أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - إمرأة بمئة رجل … ! ( قصة قصيرة )














المزيد.....

إمرأة بمئة رجل … ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 6775 - 2020 / 12 / 30 - 10:35
المحور: الادب والفن
    


ام علي … أرملة اخذ الموت منها زوجها مبكرا بعد ان تركها تتجرع حياةً باردة صعبة ، وترك لها داراً تؤويها مع اولادهم الثلاثة من الذكور .. اكبرهم علي .. طالب في الاعدادية ، وواحد في الابتدائية ، وآخر في المتوسطة .. لم يكن عندها مصدر رزق ثابت .. نزعت نفسها من دفء البيت ، وشدت الحزام ، وشمرت عن الساعد ، وذهبت الى السوق بمجرد انتهاء العزاء ..
ليس لها خبرة محددة او مهارة معينة تركن اليها في تحصيل رزقها ، ورزق اطفالها ، فلم تجد امامها الا الرقي ، والخضار وسيلةً لذلك .. فاستفادت من مبلغ متواضع تركه لها زوجها ، فاشترت بضاعتها ، وبسطت بها الارض ، وكانت البداية …
اصرت على اولادها ان يثابروا على مدارسهم ، وان يجتهدوا فيها ، ويتركوا الباقي على الله ثم على هذه البسطة التي تتمنى ان يجعلها الله مصدر رزق ، وخير .. اخذت تعلمهم كيف يعتمدون على انفسهم في كل شئ بدءً من اعداد الطعام الى التنظيف ، وغيرها من الامور التي يحتاجونها في المنزل ..
كانت في طبيعتها تحمل طيبة فطرية جنوبية اشتهرت بها ، فاحبها الناس ، وبقية شركائها من باعة الارصفة …
كانت شمس العصر قد هدأت حدتها ، والريح قد بردت عندما عادت أم علي الى المنزل كعادتها كل يوم ، متعبة لا تكاد تحمل اثقال جسدها .. تمددت على الحصيرة ، وهي تئن مجهدةً لتاخذ قسطاً من الراحة قبل ان تقوم لاعداد العشاء ..
سمعت ولدها ماهر يهرف ، ويهلوس .. قفزت من مكانها ملسوعةً .. تلمست جبهته ، وكأنها قد وضعت يدها على جمر .. وجهه ساخن .. تجتاح الرعدة جسده الهزيل ، فمه جاف ، ووجهه ممتقع .. اسرعت بمنشفة ، وبللتها ، ثم وضعتها على جبينه ..
كان الليل الطويل في انتظارها .. سهرته ، وهي تغير القطع المبللة فوق جبينه باستمرار .. باذلةً اقصى ما تستطيع ، حتى لا يتغلب عليها التعب ، والنعاس قبل ان تطمئن على ولدها …
لكن الصبح يأتي دائماً .. سارعت مع ابنها علي لاخذه الى المستشفى .. اوصى الطبيب بدخول ماهر المستشفى ليكون تحت المراقبة الطبية لاربع وعشرين ساعة .. راعها الامر ، لكن الطبيب طمأنها بانها اجراءات احترازية لا اكثر .. ايام قليلة ، ويخرج .. سيتوزع اهتمام الام من الان على البيت ، والسوق ، والمستشفى الى حين خروج ماهر بالسلامة ، لم تذهب الى السوق .. عادت الى البيت لتنال قسطا من الراحة ، ولتعد الطعام للاخوة الباقين .. بعد ان اكدت على علي بأن يسرع الى مدرسته ..
كان علي رغم تفوقه في المدرسة .. الشاة الضالة التي لاتنتهي مشاكلها … وصلها اكثر من خبر من اصدقاء ، ومقربين يحذرونها مما يقوم به علي ، وبعض من زملاءه من نشاط سياسي خطير ، قد يلقي بهم في السجن او ربما الى شئ آخر اسوء .. فاكلها الخوف ، والقلق ، والتوتر ، ونزع الطمأنينة من قلبها ، واثر على حياتها ، وعملها ، فاخذت تترك البسطة مبكرا حتى يتسنى لها مراقبة ابنها علي .
انفردت به اكثر من مرة ، وتوسلت اليه ان يترك هذه الامور لاهلها ، ويلتفت الى دراسته ، فهي امرأة وحيدة ، وضعيفة ، وليس بمقدورها ان تفعل شيئاً اذا حصل له مكروه لا سمح الله .. طمئنها ، ووعدها بانه سيفعل كل ما تريد ، وقبل يدها ، ورأسها … بقيت تنازعها نفسها بين الشك ، واليقين .. نصف عقلها يصدقه ، والنصف الاخر يرفض ذلك !
وفي يوم جاءها ماهر جريا ، وهو يلهث ، وقال لها بكلمات متدفقة دون ان يلتقط انفاسه ، بان رجالا من الامن قد اعتقلوا علي .. ارتعد قلبها .. لم تعد ترى شيئاً امامها ، فكل شئ بدى مظلما ، ثقيلا ، وبلا نهاية .. تركت البسطة ، وجرت كالمجنونة .. سقط بيدها ، ولم تدري ماذا تفعل .. لقد اختفى علي ، والاوان قد فات .. بحثت عن صوتها ، قبل ان تصيح بصوت مجروح ، يا ولدي .. التف حولها بقية ابنائها .. اين تذهب ، والى من تلجأ ، فهي لا تعرف احدا يمكن ان يساعدها في هذا البلاء !
اسرعت الى مركز الشرطة فاخبرها الضابط بان هذا الامر ليس بيدهم ، ونصحها بأن تذهب الى بيتها ، وتنتظر .. ربما سيرئفون بحالهم لصغر سنهم ، ويطلقون سراحهم …
انتظرت يوما ، فشهرا ، وعلي لا يُعرف له مكان .. واصلت التطواف المجنون في كل ارجاء المدينة تبكي امام هذا ، وتتوسل بذاك ، ولم تترك مكاناً او وسيلةً ، الا ولجأت اليها ، لتخليص ولدها مما هو فيه .. حتى رشوة دفعت ، ولم تتلقى سوى وعود مؤجلة ..
استنفذ التعب ، والقلق كل طاقتها ، وفي كل يوم كان الزمن يسرق جزءً مهماً من عمرها …هجرها النوم الذي كانت بامس الحاجة اليه ، لمواصلة عملها الشاق ، حتى بدت اكبر من سنها بكثير ، وشاخت قبل اوانها ، وبدأت الامراض تهاجمها دون رحمة .. لم يتوقف تفكيرها في ولدها علي لحظة .. تأبى رائحته ان تغادر البيت منذ ان غادره ، وهي كل ما تبقى لها من ولدها علي .. كانت تعيش املاً ان يخرج يوما ، وتكحل عينيها برؤيته لترتاح .. قبل الرحيل !
كيف مر الزمن … ؟ وكيف مرت السنوات سريعا ، كم اصبحت عجوزا ، وظهرت عليها علامات الزمن واضحةً ، وكأن سنوات عمرها قد تضاعفت فجأة ، وكم اصبح من المستحيل تعويض اي شئ .. تخرج ماهر من الكلية مهندسا بتفوق ، واخر العنقود فارس في الاعدادية ، ودرجاته تبشر بخير ، وعلي تضاربت الانباء حول مصيره .. البعض يقول انه سجين في احد المعتقلات السرية ، او ربما اعدم .. لا احد يدري .. !
ترفض ان تترك عملها رغم ما بدا عليها من علامات الذبول ، ووهن النهاية ، والحاح ماهر ، وطلبه منها اكثر من مرة ان ترتاح .. فقد ادت الامانة ، واكثر … !
انزوت في ركن من البسطة ككل يوم ، لتاخذ قيلولة ما بعد الظهر ، والجو حار لاهب ، فكانت غفوة … النهاية !



