أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - غرباء في هذا العالم … ! ( قصة قصيرة )














المزيد.....

غرباء في هذا العالم … ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 6768 - 2020 / 12 / 22 - 10:37
المحور: الادب والفن
    


لم اجرب الوحدة من قبل ، بل كنت اتجنبها ، فهي تذكرني باشياء ما كان يجب علي تذكرها .. كان البيت مزدحما بالزوجة ، والاولاد الخمسة في عين العدو .. بالاصوات .. بالانفاس ، بالهمسات ، وحتى المؤامرات البريئة الفاشلة عادة .. بكل شئ يجعل منه مكانا صحيحا ، صحياً ، هادئاً ، وامينا للعيش ، والتلذذ بالحياة ، ونعمها .. كنا نتزاحم في لعبة الانتظار الممل على كل شئ في بيتنا الصغير .. بدءً من الحمام الى مائدة الطعام ، الى من يسبق الاخر للجلوس في صدر المائدة .. والضجيج ، والفرح ، والمزاح ، والنكات ، واصوات ملاعقهم وهي تصطدم بالاطباق اثناء الاكل .. وحتى الشجار .. مقبلات نتلهى بها حتى تحين لحظة الاجتماع الكبرى لكل العائلة على فلم السهرة المختار .. لا تهم جنسيته ، ولا ابطاله ، ولا حتى محتواه ، المهم ان نجتمع حوله .. اسرة صغيرة سعيدة .. نتبادل التعليقات ، والنكت البايخة احيانا ، والمضحكة فعلا احيانا اخرى ، خاصة اذا جاءت من ابني المفضل علي .. يغنون معا في حرارة .. ومنهم من يقلد البطل بانگليزية مهشمة .. يعزمون على بعضهم البعض باكلات ، ومقبلات يأتي بها لهم العبد لله سعيدا مسرورا .. كنت في حبي لأسرتي رجلا هادئا وديعاً مثل طفل حديث الولادة !
من النادر ان نتفق على فلم بعينه .. نضطر احيانا الى اجراء التصويت بالاغلبية بعد ان نطرح جملة من الترشيحات لا تخلوا من افلام مدسوسة من هنا او هناك .. ولا تخلو ديمقراطيتنا طبعا من غش ، وتلاعب بريئين ، كما يحصل عادة في الديمقراطيات البدائية التي نراها في منطقتنا كثقافة دخيلة نتلمسها تدريجيا لنستكشف اسرارها ، ودوافنها .. كزوج شغوف في ليلة عرسه ، وهو يتلمس جسد زوجته لاول مرة ليستكشف اسراره ، ومكنوناته الغامضة .. !
تآمرت هذا الصباح على الاولاد ، وحتى على الزوجة .. نهضت مبكرا قبل الجميع ، وهم لا يزالون يغطون في نوم ثقيل بعد ان اطعمتهم عشاءً ثقيلا دلڤري ، وكان الفلم هندي له بداية ، ونهايته تطول قد تمتد الى خيوط الفجر الاولى ، والنتيجة غير واضحة .. تسللتُ بهدوء اللص المبتدئ الخائف الى الحمام كأنني اخفي جرماً ، واخذت وقتي ، ووقت كل من كان يزاحمني من احبتي في البيت .. أشد قامتي تحت الدش ، واترك له جسدي ليفعل به ما يشاء .. ليفرغ عليه جل نعيمه ، وشحنة غضبه المنعش .. صفع الماء الدافئ وجهي ، وانساب مدرارا على بقية اعضائي فيشدها ، ويمتص منها الكلل ، والتعب .. انعمُ وحدي مسرورا في هذه الخصوصية النادرة .. آه كم كان الماء رائعا !
اسمع طرقا خفيفا مفاجئا على الباب يهوى علي كاللطمة ، لم اصدق ان احدا قد خالف قوانين السهر ، ونهض من فراشه الناعم الوفير ، وضحى باغفاءة الفجر اللذيذة ، وجاء ليزاحمني متعتي وينغص علي حمامي .. بابا بابا .. انه صوت مريم ابنتي الكبرى .. التقطتُ انفاسي .. حاولت ان اهدئ من ذات نفسي .. تجاهلتُ النداء ، وواصلتُ الغناء بصوتي الفاتر القبيح .. بابا بابا ازداد القرع حدةً .. تبدد الصمت ، وزالت السكينة .. لم يكن بمقدوري ان اتجاهل ، واشاكس اكثر من ذلك .. عجيب ! وكيف عرفتْ انني ابوها في الحمام .. الا يمكن ان يكون شخصا آخر من الاسرة ، فنحن سبعة في عين الحسود .. كانني اسمع صوتا آخر فاترا ناعسا اعرفه جيدا .. زوجتي ام علي ، وهل يخفى القمر ! اصبح الموقف جديا ، وخطيرا ، وعلي تنفيذ الامر فورا ، والخروج ، والا … !
اقفلتُ الحنفية ، ثم لبثتُ برهة لملمت فيها نفسي ، واستعدتُ رشدي ، وعدت الى واقعي ..
وضعتْ ام علي كل هيبتها ، وجبروتها في صوتها ثم قالت : اخرج بسرعة مريم تريد ان تستحم قبل ذهابها الى الجامعة ..
هي حبكت … ؟ قلتها بالمصري همساً .
كتمتُ انفاسي حتى لا يسمعون بما يضج في داخلي من احتجاج برئ .. قاومتُ رغبتي في الاستمرار ، والاستمتاع ، وخرجتُ منصاعا للامر من دكتاتورتنا الجديدة التي لا يستطيع احدا مهما كان ، ومهما علا شأنه في كل هذا البيت ، من شماله الى جنوبه ان يعصي لها امرا ، او يرفض لها كلمة .. لم يخلق هذا الانسان بعد .. بما فيهم الجبان الماثل امام حضراتكم ، فكلمتها تعلو ، ولا يُعلى عليها .. لقد خُلقنَ لهذا الدور ، وليس لغيره ! الى متى اداوم على هذا الانكسار امام هذه السيدة المستبدة الجميلة ، والطيبة .. ؟ ها .. لا تسمعنا ؟
طيب طيب .. خارج … !
استجبتُ بسرعة مذهلة طائعا ذليلا ، وخرجتُ منكس الرأس كأني ارتكبت جرماً .. لكنني سعيد في داخلي .. احب الآنسة مريم هذه .. ابنتي ، وقرة عيني ، ولا استطيع ان ارفض لها طلبا ، ولا لامها طبعا امراً .. فانا جبان بمزاجي ، وبملء ارادتي !
كانت السعادة موجودة في كل شئ فينا ، وفي كامل حياتنا .. في صمتنا في دفئنا ، وزعلنا ، وشجاراتنا .. ما اقصرها ! التي لا تنتهي الا بالعناق ، والقبل ، والمسامحة .. قلوبٌ نقية كقلوب العذارى .. سعادة حقيقية موجودة حتى في كل لقمة باردة نتناولها على عجل قبل ان تملأ السيدة الاولى المائدة بما لذ وطاب من اصناف الطعام ، والمخللات المحلية الصنع من يدها الكريمة ، ونفسها الطيب في الاكلات التي تعدها ، وهي تحاول سعيدةً ان تُرضي كل الاذواق … ما اصعبها من مهمة !
انتهى الزمن الحلو على حين غفلة .. اعتقدتُ ان الحياة قد توقفت … سنين مرت كأنها لحظات مسروقة من العمر .. لم تغادر فيها رائحتهم الطيبة - التي تعذبني - البيت منذ ان غادروه ، وانتشروا في اصقاع الارض .. مزقتنا الظروف ، وقطّعت اوصالنا المسافات .. فمنهم في اميركا ، ومنهم في السويد ، وآخر في استراليا ، يا للزمن ! وبقيت وحدي دامعا ، وغاية في الحزن .. يملأني احساس مرير بالوحدة حتى ماتت في نفسي كل الاشياء الحية .. اعيش ايامي الماسخة الاخيرة .. خالية من اي طعم .. اناطح الحيطان ، واناجي الخيال ، متخماً بحزمة ثقيلة من الذكريات الجميلة .. اعانقها ، واسمع انينها ، وقهقهاتها .. لا وقت عندي حتى للبكاء .. لقد غافل الموت يوما زوجتي ، وشريكة العمر كله ، ومن تحبها نفسي في منتصف الليل .. غادرتني الى الفردوس الاعلى ، وانا لا ازال اقف بملل لوحدي على قائمة الانتظار … ما اطولها !!



