أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - حـفــيــف صــنــدل - قــصـة قــصـيــرة














المزيد.....

حـفــيــف صــنــدل - قــصـة قــصـيــرة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 7468 - 2022 / 12 / 20 - 11:47
المحور: الادب والفن
    


توقف بي الميكروباص عند الكيلو 21 من الاسكندرية حيث تصطف السيارات المتجهة إلى القاهرة. هبطت تتأرجح على ظهري حقيبة صغيرة خفيفة، وامتد أمامي ميدان تنفتح عليه مثل الأسهم عدة شوارع غاصة بالحركة. لبثت أتلفت بحثا عن موقف سيارات القاهرة، فوقعت عيني على رجل نحيف في حوالي الأربعين في سروال ضيق مهترئ، وقميص عليه حروف انجليزية باهتة، قدماه في صندل بلاستيك مفتوح. نظرت إلى أصابع قدميه العارية فسرت منها في بدني قشعريرة الجو البارد. رأيته وقد مال بصدره وذراعيه على واجهة سيارة ملاكي، يمسح زجاجها بدوائر من خرقة متسخة. قلت له : " أين تقف سيارات القاهرة؟". ارتد بجذعه للوراء وأمعن النظر في طويلا وأنا أعاين شعر رأسه الأبيض الهائش من دون أن أعرف إن كان ذلك لون الشيب أم أنه بياض جير عمال الدهان. رمش بعينيه بفتور شخص لم يغسل وجهه طويلا ثم رفع ذراعه ببطء يشير إلى كوبري:" هناك. تحت ذلك الكوبري"، خرجت كلماته مثل بقبقة غريق لا يقوى على اطلاق صوته، حروفا داخل فقاعات هواء. التفت إلى حيث أشار وقلت له:" نعم. رأيت الكوبري". توقعت أنه سيوليني ظهره ويرجع إلى زجاج السيارة يلمعه بالخرقة السوداء، لكنه ظل يحدق بي في ثبات متخشبا في مواجهتي كأن ثمة حديثا معلقا لم ينته. سددت إليه نظرة أحاول أن أخمن ما الذي يحجم عن قوله، فلم أر سوى نظرة جوع غائر في ذكرياته وارتجاف شفته فاضطرب شيء في دمي، وأخرجت ورقة بخمسة جنيهات ناولتها إياه وأوليته ظهري. مشيت عدة خطوات وما لبث أن تناهى إلى حفيف صندله يزحف خلفي وصوته مهشما:" ليس الصف الأول من السيارات..الصف التالي..على اليمين". التفت إليه. كان رأسه يرجف مثل طائر لا يقوى على الرفرفة. قال:" الصف التالي..على اليمين".أردف:"حضرتك عرفت؟". ناولته ورقة أخرى بعشرة جنيهات. استبقاها في راحة يده يمر عليها بأطراف أصابعه كأنه يستمد منها الدفء. قطعت عدة خطوات للأمام فتبعني يقول: " هناك سيارات تذهب بك إلى المرج وأخرى إلى ميدان رمسيس، لكن رمسيس أحسن لك. رمسيس أفضل لحضرتك"، وحدق بي بعينين تخترقان الفضاء وتسقطان على الأرض بلا أمل. تمتم: " حضرتك عرفت؟". وبقي جامدا تتدلى خرقة القماش من يد، ويده الأخرى تمر على الحروف الانجليزية الباهتة فوق قميصه. سحبت من جيبي ورقة مالية أخرى ناولتها إياه، قبض عليها بقوة ورفع بصره نحوي:"خلاص. حضرتك عرفت. خلاص. أنت عرفت". أولاني ظهره بحزم هذه المرة . مشي وهو يتلفت حوله في سيره. تابعته ببصري وهو يبتعد شيئا فشيئا. هبت على الميدان زوبعة باردة من البحر فرقته خيوطا تتأرجح في الريح، فلم يبق سوى صندل، وحفيف قلب يحتك بالأرض.
***
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بــيــن نــجــيــب مـحـفـوظ و يـوسـف إدريــس
- إدوار الـخـراط .. أنـت مـعــنــأ
- نــســـاء وحـــب وأزيــــاء
- الآن دونو .. نظام التفاهة
- الإبـــداع فــي الــفــن والــعـــلـــم
- إغــفـــاءة - قـصـة قـصـيـرة
- تكفير الفن والثقافة
- ضـــــوء فــــي الــشــرفـــة - قـصـة قـصـيـرة
- حـمـايـة الـتـعـلــيــم .. تــلامــيــذ ومــدرســيــن
- اللا أمــــكـــنــــة .. أوجــيـــه مـــارك
- - أفندم - قصة قصيرة . أحمد الخميسي
- أشـــــواق شـــاقــــة
- بـــوتـــيـــن .. حـــديــث عــن مــصــــر
- شنودة .. لمن ؟
- الــتــجــأرة بــالــمــرأة وشــعــارات الــحــريــة
- دراجات نارية - قصة قصيرة
- حــديـــث حـــول جـــوربـــاتـــشــوف
- علي الغاياتي .. الشعر والوطنية
- ربـاط عــنــق بــيــن الــقــاهــرة ومــدريـــد
- كــنــيــســة إمــبــابــة .. الــحــرائـــق الـــتـــي تـــ ...


المزيد.....




- جو بايدن يقتحم موقع تصوير مسلسل شهير أثناء مطاردة الشرطة (صو ...
- باللغة العربية.. موسكو وسان بطرسبورغ ترحبان بالوفد البحريني ...
- انهيار منزل الفنان نور الشريف في السيدة زينب.. وابنة تعلق! ( ...
- كيف أعاد شفيق البيطار بادية بني سعد إلى البيوت بلغة عربية فص ...
- قتلى أو شهداء أو ضحايا؟ عن مفهوم التضحية ما بين اللغة والفلس ...
- الرواية بين المحلية والعالمية.. علامات من الرواية الأردنية
- خامنئي يبث رسالة باللغة العربية: لن نساوم الصهاينة أبدا ويجب ...
- خامنئي يبث رسالة باللغة العربية: لن نساوم الصهاينة أبدا ويجب ...
- حضور لافت للسينما العراقية في مهرجان عمان السينمائي
- إستذكار الفنان طالب مكي ..تجربة فنية فريدة تتجاوز كل التحديا ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - حـفــيــف صــنــدل - قــصـة قــصـيــرة