محمد ناجي
(Muhammed Naji)
الحوار المتمدن-العدد: 6714 - 2020 / 10 / 25 - 01:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
واجه العراق ويواجه اليوم أزمات وتحديات خطيرة سياسية/اجتماعية/اقتصادية/ثقافية ، تهدد حتى وجوده ، وفي كل هذا لاشك أن للمثقف دور وعليه مسؤولية ، فهو المنتج للفكر والأدب والفن والعلوم والرأي أيضا ، وليس عبثا أن يسمى (ضمير الأمة - صانع الرأي) . ولتجاوز الدخول في موضوع تعدد وتغيّر (تعريف المثقف) ، لذا نوجه السؤال انطلاقا من تعريفك وفهمك للمثقف ودوره ،
١ هل ترى أن المثقف العراقي اليوم بمستوى دوره ومسؤوليته ؟
٢ بعيدا عن تأطير الابداع ، هل ترى ضرورة لوجود خطاب ثقافي عراقي عام في ظل فوضى المواقف والمفاهيم المشوهة ؟
المشاركة عامة ومفتوحة .
فيحاء السامرائي - كاتبة
بدءاً، ينبغي أن نتساءل عن أي مثقف نتحدث وعن أي دور وأي تغيير ؟ من يعنينا حالياً هو المثقف العراقي ، الذي تشعبت توصيفاته كونه أما عضوي متفاعل تنويري ، أو مرتزق رهين مال وجاه وسلطة ، أو تقليدي نمطي لايستوعب متغيرات العصر ، فتنعكس تلك الصفات على دوره في عملية التغيير فأما الاستنهاض ، او الاجهاض أو الجمود .
ومن الجدير بالنظر أخذ ظروف البلد ، سياسية واقتصادية واجتماعية ، بنظر الاعتبار على مدى فترات زمنية من غياب حرية وقمع وتجهيل وإفقار مجتمعي ممنهج ومقصود ، مما جعل مفهوم الثقافة ملتبساً ، وصار المثقف أما تابعاً يفكر بالمنفعة أو صامتاً لايفكر الا بحماية نفسه . وتشهد على ذلك الحقبة البعثية الصدّامية وما أنتجته من ثقافة مشوهة وتهميش وتدجين وتصفية وتسقيط للمثقف ، وما تبعها بعد التغيير السياسي من فوضى وتقديس الرمز الطائفي ، الذي غالباً ما يكون عصيّاً على التصالح مع القيم الانسانية الحداثوية والعلمانية الواسعة ، وجعله بوصلة الولاء الوحيدة ، فالفكرة والنظرية والمشروع الثقافي غير كافية وحدها ، لزاما مرافقتها لحاضنة ومناخ يتيحان لها الانتعاش كي تتحول إلى قوة مادية (رعاية سلطة+ حريات+ ديمقراطيات+ تفاعل مجتمعي= تغيير) .
دور المثقف :
تنظيري تبصيري استشرافي توعوي تنويري استنهاضي توضيحي تحليلي ، فهو لسان الحقيقة وضميرها ، ينتج المعرفة ، التي هي بمثابة سلطة يستخدمها ليحدد الخلل ويؤسس لرؤية البناء والتشييد ، لكن كيف يُتاح له ذلك بوجود عراقيل ومثبطات ؟
معوقات تحول دون التغيير ومقومات النهوض :
* الحاجة إلى عدالة وديمقراطية وحرية ، وخلق حاضنة (تبييئية) للفعل الثقافي وعدم السير بالضد من ثقافة العصر وعجلة التطور .
* العلم هو المجال الوحيد للانطلاق ، أما الدين والمذهب والمقدس ، فهي عوامل تكرّس التخلف وتعيق التغيير . أين قلاع الادب والفن والعلم من المشهد الثقافي اليوم ؟ لماذا استبدلت السينما ودور المسارح بالحسينيات ومراقد الاولياء الصالحين؟
* توالي الانكسارات و الانهزامات في مجرى الانعطافات السياسية التي مرت وتمر بها بلادنا وتأثير المناخ العربي والعالمي عليها ( الحركة القومية وفشل مشروع الوحدة ، وما وصلت اليه القضية الفلسطينية ونكوص عملية التحرير الطويلة ، وانهيار النظام الاشتراكي وانحسار اليسار والأفكار الاشتراكية) ، مما ساهم في تلبك المثقف وتشوش رؤاه وفقدان إيمانه وإحباط اندفاعاته باعتباره مالكاً لدرجة عالية من الحس و الرهافة .
* يتميز العراق بلعنة الجغرافية وفرادة الشخصية العراقية الخلافية وأكوام من التراكمات بمجال العنف والتقلبات السياسية والتدخلات الخارجية الماهرة في خلق الازمات واستهداف الموارد البشرية بتطويعها وإغوائها وحرف توجهاتها النهضوية .
* شيوع مفهوم اللاجدوى عند شريحة المثقفين وطغيان اليأس والتفكير أما بالاعتكاف او الهجرة .
* التغيير ، كهدف ، هو نفسه مجهول ومخيف ، بينما الاستقرار رغم جموده وتخلفه يبث الطمأنينة والراحة ويضعف الطموح والتطور .
