أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 2















المزيد.....

سيرَة أُخرى 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4989 - 2015 / 11 / 18 - 13:32
المحور: الادب والفن
    


1
حفيد عمتي، كان قد أجّر أحدَ دكانيّ موبيليا يملكهما لرجل من حلب يقيم في الحارة، لكي يحوّله إلى مطعم. علاوة على الإيجار، فإن قريبنا فاجأ الرجل بطلبه أن يحصل على الكباب المشوي مجاناً. وقد وافق صاحب المطعم على مضض، معتقداً أن الأمر يتعلق بكيلو كباب أسبوعياً. إلا أن حفيد العمة كان صاحب كأس، وكل يومين يسهر مع أصدقائه حول بحرة البيت على صوت أم كلثوم وصباح فخري وعلى وقع رصاص المسدسات.
لم يكن غريباً، والحالة هذه، أن يضجر صاحبنا الحلبي من طلبات صاحب الكاس والطاس، فامتنع عن تزويده بكباب السهرة. عند ذلك، أبلغ قريبنا بدَوره صاحبَ المطعم بأن يسحب اللحم غير المرخص من براد منزله. بعد بضعة أيام، إذا بدورية التموين تقتحم المطعم وتصادر ذلك اللحم غير المرخص. سجن صاحبنا الحلبي شهراً بالعرفي، ولما خرجَ سلّم الدكان ثم أخذ عائلته وعاد إلى مدينته؛ التي يفتخر أبناؤها بلقبها " أم المحاشي والكبب ".

2
ذات يوم، دخلت إلى غرفة الملابس في منزلنا لكي أنتقي قميصاً نظيفاً. وبما أن الملابس كانت خارجة لتوها من غرفة الغسيل وغير مطوية بعد، فإنني وجدت صعوبة في الإهتداء إلى طلبي. عند ذلك، قلت بصوت عال: " يا الله، لماذا حينما نبحث عن غرضٍ فإنك تجعلنا نجده في آخر لحظة؟ ".
سمعتني أم الأولاد، وكانت في المطبخ، فجاءت تعاتبني على تجديفي. قلت لها: " المرحومة جدتي كانت تمزح أيضاً مع الله! ". سألتني، وكيف ذلك؟ فأجبتها، بأن جدتي عندما تستيقظ من عز نومها كانت تخاطب الله قائلةً: " ماذا تستفيد أنت من صلاة الفجر؟! ".
عندما أكملت جملتي، إذا بالقميص المطلوب يخرج من بين كومة الملابس. فقلت عندئذٍ لامرأتي: " الله لم يتقبّل مزاحي فقط، بل وجعل يدي تهتدي إلى القميص بلحظة واحدة!! ".

3
في طفولتنا، لم يكن هناك بالحيّ محلات حلويات شامية، بالمعنى المتعارف عليه. آنذاك، كانت هكذا محلات تكثر في مركز المدينة، وكنا نتذوق أطايبها خلال الأعياد غالباً؛ وخصوصاً النابلسية والكنافة والهريسة. أما اليوم، فإن أكبر محل للحلويات الشامية في الحيّ موجود لدينا بالزقاق وأضحى من معالمه لدرجة ذكره بموقع ويكيبيديا، الدولي.
أما محل الحلويات، الذي عرفناه في صغرنا ( كان يقع خلف مسجد سعيد باشا )، فقد اختصّ بتقديم العوامة والمشبك وبلح الشام والقطايف بأنواعها. أحد أصدقائنا، وبما أنه كان يعمل بعد الدوام المدرسي في محل عمه، فإنه هو من كان يتعهّد غالباً دفع الحساب. هكذا تشكّلت شلّة حول هذا الجار الكريم، تصادق من يصادقه وتعادي من يعاديه. أما الشلّة المنافسة، فقد كان يتزعمها جار آخر لا يقل كرماً عن صديقنا. هذا على الرغم من حقيقة، أن المنافس كان يدفع الحساب من نقود أولئك الذين اعتاد أن يسرقهم سواء أكانوا أقاربه أو غرباء.

4
على أيام الأجداد، ما كانت الحياة في سعة ورخاء بالنسبة لكثيرين. كان معظم الناس يعيشون ببساطة، سواء من ناحية المسكن أو الملبس أو المأكل. مع أن دمشق القديمة، وكما نعلمه من تذكرات الرحالة بشكل خاص، كانت دائماً مزدهرة بالأسواق والمطاعم والمحلات. وكانت الحياة آنذاك أكثر صعوبة في الأحياء الشعبية، المنعزلة عن مركز المدينة أو حتى عن بعضها البعض. فإن حيّنا، على سبيل المثال، بقيَ يعيش حياته بمعزل شبه تام عن المدينة حتى أواسط القرن العشرين.
جدّي لأمي ( توفي عندما كانت الأم حاملاً بي )، كان يعتبر من وجهاء الحارة. نساؤه الثلاث، اللواتي عشن في منزله الكبير، كنّ يتسابقن لإرضائه. في ذلك الزمن، كانت المعجنات تقتصر على أنواع قليلة وبدائية. منها نوع كان أثيراً جداً لدى الجدّ؛ وهيَ " الجلّكية chilek "، الذي يعني بالكردية: " البَطِن أو من يحب بطنه ". هذه الحلوى الشعبية، كانت عبارة عن عجينة رقيقة مخلوطة بالسكر والزبدة، تغمّس جيداً بالزيت قبل أن يتم قليها على النار، وبعد ذلك يدهن وجهها بالمربى أو العسل. أي أنها تشبه مثيلاتها في مصر ( الفطير )، والمغرب ( المسمّن )، وحتى في أوروبا pannkaka.

