أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - من هنا مرّت فاطمة … ! ( قصة قصيرة )














المزيد.....

من هنا مرّت فاطمة … ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 6766 - 2020 / 12 / 20 - 11:57
المحور: الادب والفن
    


الاسم : فاطمة
العمر : عشر سنوات
المهنة : بائعة محارم ورقية في تقاطعات المرور …
الحالة الاجتماعية : البنت البكر لاسرة معدمة .. ام ، واخوة ثلاثة صغار ، والاب متوفي …
العلامات الفارقة : شحوب في الوجه .. ابتسامة حلوة معذبة لا تغادر المحيا .. في عينيها المضيئتين القلقتين طيبة جنوبية.. عزت نفس يزهو به كبرياءها ، ارادة قوية بلا هزيمة ، وسوء تغذية في كامل جسدها …
التفاصيل : لا يوقفها شئ من حر او برد او حتى عواصف من الخروج كل يوم الى عملها لتسترزق منه ما يقيم اود الاسرة ، ويدفع عنها شر الهلاك جوعا … على الرغم من ظروفها الصعبة ، وضيق ذات اليد الا ان وجهها لا يخلو من جمال طفولي صافٍ لم تعكره قسوة الزمن ، ومرارة الحياة .. لم تحظى مثل باقي الاطفال في سنها بتعليم او حتى لحظات حلوة تليق بطفولتها البريئة ..
تراها تتقافز من سيارة الى اخرى تحت اشعة الشمس اللاهبة عارضة بضاعتها على الركاب دون الحاح ، ولا لجاجة .
تحاصرها نظرات عدائية متربصة لا تخلو من حسد من بعض اقرانها من الباعة .. تبادلهم نظرات ثابتة لعلها تذيب حدتهم ، وتتقي شرهم .. تواصل عملها دون مبالاة ، ولا التفات الى مثل هذه الصغائر .. يعرفها المترددون على التقاطع ، ويشفقون عليها ، وعلى طفولتها .. شعرت بامعائها تتلوى من الجوع بعد ان تبخرت اكلت الصباح الشحيحة .. تحسست الاوراق المالية القليلة التي كسبتها ، وهي ترقد باستكانة في جيبها الصغير .. اسرعت الى صبي آخر ممن يبيعون ذرة مسلوقة فابتاعة واحدة ، وانزوت بعيدا لتُخمد الم امعائها الهائجة . تشاهد اعلانا كبيرا ملتصقا على الحائط امامها ملئ بصور الاطفال وهم يلعبون ، وكتابات بخط كبير ، لم تفهم منها شيئاً .. تعود الى طعامها متناسية ذلك الاعلان .
الساعة الخامسة عصرا ، مضى الشطر الاكبر من اليوم ، كم كان متعباً ! ولم تحن بعد ساعة المغادرة الى البيت .. امامها ساعة اخرى لتُكمل مشوار اليوم ، بانتظار غد لا تدري ما يخبئه لها القدر في حسابه .. تحاول ان تستقطر كل لحظة من الوقت لكسب مزيد من المال .. هدرت شاحنة كبيرة ، وتوقفت امام الاشارة الحمراء .. ظلت الارض ترتجف تحت وطأة ثقلها … تسلقتها فاطمة غير هيابة لكن السائق ضغط فوق نفير السيارة ، وصرخ بها منذرا ان تبتعد .. تقفز ثانية الى الارض .. توشك على السقوط .. تتدارك امرها ، وتبتعد الى مكان استراحتها تحت ظل شجرة يتيمة جافة الاغصان لتستظل بها من حدة الشمس ، وحرارة الجو ، وقسوته ، وهي تنتزع انفاسها اللاهثة بصعوبة .. تلفح وجهها ريح حارة فتوشك على البكاء ! ترفع بصرها الى السماء ترى الشمس بعيدة ، والله اكثر بعداً .. كم تمنت بقدرته ان يخفف حرارة هذه الشمس القاتلة ! لو انني بكيت الان لن يراني احد .. هكذا حدثت نفسها !
تُقبل سيارة حديثة يبدو ان صاحبها ميسور الحال ، تُسرع فاطمة لعلهم يشترون منها علبة او اثنين لتكون خاتمة يومها .. رجل اشيب في الخمسينات من العمر ذو ابتسامة هادئة تفضح طيبته .. تجلس بجانبة سيدة ممتلئة لكنها جميلة تنظر الى فاطمة نظرات ذات معنى ، وتبتسم برقة في وجهها .. شعرت فاطمة بدفء المودة ، وهو يتسرب اليها .. كانت في حاجة الى مثل هذه اللمسة الرقيقة الحنون .. تشتم شذى عطر خفيف ينفر من داخل السيارة كهبة نسيم وادعة .
يعطيها الحاج ورقة من فئة الخمسة آلاف ، ولا يريد محارم ، تحرك فاطمة راسها بفتور رافضةً رغم ان المبلغ مغري لمعدمةٍ مثلها ثم تحرك لسانها الصغير على شفتيها مثل قطة ، وتقول همسا ، وهي تذوب خجلا : لست شحاذة … ثم بصوت قاطع : لا آخذ الا مبلغ علبة المحارم .. يبتسم الاثنان مكبرين فيها تلك الروح ، ويطلب منها الحاج ان تأتي بكل ما بقي عندها من علب .. تضعهم في السيارة ، وتأخذ المال غير مصدقة .. تُقبّل قطعة الورق ، وتلامس بها جبينها ، وهي تتمتم بكلمات الامتنان لهذا الرزق الكريم .. تتبدل الاشارة الى خضراء .. تنطلق السيارة ، وتعود فاطمة الى بيتها سعيدة فرحة بصيدها الثمين …
اخذت فاطمة تترقب مجئ الحاج ، والحاجة في الايام التالية … تَكرر نفس المشهد … تتحلل من احمالها مبكرا .. تعود الى البيت لترتاح من التعب ، وحرارة الجو ، والصداع الذي بدء ينغص عليها يومها .. وفي يوم جاء الرجل ، وزوجته ، ولكنهم لم يجدوا فاطمة .. ركن سيارته جانبا ، وسأل الباعة عنها .. قالوا بانهم لا يعرفون سر غيابها ، ومر يوم آخر ، وآخر ، وآخر ، وفاطمة لم تظهر .. سأل الرجل الباعة عمن يدليهم على بيتها بعد ان عرض عليهم مبلغا من المال .. اقترب صبي اصهب رث الهيئة ، وفي فمه سيجارة غير مشتعلة فتطوع متباهيا لهذه المهمة .. يخطف المبلغ مسرورا ، ويصعد الى السيارة … ينزع الحاج السيجارة من فمه بغتةً ، ويرميها الى الخارج بعصبية .. بوغت الصبي لكنه استسلم طائعاً !
كوخ منعزل من صفيح ، وطين يغفو بسلام على حافة المدينة لا يصلح الا قنا لدجاج او مربضا لفرس .. كل شئ صامت ، وبارد .. الباب مفتوح ، وبطن الكوخ مظلم .. تدخل الحاجة ، ولفرط دهشتها لم تتبادل مع الحاضرين كلمة واحدة .. تشرأب الاعناق المتحفزة نحو القادمين .. تلقي نظرة متفحصة كأنها تحاول ان تطبع وجوههم البائسة في ذاكرتها .. فاطمة مسجاة على فراش متهالك على الارض لا تتحرك .. ترقد في استكانة .. ضامةً يديها الى صدرها .. تبدو ، وكانها غافية على حلم لذيذ ، وامها تئن مجهدةً ، وتنوح كأن عينيها قد استنفذتا كل ما فيهما من دموع .. والصغار مبهورين مذهولين لهول المنظر .. قدر غامض يهئ لنا كل التفاصيل .. لقد طحنتها الحمى ، ولحست دماغها … وماتت !
تجمعت كل الاحزان ، والآلام ، والعذابات في كلمة واحدة : ماتت .. لحظات الوداع المؤلمة يجب ان لا تطول .. غادر الحاج متألماً ، وزوجته التي كانت تمسح قطرات من دموع كانت تسكن طرفي عينيها .. فاطمة كانت هنا ، ورحلت … كأنها حلم عابر !



