أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - التسامح قوة الأخلاق














المزيد.....

التسامح قوة الأخلاق


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 09:36
المحور: قضايا ثقافية
    


يُعد التسامح من أسمى القيم الإنسانية، ومن أبرز سمات الأخلاق الرفيعة التي لا تصدر إلا عن النفوس القوية الواثقة. فالتسامح ليس دليلاً على الضعف أو الهزيمة كما قد يظن البعض، بل هو مظهر من مظاهر النصر الداخلي على الغضب والرغبة في الانتقام، وهو تعبير عن سيطرة العقل والحكمة على الانفعال. ومن يملك القدرة على التسامح هو في الحقيقة المنتصر، لأنه استطاع أن يسمو على الأذى وأن يترفع عن رد الإساءة بمثلها، وهذا ما تميز به الأنبياء والرسل وأوصت به الكتب السماوية.

في القرآن الكريم، يقول الله تعالى: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" (آل عمران: 134). وهذا التوجيه الإلهي لا يعني فقط كظم الغيظ، بل تجاوزه إلى العفو والإحسان، وهو قمة التسامح. كذلك ورد في السنة النبوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" (رواه مسلم). ففي هذا الحديث إشارة واضحة إلى أن العفو لا يُنقص من قدر الإنسان بل يزيده رفعة وعزاً.

أما في الكتاب المقدس (الإنجيل)، فقد ورد في إنجيل متى: "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم" (متى 5: 44). وهذا النص يجسد قمة التسامح المسيحي، حيث يُطلب من المؤمن أن يقابل الإساءة بالإحسان، وأن يعلو فوق الأحقاد. وفي رسالة بولس إلى أهل أفسس جاء: "كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض، شفوقين، متسامحين كما سامحكم الله أيضاً في المسيح" (أفسس 4: 32).

وفي التوراة، ورد في سفر الأمثال: "بطيء الغضب خير من الجبار، ومالك روحه خير ممن يأخذ مدينة" (أمثال 16: 32). وهذا يعكس تقدير التوراة لصبر الإنسان وحلمه، ويضعه في مرتبة أعلى من الفاتحين والمقاتلين، ما يدل على أن القوة الحقيقية تكمن في السيطرة على النفس لا في السيطرة على الآخرين.

عبر العصور، لم تغب هذه القيمة عن الفكر الفلسفي أيضاً. فقد قال سقراط: "الانتقام ليس طريق الحكيم، بل هو طريق من غلبه الغضب على العقل". وكتب غاندي في العصر الحديث: "الضعيف لا يمكن أن يسامح، فالتسامح من صفات الأقوياء". وأكد فولتير أن: "التسامح هو نتيجة الفهم، ولا يمكن للإنسان أن يكون متسامحاً وهو جاهل بحقيقة الآخر".

ورغم ذلك، فإن نظرة بعض المجتمعات، وخصوصاً الشرقية منها، ما زالت تنظر إلى التسامح أحياناً على أنه ضعف وخضوع، لا سيما عندما يكون المتسامِح في موقف يتيح له الرد أو الانتقام. ويزداد هذا التصور حين يُبالغ الإنسان في التسامح لدرجة تجعله عُرضة للاستغلال أو التقليل من شأنه، فيبدو في أعين الآخرين متهاوناً بحقوقه أو خائفاً من المواجهة. وهذا فهم قاصر ومغلوط لمعنى التسامح الحقيقي، الذي لا يُفترض أن يلغي العدل أو يُشرّع للظلم، بل يُسهم في تحقيق الصلح والتراضي وحماية النسيج الاجتماعي من التمزق.

إن الأنبياء والرسل عليهم السلام ضربوا أعظم الأمثلة في التسامح، رغم ما تعرضوا له من أذى وقسوة. فقد غفر النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأهل مكة بعد أن أخرجوه وآذوه، وقال لهم يوم الفتح: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". وهذا التسامح العظيم لم يكن عن ضعف، بل عن حكمة وقوة وعزيمة، فتح به قلوب الناس قبل أن يفتح ديارهم.

وبذلك يمكن القول إن التسامح ليس خيار الضعفاء، بل هو قرار الأقوياء الذين يريدون بناء مجتمع تسوده المحبة والتفاهم، لا الحقد والثأر. ومع إدراك قيمة التسامح، لا بد من الموازنة بين العفو والعدل، حتى لا يُساء فهمه أو يُستغل، ويظل كما أراده الله خلقاً يرفع من شأن صاحبه، ويُصلح ما بين الناس، ويُقرّب القلوب.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأبادة الجماعية
- العقل الباطن
- المقاومة بين شرعية التحرر وتهمة الأرهاب
- تقبض من دبش
- الطبع والتطبع ببن الفطرة والأكتساب
- الثراء نعمة ام نقمة؟
- الرأي العام
- الحقيقة الثابتة
- الأحتيال المالي
- طرق الوصول إلى السلطة
- الوعد والعهد هل مازال من يعمل بهما
- الأنتحار بين الجريمة والظاهرة والمرض
- بكاء الجوع
- الصداقة بين الأمس واليوم
- القمم العربية مابين قمة دمشق وقمة بغداد
- دفتر ابو الثلاثين
- بين قوسين من الصمت
- التقارب السعودي التركي الى أين؟
- أخر المحطات
- دمشق وبغداد والتوجه الأمريكي


المزيد.....




- -لسنا مكب نفايات لترامب-.. دول أفريقية غاضبة بعد وصول مرحلين ...
- غرائب المطبخ الأميركي.. كرات لحم خنزير وإعصار الزبدة يتصدران ...
- تسعة اختراعات لا نعلم أن وراءها نساء
- مقتل ثلاثة أشخاص في -حادث- بمركز تدريب للشرطة في لوس أنجلوس ...
- ترامب يقاضي مردوخ و -وول ستريت جورنال- ويطالب بتعويض -خيالي- ...
- التحدي والاستجابة
- عبد القادر الشهابي خطاط فلسطين الأول
- الأمين العام لحزب الله: نواجه خطرا وجوديا ولن نسلّم سلاحنا ل ...
- عاجل | مصادر للجزيرة: هبوط مروحيات إجلاء إسرائيلية شرق خان ي ...
- مصير الرئيس التنفيذي بعد كشفه بفيديو يعانق موظفة بحفل كولدبل ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - التسامح قوة الأخلاق