أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - رسالة إلى الرئيس عدلي














المزيد.....

رسالة إلى الرئيس عدلي


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4458 - 2014 / 5 / 20 - 15:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المستشار المحترم
عدلي منصور،
القاضي الجليل، ورئيس جمهورية مصر العريقة،
تحية طيبة وبعد.

قبل أن تجمعَ أوراقَك، وتغلقَ دفاترك، وتحمل حقيبتَك، تأهبًا لمغادرة القصر الرئاسي، لك عندي هذه الرسالة، مني ومن أسرتي الصغيرة.
مقدمته لسيادتكم، مواطنةٌ مصرية مَدينةٌ لك. وها أنا ذا اليومَ، أردُّ الدَّيْنَ بين يديك، مثلما أنتَ اليومَ، تردُّ الأمانةَ الصعبة إلى أهلها، كما أمرنا الكتابُ: "إن اللهَ يأمركم أن تؤدوا الأماناتِ إلى أهلِها".
وأما الأمانةُ الصعبةُ، فهي مصرُ الطيبة. مصرُ التي أرهقناها، نحن أطفالَها، وما قصدنا لها تعبًا. مصرُ التي ناصبها الحاقدون العداءَ، وهم قاصدون عداءها، وما عادتْ الطيبةُ أحدًا، طوال عمرها الضارب في عمق الزمان. بل يشهدُ التاريخُ أن يدَها البيضاءَ طالتِ بمشعلِها العالمَ بأسره، منذ فجر البشرية الأول. لكنها وهنَتْ، كما تهِنُ الأبدانُ الفتيةُ إن تكاثر من حولها القُساةُ الطامعون حاملين رماحَهم يرومون قتلَ الجميلة. فجئتَ أنت، ابنُها البارُّ المثقف، فارسًا يحملُ الدرعَ ويذودُ عن الأمّ التي لا تشبه الأمهاتِ، لأنها دُرّةُ الأمهات وتاجُهنّ. حفظتَها في قلبِك، أيقونةً قدسيةً غالية، وحملتَ على كفيّك جسدَها الواهنَ تبِعةً ثقيلة، في لحظة تشبه الاحتضار، والسهامُ من حولها، ومن حولِك، مُصوّبةٌ، حتى تكسّرتِ النصالُ على النصالِ.
أيها الرئيسُ الذي أحببنا، لم تكن رئيسًا مؤقتًا، بل كنتَ "الفاصلة المضيئة" التي أعقبت "جملةً اعتراضيةً" شديدة القتامة في جُملةِ مصرَ الشاسعةِ الناصعةِ، تلك التي افتتحت دفترَ التاريخ قبل التواريخِ والتآريخ، فكانت السطرَ الأول في مدونة الإنسانية.
كنتَ أنتَ "قلمَ التصحيح" الذي أصلح الخطأ المطبعيّ الذي دُوِّن قسرًا في كتاب مصر، رغمًا عنها، ورغمًا عنّا، في لحظة غفلة من الشعب المصري ومن الزمان. خطأ مطبعيّ لم نستوعبه لبشاعته، وكتبتُ عنه بقلمي، خلال عامين، سلسلةً من المقالات حملت عناوينَ حزينةً: “خطأ مطبعيّ، جارٍ تصحيحه"، انتظارًا لليوم الذي أكتبُ فيه بفرح: “خطأ مطبعيّ، تمَّ تصحيحُه". كنتَ أنت أيها القاضي النبيل، الحرفَ الأول في ذلك التصحيح. تحمّلتَ، في صبر الأنبياء، من أجلنا ومن أجل مصر، خيوطَ الإيذاء والمخاطر تتكاثفُ من حولك، وأنت ماضٍ فوق طريق الآلام تسبقُنا، حاملاً صليبَك الثقيل المنذورَ لك، في خُطة السماء.
كنّا قد فقدنا الرجاء في أن يستعيدَ كرسي الرئاسة نقاءه، بعدما لوّثه الدنسُ والطمع، وجلس عليه قبلك خائنٌ تعسٌ لم يدرك هولَ المكان والمكانة التي اقتنصها بليلٍ. سألنا الوطنَ، كما سألتِ الملائكةُ ربَّ العزة: “أيها الوطنُ، أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفِكُ الدماءَ؟" فأطرقَ الوطنُ في حَزَنِ، وهمس: “إنما أنتم من أهنتموني وسوّدتم صفحتي بغفلتكم، وأجلستم على عرشى مَن أخفق في إدراك قيمتي وعِزّتي.”
نعم أيها الوطنُ النبيل، نحن مدينون لك بالاعتذار. لكن، ْيشفع لنا أننا، أبناءك، نتعلّم من أخطائنا. وها نحن قد صالحناك وأعدنا إلى عرشِك بهاءه واحترامَه ونصاعته، بأن جلس على عرشِك هذا المستشارُ النبيل، الذي يتأهب اليومَ ليتركك لمَن يأتي بعده يكمل الطريقَ الوعرةَ ويحمل المشعلَ الصعب.
نعم أيها المستشارُ النبيل، نحن مدينون لك. ليس فقط بحملك لواء وطننا في لحظة مفصلية عسرة، بل كذلك لأنك نقيّتَ لنا هذا المنصب الرفيع مما طاله من دنسٍ لا يليق به ولا بنا. ومحوتَ بلسانك المثقف، معجمًا ركيكًا لفظه مَن سبقك، فأفسد علينا مسامعَنا.
تتأهبُ اليوم لتترك القصرَ الذي استضاء بك عامًا بعد عتمة عامٍ، لكنك باقٍ في قلوبنا وفي ذواكرنا. سنحكي لأولادنا عن الفارس الذي حمل عنّا عبء الانكسار. سنحكي عن القلم الذي به أصلحنا كلمةَ سوءٍ خُطَّتْ في مدونة مصر. باقٍ أنت في ذاكرة مصرَ الوفية التي لا تنسى مَن أحبّها وردّ عن نحرِها السهامَ. اسمُكَ باقٍ في لوحة الشرف التي تمرُّ عليها مصرُ كلَّ صبح؛ تمسحُ بيدها الطاهرة جباهَ مَن يسكنون سطورَها، وتزين الأكاليلَ فوق هاماتهم بزهرة جديدة نبتت في أرضها الطيبة.
أيها الرئيسُ الذي ينتظر بفارغ صبر أن يتحرر من العبء الجسيم، قبل أن تحمل عصا صولجانك وتمضي عن القصر، اعلمْ أن لك قصورًا شاهقاتٍ دافئاتٍ في قلوب كلِّ مصريّ ومصرية، يعرفون قيمتك ويشكرونك؛ لأنك حفظتَ الأمانة، وأديتها كما يؤدي الشرفاءُ الأماناتِ، وحفظتَ شعبك من السقوط في هوّة اليأس من استعادة الوطن والهوية. شكرًا لك، أيها الجليل.
المواطنة المصرية
فاطمة ناعوت



