أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - رجع الوجع / رواية بحلقات / 4















المزيد.....

رجع الوجع / رواية بحلقات / 4


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 3500 - 2011 / 9 / 28 - 23:41
المحور: الادب والفن
    


بعد خروج الرائد عبد الله الدليمي من الغرفة ، يطلب الطبيب من الممرضة جنان غلق باب الغرفة المفتوح ، و قفله بالمفتاح . و ما أن تتوجه جنان نحو الباب ، حتى تشاهد رجلاً عملاقاً يقف عند الباب . و يبادرها بالسؤال ، و هو مهموم :
- الطبيب الخفر موجود ، لطفاً ؟
- نعم !
- أريد أن أكلمه كلمتين على إستعجال ، لطفاً .
- تفضل !
يدخل الزائر ، يؤدي التحية العسكرية بالاستعداد ، و يقدم نفسه :
- الأمين : سلوان محمود كريم ، سيدي !
- تفضل ، أخي !
- سيدي ، زوجتي راقدة في ردهة الولادة في هذه المستشفى الآن ، و قد جئتك أطلب منك السماح لي بإجازة زمنية لعيادتها ! هذه هي الولادة الأولى لها ، سيدي ، و أخشى أن تتعسر و أنا لست إلى جانبها !
- و من يوجد في غرفة الإستعلامات غيرك ؟
- لا يوجد أحد ! ساعة واحدة و أعود . أرجوك ، سيدي !
- طيب . كم هي الساعة عندك الآن ؟
- الثانية عشرة و الربع ، سيدي !
- إذن لديك إجازة زمنية لغاية الواحدة و الربع ! هل يرضيك هذا ؟
- نعم ، سيدي !
- أعطني المفاتيح ! و لا تخذلني ، أرجوك ! متى تنتهي إجازتك الزمنية ؟
- الواحدة و الربع ، سيدي !
- لا تتأخر عن الوقت المذكور ، فلدي مرضى كثر في الردهة الباطنية الثالثة لم أزرهم بعد !
- تؤمر ، سيدي ! تفضل المفاتيح !
- قل لي سيد سلوان : أيهما تفضل : المولود الذكر ، أم الأنثى ؟
- كل الذي يرزقني به الله هو خير و بركة ، سيدي !
- حيّاك ! تفضل !
- شكراً ، سيدي !
- مبروك مقدماً !
- شكراً ، سيدي !
بعد قفل باب الإستعلامات ، تعود جنان للغرفة . تجد الطبيب و هو يبدل زجاجة المغذي ، و يزرق سوائل الأدوية فيها . تعاونه في إستبدال كيس الإدرار ، و في سحب نماذج الدم للفحص . كل ذلك ، و ميثم لا يبدي أدنى حركة ، و عقله يفور ، و قد تفاقمت أوجاعه فبلغت أوجها !
- حبيبتي جنان ، هل رأيتِ هذا الحقير ، مساعد مدير الأمن ، كيف يتصرف ؟
- إنه إنسان عجيب غريب !
- هذا الجبان يريد عض أنف مريض غائب عن الوعي !
- هل لاحظت ، دكتور ، أنه لا يستخدم أبداً كلمة "شكراً" ، و لا يحيي بتحية اللقاء و لا الوداع ؟
- هل تعرفين السبب في أستنكافه عن ذلك ؟
- كلا ، مطلقاً !
- لأنه يعتبر كل الناس خدماً له ! بل إنه يعتبر تحدثه معنا فضلاً منه علينا ! بالقير و زيادة علينا ! إننا نستحق ما هو أسوأ من هذا ! عندما يسود القوم جهلاءهم فلا بد أن يصبحوا خارج التاريخ ، و لن تسمع من أخبارهم غير القتل و التدمير !
- هل لاحظت مقدار بخله ! لقد أخذ كل كبسول الپونستان مني ، في حين أن ثمنه في الصيدليات تافه ، و هو ضابط أمن ، و رواتبه و مخصصاته تصل إلى عشرة آلاف دينار شهرياً !
