أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير محمد ايوب - التَّصحُّرُ والموتُ بالصَّمت عَشوائياتٌ في الحب














المزيد.....

التَّصحُّرُ والموتُ بالصَّمت عَشوائياتٌ في الحب


سمير محمد ايوب

الحوار المتمدن-العدد: 6674 - 2020 / 9 / 11 - 16:15
المحور: الادب والفن
    


التَّصحُّرُ والموتُ بالصَّمت
عَشوائياتٌ في الحب
رفيقةٌ يافاوية مُناضلةٌ عتيقة ، ممن يَجرُؤنَ على الخروج بلا ماكياج ، لم ألتقيها منذ تزوجت . جاءت إلى قدّاس الأحد بثوبٍ أسود بسيط ، تَلْحمِيُّ التطريز . تلفُّ عنقَها الجميل دون رأسها ، بشالٍ أبيض مُطرَّزٍ هو الآخر . في عينيها حزنٌ داكنٌ مُوشّى بغضبٍ ظاهر . كانت تختنق بدمعٍ يأبى مغادرة مَنابعه وسَواقيه . أطْرَقْتُ مُتجهِّما حين رأتني بانتظارها أتمشى في باحة الكنيسة . سرعان ما انتبذنا مكانا قصيا. وما أن جلسنا تحت زيتونة ضخمة هناك ، وقبلَ أن تقول شيئا ، رمقتني بنظرةٍ طويلة ، إنثالت معها كلماتٌ صامتة ، اختصرت الكثير من الحكاية :
لستُ بخيرٍ يا شيخي . لم يفِ بما وعَدَت به رجولته . مِزاجيٌّ يقتل كلَّ لحظة . لا يتَّسعُ لسانه إلاّ لما لا يُطاق . أخرَجَني تردُّدُه عنْ سِياقي . بتُّ معزولةً عن كلِّ ما حَولي . بعدَ سبعِ سنينٍ عِجافٍ ، مِنْ زواجٍ تقليدي ، كنتَ أنت شاهدا عليه ، لمْ يَعُد يُشبِهني . ولمْ يَعُد حُزْني يشبهه . إختفَت تفاصيله الصغيرة منْ دواخلي .
ودمعٌ حائرٌ يقفُ مُتربِّصا على حواف عينيها ، أكْمَلَتْ بصوتٍ مُرتجف : لم يَعُد قلبيَ يَطير ، تؤلمني دقاتُه المُتكاسلة . تَعجُّ نفسي بتنويعاتٍ من العقوق والخذلان . أجبرتني على صياغة صمتٍ مُخيف رغم هدوئه . تعاطَيتُ الصبر الجميل ونَفَذَ . كنت أتَحَكَّمُ بخوفي من التذمر ، فصِرتُ أخافُ أن ينحرفَ خَطْوِيَ . لا أريد التَّعَوُّدَ على فراغٍ فيه الكثير مما لا يقال ، ولا يَتنهدُ فيه شيءٌ ، إلاّ أصابعي .
تنهدت مطولا قبل أن تواصل بصوت يشبه الرجاء : بقايا حنين صامت ، وذكريات تتفلت ، وأمنيات ملجومة تتشبث بالحياة ، تتمنى عليك يا شيخي ، ان تأخذ بيدها إلى شيء منَ النور .
إنتبهنا لقرع الأجراس ، إتّجهنا إلى الكنيسة وهي ترفع شالها فوق رأسها . جلسنا في الصف الأخير . وهي تتابع القس ومساعده الشماس ، كنت اتأمل في رسم السيد المسيح عليه السلام ، وما يحيط بصليبه من ايقونات ، ولساني يلهج بحمد الله واستغفاره والدعاء لوالِدَيَّ .
بعد المناولة مباشرة ، خرجنا إلى حيث كنا قبل الصلاة نجلس ، تمعنت في عينيها ، وأصابع يدي اليمنى تداعب سبحتي ، قلت : أعلم كم أنت كثيرةٌ ، نبعٌ لا يشيخ ولا يمل . ومع هذا أود التأكيد لك ، على أن بعض افتراضات الحياة العامة لزجة ، تشَوِّشُ الرؤية ولا تصلح للإستنتاج . منها الظن أنَّ هناك فِقهٌ مُتكاملٌ للحياة ، يُغطي بنفس الدرجة من الجُهوزيَّةِ ، جميعَ التحولات فيها . من الخطورة بمكان ، نسخ تجربةٍ أو تلفيقُ فقهٍ إنتقائي هجين . والأخطر من ذلك ، التشبه بالمقارنة ، والتعميم بلا تخصيص .
الشراكة يا سيدتي كالقفز من مكان عال ، عقلك ينهرك أن لا تفعلي كي لا تموتي ، وقلبك يوشوشك أن لا تقلقي فبإمكانك الطيران . كان عليك أن تدركي منذ البدء ، أن هناك أنواعا كثيرة للغرق غير الماء ، وللقتل غير الرصاص . النَّقُّ واللسانُ السليط والمحاصرة والترصُّد وسيمفونيات العتاب ، والغضب الطفولي والكيد الساذج ، اخطر من الماء والرصاص .
ومن ثم أقول على العموم : حين نشارك ، علينا أن ندرك أن الأشياء الجميلة لا تأتي إلا مشتركة ، لا تُنْتَظَر ولا تُطْلَبْ من الآخر ، بل باولويات تُصنع وتجدد بالتوافق المشترك ، وتُلون معا . الشراكة ليست سوقا للتداول والمقايضة الفظة ، ولا تلتزم بقانون المرابحة : إن حَبِّتْني أحِبَّك أكثر .
قالت بقلق : وإن أتت على قلبك لحظاتٌ وإشارات أثقل من الجبال ، ماذا تفعل لتتوقف عن ظلم نفسك ؟!
سارَعْتُ مُقاطعا وأنا أنقل السبحة إلى أصابع يدي اليسرى : من الحقائق المُرَّة في الشراكة ، أن في كل حقبة منها خصومات ، لكنها ليست حواضن للإكتئاب ، بقدر ما هي منصات لإنطلاق جديد .
قالت بشي من التشكيك المُتعجب : كيف ؟!
قلت بيقين : حالات النفورمن البدايات غير المتوقعة ، تسبق في العادة الضجر من التصحر ، بضمة أوبسمة أو ومضة عين أو قبله عابرة عشوائية . فقبل أن تصبح العلاقة نوعا من الطلاق الصامت ، يتم الجفاء بين أركان العقل والقلب ، وتتساوى الأشياء فيها كالماء ، لا طعم ولا لون ولا رائحة .
إذا بتِّ عاجزةً عن الأمساك بصدى صراخك ، ولتكن النهايات كما تريدينها ، تحزّمي بصبرك واحملي ما تبقى منك ، وارحلي بهدوء . إمضي بلا وجل ، والقِ وسادتك حيث تستريح روحك ، وتلاقي ضحكتك ، وهناك ابني لك بيتا .
ولأن التعود يخدع صاحبه ، إبتعدي بلا أسف ، عمَّن بالتَّعمُّد أضلَّ طريقك . إن لم يعجبك مكانك ، قومي بتغييره ، فأنت لست شجرة في غابة لتثبتي مكانك ، ولا جلمود صخر . حتى الطيور تهاجر من سماء فسد فضاؤه . إذا لم تكوني في الأماكن التي تحبينها ، فأنت لاجئة أينما كنت . وأنت تتلفتين على أرصفة الحياة من حولك ، إفتحي بصيرتك وُسْعَ جِراحك ، فهي مكتظة بشركاء محتملين ، يبحثون مثلك عمَّن يوقِدُ نارا ويعزز ما يضمر في الصدور . وحين تلتقين من يعتنق روحك ، تذكري أن الحب كالتدين لا إكراه فيه ، ولا تعصب وتذكري أنَّ أيَّ شراكة لا تؤيَّدُ بحسن التدبير ، والصبر الجميل ، والتفهم المتسامح ، والمغفرة المتجددة ، تتفسخ وتتلاشى .
ساعَتَها ، لا تقولي إنَّ الدنيا تُعطيني ظهرَها ، فأنت يا سيدتي من يجلس في المكان الغلط . إن في الحب أشياءٌ كثيرةٌ جميلةٌ ، تستحق الصبر من أجلها ، قبل إعلان الموت بالصمت .
الاردن – 10/9/2020