* شيوع وغلبة ما يُعرف بثقافة الوجبات السريعة ، وهي ثقافة تلتقط السهل والهابط وتتماشى مع متطلبات حياتية يومية تسطيحية ضحلة ، كالأغاني السائدة والمؤلفات الرخيصة وتناول الخفيف والسخرية غير الهادفة ، التي لا تتطلب التفكير العميق ، كما وتعتمد على البصري والمبتذل .
* انشغال المثقف ببناء المجد الشخصي ، فيسرف البعض بالتركيز على المنجز الفردي ويدور في فلك الذات والنرجسية والبحث عن الفرادة والصراع والتنافس مع أقرانه والاستعراض النخبوي ، حتى ان مفردة المثقف فقدت رونقها اليوم وكادت ان تكون سبّة أو صفة معيبة ملازمة لنزعات أنوية ضيقة ، نائية عن الجماهير والقيام بدور مسؤول في التغيير.
لكن كيف يستعيد المثقف دوره في استنهاض المجتمع وما هي مستلزمات التغيير ؟
* البدء بتغيير واصلاح نفسه والتخلص قدر الامكان من الأفكار الضيقة و المناهضة للتغيير ، كالطائفية والغيبية والمفاهيم المجتمعية الجامدة وكذلك الأمراض الذاتية كالازدواجية وتعظيم الذات والاستعلاء على الآخرين ، ويبدأ بعد ذلك بالدائرة الضيقة حوله من أهل وأصدقاء ليغدو قدوة تشكّل خميرة تغيير مجتمعية ، وتغدو الكلمة مؤثرة ، كما القصيدة والاغنية واللوحة والمدونة والسبورة .
* الإنخراط في حلقات بحث وورش ثقافية جمعية لتصحيح المسارات الثقافية والعلمية تكون مكرّسة للاستثمار في الإنسان وعدم الركون إلى الفردية ، فالعمل الجماعي ، رغم عدم تجانس الشريحة وتنافرها ، سيمضي بهم نحو نتائج مبهرة ويعلو من شأن ممكنات التصويب الثقافي دون تنافس مهني وصراعات . ولو يبدأ تجمع الطاقات الثقافية بهدف واحد كمقارعة الفساد، وتتكاثف الجهود لأجل التنوير وتغيير تلك الآفة في المجتمع والسلطة ، ضمن خطة وبرنامج واضحين ، ونهوض كتلة واحدة بتعددية رؤى وهدف واحد وبمشاركة المثقف والسياسي والعالِم والصناعي ، لتحول الإنتاج الفردي إلى جمعي بفعّالية أكبر .
* استيعاب الثورة الرقمية والاهتمام بتقنية المعلومات والعالم السيبراني الذي هو مفتاح العصر الراهن ، وممارسة هذا الدور في التأثير عبر كافة القنوات الشبكية ، وإيجاد المكان الصحيح في حقول الميديا الصحيحة التي تهيمن على مفاصل الحياة اليوم ، والتي كثر فيها أشباه المثقفين والادعياء .
* في محطات التنوير العراقية والعربية برز دور المثقف اليساري والليبرالي والشيوعي ، غير أن التمسك الديماغوجي بالايديولوجيا أثر بشكل سلبي على عملية التغيير ، فالتعصب ومحاربة الرأي الآخر المختلف وتسقيطه هي من المعوقات الجدية ، ورغم ريادة الحزب الشيوعي في التغيير وسلامة مبادئه ، إلا أن المنخرطين تحت لوائه يمجّدون قياداتهم ويبررون أخطاء عديدة مارسوها ، فالأدلجة معيقة للتفكير السليم الهادف للتغيير .
* اتخاذ موقف تقدمي من المرأة ودعم مساهماتها وتطوير قدراتها لا بالشعارات والكلمات فقط .
* الاشتغال على مفهوم المواطنة العراقية بعد أن ساء فهمها واستخدامها ، فالمواطن الذي يحب وطنه وناسه ، يكون متقبلاً لدعوة التغيير من أجل الأرض الذي يقطنها وناسها ، مع ضرورة التوعية السليمة بشعار (نريد وطن) الواسع وغير مفهوم .
لكن ماذا لو لم يؤمن المثقف بدوره في التغيير ، زاعماً انه ليس من الضرورة ان تكون للمثقف رسالة ما ؟
يبرر البعض بأن مساهماته الثقافية تنحصر في الرؤية الجمالية التي يستمتع بها خالقها وحده ولا يعير للناس أهمية ، سواء وصلتهم رسالته الجمالية أم لا ، وذلك هذا الرأي يتطلب وجود حالة من نكران الذات ، والتوعية بأهمية التأثير المتبادل بين المنتج والمتلقي المستفيد ، وربما لجهد توعوي من المثقف الثوري تجاه المثقف من هذا النوع المزاجي .
والسؤال الذي يخطر ببالي هو لماذا كان إرث المثقف في الماضي أكثر تأثيرا وحضورا مما ينتجه مثقف هذا الزمن ، بدليل أننا لليوم نستشهد بأعمالهم وكلماتهم وآرائهم ؟ وحتى رجال الدين سابقاً تصدروا مشهد التغيير على عكس ما يجري اليوم من تلوث فكري وتخلف ، فهل تكفي الدعوة لتطبيق العلمانية كمنهج ، الى الحد من تسلط العقيدة الدينية وتحكم الدين بالسياسة في ظل غياب الحرية لاجل التغيير المطلوب؟
#محمد_ناجي (هاشتاغ)
Muhammed_Naji#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