أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - أول العشق - قصة قصيرة














المزيد.....

أول العشق - قصة قصيرة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 7528 - 2023 / 2 / 20 - 13:57
المحور: الادب والفن
    


من حيث لا يتوقع حدثت المعجزة التي بدلت كل شيء، كان ذلك عقب زيارة ابن عمه المخرج التلفزيوني عبد السميع أول أمس، تغدى معهم ملوخية وأرانب، وبينما هو يأكل التفت اليه واللقمة في منتصف الطريق بين يده وفمه وقال له:" تيجي تمثل معي يا بهاء؟". هز بهاء رأسه بالموافقة من دون تفكير، أما أمه فبانت عليها علامات الفرح المفاجئ وقالت بلهفة وفرح:" آه والنبي يا عبده". أردف عبد السميع وهو يدفع اللقمة إلى فمه:" بهاء صغير وشكله لطيف". تطلعت أمه إليه بفخر، بينما غمره الاستياء من كلمة " صغير". صحيح أنه في الثالثة عشرة لكنه ليس هذا " الصغير"، وكيف يكون وقد خفق قلبه بالحب منذ أسبوع حين لمح منى وهي تهبط على درج السلم من الطابق الثاني حيث تسكن. حينئذاك تطلع اليها وأحس في لحظة أن حريقا شب فيه وأحال كيانه مادة أخرى فلم يعد يتعرف إلى نفسه. لقد اضطرب وقلق منذ أن رآها تمشي بخفة رشيقة وشعرها الذهبي يتماوج فوق كتفيها، وبعد ذلك يقولون: " صغير ولطيف" ؟! هل يتقلب في الليل صغير وهو يرى منى تتأرجح على أطراف رموشه إلى أن يقول لها :" أحبك يامنى"؟ وأخذ يراقبها من فرجة ستارة الردهة حين تزورهم، وهي جالسة مع أخواته. ينظر إليها ويتساءل كيف تشع منها كل هذه السعادة؟ ارتج قلبه لكنه لم يجرؤ على مصارحتها بما يحسه، وظل كلما صادفها يتطلع اليها صامتا، بلهفة، ولأن العشاق كما سمع يكتبون الشعر- فقد كتب قصيدة صغيرة من بيتين اثنين:"منى شعرها ذهب.. وقلبي معها ذهب"، وتعهد أمام نفسه باستكمالها في ما بعد لتصبح أكبر. لكن ها هي المعجزة تقع ويدعوه ابن عمه إلى التمثيل، وتجرى الأحداث في اتجاه آخر.
فجر اليوم التالي، كان ينتظر أن يذهب إلى التلفزيون. استيقظت أمه مبكرا، تغسل وجهه وتكوي البنطلون والقميص وتراجع تسريحة شعره أمام المرآة. أخيرا دق جرس الباب وظهر شخص يسأل: " الأستاذ بهاء موجود؟"، فتقدم من خلف فستان أمه، وتطلع إليه المندوب نادما أنه قال " الأستاذ" ثم صحبه إلى مبنى التلفزيون. في الطريق أوضح له: " المفروض أننا نصور ناس يروحون ويجيئون في طرقة داخل مستشفى، وأنت ستمشي في الطرقة وبجوارك رجل كبير يسألك:ححجرة رقم 8؟ تجيبه: لاء . حجرة 14. فاهم ؟". هز بهاء رأسه أنه فهم.
صعدا إلى المبنى. وفي الاستديو أجلسوه على كرسي خلف ديكورات المشهد وجاءه أحدهم بكوب عصير برتقال. بعد قليل أشار إليه مساعد المخرج أن يستعد لأداء دوره، وما لبث أحدهم أن دفعه من كتفه الى الطرقة تحت ضوء كشافات النور ومعه الرجل الكبير. بعد عدة خطوات مال الرجل يسأله: "حجرة رقم 8؟". هنا طقت في دماغ بهاء أن عبد السميع المخرج ابن عمه وكثيرا ما يتغدى عندهم، فكيف يقتصر دور في التمثيلية على كلمتين؟!. لذلك كبر بهاء الدور مؤكدا ما يقوله بحركات يديه وحواجبه وتلعيب رقبته: " لاء يا عم. ليست حجرة 8، هو كان هناك لما كانت حالته صعبة، لكن عندما تحسن نقلوه بعد ذلك إلى.."