أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - مقابر العراق تتحول الى مسرح لصناع المحتوى














المزيد.....

مقابر العراق تتحول الى مسرح لصناع المحتوى


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8356 - 2025 / 5 / 28 - 00:42
المحور: قضايا ثقافية
    


كرّم الله الإنسان حيًّا وميتًا، فكما أن لحياته حرمة، فللموت أيضًا قدسيته، وقد شرع الإسلام تغسيل الميت وتكفينه ودفنه بطريقة تليق بكرامته الإنسانية، تكريمًا له حتى بعد وفاته. ولو لم يكن هذا من تكريم الله تعالى، لترك الإنسان في العراء جثة هامدة، يتعفّن تحت الشمس والهواء، ويُعامل كما تعامل الجيف، ويُقال عنه "فطيسة" كما يُقال عن باقي المخلوقات.

لكن، وللأسف الشديد، وفي مشهد مؤلم يتنافى مع كل المبادئ الدينية والقيم الأخلاقية، بدأت في الآونة الأخيرة بالظهور في العراق ظاهرة غير مسبوقة من الإساءة إلى الموتى، تمثلت بتصويرهم أثناء مراحل التغسيل والدفن، بل وتطور الأمر إلى تصوير القبور نفسها والتعليق عليها بطريقة ساخرة ومستهزئة، كل ذلك من أجل ما يُسمى بـ"صناعة المحتوى" على منصات التواصل الاجتماعي، كـ"تيك توك" و"إنستغرام"، دون أي رقابة أو رادع ديني أو قانوني.

في مقبرة "وادي السلام" الشهيرة، والتي تُعد من أكبر وأقدس المقابر في العالم الإسلامي، تتكرر هذه المشاهد بشكل مؤسف، حيث يُسجّل البعض مقاطع فيديو بين القبور، ويعلّق عليها بسخرية، أو يستخدمها خلفية لمقاطع ترفيهية ومواقف تمثيلية، تُنشر دون احترام لمشاعر ذوي الموتى أو لحرمة المكان.

ما يدفع هؤلاء لذلك؟ "المشاهدات" و"اللايكات" و"الشهرة"، حتى لو كان الثمن انتهاك كرامة ميت، ونشر لحظاته الأخيرة، أو تصوير قبره دون إذن من عائلته. هذه التصرفات لا يمكن تبريرها بأي شكل، وهي تمثل تدهورًا واضحًا في الوعي المجتمعي وغيابًا فادحًا للرقابة الأخلاقية.

وما يزيد الوضع سوءًا هو غياب الموقف الرسمي والديني الواضح. ففي العراق، لا توجد حاليًا وزارة للأوقاف تنظم مثل هذه القضايا، ولا نرى تحركًا جديًا من قبل المرجعيات أو المؤسسات الدينية أو حتى من النخب الثقافية للتصدي لهذا السلوك المنحرف. كما أن غياب القوانين الرادعة وترك المجال مفتوحًا لمنصات التواصل دون رقابة يساهم في تفشي هذه الظاهرة، وكأن كرامة الموتى أصبحت مادة رخيصة للضحك والتفاعل الرقمي.

إن ما يجري ليس مجرد مخالفة فردية، بل هو مؤشر خطير على انحدار في منظومة القيم، واستهانة واضحة بحرمات الأموات، في مجتمعٍ من المفترض أن يكون الموت فيه مناسبة للموعضة والسكينة والدعاء، لا مسرحًا للتسلية والاستهزاء.

من هنا، فإن مسؤولية معالجة هذه الظاهرة لا تقع على فرد أو جهة واحدة، بل هي مسؤولية مجتمعية متكاملة. تبدأ بتشديد القوانين التي تجرّم تصوير الموتى والمقابر دون إذن، وتصل إلى نشر الوعي الديني والأخلاقي عبر المدارس، والمنابر، والمنصات الإعلامية. كما أن على العائلات والمجتمع المدني أن يرفضوا ويقاطعوا هذا النوع من المحتوى، لا أن يتفاعلوا معه ويشجعوه.

إن كرامة الإنسان لا تنتهي بموته، بل تبدأ مهمة الحفاظ عليها. وحرمة القبر لا تقل عن حرمة الجسد الحي، وتصوير الميت دون إذن هو انتهاك صارخ لحقوقه واعتداء على ميثاق الإنسانية والدين.

لقد آن الأوان لوقفة جادة، نعيد فيها الاعتبار لهيبة الموت، ونغلق الباب في وجه من يتخذ من قبور الناس سلّمًا نحو الشهرة. كفى عبثًا بالموت، وكفى صمتًا عن الاستهزاء بالموتى.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأم البديلة واشكالات منح الجنسية للمولود
- التغيب القسري في العراق جريمة مستمرة بين ضعف الدولة وصمت الع ...
- التسامح قوة الأخلاق
- الأبادة الجماعية
- العقل الباطن
- المقاومة بين شرعية التحرر وتهمة الأرهاب
- تقبض من دبش
- الطبع والتطبع ببن الفطرة والأكتساب
- الثراء نعمة ام نقمة؟
- الرأي العام
- الحقيقة الثابتة
- الأحتيال المالي
- طرق الوصول إلى السلطة
- الوعد والعهد هل مازال من يعمل بهما
- الأنتحار بين الجريمة والظاهرة والمرض
- بكاء الجوع
- الصداقة بين الأمس واليوم
- القمم العربية مابين قمة دمشق وقمة بغداد
- دفتر ابو الثلاثين
- بين قوسين من الصمت


المزيد.....




- فيديو يُظهر المشاهد الأولى بعد لحظات من هجوم في كولورادو
- خبير أمريكي: ترامب يريد إنهاء النزاع الأوكراني في 2025 لكن ك ...
- من هو المواطن المصري المشتبه به في هجوم كولورادو؟
- ياكوفينكو يتحدث عما يمكن أن يشكل الأساس لإنشاء مشروع عالمي ج ...
- غراهام يدعو لفرض عقوبات جديدة على روسيا بحلول قمة مجموعة الس ...
- رئيس تشيلي يتعهد بزيادة الضغط على إسرائيل بسبب غزة
- بسبب فيديو.. زعيم مافيا تركي يمنح رجلا حوالي 80 ألف دولار
- فوز القومي كارول ناوروتسكي بالانتخابات الرئاسية البولندية (ر ...
- فوز ناوروتسكي بالانتخابات الرئاسية البولندية يُهدد الحكومة ا ...
- الخطة -إف-47-.. لماذا تأخرت المقاتلة الأميركية الأشرس على ال ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - مقابر العراق تتحول الى مسرح لصناع المحتوى