أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد عبد اللطيف سالم - الحمار الصغير .. والحمار الكبير















المزيد.....

الحمار الصغير .. والحمار الكبير


عماد عبد اللطيف سالم

الحوار المتمدن-العدد: 3669 - 2012 / 3 / 16 - 21:30
المحور: كتابات ساخرة
    


الحمار الصغير .. والحمار الكبير



تقول الحكاية ...
أن قطيعا من الحمير , المتعدد الألوان والأعراق , كان يعيش في أحد الأسطبلات الوطنية . ورغم الغنى الفاحش لمالك الأسطبل , فأن هذا الأسطبل كان يعّج بالذباب والبعوض وقمل الماشية . وكانت رائحة الروث , التي تختلط برائحة الجدران المطليّة بالنفط الأسود , تزكم الأنوف .
وذات يوم اضرب حمار يافع عن الطعام . وحين طال أمد إضرابه , انهارت قواه , وتهدلت اذناه , ولم تعد قوائمه الأربع قادرات على حمل جسده , واوشك على الموت .
كان الأب يراقب احوال ابنه بجزع شديد . وكانت هذه الأحوال تتدهور من سيء الى أسوأ .. يوما بعد يوم .
ولكي يعرف سر اضراب ابنه عن الطعام , فقد طلب الحمار الأب من ابنه الحمار الصغير , بل وتوسل اليه ان يقبل الأجتماع به على انفراد . كان الأب الحمار يريد ان يعرف الأسباب الحقيقية التي دفعت ابنه لأتخاذ هذا القرار , خاصة بعدما بدأ عدد من الحمير اليافعين الآخرين يحذون حذوه , الى درجة باتت تهدد مجمل الحياة الحميرية في الأسطبل , الذي كان قد عاش , ولعقود طويلة , ظروفا صعبة وغير مستقرة .. ولم تذق حميره طعم الحرية .. إلا منذ سنوات قليلة خلت .
وبنبرة ملؤها الأسى , خاطب الأب أبنه قائلا : ما بك يابني ؟؟ ما الذي تريده بعد ؟؟ لقد كان مالك الأسطبل السابق يستعبدك .. فحررناك . وكان يبخل عليك بكسرة من الخبز اليابس .. فأطعمناك افضل انواع الشعير .. فهل استطيع ان اعرف مم تشكو بالضبط ؟؟ هل ازعجك أحد ؟؟؟ هل حصتك من الشعير الحكومي لم تعد تتناسب مع متطلبات فتوتك ؟؟ هل تشكو انفراد الحمير الأكبر سنا باتخاذ القرارات الحميرية المهمة ؟؟ هل تشعر ان ثمة مؤامرة لأبعادك عن الأسطبل .. يشارك فيها عدد من الحمير الأصغر سنا .. بدفع من الحمير الأكبر سنا منك .. لكي لا تتبوأ يوما ما .. ذلك الموقع الذي يليق بك ؟؟؟؟ .
رفع الحمار الصغير أذنيه , وهز ّ ذيله ورأسه بحسرة .. وتنهد بزفرة طويلة وحارّة انفطر لها قلب الأب, قبل ان يجيب : لا يا أبي . لا هذا .. ولا ذاك . ليست العلّة في الحمير . ان العلّة في البشر .
فتح الأب فمه الكبير على وسعه من فرط الدهشة , وقال لأبنه بذهول : ما بهم البشر يا بني ؟؟؟
اجاب الأبن : انهم لا يكفون عن السخرية بنا .. نحن معشر الحمير . وكلما قام احدهم بفعل مشين , نعته الآخرون بالحمار . وكلما سرق احدهم شيئا من المال العام , ولم يتمكن من الأفلات من فخاخ المنافسين .. قالوا عنه انه حمار . بل ان الحكومة ذاتها تشعر ان هذا الوزير قد خذلها بقلّة تدبيره , واحرجها أمام معارضيها .. مثل حمار بهيم . وعندما يتم تنصيب وزير غبي , على وزارة غير غبية , لا يقول الناس ان الوزير غبي .. بل يقولون ان الوزير حمار .
