أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة يا أمة ضحكت .















المزيد.....

مقامة يا أمة ضحكت .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8350 - 2025 / 5 / 22 - 13:05
المحور: الادب والفن
    


يقول أبو الطيب المتنبي في بيت شعري من قصيدة هجاء : (( أغاية الدين أن تحفّوا شواربكم ... يا أمة ضحكت من جهلها الأمم )) , حيث يخاطب المتنبي بهذا البيت أهل مصر , ويهجو فيهم تركهم ولاية ( كافور ) عليهم , وقد شرح أبو العلاء المعري البيت : (( مِن عادةِ أهل مِصر إحفاء الشَّوارب , يقول : اقتصرتُم منَ الدِّين علَى ذلك , وعطَّلتُمْ سائرَ أحكامه , ورَضِيتُم بولايةِ كافور عليكُم مَعَ خِسَّتِهِ , حتَّى ضَحِكَتِ الأُممُ مِنكم , واستهزؤُوا بكُم وبقلَّةِ عقلِكُم )) , يرفض الظلاميون ألأستشهاد بهذا البيت , وقالوا ان المتنبي كان مع شهرته تاجر كلام , إن أعطي مدح و إن منع ذم , ألا ان شاعرا آخر
عاش في الفترة بين 1850-1897م , هو حسن حسني الطويراني , وجدناه يقول : (( إني أقول وحق ما أقول لهم...لكنهم جهلوا تحقيق ما فهموا , مني سماعا عباد الله واعتبروا... يا أمة ضحكت من جهلها الأمم )) .

مشكلة الإنسان العربي أنه ترك حضارته وثقافته ومدنيته ويرفض بشدة مقارنة مجتمعه مع المجتمعات البدوية فى حينها أو مقارنة ‏المجتمعات الحديثة فى عصرنا , هنا تحاصره الخرافة ويتفق معها لأنها تنافق معتقداته وتجعله يرفض الوقائع المنطقية لأنها لا تتفق مع ‏مصالحه الغيبية , وتزداد حجم المأساة سوءاً عندما تصيبه الحيرة ولا يعرف إذا كان أختياره نعمة أم نقمة , إننا نحن المنتمين إلى هوامش النظام الرأسمالي العالمي , لا نزال نُرغَم على العيش في تخوم عصر الرأسمال التجاري , عصر ما قبل الصناعة , وكأن التاريخ قد توقف عندنا ليُعيد إنتاج بداياتهم , فيما هم – وقد صاروا مركزًا – ينعَمون بترف ما بعد الصناعة , حيث تسود المعرفة ويُستَبدَل العمل اليدويّ بالتقني والرقميّ , وحيث لا مكان إلا للقوة المهيمنة عبر المال والعقل والتكنولوجيا , نحن لا نُنتج , بل نَستهلك , ولا نُشارك , بل نُشاهد , إننا نلهث خلف سلعٍ لم نُسهم في خلقها , ونُفتن بأنماط حياة لم نكن طرفًا في صياغتها , نستهلك ما لا نصنع , ونتبنّى ما لا نُنتج , حتى تحوّلنا إلى سوقٍ مفتوح لتصريف الفائض الإمبريالي , وهذا هو الموضع الهامشيّ المَخزِيّ .

الإنسان كائن مغفل وعنيد لا يقتنع بالعلم بسهولة بل يعاند ويدخل فى صراع مع المثقفين والعلماء , ومن الصعب فى عالمنا العربى تغيير ‏قناعة الناس الذين أغلقوا عقولهم عن فهم الواقع والتاريخ , الخرافات تنتشر بسرعة لأن المجتمع كله نشأ وتربى عليها فى مراكز العبادة ‏ومؤسسات التعليم , فأصبح الإنسان ينتظر المعجزات ولا يحب التغيير بل يوظفون الخرافة والأسطورة لصالح أفكارهم الجاهلية التى ‏سمعوها , يقول مالك بن نبى بوجود أفكار قاتلة وافكار ميتة , الإنسان الخرافى لديه أطمئنان كبير بأن الله سينصره على أعداءه لذلك ‏تجده يقتل ويدمر الآخر , وهو مستريح البال لأنه مجرد أداة لله ينفذ أوامره , فيلقى كل مشاعر اللوم على الله ولا يفكر فيها , من أجل ذلك ‏أنتشرت أمراض تعطيل التفكير الحقيقى والبحث عن أفكار وقصص خرافية تبيح لهم الثوابت والتأويلات والهروب من الواقع إلى الخيال ‏ومن الحقيقة إلى الوهم لأنهم يجدون راحة كبيرة حسب معتقداتهم فى الثبات الوجودى , والمشكلة الكبرى فى المجتمعات التى تربت على ‏أعتقادها فى قدرتها على تحقيق أطماعها والحصول على كل ما تحلم به وتتمناه حتى ولو كان الهيمنة والسيطرة على الآخر.

