أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باقر العراقي - بكاء إلى الابد














المزيد.....

بكاء إلى الابد


باقر العراقي

الحوار المتمدن-العدد: 6180 - 2019 / 3 / 22 - 09:41
المحور: الادب والفن
    


بكاء إلى الأبد.
باقر العراقي
خَرجتْ لتوها من محنةٍ جديدة، كادت أن تنهي حياتها البائسة، لكن القدر طلبَ التأجيل، ربما للمرة العاشرة أو أكثر، وقد يكون التأجيل الأخير.
لم تعدْ أم الوحيد "كما يسميها أهل الوادي"، لم تعد تحتمل آهاتها وحسراتها في النهار، وأنينها المستمر طوال الليل، فقد نجت من عظة ذئب مسعور، إفترسها وسط المرج، عندما كانت تحملُ قِدرها الصغير على رأسها، فقد كانت تجلبُ الماء من النهر القريب عن كوخها الصغير.
صرخت بأعلى صوتها، ونادت: إبني وحيد أين أنت؟ وسقطتْ، بينما تمسك الذئب اللعين بساقِها، يَنهشُها ويتلذذُ بطعم الدماء التي تسيل بين فكيهِ.
نجت بأعجوبة، ولم تَعُد تخرج من كوخها الخرب، ساعدتها أمرأه طيبة تسكن بالقرب منها في جلب الماء، ووفرت لها قطع الخبز والحليب الذي لا تستغني عنه.
جَلستْ في باحة الكوخ المحدودب الأمامية، تتراقص أمامها ذكريات الصبا، أيام العز والشباب، حين كان زوجها "سركالاً" للمنطقة وحاكما عليها، تتراءى لها لحظات المخاض والولادة، وكيف كبُر وحيدها وخلصتهُ من الجندية، ودفعت البدل له، ببيع كل ما تملك من مصوغات ذهبية ومواشي وبستان، خلَّفهُ لها زوجها الثري قبل وفاتهِ.
من بعيد صاحت ياسمين، وهي أحدى بنات المرأة الطيبة،: كيف حال جُرحكِ يا أم الوحيد؟
رفعت العجوز رأسَها، ووضعتْ يدها اليمنى بموازاة حاجبيها الأبيضين، إتقاءاً لعينيها الضيقتين من ضوء شمس ما قبل الغروب، ثم عادتْ تُطأطأُ رأسَها نحو الأرض، سحبت العجوز طرف بساطها ذو الألوان الباهتة من تحت قدمها اليمنى، ومسحت فوقه بيدها الرقيقة، وهي تقول بتهكم لا يخلو من الكبرياء : لا بُد لهذه الروح من العروج إلى السماء، بجرح الذئب الغادر أو بجرح الإبن الغائر.
ردت عليها الفتاة بصوت يفيض بالحنان : نحنُ أولادكِ وبناتكِ أتركيهِ للزمن، ربما تاهَ مع التائهين الغافلين عن جنة الأمهات.
قامت بمساعدة عصاها المتعرجة، ودخلتْ كوخها من بابهِ الصغير هذه المرة، نعم من بابهِ الصغير، فبعض الأحيان تصطدم بحيطان الكوخ، بسبب ضعف ِ بَصرها.
تَوضأَتْ وتَوجهتْ نحوَ القبلة، وصَلَّتْ بصوتٍ مرتفع، وعند ساعاتِ المساء الأولى، شربت قدحاً من الحليب البارد، ومدتْ جسمها النحيل على طول سجادتها المتهرئة، وتغطت بغطائها الصوفي الثقيل، أرختْ عيونها ورَددت دُعاءَها الذي تُعيدهُ كل ليلة: اللهم أحفظ ولدي الوحيد، ولا تجازيهِ على ما فعل بي، إنكَ أرحم الراحمين.
أستيقظَ أهلُ الوادي صباحاً على صراخ ياسمين، فقد إعتادت أن توقظ العجوز فجر كل يوم، لكنها لم تستيقظ معها ذلك اليوم، أصيبت الفتاة بالذهول وهي ترى العجوز المرحة، تتحول إلى جثة هامدة متجمدة لا نفس فيها ولا حراك.
إنتشر الخبر بين الناس كالنار في الهشيم، فالعجوز عاشت بينهم ما يقرب المائة عام، وصل الخبر أخيراً الى مسؤول كبير في المقاطعة، فتولى تغسيلها وتكفينها، وعمل مجلس عزاء لها في منطقة الوادي، بناءاً على وصيتها كما قال أحدهم ، إذ حضر إلى الوادي لأول مرة منذ أن أصبح موظفا قبل خمس وعشرين عاما، وبينما هو جالس وسط الناس لتقبل التعازي، دخلت ياسمين الى مجلس العزاء متوشحة ملابسها الداكنة وسط ذهول الحاضرين وإستغرابهم، إذ لا يجوز دخول المرأة لهكذا مجلس، توجهت ياسمين صوب المسؤول، وقالت بصوت مبحوح : أيُعقل أن تلد السيدة النبيلة ولداً عاقاً مثلك، كيف يكونُ الشرُ إبناً للخير؟ كيف يكون اللئيمُ وريثاً للكريم، كيف يلد الجمال قبحاً مثلك، طأطأ المسؤول رأسهُ ثم رفعهُ بتثاقل، وترقرقت من عينه اليمنى دمعة ساخنة، تدرحرجت كأنها صخرة منهارة في منحدر، تبعتها أخرى من العين اليسرى، وأجهش بالبكاء إلى الأبد.



#باقر_العراقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المشروع الوطني سيف قاطع لا براق.
- استثمار تسعيرة الكهرباء في العراق، الحقيقة الكاملة
- ما هو الحج الأعظم في العالم؟
- عملية كركوك صولة الأسد، وزرع الورود على حدود الدم.
- المناهج الدراسية طبعات متجددة واخطاء مستمرة
- السقوط القادم لدول الخليج...!
- بين بؤس الطائفية وصراع المحاور، أين مشروع الوطن؟
- الحكمة بين إرث الماضي وأهداف الغد
- كيف نتخلص من مفخخات بغداد؟
- ما لم يتبناه حوار بغداد
- من يعارض التسوية، ولماذا كل هذا الاهتمام بها؟
- خبر عن ترامب..!
- ماذا تريد تركيا من بغداد؟
- التسوية الوطنية شعار انتخابي..!
- السعادة في التطوع/ قصة
- جوهرة من ملحمة القصب.
- الأكراد وصبر أم الولد..!
- غزة وصنعاء بين أخوة السعودية وعداوة اسرئيل...!
- كاريزما بأربعة أبعاد، ونظرة إستراتيجية ثاقبة..!
- وزارة الشباب والرياضة، للشباب أولا.


المزيد.....




- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باقر العراقي - بكاء إلى الابد