أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد عبد اللطيف سالم - ليل الجيش .. وليل النفط .. وليل الأوديسة















المزيد.....

ليل الجيش .. وليل النفط .. وليل الأوديسة


عماد عبد اللطيف سالم

الحوار المتمدن-العدد: 3685 - 2012 / 4 / 1 - 15:46
المحور: الادب والفن
    


ليل ُ الجيش ِ .. وليل ُ النفط ِ .. وليل ُ الأوديسّة *








الليل ُ الأوّل ُ : ليل ُ الجيش ْ



في فجر تموز الأبله ذاك
على أعتاب " الأول الأبتدائي "
وقبل أن يبصق أحدهم " البيان رقم واحد " عبر الراديو
كان أهل بغداد ينامون فوق سطوح المنازل
وكان الأذى / إلى ذلك الحين / ما زال غضا ً .
....
ولكن ّ حزمة سوداء من نسوة " الكرخ "
بدأت تولول ُ .. " مات الملِكْ " .
ورجال ٌ بـ " دشاديش " من " الجوخ "
كانوا يمرّون على عجل ٍ بضريح " الشيخ علي "
وهم يتداولون بغضب ٍ صاخب ْ ..
مسار الطرق الرئيسة
لجيش الملوك الجدد .
....
وما بين " معسكر الوشّاش ِ"
و " قصر الرحابْ "
بدأ الليل ُ الدامس ُ للجيش .

***

لم يكنْ لشيءٍ أسمه ُ " الطفل ُ " معنى .
ففي الأولّ الأبتدائي
كانت عيون ُ الصغار من تلاميذ المدارس
لا تفهم ُ لماذا ..
تستعيرُ " الأمـّـة َ العراقيـّة ُ "
ملوكها من الغير ِ
ثـم ّ تـَقـْـتـُلـُهم ْ
ولماذا ..
يلوّح ُ جنود ٌ مهتاجون
بذراع ٍ مقطوعة ٍ " للوصيّ " ..
ملفوفة في جريدة .
ولماذا ..
ينبش ُ رجال ٌ نصف ُ ملثمين
/ يشبهون المُعلمين َ /
وجه رجل أسمه ُ " نوري السعيد "
كان يشبه ُ كثيرا ً
الوجهَ الصارم َ لمدير المدرسة ْ .

***

بعدها بقليل ..
لم تعدْ " القراءة الخلدونيّة "
صالحة للقراءة
و لا بطانيّات " فتاح باشا "
كافية للدفء ْ .
....
وكان تلاميذ " الثالث الأبتدائي "
لا يفهمون لماذا ..
أصبحت الشوارع ُ مكتـظـّة هكذا
بالراكضين صوب " المنـّصة " في " الباب المعظـّم "
حيث ُ كان " الزعيم ْ "
يلوّح ُ للهستيريا
وحشودها الزاعقة حتى الفجر
وبيارقها المقدّسة ْ .
....
ولا يفهمون لماذا ..
كان وجه ُ " الزعيم "
باديا ًً بكل هذا الوضوح
وهو يبتسم ُ بحبور
فوق سطح القمر ْ .

***

يومها ..
" سـَحَـلـْنا " بعضنا بعضا ً
وعـَـلـّقـْنا بعضنا بالحبال ِ
على أعمدة ِ الظـُلـْمة ِ
و أغـْلـَقنا على ألآخرين عربات العار ِ
وذهـَـبـْنا بـِهـِم ْ إلى التيه ِ
في صحراء ِ " السماوة ِ "
....
ولا نزال ُ هناك ْ .

***

بعدها بقليل ..
كان تلاميذ " الخامس الأبتدائي "
يشاهدون " الزعيم "
مضرّجا ً بدمه ْ
وثمة جنديّ يمسك شَعر َ رأسه
ويشدّه ُ يمينا ً .. ويسارا ً
ويبصق ُ في وجهه ْ .
....
بعدها ..
لم يفهم ُ التلاميذ أبدا ً
كيف غادرَ وجه ُ " الزعيم "
سطح القمر ْ .

***

في بداية الليل الأول
ضاع قصر ُ " الملك ".
وفي نهايته ِ
ضاع قبر ُ الزعيم ُ .
....
وعند الفجر التالي ..
بدأت ُ أزمنة ُ التوابيت ْ .




