أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الله خطوري - قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ















المزيد.....

قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7565 - 2023 / 3 / 29 - 16:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أَرْنُـو إلَى أَزَلٍ
يَخْطُو عَلى وَجَـلِ
أَرْنُـو إلى
آلسّـاعات أَرْقُبُها
عَـلَّ آلـسَّـآمَـةَ
مِنْ أَمْشَاجـِي تَـجـِبُ
أرْنُـو مُنْتَفِضا،
أهْفُـو ولاَ أثِبُ...

بضع سنوات خَلَتْ كُنا رجعنا من أعمالنا ذات عشية من جمعة تْلَتَّاشْ (١) مارس آذار متبرمين متأففين منهكين كما آلعادة، معتقدين غَدًا سيكون يومَ سبت عادي، فإذا به أمْرٌ حَدٌّ قَطْعٌ وبتر؛ فما كِدْنا نصيتُها زفرةَ اُوووه حتى أُخْطِرْنا بضرورة آلتوقف عن آلاستمرار في مُياومة يومياتنا وترك جداول آلحضور آلفعلي آلمياوم صباح مساء، والالتزام بمعاقل دُورنا والاعتكاف مرغمين بمَبيتنا آلليلي نُحَوِله ما آستطعنا بياتَ دوام إلى أجل غير معلوم بعد أن كان بيات أحلام مبتسرة تنتهي لتبدأ من جديد.. وفي خضم آلمنع وآلحبس، اكتشفنا، ونحن نغطس هاماتنا في أتون زفير التنمل في مكان واحد، لهاثًا كنا نلهثه قبل الحجر مغلفين بغشاوة هناءة آلواجب معتقدين أننا كنا نشن حربا مقدسة ضد أعداء حقيقين صدقنا غرارتنا تنعتها بنعوت فلسفية وصفات فنطازية تسميها بأسماء مثالية وأسماء تسبح فوق آلسحاب .. كنا نؤمن لدرجة البله بمفاهيم الواجب الحق الذي يجب أن يكون مصدقين كنايات حكاية الصرار والنملة وما لف لفها من ترنيمات العمل من أجل محاربة الفقر والتفقير والعمل على الحد من وطأة الجهل والبؤس، والمضي قدما في مكابدة البحث عن السعادة رجاء الاستقرار وصفاء الأرواح والسعي الى قطف نعيم القيم الخالدة الأبدية...نسعى نكد نركض ركض عته الوحوش .. لتكون المُحَصِلة في نهاية آلطواف مكانا ما هناك هنالِك ينتظر قدومنا إليه ذات لحظة من زمن ما يأتي بعد حين محملين فوق ألواح مصمتة مرتوقة بدُسُر .. هذا ما كان..
لقد واجه الإنسان بفكره وفنه عبر مسار تاريخه الإبداعي تجربة الموت بأسلحة رمزية، التي لا يملك غيرها، حاولت ما أمكنها مقاومته حتى أوشكت أن تخرج من تحديها بنتائج إيجابية لولا ...
يعود الفارس“أنطونيوس” (٢) من حربه الوهمية المقدسة، ليصادف في بلدته حربا أخرى من نوع آخر يلعب فيها مصير آنزياح الوجود الإنساني عن مساره دورا خطيرا، إذْ يجد الناس غرقى ضحية آنتشار مرض الطاعون الذي يفتك بالأعمار دون هوادة لا يفرق بين صغير وكبير بين ذكر وأنثى بين المِلل والنحل (تماما ككورونانا الحالية)؛ وبينما هو يتفقد آلخسائر، يصادف الخادمَ المكلفَ بقبض الأرواح يقف أمامه بالمرصاد، يتجلى أمامه عيانا وجهًا لوجه طالبًا منه أن يرحل معه إلى ما وراء الوراء، فقد آنتهى كل شيء، وآنَ الأوان ليخرج من باب الدنيا ويدخل باب حياة أخرى، أو موت آخر أو كينونة أخرى لا يعلم عنها “أنطونيوس” نفسه شيئا.يحاول الفارس فعل شيء ما لمواجهة حتمية المصير، فيقترح أن يتفاوض مع الموت من خلال التباري في لعبة الشطرنج، فإن كان الفوز من نصيبه سيتمكن من فرصة أخرى للعيش وإلا...
في الحقيقة، “أنطونيوس” في هذه الحكاية لا يطلب تأجيلًا من الموت في سبيل نهم ما أو جشع أو رغبة آغتراف من ملذات الحياة؛ لأنّه يعيش في مكان يحيطه البؤس والشقاء إلى الحد الذي يصاب فيه الإنسان العاقل بالجنون، كل ما في الأمر أنّه مازال حائرًا تائِهًا يحلم بأن يحصل على بعض المعرفة يبحث عبرها عن إشارة يهتدي بها، قبس يُضِيئ له ظلامه الأبدي الذي تتخيله رؤاه بخصوص حياة ما بعد الموت، فهو لا يريد خوض تجربة مجهولة لا يدرك جغرافياتها وأبعادها .. لقد أضاع حياته في حروب بيزينطية لَغْوية(من اللغو، ومن لغا فلا حياة له)تارة بآسم الصليب ضد من تراهم الكنيسة كفارا أعداء وتارة ضد من خالهم لصوصا قطاع طرق(تماما كما دَيْدَنُ الدونكيشوت المخبول)، وأخرى من أجل أن يستمر في الحياة كيفما آتفق لا يهم كيف تكون هذه الحياة ليلفي نفسه بقطاف