أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محفوظ بجاوي - في المرآة لا أحد














المزيد.....

في المرآة لا أحد


محفوظ بجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8343 - 2025 / 5 / 15 - 08:34
المحور: سيرة ذاتية
    


عشتُ بين الأوطان، تنقلتُ بين الأماكن، ولكن لم أكن أدري أنني كنت أفقد شيئًا في كل مرة أرحل. ربما كنت أهرب من نفسي، من تفاصيل أزعجتني أو من أوقات جعلتني أفتقد الأشياء التي كانت يومًا تعني لي الكثير.
في الماضي، كنت أنظر في المرآة فأرى صورة شاب يعتني بنفسه، يختار ملابسه بعناية، ويضع لمسات صغيرة من الجمال على ملامحه. كنت أحب تفاصيل ملابسي، وأرتدي "الحطاطا" التي كانت تميزني. كان لدي شغف لا ينتهي بكل ما هو جميل، وكنت أحرص على أن أكون دائمًا في أفضل صورة. كانت الألوان التي أرتديها تعكس شخصيتي، وكنت لا أخرج من المنزل إلا وأنا مرتاح لما أرتديه.
لكن، هذا كان بالأمس فقط.
اليوم، في أحد الأيام العادية، مررت أمام مرآة ولم أتعرف على نفسي. لا، لم يكن الأمر يتعلق بالتغيير الخارجي فقط، بل كان تغييرًا أعمق من ذلك. كان التغيير داخليًا، في روحي، في قلبي. كنت أبحث عن شخص آخر في تلك المرآة، شخص كنت أعرفه جيدًا، ولكنه اختفى، أو بالأحرى، أنا من اختفى.
أصبح الوقت يمر وأنا أعيش بين الحضور والغربة في ذاتي. لا شيء يهمني الآن، ولا حتى ما أرتديه. أصبحت أرتدي ما هو متاح فقط، لا أبحث عن الجمال أو الراحة. لا أكترث للمظاهر كما كنت أفعل من قبل. إنني أعيش حياة تبدو بلا لون، بلا طعم.
منذ فترة، تذكرت تلك الأيام التي كنت فيها أختار ملابسي بحرص، وأستعد للحديث مع الأصدقاء بابتسامة، وأنتظر لقاءاتهم بشغف. أما الآن، فقد تبدلت الأولويات، فقدت قدرتي على الاهتمام بالأشياء التي كنت أحبها، وتبددت تلك الرغبة في أن أكون "موجودًا".
أصبحت الحياة مجرد تسلسل يومي، أتحرك فيه كآلة دون أن أشعر بوجودي. وعندما أنظر إلى نفسي في المرآة، لا أرى سوى شخص غريب. شخص يفتقد نفسه.
لكني في هذا التوهان، في هذه الضبابية، وجدت شيئًا واحدًا يبقيني على قيد الحياة: الكتابة.
كتابة الكلمات تمنحني لحظات من العيش، لحظات أستطيع فيها أن أسترجع ذاتي المفقودة. الكتابة هي السلحفاة التي أنقذ بها نفسي من هذا السراب الذي أصبح يحيط بي. حين أكتب، أجدني أعود إلى مكان آخر، إلى زمن آخر، إلى شخص آخر.
ربما لا يمكن للكلمات أن تعيد لي الماضي، ولا أن تعيدني إلى نفسي كما كنت، لكن الكتابة هي الوسيلة الوحيدة التي تجعلني أرى العالم كما كنت أراه. من خلالها أستطيع أن أعيش من جديد، أن أملأ الفراغ الذي يحيط بي.
وحتى وإن كانت الحياة قد أخذت مني أشياءً كثيرة، وحتى وإن أصبح كل شيء حولي بلا معنى، فإنني لا زلت أملك القلم، ولا زلت أملك القدرة على الكتابة.
أنا محفوظ ، حوالي سبعون عامًا، أعيش بين الوطن وأوطانٍ، بين أهلي وأبنائي، ولكنني دائمًا أبحث عن نفسي في مرآة الحياة التي لا ترد لي انعكاسي كما كنت أراه.



#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لم أُخلق لأربح بل لأصمد: قصة تشاؤم بلا هزيمة
- غريب بين وطنين
- ركضت طويلا، فوجدت نفسي في النهاية: الحسرات تطاردني، والزمن ل ...
- التعليم الرديء يصنع دولة فاشلة : حين تصعد الرداءة من القسم إ ...
- لأنني محفوظ بكم
- حين يصمت الوعي، ويتجمد الموقف....الحياد يصبح خيانة ناعمة!
- جيل يواجه المجهول : لا تُكرّروا خيانة العقول _أمة تطفيء مصاب ...
- من المعلم إلى الواعظ: كيف فقدت المدرسة الجزائرية رسالتها الت ...
- الأنتماء اللامشروط وخيانة الوطن : حين يصبح الوطن محطة لا أصل ...
- الدبلوماسية الجزائرية بين الأمس واليوم : من الاتزان إلى الار ...
- من الذاكرة : قصتي مع أمي وأبي
- العقيدة الموروثة : حين يصبح الإيمان قيدًا بدلًا من أن يكون و ...
- من ذاكرتي : عندما لا تغادرنا الأوجاع
- هواري بومدين وصناعة الرموز : حين يصبح التاريخ أداة للشرعية ا ...
- رغم إنك كبير يا وطني....
- أحمد أويحيى: رجل الدولة الذي خسرته الجزائر
- الركود الفكري في الجزائر: تحديات المجتمع في عصر الجمود
- الدولة المؤمنة... واستنزاف الجيوب باسم العقيدة
- كرامة المواطن ليست للبيع!
- غربة في غربة... حين تصبح الغربة مصيرًا لا مفر منه


المزيد.....




- بَلغهم أنه توفي وأوقفوا راتبه التقاعدي.. الهيئة القومية للتأ ...
- نجم الروك بروس سبرينغستين يصف ترامب بأنه -غير لائق- و-غير كف ...
- السعودية تدين مواصلة إسرائيل تصعيدها العسكري ضد المدنيين الع ...
- في الذكرى 77 للنكبة.. فنزويلا تؤكد دعمها للشعب الفلسطيني وتد ...
- أنباء أولية عن عملية دهس على حاجز -ميتار- جنوب الخليل
- ما مدى قانونية قبول ترامب للطائرة القطرية الفاخرة؟
- لاتفيا تحذر: السياح التائهون في الغابات قد يكونون عملاء روس ...
- الجيش الإسرائيلي: اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن وتسبّب بإغلاق ...
- حكومة المستشار ميرتس تركز بقوة على السياسة الخارجية
- عشرات القتلى في ضربات إسرائيلية متفرقة على قطاع غزة


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محفوظ بجاوي - في المرآة لا أحد