الليل ُ الثاني : ليل ُ النفط ْ



في الطريق إلى أول ّ الصبا
كانت بغداد ُ على موعد ٍ مع " الريف "
وكان تموز ُ / كعادته /
يجعل ُ الخيانات رخيصة جدا ً
كالتمر ِ " الزَهْديّ " .
....
كان الراحلون َ جنودا ً
والقادمون جنودا ً
بعضهم جاءوا من الطين
وبعضهم جاءوا من الرمل
وكلهم غادروا " دشاديشهم "
على عتبة " القصر الجمهوري ّ "
ودخلوا / حاملين سروجَ العقائدِ /
إلى بيوت ٍ كان حُرّاسها
يغطـّون في النوم ِ
وأمتطوا على عجل ٍ
صهوة َ " الدولة ِ الساذجة ْ " .

***

كان تلاميذ ُ المدارس
يرتدون بدلات " الطلائع " .
والرفاق ملطـّخون بالمسدسات ِ
ولون الزيتون .
....
وكان النفط ُ وفيرا ً
ونهرُ دجلة يشرب البيرة َ
من بارات ِ الضفاف ِ
ويهتف ُ لـ " القائدْ " .

***

وذهبنا إلى الشرق ِ ..
ثم ّ الجنوب ْ
جنودا ً من القشّ ِ
يأكلنا ضجر ُ " اللالات "
في خنادق " تكريت "
التي لا تنتهي .


***

وتلك الحروب ُ
ليست لنا
غير أنّ أطفالنا اعتادوا ..
أن ْ يروا جثثا ً
وأطفالنا اعتادوا ..
موت َ الآباء ِ - الجنود ِ
قبل " الأجازة الدوريـّة " للعائلة ْ .
....
وكان الخراب ُ يعبرُ سن ّ الرُشد ِ
والكفن ُ الأبيض ُ
والتابوت ُ البـُنـيّ
و " العـَلـَمُ الوطني ّ "
هو " زيـّنا المـُوّحـَد ُ "
في جامعات ِ الذهول ْ .
....
وكان بعضنا يدفن ُ البعض َ
في حديقة ذلك البيت
الذي لم يعد ْ آمنا ً
ولم يـَعـُد ْ فيهِ
تين ٌ وزيتون ٌ وتـَمـْر .
..
وكان ثمة فينا
من يشرب ُ قـُرْب َ رائحة الضَـيْم ِ
قهوة " الغـَلـَبـَة ِ "
و شاي " الغـَنـيمـَة ِ"
منتشيا ً بالنصر على أهله ِ
بينما يورق ُ الكـُرْه ُ
في السهل ِ الرسوبيّ .

***

وكان الخواء يكـْسُرنا
عندما عدنا من الحرب ِ
قادمين َ إلى الأرغفة ِ السود ِ توّا ً .
....
وفوق خطوط العرض
وخطـّ الطول
رسمنا ملامح أبنائنا القادمين
وقايَضْنا حليب " حُصـّتِهم "
بالرّز ِ والزيت ِ
وبعنا القليل الذي لا يباع
في انتظار النهار ..
الذي سوف يأتي .




الليل ُ الثالث ُ : ليل ُ الأوديسّة




في الطريق إلى آخر العـُمر ِ
كان الليل ُ الثالث ُ
قد حل ّ على الروح .
وكانت ْ بغداد ُعلى موعد ٍ
مع القادمين إليها ..
منها .
....
والمصفـّقون َ الزاعقون َ
المتبرّعون بـ " أرواحهم " و " دمائهم "
لأربعين عاما ً خلت ْ
" يسحلون " الآن تماثيل " قائدهم "
مبتسمين بخوف ٍ
لـ " الكاميرات الخفيّة " .
....
و حاملو سروج " المذاهب " المزركشة ِ
يمتطون على عَجـَل ٍ
صهوة َ " الدولة ِ الغائبة ْ " .

***

كانت دبابات " أبرامز "
ملطـّخة بالحناء
تحـّف ُ بها العمامات ُ والعباءات ُ والدشاديش ُ القصيرة ُ والبيارق ُ فاقعة الألوان .
....
وكانت الآلهة ُ الفـارّة ُ
من " إلياذة " الحرب والجوع
تمتطي خيولا ً من الظلام ِ المصفـّح ِ
وتركض ُ بانتشاء ٍ
صوب القصور المنيفة ِ
حول دجلة ْ .

***

أمـّة ٌ قارئة ْ .
أمـّة ٌ من الجراد ِ والنمل ِ الأبيض ْ .
....
أمـّة ٌ قابلة ٌ للطي ّ ِ
في حقائب ِ الظهر ِ
لـ " قوات التحالف ُ " .

