أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - الــطــرف الآخــر عــنــد تــشــيــخــوف














المزيد.....

الــطــرف الآخــر عــنــد تــشــيــخــوف


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 7313 - 2022 / 7 / 18 - 14:05
المحور: الادب والفن
    


كتب معظم أدباء العالم القصص عما يحدث حين يقع شابان في حب بعضهما البعض، لكن أنطون تشيخوف الوحيد الذي كتب من زاوية أخرى، أي عما يحدث حين لا يحب شابان أحدهما الآخر! كانت لديه موهبة أن يرى الأشياء والظواهر من الناحية المضادة. وهكذا حين عاش ذلك الأديب العظيم كانت الموجة الفكرية والفلسفية والأدبية السائدة تعرية الرأسمالية وشن الهجوم على الأثرياء بصفتهم مصدر الشر كله، بهذه الرؤية كتب مكسيم جوركي، وأرسكين كالدويل، وجورج أوريل، وألدوس هكسلي، وغيرهم. أما تشيخوف فقد التقط الطرف الآخر، الجهة الأخرى، فكتب قصة "البدين والنحيف"، و"موت موظف"،و" المغفلة"، في الأولى يلتقى أصدقاء الطفولة بعد عشرين عاما عند محطة قطار، يتعانقان، يتبادلان الحديث كرفاق مدرسة واحدة، وخلال الحديث يكتشف أحدهما وهو النحيف أن صديقه أصبح موظفا كبيرا في الدولة، فيبدأ النحيف الذي مازال موظفا مغمورا فقيرا في تملق الآخر. يتعجب صديقه الثري من تحول لهجة ولغة صديقه، ويتأسف كثيرا لذلك، ويفترقان. هنا يقول تشيخوف أن المأساة ليست في الأُثرياء أو الأقوياء، أو ليست فقط في ذلك، بل إنها في ضعف الطرف الآخر، وخنوعه، وخوفه. في قصة " موت موظف" يعطس موظف صغير في قفا جنرال جلس أمامه في حفل بالأوبرا، فيعتذر للجنرال الذي يتقبل الاعتذار ويعتبر ان الموضوع انتهى، إلا أن خوف الموظف الصغير يدفعه إلى مواصلة الاعتذار والتأسف وابداء الندم حتى يطرده الجنرال الذي يرى أن الموضوع لا يستحق كل ذلك! مرة أخرى يشير تشيخوف إلى الطرف الآخر، فلم يكن العيب في الجنرال، الذي تقبل العطسة والاعتذار بصفتهما من الأشياء الاعتيادية التي قد تحدث في الحياة، المشكلة أو العيب كان في خوف الموظف، في رعبه، في جبنه، حتى أنه يتجه إلى منزله ويرقد على سريره ويموت! في قصة تشيخوف الثالثة " المغفلة" تطرق خادمة باب حجرة سيدها لتحصل على أجرها الشهري وهو ستون روبلا. يقول لها السيد صاحب البيت إنها حطمت فنجانين ولهذا سيخصم منها ثلاثة روبلات، فتوافق مدهوشة لأنها لم تحطم أي شيء، ثم يضيف أنها لم تتنزه مع الطفل يوم الأحد ولهذا سيخصم من راتبها خمسة روبلات. تتلجج المسكينة وتحاول أن تنفي ما قاله، لكنه يؤكد لها أن كل شيء مسجل عنده. في النهاية يمنحها عشرة روبلات من أصل ستين، فتتسلمها ودموعها في عينيها وتكاد تنصرف، لكن السيد يستوقفها ويسألها : لماذا تقبلين بكل هذا الظلم؟ أنت تعلمين أنني خدعتك، وأنني كاذب؟ لماذا أنت ضعيفة هكذا؟. مجددا يشير تشيخوف بعبقريته التي لا تبارى إلى أن المشكلة لم تكن في صاحب البيت الثري، بل في ضعف الشغالة، وعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها، وقبولها بالظلم البين. فقط أنطون تشيخوف استطاع أن يرى أن المأساة ليست فقط في بطش القوة، ولكن أيضا وبالقدر نفسه في ضعف الحق. ليست المأساة فقط في عنف المستبدين ولكن أيضا في الضعف في مواجهة الطغاة. وستظل هذه النغمة تلمع من حين لآخر في أعمال ذلك الأديب العظيم، لتطرح السؤال بقوة، ليس فقط على المستوى الاجتماعي او السياسي، بل وحتى على المستوى الذاتي لدي كل فرد، فليست المأساة فقط في الظروف المحيطة بنا، بل وفي ضعفنا الشخصي، في أننا لا نستطيع أن نهزم الكسل، ولا نستطيع أن نضع خطة لحياتنا، وغير قادرين على تحقيق أحلامنا وتغيير الواقع. المأساة ليست فقط في الخارج، إنها أيضا في الداخل. في الطرف الآخر.
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تــوفــيــق الــحــكــيــم .. الــنــخــبــة والــجــمــاهــ ...
- الـمـثـقـفـون والإخــوان فــي يــونــيــو
- المرأة المصرية وحديث القفة
- ورقة أخيرة - قصة قصيرة
- رواية الرغيف .. الأدب والحرب
- ذكرى رحيل الشيخ إمام
- الـفـراعـنـة مـن أوكـرانــيــا .. ظـهـرت الــحـقـيـقـة !
- مظفر النواب .. الكلمة التي يبقى فيها
- إلى متى تستمر الحرب الروسية ؟ وبم تنتهي؟
- بأي رصاصة تطالب إسرائيل ؟
- تــمــوت الـــقــضــايــا مــن غــيــر الــفــن
- الــبــشــر .. أجــمــل هــدايـــا الــعــيــد
- المترجم السوفيتي العجوز يكشف أسرار الزعماء
- جدتي الطيبة .. أجاثا كريستي
- عـبـد الـحـلــيــم حــافــظ .. حــكــأيــة مــصــريــــة
- الكاهن أرسانيوس .. مساء الخميس 7 أبريل
- الـعـنـصـريــة بــيــن الــمــعــرفــة والـــتــكـــويــ،ن
- روسيا أوكرانيا .. حرب صغيرة أم كبيرة ؟
- المفكر التنويري
- ريـــان والــمــغــرب .. الــطـفــولــة تــخــطــف الــقــلـ ...


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - الــطــرف الآخــر عــنــد تــشــيــخــوف