أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - ضـــــوء فــــي الــشــرفـــة - قـصـة قـصـيـرة














المزيد.....

ضـــــوء فــــي الــشــرفـــة - قـصـة قـصـيـرة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 7409 - 2022 / 10 / 22 - 20:46
المحور: الادب والفن
    


خفق قلبي بالحب لأول مرة وأنا صبي في الثالثة عشرة. خفق بحب شريفة، التي كان للفيلا الخاصة بوالدها شرفة مفتوحة على الشارع الطويل المعتم، وكانت تجلس وحدها كل مساء في الشرفة تحت ضوء مصباح صغير معلق ينشر هالة من النور الخفيف حول رأسها ويتفرق في هواء الشارع الصامت. لم أحدثها قط، لم أقترب منها، والأرجح أنها لم تلحظ وجودي، لأني كنت أكتفي بالمرور كل مساء على الرصيف المقابل لشرفتها، أخطف النظر الى وجهها وكتفيها وهي جالسة أشبه بنجمة مشعة في اكتمال شبابها وجمالها. كنت صبيا صغيرا مثل عشرات الصبية من شارعنا المعتم المهمل الصامت، فلم تعرف بأنني أتطلع إليها، كانت أول من خفق قلبي بها، أو أن ذلك كان أول أوهام المحبة، ومن ضوء تلك الشرفة ترامت في حياتي أوهام المحبات، وهما بعد آخر. وظللت طوال عمري أمشي على ذلك النور الخافت ما بين خيالي والحقيقة، وأنا أسأل نفسي: ما الذي اود أن أحققه في حياتي التي ظهرت عرضا؟ وهل يصلح العمد والقصد في رحلة تمت بالمصادفة؟
أحببت بعد ذلك بسنوات وأنا في السابعة عشرة، وكتبت إليها رسائل مطولة، وغمرتني بحنانها، لكن اعتقالي لسنوات أحبط كل شيء، وحين خرجت من المعتقل كانت قد تزوجت. ظللت طويلا أرى عينيها الواسعتين تشعان بضوء الشرفة القديمة، تتألقان بالوهم والأمل العميق.
سافرت خارج مصر وتزوجت، ولم يكن في قلب زوجتي ولا عينيها شيء لا من الحلم ولا من الوهم. عشت بجوارها لكن ليس معها، مثلما تسير بجوار شريط قطار، ثم تزوجت ثانية ، وثالثة، وكنت بدون وعي أفتش عن ذلك النور الخافت الذي أضاء قلبي، إلي أن التقيت بها، فوقعت في حبها والأدق أن أقول فارتفعت بحبها، ولم أجد سببا واضحا لذلك العشق العارم، وقلت لنفسي ليس حبا ذلك الذي نعرف أسبابه، لأن الحب يبقى بئرا عميقة من الأسرار والذكريات والصور التي تندلع مجتمعة فجأة مثل كرة من نار، لكننا افترقنا رغم المحبة، فانجرفت إلى ذكريات المحبات الخائبة التي مرت وأخذت أتساءل: لماذا لم يبق على أطراف روحي سوى مرارة من سعادة؟ وحزن من فرح؟ ويأس من أمل؟ وكيف تحطمت أوهامي الجديدة على صخرة أوهامي القديمة؟ فإذا بلا شيء بين يدي؟ لا شيء سوى بقايا حياتي التي انقضت ذرة مشعة بالخيال والحب والأمل. ها أنا ألقي على العالم نظرة أخيرة. أوصد أبوابه. أحكم الرتاج على نافذته المطلة على الزمن. ادير ظهري للدنيا، أغذ الخطى وقدماي تتعثران بالأغنيات القديمة، واستدارة عنقك، وبسمة عينيك، ونور الشرفة الخافت البعيد. أغذ الخطى وليس في قلبي سواك مشعة في دمي، مشعة في خيالي الذي فاق كل شيء، أمضي يغمرني شعور بالثقة بأنني حين ألقى وجه ربي سيرأف بي ويقول لي : مغفورة لك كل ذنوبك، كان قلبك يخترع العالم وقد أتعبك ذلك، واتعبتك الأحلام التي عاقبتك بالرقة وعذبتك بالحنان وبددتك بالشوق. استرح هنا واهدأ وكف عن اختراع العالم. ولسوف أجلس مطيعا ممتنا أستريح في ظل الرحمة، أضم ركبتي إلى صدري وأبذل قصاري جهدي لكي أنسى عينيك، ونور الشرفة الخافت بعيدا، وأنحي بعيدا الوهم العذب والأمل العميق.
***
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حـمـايـة الـتـعـلــيــم .. تــلامــيــذ ومــدرســيــن
- اللا أمــــكـــنــــة .. أوجــيـــه مـــارك
- - أفندم - قصة قصيرة . أحمد الخميسي
- أشـــــواق شـــاقــــة
- بـــوتـــيـــن .. حـــديــث عــن مــصــــر
- شنودة .. لمن ؟
- الــتــجــأرة بــالــمــرأة وشــعــارات الــحــريــة
- دراجات نارية - قصة قصيرة
- حــديـــث حـــول جـــوربـــاتـــشــوف
- علي الغاياتي .. الشعر والوطنية
- ربـاط عــنــق بــيــن الــقــاهــرة ومــدريـــد
- كــنــيــســة إمــبــابــة .. الــحــرائـــق الـــتـــي تـــ ...
- دكـتــور عــطــيــة .. مــزيــــل لــلــروائـــع !
- حــجــرة ثـــالـــثـــة داخـــل الــقــلـــب
- الــطــرف الآخــر عــنــد تــشــيــخــوف
- تــوفــيــق الــحــكــيــم .. الــنــخــبــة والــجــمــاهــ ...
- الـمـثـقـفـون والإخــوان فــي يــونــيــو
- المرأة المصرية وحديث القفة
- ورقة أخيرة - قصة قصيرة
- رواية الرغيف .. الأدب والحرب


المزيد.....




- مهرجان الفيلم الدولي بمراكش يكشف عن تشكيلة لجنة تحكيم دورته ...
- اتحاد الأدباء يحتفي بالشاعر عذاب الركابي
- من أرشيف الشرطة إلى الشاشة.. كيف نجح فيلم -وحش حولّي- في خطف ...
- جدل بعد أداء رجل دين إيراني الأذان باللغة الصينية
- هل تحبني؟.. سؤال بيروت الأبدي حيث الذاكرة فيلم وثائقي
- الأخوان ناصر: إنسان غزة جوهر الحكاية.. ولا نصنع سينما سياسية ...
- الأخوان ناصر: إنسان غزة جوهر الحكاية.. ولا نصنع سينما سياسية ...
- -سيرة لسينما الفلسطينيين- محدودية المساحات والشخصيات كمساحة ...
- لوحة للفنان النمساوي غوستاف كليمت تصبح ثاني أغلى عمل فني يُب ...
- معاناة شاعر مغمور


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - ضـــــوء فــــي الــشــرفـــة - قـصـة قـصـيـرة