|
القضية الفلسطينية في عهدة الأجيال مابعد الثالث
خليل قانصوه
طبيب متقاعد
(Khalil Kansou)
الحوار المتمدن-العدد: 7547 - 2023 / 3 / 11 - 16:49
المحور:
القضية الفلسطينية
يقول مؤرخون و باحثون في علم الإجتماع أن حضور الوطن الأصلي ينحسر تدريجيا في و جدان المهاجر إلى حد الإقتصار اعتبارا من الجيل الثالث ،على مسألة ثقافية ثانوية جدا محصورة في علم الإنتساب أو " شجرة النسب " ، أو بكلام أكثر تبسيطا ، يصير المرء بمرور الزمن ، ابن البيئة التي يولد فيها و يتشرب ثقافتها و يعمل فيها و يدفن فيها. نكتفي بهذه التوطئة المختصرة حيث لا نعتقد أنها بحاجة إلى توسع كونها مثبتة بدلائل بيّنة ، لننتقل من بعد إلى مداورة القضية الفلسطينية في الذهن من زاويتها ، حيث يبدو المشهد أمامنا بكل وضوح بما هو صراع جبار ،يتواجه فيه مجتمعان وطنيان ، متساويان عدديا ، يهيمن أحدهما على الآخر مستخدما جميع وسائل و أساليب القمع والإرهاب و التهريب و القتل ، مبررا ذلك بفوقية عرقية تستند لسردية تطبع تعسفا ، أساطير قديمة أنتجها و عي إنساني بدائي في حقبات ما قبل الميلاد ، بطابع العلم التاريخي ، تتجسد بمارسة سياسة تمييز عنصري مشبعة بالكراهية ، هادفة إلى تصفية هذا الآخر الأصلي المقهور عرقيا ، بشكل من الأشكال . من البديهي أن هيمنة المجتمع الإسرائيلي على المحتمع الفلسطيني الأصلي ، هي محصلة سيرورة مستمرة منذ القرن التاسع عشر ، انطلاقا من اوروبا ، توازيا مع مخاضات المتغيرات الإجتماعية التي أشعلت كما ما هو معروف الثورات و الحروب الإستعمارية بالإضافة إلى حربين كبيرتين بين دول أوروبا نفسها شملت العالم بأكمله . لا يتسع المجال هنا للدخول في تفاصيل هذه المسألة ، و لكن نستطيع القول أنه لولا الإستعمار البريطاني ، بالتعاون مع الإستعمار الفرنسي ، لما نشأت دولة أسرائيلية و لما تحولت إلى قوة عسكرية عظمى . في الواقع إن المحفز الرئيس على تناول القضية الفلسطينية في هذا البحث من زاوية تاريخيتها ، هي فرضية تفيد بأن سيرورة إقامة دولة اسرائيل على أرض فلسطين ، بماهي سيرورة إستعمارية إستيطانية تتضمن أخلاءها من سكانها الأصليين ، دخلت في مأزق أعاق أستمراريتها ، بل أوقفها . هكذا تبدو الصورة في ظاهر الأمر . يوجد على ارض فلسطين 7 ملايين اسرائيلي يهود إلى جانب 7 ملايين فلسطيني غير يهود . تحسن الإشارة هنا إلى أن نسبة كبيرة من اليهود ، قد يتجاوزون 2 مليون نسمة هم من أصل مشرقي و شمال إفريقي . ينبني عليه أن المجتمع الفلسطيني اليهودي كأي مجتمع وطني ، ليس متجانسا طبقيا ، مثله مثل المجتمع الفلسطين الوطني ، و بالتالي فإن للطبقات والفئات الإجتماعية المختلفة في كل منهما ، دور في الصراع الوجودي الدائر بينهما ، إستنادا إلى سرديتين تاريخيتين ، إحداهما تعود إلى ما " قبل التاريخ " و الثانية إلى الحقبة الإستعمارية الغربية في بلاد مابين النهرين ، و تلاشي الأمراطورية العثمانية . لا نجازف بالكلام أن السلطة الإسرائيلية تضع حاليا ، في حسابها إخلاء فلسطين من 7 ملايين فلسطيني ، و في المقابل يدعي بعض أطراف المقاومة ، لا سيما ذوو الخلفية الدينية و القومية ، أحقية إخلاء فلسطين من الإسرائيليين اليهود ، و إعادتهم من حيث أتى أجدادهم ، على افتراض أن طريق عودتهم مرسومة في " شجرة النسب " . لا نزعم هنا أن جميع الإسرائيليين يؤيدون السياسة التي تسير على نهجها السلطة الصهيونية التي تقود دولة أسرائيل ، أو أنهم ليسوا محرجين حيال التمييز العنصري ضد الفلسطينيين و قانون الغيتو المفروض على سكان قطاع غزة ، بوجه خاص . كما اننا لا نغفل أيضا نكسات و هزائم الحركة الوطنية الفسطينية في سنوات 1970 و صولا إلى اتفاقية أوسلو التي قزمتها على شكل سلطة متعاونة مع السلطة الإسرائيلية ، أمنيا وسياسيا ، و هذه كلها عوامل ساعدت التيارات الإسلامية على ملء الفراغ في الساحة الوطنية ، مما شكل بالقطع تراجعا كبيرا نظرا للعلاقات التي تربط عادة هذه التيارات بالدول القريبة و البعيدة التي