ونحن لسنا كذلك يا أبي العزيز . نحن نعمل بكد ونبل و أخلاص قل ّ نظيره بين البشر . نحن ندرك حقيقة الأشياء من حولنا , ونتصرف بحكمة وهدوء وصبر , وهي صفات تحسدنا عليها جميع المخلوقات . نحن نحب ونكره دون اقنعة , ونطيع اوامر من هم ارفع منزلة منا , ونتقبل وقع سياطهم على ظهورنا,واستضعافهم لنا, دون ان نفكر , ولو للحظة واحدة بالثأر منهم .. بل ربما كنا المخلوقات الوحيدة التي لا تمتلك نزعة الثأر من احد , ولا روح الثورة على أحد..
فهل هكذا يرّد البشر الينا .. جميل فضائلنا عليهم ؟؟؟؟
بكى الحمار الأب .. حتى تبللت لحيته بالدموع . كان مرتبكا .. ولا يعرف كيف يرد على ابنه .. رغم خبرته الطويلة والمريرة في التعامل مع كل انواع البشر .
لكنه سرعان ما استعاد رباطة جأشه .. وبدأ يربت على بطن ابنه بذيله .. ويعضّه برفق من أذنيه .. باسنانه الصفراء الكبيرة .
واستنادا الى تاريخ شخصي حافل بالمنجزات الحميرية .. فكرا وممارسة .. قرر الأب الطاعن في السن , ان ينقل لأبنه اليافع خلاصة تجربته .. لعله ينقذه مما هو فيه من ضيم ويأس .. ومن أحساس قاتل .. بالدونية والعار .
اسمع يا بني .. قال الأب : هؤلاء بشر .. ونحن حمير . وهؤلاء البشر فضلّهم الله على سائر مخلوقاته .. ولا مجال للأعتراض على حكم الله .
غير ان هذا لا يعني انهم معصومون عن الخطأ . فكثيرا ما أساء هؤلاء لغيرهم .. ولأنفسهم .. واورد بعضهم بعضا موارد التهلكة .. من كل صنف ولون .
ولأنهم لا يجيدون غير صنع الأساءات, واعادة انتاج الأقل ضررا منها .. لكي تصبح اكثر ضررا .. فقد نالنا نصيب وافر منها .. . رغم اننا لا نستحق ذلك كما تقول . واليك بعض الحقائق المطلقة حول ذلك .. لتشعر بالسلام .. بينك وبين نفسك على الأقل .. لعل بعضا من هذا السلام .. يفيض عنك فيما بعد.. ويغمر الحمير الأخرين , وخاصة اليافعين منهم , بيقين غير زائف عن افضليتهم .. مقارنة بهؤلاء البشر الأجلاف .
ونهق الأب بصوت عال .. وزفر عدة زفرات قوية أجفلت الأسطبل كله .. قبل ان يواصل حديثه قائلا :
هل رأيت حمارا في عمرك يسرق مال أخيه ؟؟؟ بل هل سمعت بذلك حتّى ؟؟
هل رأيت أو سمعت عن حمار ينهب طعام حمار آخر ؟؟
هل رأيت او سمعت ان حمارا قام بشتم حمار آخر .. او تعرض لسمعته بسوء .. حتى في موسم التناسل .. مع اننا لانتناسل غير مرة او مرتين في العمر كله ؟؟
هل رأيت حمارا يضرب زوجته واولاده ؟؟
هل رايت اوسمعت ان حمارا كان يخون زوجته مع حمارة أخرى .. او ان حمارة كانت قد خانت بعلها مع حمار غريب ؟؟
هل انتخبت الحمير يوما من يمثلها في المجالس .. هنا وهناك .. فخان الأمانة .. وامتلأت بطنه بالشعير الحرام .. وتقاسم الحلوى مع الخونة الآخرين ؟؟
هل سمعت يوما ان الحمير الأمريكان .. يخططون لقتل الحمير العرب .. من اجل السيطرة على مخزون الشعير العالمي ؟؟