- مثله لا يفوت حتى الزبالة !
- الغريب هو أنه لديه أبن رغم كونه عنّيناً . من أين جاء بهذا الإبن ؟
- و من يدري ؟
- هل هناك إحتمال و لو ضعيف جداً بقدرته على الإنجاب ؟
- لا توجد هكذا بقّة تقشر اللب ! الرجل عقيم عقم البغل ، و يستحيل عليه تخصيب البويضة !
- و ما ذا عن حالات الإسقاط عند زوجته التي تحدث عنها ؟
- لا بد أنها من أبو وليد ، وليس من مساعد مدير الأمن !
- شيء لا يصدق !
- هل لاحظتِ كيف أنه تظاهر بالتغابي عندما أبلغته بضمور خصيتيه ، و فشلهما في أداء وظيفتيهما ؟
- لعله لا يعلم ما هي وظيفة الخصيتين !
- بل يعلم ، و لكنه يَتَبالَهْ !
- أي أمٍّ هذه التي لا تستطيع إكتشاف أن كيس الصفن لوليدها خال من البيضتين ! حتى نساء الرعيان يعرفون ذلك ! ثم ، هل رأيت كيف أنه يحول مصالحه الشخصية إلى مصالح عليا فوق مستوى البشر بربطها بمصلحة و أمن الحزب و الثورة !
- طبعاً ! أنها فرصته الذهبية لكي يحقق ما يريد ! الدكتاتورية لا تخدم غير الإنتهازيين و الحرامية ! و لكن لنترك هذا الموضوع الذي يسبب دوخة الرأس ، ونتحدث عن موضوعنا : أنا محتاجك موت ، و أريدك الآن !
- و لكن المكان غير مناسب !
- بالعكس ، أنه أنسب مكان ! مقفل ، و خال حتى من الشبابيك !
- لماذا لا نذهب لغرفة الطبيب الخفر في الردهة ! توجد هناك غرفتان بالأسرة !
- و لكنك تعلمين بأنهما محجوزتان : دكتور سمير و زينب ، و دكتور رياض و أميرة !
- صحيح ! هل تعلم أن أميرة حامل من دكتور رياض ؟
- مسكينة : إنه لن يتزوجها مطلقاً !
- و لكن لماذا ؟ فهي جميلة جداً ، و تحبه ، و خريجة كلية ، و من عائلة محترمة ! ما الذي يريد الرجل من المرأة أكثر من هذا ؟
- قلت لك أنه لن يتزوجها أبداً . أنني أعرف رياض حق المعرفة : لن يتزوج أبداً ممن تستسلم له مقدماً ! أرجوكِ أنقلي هذا الكلام للست أميرة ، و انصحيها بأن أفضل شيء تعمله هو أن تسقط الجنين حالأ و بدون تأخير !
- مسكينة ! أنها محتفظة به كوسيلة للضغط على الدكتور رياض لكي يتزوجها !
- غيرها كان أذكي منها و فشل . في الكلية حملت منه نسرين ، و بقيت طيلة شهرين تتوسل إليه الإيفاء بوعوده لها بالزواج فما اهتزت له قصبة .
- و ما لذي حصل ؟
- قال لها بأنها يجب أن تتحمل نتيجة خطيئتها ، و أن تتوقف عن إزعاجه ، و إلا فأنه سيقيم عليها الدعوى ، و يتهمها بمحاولة رمي خطيئتها عليه ! و عندما أدركت المسكينة مدى سفالته ، أصيبت بخيبة الأمل الشديدة و إنتحرت . رمت بنفسها تحت عجلات شاحنة صهريج نفط أمام داره ! و كتبت لعميد الكلية رسالة بذلك !
- و ما ذا حصل ؟
- أجتمع مجلس الكلية ، و قرر فصله لما تبقى من السنة الدراسية . مع ذلك ، فقد بقي يأتي يومياً للكلية طيلة العام دون أن يدخل الحصص ؛ و إقتنص خلال أجازة سنة التفرغ للحب تلك أربع أو خمس من طالبات الصف الأول المستجدات !