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حُلمٌ … مخجِّل ! ( قصة قصيرة )
- من هنا مرّت فاطمة … ! ( قصة قصيرة )
- القمار ، وعواقبه … ! ( قصة قصيرة )
- التطبيع خيار سلام … ام مشروع فتنة ؟!
- جنون ، وضياع … ! ( قصة قصيرة )
- الشعوب العربية … آخر من يعلم ، وآخر من يهتم !
- المصالحة الفلسطينية … الحلم !
- هل اصبحت الحرب مع ايران قدرا … لا مفر منه ؟
- عودٌ على بدء … !
- هل يمكن ان يعيد التاريخ نفسه في 2024 ، ويفوز ترامب !
- هل يمكن ان تكون الانتخابات الأمريكية … مزورة ؟
- هل يمكن ان تأمن لصداقة قوم … الخير فيهم هو الاستثناء ؟!
- آمنت لك يا دهر … ورجعت خنتني !
- باي باي … ومع الف شبشب !
- هل اصبح الاسلام ، والمسلمون شوكة في حلق الغرب ؟
- الاديان … بين نصف العقل ، واللاعقل !
- رد الفعل الفرنسي الانثوي سيكون وبالا على فرنسا !!
- من سيفوز في التكالب الرئاسي الى البيت الابيض ؟!
- التحريض … من مغذيات الارهاب … !
- هل يعيش العرب اليوم مرارة الهزيمة ؟!


المزيد.....




- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - غرباء في هذا العالم … ! ( قصة قصيرة )