فراغ لا جدوى منه، وحتى حنكته ودربته وذكاؤه في المناورة لا تسمح له ربح ولو بقايا من زمن يستزيد به بعض المعارف عله يخفف وقع وطأة رحلته القادمة هو الذي ألف رحلاااات الفرسان المغامرين على شاكلة متاهات جلجاميش الفطرية البابلية وسَفريات أوليس الإغريقية ومناورات الفلاسفة العقلية وتأملات المتصوفة ومناوشات سيف ذي يزن العربية وخَطَرات دونكيشوت الإيبيرية وتحديات المزعوم عِلْما بتقنياته ومخترعاته الفيزيائية والبيولوجية وغزواته المتنصلة من سطوة الجاذبية ... وغيرها من مكابدات سلالة آدم التي حاولت الإمساك بإكسير الخلود بمحاولة النجاة من الموت بفهمه ومحاورته وتحليله وتحديه و... لكنها آنتهت من حيث بدأت:لا شيء .. وأي معاندة تروم غير ما جُبِلَ عليه الخَلْق، فإنها لا محالة سيزيفية المصير، مجرد عنت ونصب وضنك لا طائل من ورائه (٣)...
التباس القضية لا تكمن في حتمية الموت ذاته، بل في تغير تعاملنا معه زمن الأوبئة والجائحات، فرغم توجساتنا ومخاوفنا من مجاهيله وغيبياته، فإن هذه الأوبئة آنتقلت من الموت كتجربة فردية تقع من حين لآخر عبر فترات متباعدة إلى حالة جماعية تزهق فيها النفوس جماعات جملة واحدة في فترات وجيزة، مما خلق نوعا من الاستئناس بالتجربة التي أمست لكثرة تداولها وطريقة طقوس توديع الراحلين أو المُرَّحَلين التي لم تعد تشبه طقوس الأيام العادية نتيجة الاحتياطات الصحية والأمنية درءا لتفشي الوباء، أمسَتْ رغم هول فجاعتها شكلا من أشكال الزفير والشهيق لا غير...
للأسف خلال ذِروة الجائحة، عرفت الكثير من المجتمعات آزديادا ملحوظا في عدد الوفيات لأسباب عديدة لعل من أهمها تغلغل الوباء بشكل مستشر حتى تعايش معه الناس لدرجة غَدَا أمر الموت ليس بذاك الخطب الجلل الذي كان .. لقد أمْسَى روتينا يوميا .. Un cas assez banal .. (٤) عاديا لدرجة الاستخفاف به وبمجرياته .. مات فلان مات علان الله يرحم الجميع تستمر الحياة .. وأي حياة..!!..اجْرِ علَيَّ أَجري عليك زْطَمْ هْنا زْطَمْ لْهيهْ (٥) .. تشابكاتٌ في كل مكان دون حرص دون تدبر دون سعي لوقاية وحماية ذوي الهشاشة من الأعمار والأمراض المزمنة .. وغِيرْ تْبَعَّدْ عليا والطَّرْطَقْ فِينْ بْغَاتْ (٦) .. لسان حال الجموع غير المدركة للعواقب؛ ومما زاد الأمر قتامة ضيق المقابر وعجزها في آستِوْعاب العدد المتزايد للوافدين عليها من الأموات الى درجة شرع الأحياء يدفنون موتاهم على رفاة الآخرين بدفين على بقايا دفين على حد تعبير المَعَري دون آحترام الشرائع الدينية ولا حرمة الموت والميت والموتى ولا إنسانية الإنسان ولا مشاعر أهل الذين تُنبش قبور ذويهم ليعاد طمرها مرة أخرى في دفن كيفما آتفق، هذا إذا تم فعلا الانتباه إلى وضعية رفاث العظام البشرية التي كثيرا ما تبقى خارج المقابر؛ لتصبح حياة المحسوبين على الحياة كمصائر الذين رحلوا، لا شيء يذكر فيها لا ميزة لها لا كرامة لا آعتبار، لا حياة سوية هنا لا موت كريم هناك، مجرد ركام تجمعات بشرية قطيعية أقرب الى عيشة الكْسيبا ف الزريبا (٧) .. من ثقب آلباب، تسلل آلموت يبحث عن حَنجرة يخنقها .. لقد مات أمسِ فلان بن فلان وكذلك قضى اليوم فلان آخر وغدا سَيهلك آخرون ثم لا شيء .. مجرد عادة ذميمة تعلمها الإنسان ...
لا جديد في آلحياة إذن، لا دهشة في الموت .. لسان حال الأنام .. الجمعة اليوم والسبت غدا .. تلك هي الحكاية .. وهذا ما كان...
لذا، علينا آعتبار كورنانا الحالية سَبَبا لسَفَر من آلأسفار لا غير، سبقتها أسفار فتن الحياة المتتاليات في لعب ولهو وفتنة وتكاثر وسعي كدٍ ومكابدة وجْرِي عْلِيَا أجْري عليك، وعند نقطة آلتقاء آلانتقال مِن .. إلى .. نُوَاجَهُ نُسْأَلُ بصيغة المجهول .. كَمْ لبثتم ..؟!.. فلا ندري ما نجيب .. حتى حَدْسُ عبارة (يوم أو بعض يوم) المأثورة لا نستطيع آنئذ النبس بها .. لِمَ، إذن، نرضخ للافتتان والاستسلام للغرق في هواجس مجازات العبور تُحاصرنا في دُنانا الدنية عوض معانقة دهشة ميلاد جديد بمحاولة آستشراف زمن وجود آخر، زمن وجود مغاير، زمن وجود مطلق ...