- حقير !
- أريدك أن تذهبي اليوم لأميرة ، و تشرحي لها كل شيء ، و تحذرينها من المصير المماثل للمصير الذي آلت إليه نسرين من قبل ! و أطلبي منها إسقاط الجنين فوراً ، و قطع علاقتها حالاً بهذا الخبيث !
- سأفعل ! و هل أنت مثله ؟
- معاذ الله ، ياحبيبتي ! أنا مستعد للتقدم لخطبتك اليوم قبل بكرة . فقط أشِّري لي ، و أنا حاضر !
- تسلم لي ، حبيبي !
- أنا رافع راية الإستسلام اللذيذة للحبيبة ! تعالي و إجلسي بحضني !
- أمري لله ! جلست !
- هل أقوم أنا بنزع ثيابك ، أم تتولي أنت ذلك عني ؟
- و لكن هذا المكان غير مناسب ! فقد يصحو هذا الشاب المسكين !
- و إن صحا ؟
- سيفضحنا طبعاً !
- كلا ، أنه لن يستطيع فعل ذلك أبداً !
- و كيف تستطيع التأكد كل هذا التأكد من ذلك ؟
- هذا المسكين لن يتسنى له رؤية الشمس ثانية ، و أفضل شيء له هو أن يموت الآن !
- خطيّه ! يا له من مصير مأساوي لمراهق مسكين ! أنظر إليه ، حتى زغب لحيته لم ينبت بعد !
- إن مصيره المأساوي قد تقرر ، و ما من محيص ! ألم تلاحظي مدى إندفاع مساعد مدير الأمن لتدميره جسدياً أولاً ، و من ثم إعدامه ثانياً ؟
- نعم ! الحقير !
- هناك ثلاثة إحتمالات في أمره : الإحتمال الأقوى هو أن يصحو ، و يخرج من هنا لزنزانات مديرية الأمن لترتيب التهمة السياسية المناسبة له ، و التي سترسله حتماً للمشنقة بدون أي تأخير . الإحتمال الثاني هو أن يموت سريرياً هنا ، فيتم إنهاء حياته ، و يذهب من هنا للقبر مباشرة ! أمّا الإحتمال الثالث فهو أن يصاب بفقدان الذاكرة ، أو بفقدان القدرة على النطق ، فيبقى عالة على أهله طول العمر . و سواء أعدم ، أو مات هنا ، أو تعوّق ، فلن يستطيع فضحنا . ثم إننا سنتزوج حتما ، و ممارسة الجنس بين الزوج و الزوجة واجب و ليست تهمة .
- مسكين ! يكاد قلبي ينفطر عليه .
- أجعلي قلبك ينفطر عليّ أنا حبيبك الملهوف ، و أنزعي ملابسك حالاً فالوقت يداهمنا . إنزعيها كلها ، يا شمس الشموسة ، و لا تضيعي الوقت علينا ، أرجوك ، حبيبتي .
- حاضر ، دكتور ! ها أنا أنزعها لك !
- كلها !
- حاضر ، دكتور ! إنك مستعجل جداً !
- أي نعم ، مستعجل جداُ جداً ، و أكاد أنفجر !
- عدني أن تكون لطيفاً ، و رقيقاُ ، و أن لا تؤلمني أبداً !
- تؤمرين يا حبيبتي ، فأنا خادمك الأمين و المطيع !
- لقد أوقعت بيَّ ، و كان الذي كان . و لكنه يوجعني كثيراً !
- و كل هذا لأن للحب سياطه . إعترفي لي بأن وجع الحب لذيذ ، حبيبتي !
- أنه سمين و طويل !
- إذن فهو لائق بك ، حبيبتي الغالية !
- أرجوك ، لنؤجل هذا إلى يوم آخر !