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القمار ، وعواقبه … ! ( قصة قصيرة )
- التطبيع خيار سلام … ام مشروع فتنة ؟!
- جنون ، وضياع … ! ( قصة قصيرة )
- الشعوب العربية … آخر من يعلم ، وآخر من يهتم !
- المصالحة الفلسطينية … الحلم !
- هل اصبحت الحرب مع ايران قدرا … لا مفر منه ؟
- عودٌ على بدء … !
- هل يمكن ان يعيد التاريخ نفسه في 2024 ، ويفوز ترامب !
- هل يمكن ان تكون الانتخابات الأمريكية … مزورة ؟
- هل يمكن ان تأمن لصداقة قوم … الخير فيهم هو الاستثناء ؟!
- آمنت لك يا دهر … ورجعت خنتني !
- باي باي … ومع الف شبشب !
- هل اصبح الاسلام ، والمسلمون شوكة في حلق الغرب ؟
- الاديان … بين نصف العقل ، واللاعقل !
- رد الفعل الفرنسي الانثوي سيكون وبالا على فرنسا !!
- من سيفوز في التكالب الرئاسي الى البيت الابيض ؟!
- التحريض … من مغذيات الارهاب … !
- هل يعيش العرب اليوم مرارة الهزيمة ؟!
- ماذا يريد الاخوان … ؟!!
- الضرب في الميت حرام … !


المزيد.....




- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- ليبيا.. إطلاق فعاليات بنغازي -عاصمة الثقافة الإسلامية- عام 2 ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - من هنا مرّت فاطمة … ! ( قصة قصيرة )