أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - الاستشراق بين الأنا والآخر














المزيد.....

الاستشراق بين الأنا والآخر


طيب تيزيني

الحوار المتمدن-العدد: 5207 - 2016 / 6 / 28 - 09:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



كان القرن التاسع عشر ذا أهمية خاصة في الولادة الأوروبية الجديدة التي ما تزال تجلياتها موجودة حتى عصرنا، وإن بصيغ وإضافات جديدة. فنحن شاهدون عليه، ومتأثرون به، وإن بنسب مختلفة من حيث البنية والوظائف. أما هذه الحيثيات الأخيرة فقد راحت تتبلور وتتضح في طريق مترع بالآلام، وبقدر من ردود الفعل والصراع. ذلك أن التفاعل مع الآخر راح يفصح عن نفسه مع المد الأوروبي النهضوي، والاستعماري كليهما.. أما كيف هذا؟ فقد أفصح عن ذاتيته في سياق إعادة بناء حضارية لأوروبا، ولكن كذلك عبر الوقوف في وجه من لا ينتمي إلى أوروبا هذه مثل الأميركيين اللاتينيين والآسيويين والأفارقة. وهذا الوجه هو الذي راح يعلن عن نفسه تحت قبضة النفوذ الأوروبي الصاعد، أي من خلال محاولات تطويعه عبر ذاك في بنيته ومهماته وتوجهاته واحتياجاته، وهكذا يجد الباحث المدقق نفسه أمام نسقين اثنين راح الاختلاف بينهما يتجاوز البنية والمهمة ليصل إلى المآلات التاريخية.

لقد راح المد الأوروبي النهضوي يستحث السير باتجاه التغيير الذاتي النوعي ذي الخصوصية الأوروبية إلى الأمام، ولكن عبر استجرار شعوب أخرى ذات حضور للخضوع لقبضته. هي تحافظ على مسارها وهويتها وغاياتها التاريخية، وتسعى إلى «إنتاج» شعوب ومجموعات لتوظيفها بصفة «أرقاء»، وأجراء، في مجالات للتجريب البيولوجي والنفسي والأخلاقي وكل ما يدخل في «خانة البشر». وكان على العاملين في مجالات الاستشراق، أن يقدموا نظرياتهم يداً بيد مع تفكيك قيم الإنسانية والكرامة والحرية بالتوافق مع قانون اقتصادي واجتماعي وعسكري يتمثل في استنفاد تلك القيم، بهدف إعادة إحياء أو تشكيل منظومة «الاسترقاق» عبر تعميم نمط من «الأيديولوجيا» الشمولية في العمل و«العلم» والاستمتاع بها، بل والدفاع عنها.


وقد اكتشف دهاقنة هذه الأيديولوجيا كيف يجعلون منها سيد الموقف في تاريخ تلك الشعوب وإسقاطها على واقعها، وأوكلوا معظم هذه المهمة لـ«الأساتذة الجدد» و«الباحثين المتمرسين»، المنطلقين من تصوّر يرى في أولئك «أرقاء» الماضي، في أقرب صفاته إلى الأيديولوجية المذكورة، والأكثر تخلفاً لسبب واهٍ ينطلق لدى الغربيين من نظرية «الأنتروبولوجيا»، فها هنا يميز بين الرجل الأبيض وبين الآخر الملون أو الأسود، فالأول منهما، حسب إرنست رينان، الفيلسوف الفرنسي، ينتمي إلى «العرق الآري» في حين ينتمي ثانيهما إلى «العرق السامي». ومن هذا الموقع العرقي يرى جيرار لكراك، الفرنسي أيضاً، أن «الرجل الأبيض أو الأشقر -والمعني بهذا: الاستعمار- وجد مجتمعات صالحة للخضوع للسيطرة الاستعمارية»! وقد قاد الاستشراقي رينان ذلك الموقف إلى المستوى الفكري الفلسفي، حيث رأى أن «الفلسفة لم تكن لدى الشعوب السامية -ومنها العرب- أكثر من استعارة خارجية صرفة ومقتدية بالفلسفة اليونانية».