☆إشارات:

١_تلتاش : ثلاثة عشر / ١٣ / 13 لست أدري أشؤم هو أم مصادفة حميدة
٢_شخصية رئيسة في فيلم سويدي (الختم السابع)من اخراج"اينغر بريغمان يتمحور حول سعي رجل نحو أجوبة حول الحياة والموت،ووجود الله وعدمه. يلعب الشطرنج ضد قابض الأرواح خلال وباء الطاعون الأسود،يعتبر الختم السابع على نطاق واسع من أعظم الأفلام في السينما العالمية،وواحد من أكثر الأفلام تأثيراً،حاز جائزة لجنة التحكيم الخاصة..
٣_من قصص(سوميرست موم) المستوحاة من التراث السردي الشرقي حكاية الخادم الذي صادف الموت في طريقه، فقرر الهروب بعيدا عن بغداد الى أقصى مكان يمكن أن يصله بمدينة سامراء.ولما ذهب سيدُ الخادمِ إلى السوق يستفسر عن الموضوع، أجابه الموت بأن له موعدا مع خادمه ليلا في سامراء، لذا، تعجب من رؤيته بعيدا عنها...
٤_Un cas assez banal:حالة مبتذلة جدا
٥_اجْرِ علَيَّ أَجري عليك زْطَمْ هْنا زْطَمْ لْهيهْ:عبارة كناية عن حياة الفتنة التي يعيشها الإنسان دون أن يستمتع بلحظاته
٦_وغِيرْ تبعد عليا والطَّرْطَقْ فِينْ بْغَاتْ :
لتبتعدْ عن المصيبة، وتقع حيث تشاء لا يهم
٧_عيشة الكسيبا ف الزريبا:عيشة القطيع في زريبته



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حُرَّةٌ هِيَ أمِّي هُناكَ
- يا رُوحَهَا
- مَرَاقِي آلْمَمَاتِ
- بِيبِي عِيشَا مَاتَتْ
- تَبْقَى عَلَى خِيرْ يَا صَاحْبِي
- نَزْعٌ أَخِير
- وَهْمُ آلأَشْكَالِ في قصيدة (من وحي واقعة المخازن) لأحمد الم ...
- عَيْنَا فَا
- تْنِيمَارْ نْبُويَبْلَانْ
- حَتَّى لَاااايَنْ / إِلَى مَتَى
- بَارَازِيطْ الحياة
- التتارُ آلجدد
- حِيلة ونصف
- دَنَاصِيرُ آلذِّكْرَيَاتِ
- اَلتَّحْرِيرَا
- رُبَّمَا سَأولدُ بُعَيْدَ قليل
- أحمد العياشي سْكِيرج
- مُنِيف مُعَلِّمُ آلْحَيَاة
- متلازمة بْرُوتيه Proteus Syndrome قراءة في عوالم هرفيه بازان
- مُحَال


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الله خطوري - قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