انا على ثقة من انك لم تسمع بجرائم الحرب هذه .. ولا بالجرائم ضد الأنسانية التي ارتكبها هؤلاء .
وها انذا التمس منك .. ان تستخدم عقلك الحميري .. وتحاول الأجابة عن هذه الأسئلة المصيرية . وانا على ثقة بانك ستصل الى نتيجة مفادها : ان ادعاءك الأفضلية على بقية المخلوقات .. واذلالها لهذا السبب .. لا يعني ابدا انك الكائن الأسمى من بقية الكائنات .. بل يعني فقط انك الكائن الأكثر جدارة بالأذلال مقارنة بها ... وان على هذا الباغي ستدور الدوائر يوما .. مهما طال أمد الأستبداد .
ها أنذا .. كأي أب حمار .. اتوسل اليك لكي تحافظ على الأرث الأخلاقي .. وعلى منظومات القيم والضبط في المجتمع الحميري .. وان تمنعها من الزوال والتفكك .
بهذا فقط .. وليس بالأضراب عن الطعام .. سترفع رأسي .. ورأس قومك الحمير عاليا بين الأمم .
لذا ابق كما كان عهدي بك دائما يا بني .. حمارا ابن حمار
وكن على ثقة باننا .. وبمزيد من الصبر الحميري الأصيل .. سندفعهم الى ان يكونوا يوما ما .. حميرا مثلنا .. فيخسرون بذلك مبرر الأستهانة بنا..واذلالنا الى الأبد .
وها هم .. كلهم ينهقون مثلنا .. ويملئون الفضائيات بالزعيق .. بينما نحن وحدنا من يجوب المزابل , بحثا عن لقمة العيش .
وها هم .. كلهم أغبياء .. ومع ذلك فنحن وحدنا الحمير .. وهم قادتنا الجدد .
وها هم .. يأكلون ما لذ وطاب .. ويرفسون بعضهم بعضا .. بل ويرفسوننا ايضا .. بينما نموت وحدنا من الكد بدلا عنهم .
ها هم .. لا يبذلون عشر ما نبذل .. ولا يتحملون عشر ما نحتمل .. ومع ذلك يمتطون ظهورنا المكسورة من القهر .. ونقبل بذلك .. بارادتنا الحرة المستقلة .. ودون املاءات من احد .. دون ان تخطر على بالنا ولو للحظة واحدة .. امكانية امتطاء ظهورهم المنتصبة .. في يوم ما .
امتلأ الحمار الصغير فخرا بهذه الكلمات .. ونهض عن ارض الأسطبل بشموخ .. . و توجه الى حيث توجد كومة الشعير .. وبدأ في التهامها بشراهة .. وهو يزمجر :
نعم يا أبي . سأبقى كما كان عهدك بي دائما .. حمارا ابن حمار .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية الديك باشا
- عندما كنت طفلا .. وعندما كبرت
- التعديل الأخير لقانون غريشام
- في تلك الليلة
- نهايات عراقيّة لمقدمة عبد الرحمن بن خلدون
- أمنيات صغيرة
- من الليل ِ .. إلى الليل
- أبراج الحظ الوطنية
- على بُعد ِ ليل ٍ .. من الأندلس ْ
- لم َ لا
- سيرة ٌ من ثلج .. لكائنات ٍ من مطر ٍ وطين
- مصفوفة الروح
- أنتم لا تطرقون الباب .. وسيدتي لن تجيء
- مشكلة الدجاجة .. وإشكاليات الديك
- الدور الأقتصادي للدولة في العراق : اشكاليات ومحددات التأسيس ...
- طغاة .. وكرنفالات .. وقبائل
- جنود أيلول .. قطارات سبتمبر
- تأبين ٌ متأخر ْ .. للمقهى البرازيليّة
- بغداد .. سينما
- الكتابة في درجة خمسين مئوي


المزيد.....




- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد عبد اللطيف سالم - الحمار الصغير .. والحمار الكبير