، وبينما بهاء يسترسل هبطت عليه من كابينة أعلى الاستديو صيحة المخرج:"ستوب. وقف". وصاح مساعد المخرج في بهاء:" هما كلمتان وبس. أنت مرور فقط. منظر يعني. نعيد المشهد". اشتغلت الكاميرات مجددا ودخل بهاء إلى الممر مكسور الخاطر ولفظ الكلمتين محبطا:" حجرة 14". بعدها قاموا بتوصيله إلى البيت في تاكسي. طرق الباب وما إن فتحت أمه حتى تلقفته بين أحضانها بفرح تقبله مهنئة تستفسر منه عما جرى، لكنه كان مغتما حتى أنه لم يسمعها تقول له:" المسلسل سيذاع الساعة الخامسة اليوم". تظاهر بهاء بالنوم لكي لا يشهد الحلقة، ولم يخطر له أن لحظة ظهوره السريعة على الشاشة ستكون المعجزة التي تغير كل شيء، لكنه عرف ذلك في اليوم التالي حين صادف منى على الدرج وفوجئ بها تستوقفه، وتمسك به من كتفيه وقد فتحت عينيها بدهشة وفرح وهي تصيح :"معقول يا بهاء؟ معقول؟! أنا شفتك في التلفزيون! كنت جميل جدا في الممر". لم يصدق أن التي تقف أمامه وتحدثه منى. تجمد أمامها متمنيا أن يمسك بيدها، وقد خطر له أن هذه هي اللحظة المواتية فشد رقبته لأعلى وتمتم يتواضع بصوت وقور: " هو دور بسيط.. للبداية". هزته من مرفقيه تصيح: " لا يا بهاء.. كنت حلو قوي، وماشي بثقة وعظمة. ستكون نجما كبيرا.. يا سلام..يا سلام"، ثم هرولت تواصل الهبوط الى مخرج العمارة. الآن أحب بهاء لحظة العبور السريعة في المشهد، فقد أصبحت المعجزة التي قربته من منى. في الليل ظل يردد على مسامعها قصيدته الصغيرة " منى شعرها ذهب.. وقلبي معها ذهب".
بانقضاء شهر كبس عليه الاستعداد للامتحانات فلم ير منى طويلا إلى أن فوجئ أول أمس بزغاريد في فضاء السلالم. صعد إلى الطابق الثاني ورأى على باب شقة منى مصابيح ملونة معلقة، وأمام الباب زحمة من البنات والرجال. استفسر فقيل له إنها خطوبة منى! ولم ينقض نصف عام إلا وكانت منى قد تركت شقة أهلها ولم يعد بهاء يراها. اعتاد غيابها في العام الأول، ولم يرها سوى مرة بالمصادفة وهي تصعد لزيارة أمها، لكنه لم يلمح في عينيها السعادة البكر التي كانت تضحك بها وهي تداري فمها بيدها، وتباعدت في الليل مرات ظهورها، وإن كانت من وقت لآخر تمشي في ذاكرته من دون صوت، فيعيش حلما مبهما. ولم يبق من القصة سوى بيتين من قصيدة صغيرة.
***
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيد حجأب .. عيون إيفلين
- حادثة 4 فبراير .. البكأء على المأضي
- لماذا ينتحر الأدباء ؟
- قــصـة انـقـضـى عـلــيــهــا مــئــة عـــام
- ولــمــاذا نــكــتـــب إذن ؟
- مــغــالــطــات الــتــرجــمــة إلــى الــعــامــيــة
- تزييف الثقافة
- - ربـــمـــا - - قـصـة قــصـيــرة
- رجــال وســـجــايـــر
- حـفــيــف صــنــدل - قــصـة قــصـيــرة
- بــيــن نــجــيــب مـحـفـوظ و يـوسـف إدريــس
- إدوار الـخـراط .. أنـت مـعــنــأ
- نــســـاء وحـــب وأزيــــاء
- الآن دونو .. نظام التفاهة
- الإبـــداع فــي الــفــن والــعـــلـــم
- إغــفـــاءة - قـصـة قـصـيـرة
- تكفير الفن والثقافة
- ضـــــوء فــــي الــشــرفـــة - قـصـة قـصـيـرة
- حـمـايـة الـتـعـلــيــم .. تــلامــيــذ ومــدرســيــن
- اللا أمــــكـــنــــة .. أوجــيـــه مـــارك


المزيد.....




- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - أول العشق - قصة قصيرة