#سمير_محمد_ايوب (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لأمة تضحكُ منْ جهلها الأمم أقول : شُكراً لكلّ مَنْ لَمْ يَخُ ...
- فضفضة في منام – سؤال يبحث عن بوح عشوائيات في الحب
- ولأحرار العرب قولُ الفَصْل ... إضاءة على المشهد العربي
- يا أمّةٌ تضحك من جهلها الأمم أمريكا لا تذهبُ الى الصيدِ إلا ...
- قاماتٌ وهاماتٌ لن تموت ناجي العلي ، لم يأكله ذِئبٌ ولا ضبعٌ ...
- أياصوفيا ، ملهاة جديدة إضاءة على المشهد في فلسطين
- مّسْخَرَةُ الضَّمِّ ملهاة وسراب إضاءة على المشهد في فلسطين ا ...
- قامات وهامات لن تموت أُسودُ رام الله الخمسة– رحيل من الشرق ا ...
- فلسفة الصِّرْصار !!!
- أمُّ هارونٍ - سوقُ نِخاسةٍ البائعُ فيه تابِعٌ -
- يا أمة تضحك من جهلها الأمم المسؤولية المجتمعية اهتمام ايجابي
- المراجعة والتراجع والرجوع في الحب عشوائيات في الحب – العشوائ ...
- خِذلانٌ لا يَصدأ عشوائيات في الحب – العشوائية 29
- ملامح وأقنعة عشوائيات في الحب العشوائية 28
- جدلُ الركودِ والتحرك في الحب عشوائيات في الحب – العشوائية 27
- جدل القلب والعقل عشوائيات في الحب - العشوائية 26 إ
- يا أمة تضحك منْ جهلها الامم إنه الله ، يا عشاق الحياة
- الحب الصاخب عشوائيات في الحب – العشوائية 25
- البشرية بين مَوتٍ وبائيٍّ ، وأنانيةٍ أعقد يا أمة تضحك من ج ...
- رب ضارة نافعة يا امة تضحك من جهلها الامم


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير محمد ايوب - التَّصحُّرُ والموتُ بالصَّمت عَشوائياتٌ في الحب