صادق جبار حسين
الحوار المتمدن-العدد: 8001 - 2024 / 6 / 7 - 00:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في مشهد لا يخلو من التناقضات الساخرة، تظهر في العراق بين الحين والآخر حملات مقاطعة للمنتجات الأمريكية، خاصة في ظل توترات سياسية أو اقتصادية. أحدث تلك حملات كانت تستهدف سلسلة المطاعم الشهيرة "كنتاكي فرايد تشيكن "
حيث تعالت الأصوات المطالبة بمقاطعة هذه الوجبات السريعة كنوع من الاحتجاج والاعتراض على السياسات الأمريكية.
لكن المفارقة المضحكة تكمن في أن الكثير من نفس الأشخاص الذين يدعون لهذه المقاطعة يظهرون وهم يستخدمون سيارات "شيفروليه تاهو" الفارهة ، ويحملون هواتف "آيفون" الأنيقة ، التي تُعد من أبرز المنتجات الأمريكية وأكثرها شعبية. هذا التناقض يطرح تساؤلات حول مدى جدية هذه الحملات ومدى صدقها وصدق من يدعون إنهم محور المقاومة
من المثير للسخرية أن نرى شخصًا يرتدي ملابس تحمل شعارات رياضية أمريكية، ويستخدم أحدث الأجهزة الإلكترونية المصنوعة في الولايات المتحدة، بينما يتحدث بحماس عن أهمية مقاطعة "كنتاكي" حفاظًا على مبادئه الوطنية. فهل هي مسألة مبدأ أم مجرد موضة وقتية سرعان ما تتلاشى؟
ازدواجية المعايير
إن التناقضات لا تقف عند هذا الحد. في الوقت الذي يخرج فيه البعض للتظاهر ضد المنتجات الأمريكية، يعاني نصف الشعب العراقي من الفقر المستشري. وتزيد المشاكل الاجتماعية تعقيدًا مع تفشي الفساد في جميع مؤسسات الحكومة، وانتشار الجريمة، وتعاطي المخدرات، والانحلال الأخلاقي. ورغم كل هذه المشاكل، نادرًا ما نشهد تظاهرات واسعة ضد هذه السلبيات التي تعصف بالمجتمع العراقي
يبدو أن حملات المقاطعة في العراق تعكس حالة من الازدواجية بين الشعارات الرنانة والواقع المعاش. فبينما يتم الدعوة لمقاطعة المنتجات الأمريكية كرمز للاعتراض، لا نجد نفس الحماس في مواجهة التحديات الداخلية الأكثر إلحاحًا وتأثيرًا على حياة المواطنين اليومية.
تجاهل المشاكل الحقيقية
في ظل الفقر المستشري والفساد الذي يعصف بمؤسسات الدولة، يكون من الصعب تجاهل السؤال عن الأسباب الحقيقية وراء تجاهل هذه القضايا في الخطاب العام. لماذا لا نشهد نفس القدر من الحماس في محاربة الفساد، وتحسين الظروف المعيشية، ومعالجة مشاكل الجريمة والمخدرات والفساد الإداري والاقتصادي والاجتماعي والسياسي ؟
ربما تعكس هذه التناقضات الحاجة إلى نهج أكثر وعيًا واتزانًا في التعامل مع فكرة المقاطعة والاحتجاجات. بدلاً من التركيز على الشعارات البراقة التي قد تكون فارغة من مضمونها، يجب على المجتمع العراقي أن يوجه طاقاته نحو معالجة القضايا الجوهرية التي تؤثر على حياته اليومية. فبين المقاطعة وبين مكافحة الفساد والجريمة، يظل السؤال مطروحًا: ما الذي يجب أن يكون أولوية في نضال الشعب من أجل مستقبل أفضل ؟
#صادق_جبار_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