***

لم تكن ْ حربنا
لكنـّنا دائما ً
كنـّا سعاة البريد ِ
للقادمين من التيه ِ
وكنـّا ..
الحمام َ الزاجل َ لـ " تيمورلنك "
وجنود َ الشطرنج ِ
لـ " مراد الرابع "
و " عباس الصفويّ " .
....
و بنا فوق ذلك َ ..
توق ٌ إلى الغزو ِ والسبي ّ ِ
والكرِّ والفرِّ
حاملين َ بأسناننا
غنائمنا - أهلنا
راكضين بها إلى مضاربنا المحروسة
بالكلاب والأبل ِ والغبار .
....
هكـذا ...
تقاسَمـْنا الضِفاف َ والمُدُن َ
و الأحياء َ و الأضرحة َ
و الأفيال و الدببة القطبيّة َ
و فقمات الصحراء
و مياه المجاري .

***

كـلّ ُ الدود الفائر ذاك ..
في كـلِّ الجثث تلك ..
كان َ ينتمي إلـيـنا .
....
و " دونالد رامسفيلد " يقول ..
" إن هذه الأشياء .. تحـْدُث ْ " .

***

من الليل ِ إلى الليل ِ إلى الليل ْ .
من المقابر ِ إلى المزابل ْ .
من الخوف ِ إلى الخوف ْ .
....
من قادة " الضرورات ِ " إلى قادة ِ " الصـُدَف ْ " .
من " التجنيد ِ الأجباريّ "
إلى الهذيانات ِ المـُدرّة ِ للدمع ِ
في ذلك الطريق ِ الطويل ِ
إلى مقبرة ِ العائلة ْ .
....
من الفرد ِ الضـّال ِ إلى القبيلة ِ " العاقلة ْ " .
من أمـّة ٍ الماء ِ والعـُشب ِ والنفط ِ والشعوب ِ " الرُحـّل ِ "
إلى حـيٍّ بائس ٍ
يـُمـْطـِر ُ الحـيَّ البائس َ المقابل َ لـَـه ْ
بقذائف " الهاوَن ْ " .

***

ثمة شيء فينا ..
يجعل ُ عيشنا ممكنا ً
مع " الحجـّاج ِ بن يوسـف ْ " .
....
ثمة شيء فينا ..
يجعل ُ " أسطنبول " أبهى من بغداد َ
و " الكارون " أعذب ُ من " فـُرات ٍ " قديم ْ .
....
ثمة شيء فينا ..
يجعل ُ إنقراضنا مستحيلا ً
رغم شحـّة ِ الضوء ِ
وغـَلـَبـَة ِ الصعاليك ِ
وقهر ِ " الحـَرَس ْ " .





* ينتمي هذا النص للتاريخ .. تاريخ العراق المعاصر . ويتناول أحداث ثلاث مراحل تاريخية هامة , بدأت كل منها ( على وفق تسلسلها الزمني ) في تموز 1958 وتموز 1968 ونيسان2003 . وقد كتب هذا النص وفق منطقه الخاص . منطق ينتمي إلى شيء من الأدب , ولا صلة له بالمنطق الصارم لدراسات التاريخ . لذا أقتضى التنويه .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ستالين هنا .. تحت الجلد .. فوق المسامة
- الحمار الصغير .. والحمار الكبير
- حكاية الديك باشا
- عندما كنت طفلا .. وعندما كبرت
- التعديل الأخير لقانون غريشام
- في تلك الليلة
- نهايات عراقيّة لمقدمة عبد الرحمن بن خلدون
- أمنيات صغيرة
- من الليل ِ .. إلى الليل
- أبراج الحظ الوطنية
- على بُعد ِ ليل ٍ .. من الأندلس ْ
- لم َ لا
- سيرة ٌ من ثلج .. لكائنات ٍ من مطر ٍ وطين
- مصفوفة الروح
- أنتم لا تطرقون الباب .. وسيدتي لن تجيء
- مشكلة الدجاجة .. وإشكاليات الديك
- الدور الأقتصادي للدولة في العراق : اشكاليات ومحددات التأسيس ...
- طغاة .. وكرنفالات .. وقبائل
- جنود أيلول .. قطارات سبتمبر
- تأبين ٌ متأخر ْ .. للمقهى البرازيليّة


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد عبد اللطيف سالم - ليل الجيش .. وليل النفط .. وليل الأوديسة