الإيمان بأن الواقع الحاضر فى المجتمعات العربية هو حالة صحية طبيعية لا تسبب الشعور بسيادة الأنحطاط العقلى هو من أكبر ‏علامات إنتصار التخلف الجماعى , وفى إلقاء نظرة متمعنة لأفراد المجتمع سنجد أن نسبة كبيرة منه تعيش فى الماضى العربى الغريب عن ‏طبيعتها الإنسانية , تخلف نتيجة تصديق دجل رجال الدين المضللين ونخبة المثقفين المتعصبين لدينهم والخائفين من الثمن الذى يمكن ‏أن يدفعونه لو كشفوا وأعترفوا بتزوير التاريخ الدينى والعربى عامة , النظام السياسى علمهم الخوف من التعذيب ودخول المعتقلات ‏والسجون فالجميع أعتاد على النفاق والتقية التى يزرعها فى عقولهم رجال الدين المزعومين منذ الصغر.‏

ان العربى مثله كمثل المجنون الذى يعتقد أنه العاقل الوحيد فى العالم لأنه يتعلق بوهم أنه الوحيد خير الناس وأفضلهم , كيف ‏ستقنع المجنون بأن لا يعمل ولا يبتكر شيئاً بل يستهلك ثمرات العلم والمعرفة وقوت الحياة من الذين يكفرهم ؟‏ لقد أصبح الفكر العربى عقيماً منذ أن أعتاد النظر إلى الوراء , ليأخذ الآراء والأفكار والأحكام والفتاوى من الموتى فى قبورهم من مئات ‏السنين , والسبب أنهم أصبحوا مقدسون فى مجتمعه وبذلك يتلاشى التوقف للتفكير وتشغيل عقله حتى لا يصيبه التعب والإجهاد , حتى لا ‏يخطئ ويدخل فى دائرة العقاب الدينى الذى سجنه فيه رجال الدين , بل أقنعوه بأن الضمير والأخلاق من نتاج الدين لكن الحقيقة هى لا ‏علاقة لهم بالأديان , العربى مصاب بأزمة إدراك للحقائق وعلاقتها بالحاضر وعدم الوعى بأنه حصر مجتمعاته فى مجلدات نصوصية من ‏الماضى , يستقى منها علومه وترك حاضره الذى ينفجر من ثورة المعلومات الحقيقية التى تبنى حاضر ومستقبل البشرية , ويعتقد العربي بأن النور يأتى من صناديق الكتب العتيقة التى قدسوها ورفعوها فوق كل ‏عقل وعلم حديث أبتكره الإنسان العصرى , إن الماضى ورجالاته وموتى القبور لن يعودوا أبداً مهما رفعت دعواتك وصلواتك إلى كل آلهة ‏الكون فهل يتعقلون؟؟ إن الجهل هو وطن الأشقياء بكل وقاحة هيمنة أفكارهم , وأعتقادهم بأنهم أسياد وليسوا عبيد جهلهم الذين يتعبدون له صباح ومساء .

قال الشاعر معروف الرصافي في وصف الجهل وآثاره ((أَلَا إِنَّ الْجَهْلَ دَاءٌ وَبِيلٌ∗∗∗وَعَاقِبَةُ الْجَهْلِ شَرُّوَبَالِ فَكَمْ أَهْلَكَ الْجَهْلُ قَوْمًا وَأَرْدَى∗∗∗وَأَوْرَثَهُمْ مَذَلَّةَ الْحَالِ )) .
وقال ابو تمام ((إِذَا كَانَ الْعِلْمُ لِلْفَتَى سَبِيلًا∗∗∗إِلَى كُلِّ الْمَكَارِمِ يَهْتَدِي بِهِ وَمَا الْجَهْلُ إِلَّا خَافِضٌ وَمُضِلٌّ∗∗∗وَمُورِدُ صَاحِبَهُ شَرَّ الْمَوَارِدِ )) ,
وقال حافظ إبراهيم : (( الْعِلْمُ يَرْفَعُ بَيْتًا لَا عِمَادَ لَهُ∗∗∗وَالْجَهْلُ يَهْدِمُ بَيْتَ الْعِزِّ وَالشَّرَفِ )) .
وقال أحمد شوقي: (( بَنُو قَوْمِي هَبُّوا لِأَمْرٍ جَلِيلِ∗∗∗فَقَدْ طَالَ عَلَيْكُمُ رُقَادُ الطَّوِيلِ سَنَرْفَعُ بِالْعِلْمِ وَالْجِدِّ مُلْكًا∗∗∗وَنُحْيِي عَهْدًا لِلْأُلَى الْأَوَّلِينَ )) .







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة إلا الزلق .
- مقامة توقيت الأنسحاب .
- مقامة القوة الناعمة .
- مقامة حمار بوريدان .
- مقامة صبر النائبات .
- مقامة الموتات الأربعة .
- مقامة الديموقراطية .
- مقامة مطعم الجامعة .
- مقامة المثقف .
- مقامة مشوار .
- مقامة الأغوات .
- مقامة ضياع الزمن .
- مقامة ألأستفهام .
- مقامة الزعل .
- مقامة الهذلي .
- مقامة غزال الكرخ .
- مقامة النساء أولًا Ladies First .
- مقامة عابرة .
- مقامة عمي .
- مقامة أياك .


المزيد.....




- كيف يغير الذكاء الاصطناعي بيئة العمل الصحفي؟
- الوجه المخفي ل -نسور الجمهورية- في فيلم طارق صالح
- -فنان العرب- يتعرض لوعكة صحية ويكشف عن حالته بعد اعتذاره عن ...
- مهرجان كان: الممثل طاهر رحيم يفقد 20 كيلوغراما لأداء دور مدم ...
- شاكيرا تتعرض لموقف محرج على المسرح وتعلق عليه (فيديو + صورة) ...
- دور الرواية الفلسطينية كسلاح في مواجهة الإحتلال
- الشتات الفلسطيني والمقاومة ضد التحيزات الإعلامية في أميركا ا ...
- محمد سمير ندا: القلق هو الصلاة السادسة التي يصليها العرب جما ...
- بالفيديو.. شاكيرا تسقط خلال أداء استعراضي على المسرح
- إقبال غير مسبوق على حفلات الفنانة جنيفر لوبيز في كازاخستان


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة يا أمة ضحكت .