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زوجة نائمة في العسل … ! ( قصة قصيرة )
- ما وراء الشمس … ! ( قصة قصيرة )
- من قتل فائزة … ؟ ( قصة قصيرة )
- الظاهرة الترامبية العابرة … !
- انتفاضة تشرين … مخاض أملٍ جديد ! ( قصة قصيرة )
- غرباء في هذا العالم … ! ( قصة قصيرة )
- حُلمٌ … مخجِّل ! ( قصة قصيرة )
- من هنا مرّت فاطمة … ! ( قصة قصيرة )
- القمار ، وعواقبه … ! ( قصة قصيرة )
- التطبيع خيار سلام … ام مشروع فتنة ؟!
- جنون ، وضياع … ! ( قصة قصيرة )
- الشعوب العربية … آخر من يعلم ، وآخر من يهتم !
- المصالحة الفلسطينية … الحلم !
- هل اصبحت الحرب مع ايران قدرا … لا مفر منه ؟
- عودٌ على بدء … !
- هل يمكن ان يعيد التاريخ نفسه في 2024 ، ويفوز ترامب !
- هل يمكن ان تكون الانتخابات الأمريكية … مزورة ؟
- هل يمكن ان تأمن لصداقة قوم … الخير فيهم هو الاستثناء ؟!
- آمنت لك يا دهر … ورجعت خنتني !
- باي باي … ومع الف شبشب !


المزيد.....




- “قصة الانتقام والشجاعة” رسمياً موعد عرض فيلم قاتل الشياطين D ...
- فنان يعيش في عالم الرسوم حتى الجنون ويجني الملايين
- -فتى الكاراتيه: الأساطير-.. مزيج من الفنون القتالية وتألُق ج ...
- مسرحية -أشلاء- صرخة من بشاعة الحرب وتأثيرها النفسي
- الجمعة.. انطلاق نادي السينمائيين الجدد في الرياض
- غدا.. اجتماع اللجنة الفنية للسياحة العربية بمقر الجامعة العر ...
- “مبروك لجميع الطلاب ” رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور ...
- مذكرة تفاهم رباعية لضمان التمثيل القانوني المبكر للأحداث بين ...
- ضحك طفلك طول اليوم.. تردد بطوط على القمر الصناعي لمتابعة الأ ...
- الياباني أكيرا ميزوباياشي يفوز بالجائزة الكبرى للفرنكوفونية ...


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - إمرأة بمئة رجل … ! ( قصة قصيرة )