أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 4















المزيد.....

سيرَة أُخرى 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5005 - 2015 / 12 / 5 - 18:27
المحور: الادب والفن
    


1
هناك طرفة تقول، بأنه حينما انتخب الطالباني رئيساً للعراق فإن أوروبا استقبلت طلبات لجوء كثيرة من الديك الرومي ( Alok بالكردية ). ولكن الدجاجَ هو سيّد المائدة عند بني قومنا. هذا على الرغم من حقيقة، أن الكرد عموماً لا يعرفون الأكلات المطبوخة مع الدجاج؛ كالملوخية والفريكة والكبسة وغيرها. فكما لاحظت بنفسي في بيوت العديد من الأصدقاء، فإنهم يضعون الدجاجة في الماء المغلي مع الملح ( وبدون سمنة غالباً )، ثم يدعونها تنسلق جيداً. بعد ذلك، يأخذون مرق الدجاج فيصبونه على الرز بدلاً عن الماء. عندما ينضج الدجاج والرز، يُقدّم كلاهما ساخناً.
يمكن أن يقال، بأنّ لبني قومنا ثأراً مع الدجاج مثلما حال المصريين مع الحمام. وكما سبقَ لي معاينته شخصياً في اقليم كردستان، فالدجاج يعتبر الوجبة الحاضرة دوماً حتى في أفخم الفنادق. وأتذكّر واقعة أثناء دراستي في موسكو، لما اجتمعنا على مائدة صديقين من كرد العراق. إذ راحا يتابعان بدهشة واستنكار طريقتي في اختيار شرائح من صدر الدجاج. فما لبثا أن قالا لي، بأن الدجاج لا يؤكل هكذا. بعد انتهائهما من التهام الدجاجة، لم يبقَ منها على الطاولة سوى عظمة صغيرة.

2
تختلف الأكلات الكردية، ولا شك، باختلاف مناطق تواجد جماعتنا. وسأتكلم أولاً عن الجزيرة، بما أنني تعرفت عليها عندما كنتُ في عمر المراهقة. الحقيقة، أن الكرم والطيبة والحفاوة تستقبل الضيفَ دوماً في منازل الكرد. إلا أنّ اختلاف البيئة، كان لا بد بطبيعة الحال أن ينعكس على نوعية الطعام وجودته. فقد أدهشني أن الأسر المقيمة في مدينة الحسكة، والتي تسنى لي زيارتها، ما زال أكثرها يعيش حياة القرية الأولى. ومع أن أراضيهم الخصبة تزدهر بكل أنواع المزروعات، فإنك من النادر أن ترى على مائدة الغداء طبق سلطة أو وجبة خضار. على الفطور، في أحد تلك المنازل، وضعوا ما تبقى من غداء الأمس ( الطرشك والبرغل ) مع ابريق شاي مخمّر. صاحب المنزل، حينما رآني متردداً في مد يدي إلى الطعام، فإنه صرخ بأهله: " عجلوا وحضّروا لضيفنا الشامي طبقاً من البيض المقلي "..!
بعد عشرة أعوام من زيارتي الأولى، رأيتني هذه المرة في بلدة الدرباسية. مُضيفنا، كان جدّ أحد جيراننا في الشام. كان يحتفل بزواج ابنته من قريبها، وقد استمر العرس أيامَ عيد الأضحى الأربعة. في ساحة قريبة، كانت تنعقد حلقات الدبكة على أنغام الموسيقى وأصوات المطربين. أما في داخل المنزل المُضيف، فإن مائدة سخية من مختلف أصناف الطعام كانت بانتظار المدعوين. ولأن المُدام كان مفقوداً، فقد تكّرم الشباب بدعوتي مساءً إلى مشرب يقع على مدخل الحدود التركية. لسوء الحظ، أن أحدهم بدأ يستفرغ بشدة حالما عدنا إلى المنزل، مما جعل جدّه يثور ثورة كبرى. في اليوم التالي، وبينما كنت مع بعض أولئك الشباب في طريقنا إلى حلب، رحتُ بدَوري أفرغ ما بمعدتي من سهرة الأمس وعبْرَ نافذة الميكروباص.