- و لماذا هذا التأجيل الذي لا موجب له ؟ ها ؟ حبيبتي ، الوقت جد مناسب ! و لدي مرطب جديد ! لقد إشتريته اليوم !
- هذا ثالث مرطب تجرِّبه علي !
- أنه أفضل من الأنواع السابقة ، و هو جديد و غال . تعالي هنا ، نعم ، رائع . إن رائحتك لذيذة !
- و لكنني لم أستحم ظهر اليوم !
- حبيبتي ، إن رائحتك لذيذة ، و لا تحتاجين إلى الحمّام !
- إياك و أن توجعني !
- الليلة هي ليلتك . فقط إسترخي . نعم ! ممتاز . إسترخي تماما ، جيد ! دقائق و نصعد معاً للسماء السابعة و السبعين !
- آخ !
- عظيم ، ها قد أثبتّي جدارتك ، حبيبتي .
بعد أن يفرَغ الحبيبان ، و يشطفان في مغاسل القاطع ، يعودان لغرفة ميثم لاستكمال علاجه .
- مساء الخير ، ست جنان ! مساء الخير ، دكتور !
يفغر كلاهما فمه و هما يبحلقان في مصدر الصوت كما لو أن المتفوه به جنّي نازل من السماء ، أو روح أتى يرفرف من العالم الآخر !
- لا تخافا ، فسركما في بئر سحيقة لا قرار لها ، و أنا أتمنى لكما كل السعادة ! أسمي ميثم ، و أنا محتاج لمساعدتكما الكريمة و الشجاعة لي !
- متى صحوت ؟
- منذ أن دخل مساعد مدير الأمن هذه الغرفة ، دكتور ! و يحب على أن أشكرك جزيل الشكر يا دكتور لأنك لم تسمح له بعض أنفي ! إنك رجل شريف ، و أنا أحييك !
- ألم أقل لك أنه قد يصحو ، و نحن –
- سيدتي المبجلة : أنتما حبيبان ، و الحب شيء مقدس ، وليس عيباً ، و أنا أبارك لكما هذا الحب ، و أتمنى لكما حياة زوجية سعيدة قادمة . إنني أعرف الأصول ، و لا أسمح لنفسي بالثرثرة فيما لا يعنيني ! الوقت حرج ، و أنا بحاجة لمساعدتكما بدون تأخير ! أنها مسألة حياة أو موت . يبدو أن وجع الليل أمضّ من وجع النهار ! لا أريد سوى منوماً يريحني لإثنتي عشرة ساعة ، و أن لا يُعلن عن يقظتي إلا بعدها ! هل هذا طلب تعجيزي ؟
- كم هو عمرك ؟
- خمسة عشر عاماً .
- و لكن كلامك كلام الكهول ، و ليس المراهقين ! "الحب مقدس" ، و "أعرف الأصول" ، و "لا أسمح لنفسي بالثرثرة فيما لا يعنيني" ! لا يوجد كثيرون في العراق يفكرون بهذا الشكل و هم بهذا السن ! هل أنت شاب أجنبي ؟ أقصد عايش في أمريكا ، أو أوربا ؟
- كلا ، أنا أبن حي الجزائر في الحلة الفيحاء ، و بس ! و كل هذا لأنني تربيت في بيتين ، و لكوني حشرة دواوين شعرية !
- هل تلاحظين ، حبيبتي جنان ، كم هم درجة مهارة رجال الأمن في اصطياد أعظم العقول العراقية الواعدة ، و إذاقتها السم الزؤام أو حبال المشنقة قبل أن تستطيع أن تتفتح و تنفع بلدها . لا مكان للعباقرة داخل العراق !
- أرجوك ، دكتور ، الوقت حرج !
- و ما نفعك بهذه السويعات القليلة ؟
- ألله كريم ! أرجوكما بحق الحب الجميل الذي يربطكما أن تلبيا طلبي هذا !
- حاضر .
- شكراً ، دكتور !
- و هل تحتاج لشيء آخر !
- القليل من الماء و الخبز ، إن سمحتما ، رجاءً !