وذلك كله أنتج منظومة أيديولوجية تمثلت في الاستشراق «الغربي» من طرف، والاستعمار الأوروبي الصاعد من طرف آخر، بحيث كان من نتائج ذلك أمثال الثنائيات التالية: الأبيض والأسود، والمبدع المنتج والمستهلك القاصر، والحر و«العبد»، والأنا والهو.. إلخ، فكان ذلك بمثابة وضع اللبنة لمنظومة جديدة وآخذة في التعاظم باتجاه طبقات وفئات، وتجمعات بشرية تعيش معادلة: المنتج غير المستهلك والمستهلك غير المنتج، والخادم والمخدوم، والكرامة والعبودية، والسيد و«العبد».. ويمكن إضافة أن تأثيرات ذلك في المجتمعات غير الأوروبية، وغير الآرية، وحيث يعيش بشر يؤسسون لحياتهم في ضوء الفقر وافتقاد الحرية والكرامة، كانت ذات بعدين اثنين، تمثل الأول في شروط العيش في تلك المناطق من طرف، والثاني في التخوم الأوروبية التي خضعت كذلك لنظمها الاقتصادية والسياسية.. إلخ، من طرف آخر. ومن ها هنا أخذ التخلف والتخليف يهيمنان في البلاد المعنية مرافقين بالاستبداد وغياب حقوق الإنسان، بحيث لا يخرج البشر ها هنا من مصائرهم المفروضة عليهم.

ها هنا يصبح الحديث وارداً عن حالة جديدة، خصوصاً في مراحل استقلالات حققتها بعض الشعوب المعنية، حيث حُرمت من الحرية والكرامة ضمن نظم استبدادية خاضعة لـ«الآخر- الخارج»، وقاهرة لشعوبها بكل وسائل القهر، وخصوصاً بما يتمثل في غياب نُظم عمل وظروف معيشة تفتقد العدل والحرية والكرامة. لقد راحت معالم كل أشكال مد التطرف والتعصب والإرهاب تبرز في تلك الأحوال، ما سهل هيمنة أيديولوجيات ظلامية عنوانها التعصب والعنف والتطرف والإرهاب.



#طيب_تيزيني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «داعش» وتحديات التاريخ
- أما آن لليل أن ينجلي؟
- من فلسطين إلى سوريا
- الدين لله والوطن للجميع
- سوريا وأسئلة اللحظة
- القصور التاريخي
- من الصهيونية إلى المشروع «الفارسي»
- الأزمة السورية والنهاية العصيّة
- أيها المتحاربون.. راعوا الفئات الضعيفة!
- عودة المشروع النهضوي العربي
- سوريا مَنْ الصديق ومَنْ العدو؟
- طريق الاستباحة الشاملة!
- وصل السيلُ الزُّبى!
- المشروع النهضوي.. مواجهة حاسمة!
- المواطَنة السعيدة
- الحقيقة الدينية
- استحقاقات راهنة
- واقع العرب واستحقاقاته
- السوق العولمي والعنف «الداعشي»!
- المحنة السورية والعدالة الدولية


المزيد.....




- التلفزيون الإيراني: بدء الموجة 13 من عمليات -الوعد الصادق 3- ...
- ماذا نعرف عن الحرس الثوري الإيراني؟ وما هو دوره؟
- حصيلة صادمة: قتلى -حملة ترامب- في اليمن تضاهي 23 عامًا من ال ...
- الجيش الإسرائيلي: رصدنا إطلاق صواريخ من إيران باتجاه أراضي إ ...
- بوتين يعلن عن إمكانية إيجاد -مخرج من الوضع- بين طهران وتل أب ...
- العراق.. تدمير طائرة مسيرة مفخخة في أربيل (صورة)
- مراسلتنا: بدأ اجتماع غرفة العمليات بين ترامب وكبار المستشاري ...
- باريس: ماكرون كلف وزير الخارجية باتخاذ مبادرة تسوية تنهي الن ...
- -وول ستريت جورنال-: ترامب وافق على خطة هجوم على إيران لكنه ل ...
- -60 طائرة و20 هدفا-.. الجيش الإسرائيلي يعلن نهاية موجة جديدة ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - الاستشراق بين الأنا والآخر