3
في أواسط الثمانينات، زرتُ عفرين ( كرداغ ) خلال صيفيّتين على التوالي. في المرة الأولى، ولحُسن حظي، رافقتُ فرقة فنية كردية ضمّت أحد أصدقائي؛ وهو أيضاً جارنا في الحارة. انطلقنا أولاً إلى قرية " مشعلة "، وكان سيتمّ فيها عرس ابن المختار. هناك على الغداء، مدوا سماطاً على طول صالة المضافة، ثم بدأت أصناف الطعام الشهية تتوالى تباعاً. أكلات هذا الجبل الكريم، تعتبر امتداداً لمطبخ كردستان التركية. علاوة على حضور أصناف الزيتون الفاخرة، فقد أدهشني تقديم العرَق للمدعوين. بل إننا شربنا في يوم آخر ( في قرية باسوطة )، عرقاً بيتياً على الغداء لدى أحد الأصدقاء وبمشاركة أفراد عائلته.
قلنا، أننا حضرنا عرس ابن المختار. في اليوم التالي، وبعد سهرة غنائية حافلة، انتقلنا إلى مدينة عفرين. مكثنا هناك في ضيافة متعهّد حفلات الفرقة؛ وهو شاب لطيف الطلعة والسلوك من الأخوة الإيزيديين. المُضيف، كان يعيش وحيداً في منزله الجميل. في فترة القيلولة، على أثر انتهائنا من الغداء، هجعتُ بمكان ظليل في حديقة الدار. كان الفراش موضوعاً على شبكة عريضة، مربوطة بين جذعيّ شجرتين. بعد قليل، انتبهت على حركة أحدهم وهو يكنس الأرض بجواري. عندئذٍ، فتحتُ عينيّ على حضور أجمل فتاة كردية رأتها عينيّ إطلاقاً. لاحقاً، عرفتُ أن تلك الحوريّة كانت شقيقة مضيفنا، وأنها تنتظر فيزا الإقامة الألمانية للحاق بزوجها.

4
اليوم، أردت أن يكون عنوان المنشور " مطبخ ايطالي ". على الرغم من ولعي بكل ما هو ايطالي ( وخصوصاً أورنيلا موتي )، إلا أنني مع الأسف لم أزر تلك البلاد العظيمة. هذا مع العلم، بأنني زرتُ جارتها الفرنسية ثلاث مرات. مع ذلك، يمكن القول أن ثقافتنا السورية متداخلة مع حضارة الرومان الأقدمين، الذين تتناثر آثارهم في كل ركن من وطننا. من ناحية ثانية، وهي الأهم، فإنني لا أعرف من المطبخ الإيطالي أكثر مما يعرفه أكثركم؛ أي البيتزا والسباغيتي واللازانيا..!
كما سبق وقلت هنا ذات مرة، بأن اللازانيا غير مستساغة لديّ إلا برفقة النبيذ الأحمر. وكان عليّ اليوم أن أتغدى بها ليسَ بدون شراب الآلهة فحَسْب، بل وأيضاً بلا ملح. ولحُسن الحظ، أن طبعي يمنعي من التطفّل على الجيران من أجل حفنة ملح. ولكنني عوضتُ ذلك، إلى حدّ ما، بإضافة شيء من السماق وملح الليمون. وإذ نسيتُ الملح، فإن عليّ أن أذكر بأن الصورة المرفقة هي من غوغل. ولم أرَ في الحقيقة أفضل من هذه الصورة. بكلمة أخرى، فأنا وبكل تواضع أحضّر اللازانيا بشكل يجعل تصويرها جميلاً. طبقة البشاميل، تلعب دورها في شكل هذه الأكلة الطليانية الأصيلة وعلى الأخص البقدونس المفروم ناعماً. أخيراً، كانت اللازانيا باللحم على المائدة. حينما وضعتُ كأس الكوكا كولا أمامي، سألني ابني الصغير ذو الأعوام الستة: " أهذا نبيذ، بابا..؟! ".

5
أكلة الغرتّان Grattan الفرنسية، بسيطة جداً. وهي تحقق الشبع، فيما لو أخرجتَها من الفرن جاهزة ثم وضعتَ بمكانها الساسيك. هذا الأخير، هو السجق باللغات الأوروبية ( في السويد يسمونه korv ) ويصنّع عموماً من لحم الدجاج. إلا أن صديقاً لنا، من كرد تركيا، فاجأنا ذات يوم بمعلومة جديدة. فبينما كان يأكل معنا السجق التركي، إذا به يقول متفلسفاً: " السجق في تركيا يُصنع من لحم الحمير! ". ثم تابع قائلاً: " ولكن، لحم الحمير معروف بأنه جيّد للدماغ ". عند ذلك، قلت له: " وأنا أقول لحالي لِمَ كرد تركيا أذكياء لهذه الدرجة! ".
الساسيك، يُذكّرني دوماً بفترة الدراسة بموسكو. إنهم يسمّونه ساخرين بالشيء الذكري للينين. هناك، كنا نشتري الساسيك من البوفيه مسلوقاً، فنضيف إليه حامض الليمون والخردل. وإذاً، كنا معتادين في السكن الجامعي على وجبة فطور أساسها الساسيك مع عصير التفاح أو البرتقال. أما الزملاء الروس، فكانوا يشربون عصير الطماطم لأن ثمن القدح قرشين فقط. وكان ثمة زميل مصريّ، معروفٌ بالتطفّل. كان ينضم كل صباح إلى طاولة هذه الجماعة أو تلك، مادحاً الأنظمة والتنظيمات المنتمين إليها. ذات صباح، دعاني أصدقاء فلسطينيون إلى طاولتهم، فشكرتهم ثم قلت لهم وأنا أهمّ بالتوجّه إلى البوفيه: " هل تطلبون شيئاً؟ ". وإذا الأخ المتطفل يرفع رأسه ويقول لي: " كوباية عصير لو سمحت! ". بعد قليل، كان قدح عصير طماطم أمام الزميل المصري العابس، فيما بقية الزملاء يقهقهون قائلين لي " يا لئيم..! ".

