أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أحمد الخميسي - رجــال وســـجــايـــر














المزيد.....

رجــال وســـجــايـــر


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 7473 - 2022 / 12 / 25 - 16:04
المحور: كتابات ساخرة
    


كلما أطل علي عام جديد برأسه أجده يمعن النظر في مستفسرا: " ها .. ماذا ستفعل هذه السنة؟ ". أرد عليه بحزم:" سأقلع عن التدخين"، لكني لم أفعل قط رغم كثرة وعودي، وفي رحلة ضعفي هذه كانت صورة نجيب محفوظ تقفز إلي ذهني منذ أن كنا نذهب إليه في ندوته الأسبوعية في ميدان الأوبرا، وكان معظمنا يدخن، أما الأستاذ فكان يسحب سيجارة من علبته كل ساعة بالضبط من دون أن ينظر إلى الوقت في ساعة يده. وحين تجاوز محفوظ التسعين سمح له الأطباء بسيجارتين فقط في اليوم، وعام 2007 كنا عنده في العوامة" فرح بوت" أنا وأخي جمال الغيطاني، ومد الأستاذ نجيب يده إلى سيجارة فمازحه جمال قائلا:"هذه ثالث سيجارة أستاذ نجيب"، فهز الأستاذ رأسه واثقا وقال:" مستحيل. إنها الثانية". أدهشني بعمق إرادته، الإرادة التي لم تحالف فنانين عظماء مثل سيد درويش الذي أغواه الكوكايين، وأحمد نجم الذي أغراه الحشيش، وغيرهما. وأعرف أن التدخين ضعف وأقرر مطلع كل عام أن أقلع عنه، قررت آلاف المرات منذ أن بدأت في الرابعة عشر أقتبس، اقتباسا وليس سرقة، سيجارة بعد الأخرى من علبة والدي أثناء نومه، فلما انتبه إلى ذلك دفع نحوي على سطح المكتب علبة كاملة وقال:" خذ. دخن". حاولت أن أنكر، فهز رأسه بشكل قاطع وأردف: " دخن .. بلاش كذب". من يومها لم أسحب يدي من الدخان ولا توقفت أصابعي عن إشعال أعواد الثقاب، نحو ستين عاما كاملة، طاردتني خلالها صور ضعف بعض الأدباء وصور قوة ارادة البعض، وعلاقة ذلك بالإبداع والاستمرار فيه. في فبراير 1968 تم اعتقالي مع أخي صلاح عيسى لنحو ثلاثة أعوام، وفي طرة اكتشفت أن السيجارة هي العملة الوحيدة المتداولة بين المعتقلين فحلاقة شعر الرأس بخمس سجائر، كوب الشاي باثنتين، وهكذا. وكانت إدارة الحياة المشتركة بين اليساريين تصرف لكل منا ثلاثة سجائر فقط في اليوم، فاقترح صلاح أن نقوم بتقسيم كل سيجارة إلى ثلاث قطع، وكان عندنا طابور فسحة في فناء رملي، فكان صلاح يتأمل أعقاب سجائر طويلة مرمية في الرمل ويهمس ضاحكا: " ثروات ملقاة على الأرض يا أبو حميد!". ظللنا في هذا الحرمان إلى أن ساقوا إلينا شابا معتقلا جديدا لا نعرفه، تبين أنه من الأثرياء، وكان يحمل في جيبه دائما علبتين كاملتين!! وتبين، لحسن حظنا وسوء حظ الشاب، أنه من هواة التأليف المسرحي، ولما كان المهتمون بالأدب قلة في العنبر فقد طلب منا أنا وصلاح أن يقرأ علينا فصلا من مسرحية كتبها، وكان يجلس على الحشية بالقرب منا ويقرأ، ونحن نردد مع كل كلمة: " الله.. الله..أعد هذه السطور"، و تمتد أصابعنا إلى علبته ونحن نتنهد من شدة التأثر بالفن. ظللنا عدة شهور نقرأ فصلا واحدا من ست ورقات، ويختلج وجهانا بالتأثر، وتختلج أصابعنا نحو العلبة. وبالطبع لم يكن المؤلف ليبخل على حركة النقد النزيهة بشيء. وحين جاءنا الشاب ذات يوم يائسا ليعلن أنه سيتوقف عن الكتابة حل علينا الذهول، وصرخت فيه: " لاء.. لاء.. إياك أن تتوقف.. هذه كارثة.. واعلم أن موهبتك ليست ملكك وحدك"!
أتذكر كيف كنا في روسيا ندخن السجاير الروسية وكانت سيئة مشبعة بالرطوبة، فكنا نضع العلب قبل أن ندخنها على مدفأة لطرد الرطوبة أو كما كنا نقول: "من أجل تحميصها"، وعندما عدت إلى مصر زارتنا زميلة كانت ماتزال تدرس هناك وقدمنا لها سيجارة مارلبورو فأمسكتها بين أصابعها وسألتنا بجدية: " محمصة؟ ". مع ذلك كله فإنني مع إطلالة العام الجديد سأكف عن التدخين، حتى لو احتاج الأمر في البداية إلى فنجان قهوة وسيجارتين. عام جديد سعيد نحقق فيه بعض الأمنيات الطيبة.
***
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حـفــيــف صــنــدل - قــصـة قــصـيــرة
- بــيــن نــجــيــب مـحـفـوظ و يـوسـف إدريــس
- إدوار الـخـراط .. أنـت مـعــنــأ
- نــســـاء وحـــب وأزيــــاء
- الآن دونو .. نظام التفاهة
- الإبـــداع فــي الــفــن والــعـــلـــم
- إغــفـــاءة - قـصـة قـصـيـرة
- تكفير الفن والثقافة
- ضـــــوء فــــي الــشــرفـــة - قـصـة قـصـيـرة
- حـمـايـة الـتـعـلــيــم .. تــلامــيــذ ومــدرســيــن
- اللا أمــــكـــنــــة .. أوجــيـــه مـــارك
- - أفندم - قصة قصيرة . أحمد الخميسي
- أشـــــواق شـــاقــــة
- بـــوتـــيـــن .. حـــديــث عــن مــصــــر
- شنودة .. لمن ؟
- الــتــجــأرة بــالــمــرأة وشــعــارات الــحــريــة
- دراجات نارية - قصة قصيرة
- حــديـــث حـــول جـــوربـــاتـــشــوف
- علي الغاياتي .. الشعر والوطنية
- ربـاط عــنــق بــيــن الــقــاهــرة ومــدريـــد


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أحمد الخميسي - رجــال وســـجــايـــر