياد الكربوني والاقتصاد: من منطق الربح إلى منطق البقاء
- الخوارزمية والدبلوماسية: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل العلاقا ...
- حروب الخوازميات: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل ميزان القوى ...
- الوحدة العربية: بين معطيات الواقع وإمكانات التحقق
- علمنة التعليم في المجتمعات العربية: بين تحديات الهوية وآفاق ...


المزيد.....




- رسالة ماكرون للرئيس ترامب: غرينلاند ليست للبيع.. ولا حتى قار ...
- لندن ـ واشنطن وبكين تبحثان تمديد الهدنة في حرب الرسوم الجمرك ...
- لافروف: المقاتلون الروس على الجبهة -هم خيرة دبلوماسيينا- في ...
- جهاز الأمن الفيدرالي الروسي يكتشف مخبأ مفخخا للأسلحة الأوكرا ...
- السعودية.. حظر العمل تحت أشعة الشمس
- روسيا تخطط لاستخدام الروبوتات في صيانة محطتها المدارية
- ماكرون يطالب بالإسراع في إعادة الفرنسيين المحتجزين مع طاقم س ...
- لافروف: الحقيقة في صف روسيا
- حاكم كاليفورنيا يقاضي ترامب بسبب إرسال الحرس الوطني إلى لوس ...
- مع عودة الهدوء النسبي لطرابلس.. تعزيزات أمنية جديدة في العاص ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الحياد الكربوني والجيوسياسة: من البيئة إلى ميزان القوى العالمي