6
في أوروبا، تسود الطريقة التركية لصنع الشاورما، ويدعونها بالكباب. ولكن، شتان ما بين هذه الأخيرة وشاورما الشام. الكباب التركي، هو غالباً رقائق من نفايات اللحوم ( الشخط كما نسميها بمحكيتنا )، ويتم تتبيلها بطريقة خاصة ثمّ تجمّع حول سيخ كبير. أما شاورما الشام، فإن سرّ صنعتها مكفول لأصحابها. إنما يكفي أن تتأكد من جودة اللحمة ومهارة التتبيل، بمرورك أمام محل شاورما في دمشق، مثل " أبو العبد "؛ والذي تنبعث منه رائحة عبقة ستحوّل النباتي إلى فهد مفترس.
البيتزا، لا جدال في أنها إيطاليّة، إلا أن أروع بيتزا لن تأكلها إلا في السويد وعلى أيدي كردية ـ تركية. علاوة على جودة هذه الأكلة، فإن أصحابنا معروفون بالكرم عموماً. إذ غالباً ما تكون السلَطَة والكوكا كولا من ضمن التسعيرة. وإياك أن تأكل لدى أحد الإيرانيين، ممن وضعَ الجاحظ كتابه " البخلاء " على شرفهم. وفضلاً عن أن البيتزا لديهم هي تقريباً بحجم قرص لحم بالعجين ( الصفيحة )، فإنهم مستعدون أن يأخذوا منك ثمن كأس الماء. ذات مرة، دخلتُ مع العائلة إلى محل إيراني وجدناه بوجهنا. عندما أتى النادل ذي اللكنة المعجّمة، سألته ما إذا كانت السلطة والشراب من ضمن التسعيرة. فأجابني بكل أريحية: " لا، فقط الجبنة ودبس الطماطم هما مجاناً ومن ضمن وجبة البيتزا!! ".

7
نصحتكم بأكل البيتزا، على أصولها، عند أخوتنا كرد تركيا. الحقيقة، أن أصحاب هذه المطاعم هم أيضاً بمعظمهم أعضاء في اتحاد الكتّاب السويديين. بل إن ثلاثة من أبرز أدبائهم، محمود باكسي ومحمد أوزون وفرات جوري ( استلموا تباعاً مسؤولية القسم الأجنبي في ذلك الإتحاد )، كانوا يملكون مطاعم البيتزا في السويد وتركيا. هؤلاء الأخيرين، لهم الفضل في أن يصبح مواطنيهم في الإتحاد أكثر عدداً من السويديين أنفسهم. كانوا يقولون لأحد معارفهم: " اجمع 500 اسم كردي في كتاب، ثم اجمع 500 أغنية ومثل كردي في كتاب آخر، وشرفنا بهما مطبوعين كي نعطيك بعدئذٍ قسيمة طلب انتساب للاتحاد! ".
وحتى لا يتوهمني أحد، أطمئنكم بأنني لم انتسب لذلك الإتحاد. إلا أنني، من ناحية أخرى، كنتُ على علاقة صداقة بالعديد من المنتسبين الكرد وخصوصاً جماعة البيتزا، الأدبية. وبهذه المناسبة، أتذكر واقعة حصلت لي ذات يوم، عندما كنتُ متواجداً في النادي الكردي بالمدينة. إذ دخل أحد الشباب وعلى ملابسه غبار الطحين، فعرفتُ أنه معلّم بيتزا أو ربما عامل. سأل الحاضرين عني، فدلوه عليّ بالإشارة. فتقدّم مني ورائحة العجين تسبقه، فقال لي: " اسمي فلان، وقد سمعت بأن محمد أوزون هو صديقك؟ ". سألته، خير ان شاء الله. قال لي برصانة: " أريده أن يتواسط لي بطبع كتابي عن الأمثال الكردية ". عند ذلك، نهضتُ من مكاني وعانقته بحرارة قائلاً: " أحييك، يا أخي! أنت كنت آخر كردي من تركيا لم يصبح أديباً بعد!! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مراهق
- حكايتان
- ثلاث حكايات
- سيرَة أُخرى 3
- مجنون عبّاد الشمس
- قانون فرعوني
- مثير الغبار
- سيرَة أُخرى 2
- الطليعي
- البطة الطائشة
- أدباء وعملاء
- سيرَة أُخرى
- تحت شجرة بلوط
- الفلك
- الفخ
- الإختيار
- صداقة
- ابن حرام
- مولانا
- البهلول


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 4