عمر حمَّش
الحوار المتمدن-العدد: 4631 - 2014 / 11 / 12 - 00:02
المحور:
الادب والفن
قتيلُ الليل!
قصة قصيرة
عمر حمَّش
في إحدى سهراتِنا الخالدة؛ أصابني الثَمَلُ، فآثرتُ المكوثَ متوحدا، لأتنعمَ بصفوِّ ليلةٍ هادئة، شدني انعكاسُ ضوءِ القمر على صفحات بطون القبور، فشرعتُ أروي لرفقتي حكاية القطّةِ، التي تخطفت الزغاليل علنا، ومن فوق الجدارِ تكلمت، وتوعدت جدّتي!
لحظتها تململوا، ووقفوا أوّلهم عن آخرِهم، ثمَّ انسلّوا، تاركين لي الرمل البارد، وأنا المبتسمُ، منشرحُ الصدر بما تركوه، وقد بدَتِ المقبرةُ تخلبُ الألبابَ بحسنِ صمتِها، فتمددتُ بجلبابي الأبيض مثل ملاك، لأعانقَ القمر، وأجدّفَ مُبحرًا في صفوِّ السماء، محلّقا في الأعالي، هانئا من غير منغّص، ولا رقيب، حتى ثملتُ تماما، فاستدرتُ، ثمَّ تقلبتُ، ودبّ بي الخدرُ، فأطلقتُ لروحي العنان، وغبتُ في سفرةٍ، لم أدرِ كم طالت، إلى أن صحوتُ على صيحةٍ جواري:
قتيل!
انزاح الجفنُ عن الجفنِ، وعبس جبيني، ثمَّ رمقتُ رجلا على بعد أمتار يتخبطُ، وبيدِه فانوسُ إضاءة، قلت:
أحمق متطفل!
ولمّا دققتُ؛ عثرتُ على ثلةٍ من خلفِه، يحملون جثة صغير، جاؤوا يوارونها التراب، فرأيتهم يتلاطمون، وسمعتهم يثغون مثل صغار ماعز، وزاد سخطي، فقمتُ؛ فهرولوا، حتى تعثروا بالقبور، تاركين صغيرهم ملقى قرب نبتةٍ .. وقد كنتُ لحظتها بهم أصيح:
يا قوم ..!
والقومُ يجري، فشرعتُ أنا الآخر أجري معاكسا، قبل أن يتكشفَ أمري، وكم – من بعدِها – كانت دهشتي، وأنا أستمع إلى أمِّي، ثمّ إلى جيراني، ومن بعدِ يومٍ، إلى أهلِ البلدةِ كلِّها، وهم يروون حكاية القتيل الذي يظهرُ في الليلِ، ليمتطيَّ القبور، ويتخطفَ صغار المقبرة!
#عمر_حمَّش (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