- لدي ، دكتور ، لفة دجاج بالزيتون ، أحضرتها لك ، هل أستطيع إعطاءها له ؟
- أروح فداء لفمك الجميل هذا يا جنان ! كلك أصول ! أعطه إياها يا شمس الشمّوسة ، و سأجلب أنا له الماء !
يرى ميثم نفسه و هو يؤدي إمتحان الأحياء . الأسئلة صعبة جداً ، و لكنه يشعر بأنه قد ضمن درجة المائة من المائة . و يعلق الآمال بالتعويض الناجز عن درجة الخمسين السابقة . يطلب منه زميله محمد - و لقبه الخرفاش - مساعدته في الإجابة عن الأسئلة لكونه لم يحصل على أكثر من درجة الصفر في الإمتحان السابق . مراقب الإمتحان مشغول بالرد لخطيبته الغبية الجالسة ببدلتها الوردية على أول رحلة . أنه منهمك بنقل دفاتر الطلبة الممتازين إليها ، و هي تنقش الإجابات من دفاترهم نقشاً ! يتشجع ميثم ، و يبدأ بتلقين زميله خرفاش الإجابة . و لكن خرفاشاً لا يجيد الكتابة . فيكتب له ميثم كل الأجوبة المطلوبة بخط جميل في دفتر الإمتحان الخاص بزميله . و عندما ينتهي من إجابة كل الأسئلة و بما يضمن عدم وجود أي خطأ أو نقص لديه ، يعود إلى مقعد رحلته كي يحرر إجاباته هو على أسئلة الإمتحان ، فينكسر قلمه . يبريه بالمبراة ، فينكسر من جديد . يبريه ثلاثاً و رباعاً ، و لكنه ينكسر في كل مرة ، حتى لا يبق منه سوى عقب لا يصلح للكتابة , و لا يبق من الوقت المخصص للإمتحان سوى خمس دقائق ! و عندما يستطيع ميثم أيجاد قلم جديد ، يعلن مراقب القاعة الإمتحانية إنتهاء وقت الإمتحان ، و يسحب الدفتر الفارغ منه فوراً ! يعود ميثم للبيت على دراجته و الحزن يثقل رجليه ، يعبر الجسر ، فيرى جثة رجل ملتح طافية على النهر . يأسف لكون الفصل شتاء ، و النهر بارد ، و لا يستطيع رمي نفسه بالنهر لانتشال الجثة . يعبر الجسر ، فيشاهد الحسينية محترقة ، و الناس منهمكون في إخماد الحريق ، و الدخان و ألهبة النيران تشق عباب السماء الحمراء المسودة . يسرع بدراجته نحو مكان الحريق يريد المساهمة في إخماده ، و ما أن يوقف دراجته و يترجل منها ، حتى يشاهد سيفاً يتحرك من السماء مثل ماسحة زجاج السيارات ، فيوقف الحريق حالاً بضربتين سحريتين . يلتفت يسرة ، فيشاهد نمراً يتقافز نحوه من بعيد . يترك دراجته ، و يعدو عدواً جنونياً بين الأزقة و الطرقات ، و هدير النمر يلاحقه عند كعبيه . يتقاطر العرق من كل جسمه ، و يشعر بالعطش الرهيب ، و هو يرتجف . يشاهد باب بيت شرقي مفتوح . يدخل الدار ، فيرى في باحته إمرأة طويلة ، بشعر أصفر تنسدل جدائله الذهبية على صدرها ، و عيونها الخضر الواسعة يسافر فيها البصر ، و هي تقف عارية . يستصرخها : " أنا خائف و عطشان ، فاسقني " . تضمه إلى صدرها العامر ، و ترضعه حليباُ بارداً يشفي غليله ، و يبدد عرقه ، و تقول له : " نم على صدري ، و لا تستيقظ قبل وجبة حراسة حسن " !
- ميثم ، ميثم ، إنهض أرجوك ! لم يعد هناك داع لتمثيل الإغماء ، إنهض ! ميثم !