ترسم سياساتها بحسب مصالحها ، لا سيما أن العديد منها يقيم علاقات مع أسرائيل و مع دول هي ملتحمة بها . مجمل القول استناد عليه أننا حيال أزمة كبيرة ، سقطت فيها جميع الأطراف المعنية بالقضية الفلسطينية ، و لكن ما يهم على وجه الخصوص هي الأزمة الاسرائيلية التي تتمثل : ـ أولا بإنكشاف سياسة التمييز العنصري بصورة فاضحة ، وانعكاس ذلك تدريجيا على المعسكر الغربي المؤسس و الضامن للدولة الإسرائيلية . ـ ثانيا الفشل في توظيف مساوئ و هزائم نظام الحكم العربي المتتالية ، وخضوعه للإملاءات الأميركية ـ الإسرائيلية ، بقبول تسويات تصب في صالح المشروع الصهيوني , فشل " الثورات الملونة " التي جرت في بعض البلدان العربية الرئيسة . ـ ثالثا ، لا مفر من الإعتراف بأن قدرات ردعية ، تكونت و تنامت بحيث صارت أبواب التوسع الأسرائيلي شبه موصدة لجهة الشمال و الجنوب . نصل في ختام هذه المراجعة إلى خلاصة فحواها أن السلطة الإسرائيلية تقف أمام حائط مسدود و أنها تتبع سياسة عبثية ، فلن يكون باستطاعتها ترحيل جميع الفلسطينيي أو التخلص منهم بشكل من الأشكال . فهؤلاء لا مكان لهم إلاّ في فلسطين ، و بالتالي فإن الهجرة الممكنة و المحتملة ، اليهودية و الفلسطينية من فلسطين ، لن تكون جماعية وأنما فردية و إرادية و بالتالي لا يمكن التعويل عليها . ينجم عنه أنه إذا توفرت الشروط و الظروف الملائمة لانضاج حل جاد و حقيقي ، تجسد ذلك بزوال الإستعمار عن المنطقة و بدولة فلسطية واحدة يتساوى فيها جميع سكانها دون تمييز على اساس المعتقد و الأصل .
#خليل_قانصوه (هاشتاغ)
Khalil_Kansou#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قبل و ما بعد الدولة !
-
إعتقام السياسة الوطنية
-
رسالة إلى صديقة في بيروت
-
المميزون في الأرض
-
ذهنية الهجرة
-
مقاربات في القضية الفلسطينية ـ4ـ
-
مقاربات في القضية الفلسطينية 3
-
مقاربات في القضية الفلسطينية 2
-
مقاربات في القضية الفلسطينية ـ1ـ
-
نهاية الدولة أم أستحالة قيام الدولة العربية 3
-
نهاية الدولة أم استحالة قيام الدولة العربية 2
-
نهاية الدولة أم استحالة قيام دولة عربية ؟
-
حرب فلسطين 3
-
ملاعب الحرب 2
-
حرب الأغنياء و الأقوياء و حرب الفقراء و الضعفاء
-
الأصولية ـ 4 ـ
-
الأصولية ـ 3 ـ
-
الأصولية 2
-
الأصولية
-
ماذا أنتم فاعلون ؟
المزيد.....
-
ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع
...
-
هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
-
كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
-
مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق
...
-
بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا
...
-
الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
-
-وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم
...
-
بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا
...
-
عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر
...
-
خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
المزيد.....
-
المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق
...
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
-
حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية
/ جوزيف ظاهر
-
الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية-
/ ماهر الشريف
-
اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا
/ طلال الربيعي
-
المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين
/ عادل العمري
-
«طوفان الأقصى»، وما بعده..
/ فهد سليمان
-
رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث
...
/ مرزوق الحلالي
-
غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة
/ أحمد جردات
-
حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق
...
/ غازي الصوراني
-
التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|