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ارفعْ مسدسَك عن أنفي، في يدي سوط نيتشه
- الطعااااام! أفسحوا الطرررريق
- صناعة القبح
- المرأةُ الجبروت
- لقائي مع الطبيب عبد الفتاح السيسي
- المرشح الرئاسي كوكاكولا
- الرئيسُ لسانُ مصر
- موسوي عيسوى محمدي
- حركة النصف ساعة
- كيف نقيس أعمارنا؟
- شكرًا لكم أيها الزائفون
- المرأةُ العفريت
- مدحت صالح ربيعُ الأوبرا
- عيد ميلاد زهرة تمرد
- المسيحيون سرقوا مصر
- ليت للبرّاق عينا فترى ياسر برهامي
- دستور برهامي
- برهامي هادم الدساتير
- كوني صماء وترشحي يا نصف الدنيا
- حُلم المصالحة الطوباوي


المزيد.....




- الهجوم على كنيسة مار إلياس بدمشق يثير مخاوف المسيحيين في سور ...
- سوريا.. عملية أمنية ضد وكر إرهابي متورط بهجوم الكنيسة
- مفتي القاعدة السابق: هذا ما جعل بن لادن يجر أميركا لحرب في أ ...
- اعتقال المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن
- الاحتلال يواصل إغلاق المسجد الأقصى ويعتقل 4 من حراسه
- صحفي يهودي: مشروع -إسرائيل الكبرى- هدفه محو الشرق الأوسط
- toyour el-janah kides tv .. تردد قناة طيور الجنة على القمر ا ...
- سوريا: تنظيم -داعش- الإرهابي يقف وراء تفجير الكنيسة بدمشق
- البابا ليو: يجب عدم التساهل مع أي انتهاك في الكنيسة
- حماس: إغلاق المسجد الأقصى تصعيد خطير وانتهاك صارخ للوضع التا ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - رسالة إلى الرئيس عدلي