يهز حسن سرير ميثم هزاً قوياً ، فيستعيد ميثم نصف وعيه ببطء دون أن يفتح عينيه !
- ميثم عطشان ، و قد وجد الحليب البارد المدرار . ميثم يرتجف خائفاً ، و قد وجد الأمان . لا يجب أن يستيقظ ميثم قبل وجبة حراسة حسن !
يعيد حسن هز السرير بقوة :
- أنا هو حسن ! ميثم ، ميثم ! أستيقظ ! كل شيء على مرام ! إن مدير الأمن في طريقه إلينا الآن !
يتنبه ميثم حوله ، و يفتح عينيه ، فيرى حسن .
- الحمد لله ! كم الساعة الآن ، سيد حسن ؟
- الحمد لله ! السادسة و النصف مساءً !
- عطشان !
- لقد أحضرت لك الماء ، إشرب !
يشرب الماء ، و ينظر نحو الباب ، فيرى ست جنان و حبيبها الطبيب واقفين عند الباب ، و هما يبتسمان إبتسامات عريضة له ، و يحييانه بأكفهما خلسة ! يبادلهما البسمات ، و يرد تحياتهما بانحناءة باسمة من رأسه ، و يخاطب السيد حسن :
- مساء الخير يا إبن العم ! ما هي الأخبار ؟
- مساء النور – أ – مم .
يتلفَّت حسن حوله ، و يتلعثم ، فيبادره ميثم بالقول : إسترسل في الكلام ، و لا تخف ؛ فهما أخي و أختي !
- صحيح ؟
- أقصد : بمثابة أخي و أختي !
- الحمد لله ! أبشر ، فقد نجحت الخطة ، و والدك و كل أفراد عائلة الشهيد يسلمون عليك !
- و عليكم السلام يا أبا الفضل ! نعم ، إن الفضل يعود إليك أولا و آخراً أيها الشهم الكريم !
- و مدير الأمن و كل ضباط التحقيق المهمين قادمون إلى هنا للتحقق من وضعك ، و هناك إستنفار أمني في كل المستشفى ! كل ما عليك عمله هو شرح العداوة بينك و بين إبنه و ليد ، و لا تنس شرح إستفزازاته ضدك حال ترجلك من سيارة اللاندكروزر .
- تؤمر ! أين نظاراتك الطبية ؟
- لقد نسيتها في داركم !
- لن نعيدها إليك أبداً . سنستبقيها لدينا كشارة و تذكار خير و بركة !
- فداك ! أنا خارج الآن ! حظاً سعيداً !
- مع السلامة !
يتبع / لطفاً



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 3
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 2
- رجع الوجع / رواية بحلقات
- كتاب الدرر البهية في حِكَمْ الإمبريالية الأمريكية
- رسالة من طفل عراقي إلى الرئيس بوش
- ملاحظات شخصية في الترجمة
- الحدّاد و القوّاد
- سيّد خوصة : المناضل سابقاً و المجاهد لاحقاً
- آخر أحكام رب العالمين في أهل العراق
- من أخبار شيخ الشط
- قوانين التاريخ و جرائم الرأسمالية : أجوبة للأستاذ الفاضل رعد ...
- قوانين التاريخ ، و جرائم الرأسمالية وقادة الأحزاب الإشتراكية ...
- دفاعاً عن المفهوم المادي للتاريخ : الأستاذ نعيم إيليا متمنطق ...
- موجز لقوانين التاريخ : جواب محدد لسؤال محدد للأستاذ الفاضل ر ...
- الإمام العباس و أمين الصندوق صالح إبراهيم
- علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات ...
- علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات ...
- علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات ...
- خرافة دحض الماركسية العلمية / رد على الأخ الكبير الأستاذ يعق ...
- الكلبة -سليمة كُرْفَتِچْ- و البغل -خوشْطَرِشْ-


المزيد.....




- عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - رجع الوجع / رواية بحلقات / 4