عمر حمَّش
الحوار المتمدن-العدد: 4909 - 2015 / 8 / 27 - 20:21
المحور:
الادب والفن
عاطف سعد .. الغيابُ الذي لا يليق ...
عمر حَمَّش
سأكتبُ عن عاطف سعد، سأكتبُ ثانية، وعاشرة، الرجلُ ترجلَ، وصوتُه ظلَّ، الصوتُ لا يترجل، ومن بعدِ صاحبِه العظيم يظل، قال لي
" هذه تمريّة عمر" ... الآن أسترجعُ ذاك الصوت، يأتي سحرا من همس، ثمَّ ضجيجا يعلُو مثل أزيزِ، يسألني أثناء حربنا الأخيرة، الحربُ التي تأتينا دونما رغبةٍ منا، أو انتظار، هاتفُه الخلويّ يهتزُ في جيبي، ثمَّ يرنُّ، أقولُ: هذا عاطف سعد.
ويقول: ها .. ما هي الأخبار؟ُ
أحدّثه عن الموتِ الذي يزفرُ، ويجري، وعن البيوت التي تنهار على ساكنيها ..
من مخيمِ جباليا أتسّمعُ نشيجَ الصوتِ القادمَ .. كان حزنُه معادلا لوقع الحرب ..
يسألني: أين أنت الآن؟
أخبره أنني في السوق، ويشهقُ عاطفُ سعد:
سوقٌ في الحرب؟
أخبره عن حال السوق، أروي ظمأه الملّحَ للمعرفة، تطولُ المحادثةُ، وأهوي على مصطبة حانوت، ويظلُّ صوتُ نابلس يأتيني:
هذا صوت انفجار!
أقهقه أنا .. القهقهة في الحرب تجربة شيطانيّة، أزيده تفصيلا، ويزيدني نشيجا.
قلت: تذكر أبا جمال ليلة نمنا لديكم؟
أحدثه عن ذاك اليوم .. وقت كنا في بداية الثمانينات شبانا، هو يعملُ في الطليعةِ المقدسيّة، وأنا أحد الناشرين فيها ..
قلتُ من مصطبة الحانوت المقفل: صعدنا جبلا لا أعرفُ اسمه، ووصلنا بيتَكم العالي ..
قال: ذاك البيت تركناهُ عمر.
أخبرني أين الآن يقطنُ، وفي رجفِ بيوتِنا لم أفهم.
قلتُ: وقتَ صحونا أتتنا الوالدة بحلوى نابلسيّة.
قال: تلك " تمريّة عمر" ...
قال: لا نجلبها إلا للأحباب.
قال: أمّي يافاوية ..
وقلتُ: هجرةُ أهل يافا أحيت نابلس .. وضحكنا معا .. هو من هناك، وأنا من هنا .. نعم ضحكنا أثناء جري أبواق سيارات الإسعاف، استغرقنا قليلا، ثمَّ عدنا، هو إلى نشيجِ الغاضبِ الملهوفِ لمعرفةِ ما يجري لدينا، وأنا إلى تأملي في أدخنةِ مواقع الموت الجديدة!
سأكتبُ عن عاطف سعد، فصوتُه لم يزلْ همسًا يصيرُ ضجيجا، صوتُه لا يغيبُ، يصيرُ حضورا دائما لرجلٍ عظيمٍ، الغيابُ معه لا يليق!
27 - 8 - 2115م
#عمر_حمَّش (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