5
عندما التحقت بمقر خدمتي العسكرية، في مدينة اللاذقية، كان زملائي يشكّون بأني من الشام. إذ لم أكن آنذاك أجيد حتى قلي البيض. فيما أن الأصدقاء الشوام، الذين شاركوني في السكن بشقة الإيجار، كانوا ماهرين بطبخ أعقد الأكلات. وكنت أضع اللوم على دلال الأهل، وخصوصاً أمي. فمثلاً، عندما كنت أعود في منتصف الليل إلى المنزل فأهمّ بدخول المطبخ لتسخين الطعام أو حتى تحضير الشاي، فإن الأم تنهض من فورها طالبةً مني أن أترك الأمر لها.
ذات مرة، كنتُ بإجازة في الشام. فطلبت من والدتي أن تذكر لي طريقة طبخ البامية. ثمّ عدتُ بعد انتهاء اجازتي إلى اللاذقية وفي حقيبتي كيساً من البامية اليابسة. وبما أن شريكي في الغرفة كان بعدُ في الدوام، فإنني أحببت أن أفاجئه بطبخة بامية شغل يديّ. ولكن، لسوء الحظ، أنني نسيت أهم شيء؛ وهو ضرورة غلي البامية اليابسة في الماء. وإذاً، ما أن عاد صديقي من الخدمة حتى تفاجأ بالدخان ورائحة الحريق تنبعث من المطبخ. عندما دخل ليستفهم عن حقيقة ما يجري، فإنني فتحتُ القدر عارضاً على نظره البامية المتفحّمة: " ما ظبطتْ الطبخة ".

6
قبل 10 سنوات، كنتُ في سياحة بمدينة النور. وكانت زيارة " مونمارتر " ضرورية لي؛ وهو حيّ يقع على هضبة مطلة على باريس، يضم العديد من متاحف ومنازل الرسامين العالميين. كان الوقتُ إحدى الليالي الربيعية الدافئة، حينما بدأت هناك حفلة موسيقى وغناء لفنانين هواة من شمال أفريقيا. وقد بقيت الحفلة حتى قرابة الثالثة صباحاً، حيث شعرت على الأثر بالجوع. وإذا بي أرى في طريقي مطعماً صغيراً، وقد رفرف عليه العلم اللبناني، فقلت في نفسي " عز الطلب! ".
جاء أحدهم إلى طاولتي، المركونة خارج المطعم، فخاطبني باللهجة المصرية مقترحاً عليّ طبقاً منوّعاً ( mix ) يحتوي على المازة والكباب المشوي. وقد وافقت بسرور. ولكن، ما أن حضرت الوجبة حتى أصبت بخيبة كبيرة. إذ لا الحمّص كان حمّصاً ولا الدولمة دولمة ولا الكبابُ كباباً. حينما أطل ثانيةً من أعتقدت أنه الكرسون، وأخذ بالدردشة معي، علمت أنه هو صاحب المطعم وقد سبق أن أشتراه من رجل لبناني. في اليوم التالي، عثرت في شارع الشانزيليزيه على مطعم " بارون " اللبناني الشهير. بعدما تناولت طبق mix اللذيذ، وهممت بدفع ثمنه، أخبرتهم بخيبة يوم الأمس. فتضاحك الجميع هناك، وقالوا لي: " كثيرون حصل معهم نفس هذا المقلب! ".

7
أول خيبة لي في مدينة النور، حينما تناولت فطوري بالفندق. النادل الجزائري، رحب بي ثم وضع أمامي قطعة كرواسان وكأس عصير ولا شيء آخر. المطبخ الفرنسي معروف بجودة أصنافه وتنوعها، ولكن على السائح مثل حالاتي أن يكون حذراً قبل الإقدام على دخول أحد المطاعم الباريسية. ولحسن حظي، فإنني بدأت أولاً بشراء سندويشة صغيرة مع علبة كوكا كولا في مطعم بالقرب من كنيسة نوتردام، فكان الحساب 12 أورو فقط لا غير.
نصحني أحد الأصدقاء، المقيمين في باريس، بأن أتوجه إلى المطاعم الشرقية لأنها رخيصة. لما حان وقت الغداء، وجدتني أمام مطعم غير بعيد عن مسرح Moulin Rouge. كانت تزين جدران المطعم صوَر من لبنان وسورية، فدلفت فوراً إلى الداخل. قال لي النادل، حينما تعرّف عليّ: " صاحب المطعم أيضاً من سورية، وهو قادم الآن ". بعد قليل، دخل شاب رياضيّ الجسم في نحو الأربعين من عمره، وما لبث أن توجه إلى طاولتي بعدما تكلم قليلاً مع النادل: " يا هلا ابن البلد! "، قال لي مرحباً. وعلى الرغم من أن الأكل لم يكن جيداً، إلا أنني اضطررت مجاملةً أن أثني عليه. فجأة، حدّق فيّ الأخ بعينيه الرماديتين، الشبيهتين بعينيّ الدجاجة، وقال لي: " بالله عليك، ألم تكن بلدنا على زمن القائد أفضل من فرنسا نفسها؟ ". فأجبته وقد كادت اللقمة أن تخنقني: " نعم، كانت سورية غير شكل على زمن حافظ الأسد! ". وإذا به يقول: " لا، أنا أقصد القائد رفعت!! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطليعي
- البطة الطائشة
- أدباء وعملاء
- سيرَة أُخرى
- تحت شجرة بلوط
- الفلك
- الفخ
- الإختيار
- صداقة
- ابن حرام
- مولانا
- البهلول
- جمال الغيطاني؛ ختامُ الكلام
- ذكرى
- بسمة ساخرة
- الحرية
- الثعلب
- مدوّنات: أخباريون وقناصل
- الصديقتان
- الغابة العذراء


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 2