أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - ملاحظات شخصية في الترجمة















المزيد.....

ملاحظات شخصية في الترجمة


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 3460 - 2011 / 8 / 18 - 09:31
المحور: الادب والفن
    


معلوم أن الترجمة نشاطٌ إبداعيٌ مطلوب لدى كل الأمم و في كل العصور . عبرها تتصل الثقافات و العلوم و تتلاقح الحضارات . لكن الترجمة هي أيضاً نشاط خاص و إن كانت مخرجاتها ملكاً لجميع قراء اللغة . و تتفاوت الآراء بصددها من الرفض التام باعتبارها خيانة للنص الأصلي ، إلى القبول التام باعتبارها ضرورية و مفيدة جداً . و لقد اشتغلت بالترجمة منذ عام 1965، فاستهوتني كعلم و فن (موهبة) و صنعة . ثم أسعدني الحظ بتدريسها – كمحاضر خارجي – عدة سنوات لطلبة الدراسة الجامعية الأولية و طلبة الدراسات العليا في كلية الآداب ، جامعة بغداد ، و يعود الفضل الأول و الأخير في ذلك إلى ثقة رئيس قسم اللغة الإنگليزية و أستاذي الكبير الدكتور الفاضل عبد اللطيف علوان الجميلي بي . و اعترف أنني قد تعلمت من طلابي ربما أكثر مما تعلموا مني في هذا المضمار . و من خلال إحتكاكي بالنشاط الترجمي ، فقد توصلت إلى القناعة بأن كل البشر الناطقين باللغة يمارسون الترجمة شفوياً بهذا الشكل أو ذاك يومياً ، سواء ضمن اللغة الواحدة ، أو عبر اللغات . أما الترجمة التحريرية المتعدية اللغة للنصوص النثرية ، فتلك صنعة تتطلب التدريب و المران و الإتقان التام لأسرار اللغتين على حد سواء . أما الترجمة الفنية للأدب ، فهي تتطلب الموهبة الإبداعية علاوة على ما سبق ذكره . و سأقدم فيما يلي أيجازاً مقتضباً جداً لبعض ملاحظاتي الشخصية بخصوص الترجمة ، و كلي أملي أن يغنيها قراء "الحوار المتمدن" الأعزاء (و كلهم أذكياء و لمّاحون) بما لديهم من أفكار خلاقة في هذا الميدان .
أبرز سمات الترجمة /
الترجمة هي عملية نقل للرسالة من لغة إلى أخرى . و من أهم مستلزمات هذا النقل هو كونه – أساساً – عملية إعادة قراءة النص الأصلي من طرف المترجم و إستيعابه له . و من نافل القول إنه لا يمكن أن توجد هناك أية ترجمة فعلية بدون قراءة أو سماع المترجم المسبقة للنص الأصلي و فهمه لمعانيه . و مثل كل عملية قراءة للنص (أي فهم و تفسير النص الأصلي) ، فإنها محكومة بميزتين أساسيتين : أولاهما محتوى النص و نوعه (genré) ، و ثانيهما قيمة القراءة التي يقوم بها المترجم للنص . الميزة الأولى تفرض على المترجم أن يتوفر على الحد الأدنى المطلوب من المقدرة على إعادة إستخراج معاني النص و نوعه ، في حين أن عملية قراءة النص تتحكم بها ثقافة المترجم و مدى سيطرته على اللغتين و على موضوع النص المترجم ومتعلقاته ، و على التجربة العملية للمترجم و خلفيته الفكرية و أسلوبه و ذائقته و ما يحب و ما يكره ، الخ . أي باختصار ما يميزه فكرياً و معرفياً كشخصية متفردة . إذن ، فالترجمة هي و جهة نظر شخصية بالدرجة الأولى . و هذا ما يفسر سبب إختلاف الترجمات للنص الواحد عندما ينفذها أكثر من مترجم واحد. أما نوع النص ( أدبي ، علمي ، ديني ، قانوني ، صحفي ، تجاري ، الخ ) فيتحكم به مدى إقتدار المترجم في إعادة إستخراج هذا النوع أو ذاك من النصوص من حيث المباني و المعاني و ذلك بحكم ثقافته و تخصصه و إجتهاده و إمكانياته .
يتضح مما سبق أن الترجمة عملية معقدة تشبه لعبة "جر الحبل" ، أحد طرفيها هو النص الأصلي ، و الطرف الثاني هو المترجم . ومثلما أن لعبة جر الحبل تتحكم فيها القوانين الفيزياوية زائداً التدريب و المطاولة وتناغم الحركات ، فإن الترجمة تتحكم فيها المعرفة العلمية بمميزات اللغة الأصلية و اللغة المترجم إليها النص ، و كذلك المهارة الحرفية للمترجم ، ومدى تضلعه في فتح مغاليق النص و إستخراج النوع بمناغمة النقل مع الأصل .
أعود للتعريف أعلاه . قلت أن الترجمة هي عملية نقل للرسالة من لغة إلى أخرى ؛ وبصفتها عملية نقل ، فأنها تقتضي طبعاً عملية إستبدال (substitution) حتمي . و كل إستبدال يعني حتماً التغيير على صُعُد كافة المستويات الخمسة للتعبير اللغوي : الأصوات (phonology) ، قواعد الصرف (morphology) ، النحو (syntax) ، المعاني (semantics) ، و أصول التداول (pragmatics) . و بسبب حتمية التغييرات على صعد كل الأنظمة اللغوية الخمسة تلك ، فإن كل عملية ترجمة لا بد أن تنطوي على هذا القدر أو ذاك من الربح و الخسارة .
أمانة المترجم و النص و المؤلف و المتلقي /
شخصياً ، أنا يستعبدني النص الأصلي . و مثل كل عبد مخلص ، فأنا أخلص لسيدي النص المبجل ، و لا أسمح لنفسي بالتجاوز على مندرجاته ، بل و حتى على حماقاته (إن وجدت) ! النص الأصلي مقدس عندي ! و لا يوجد في كل علم الترجمة – حسب علمي القليل – غير قانون واحد واجب التطبيق ألا و هو : الإخلاص للنص الأصلي ، ما لم تمنعك مباني و معاني اللغة المنقول اليها النص من ذلك . أما المؤلف ، فقد يكون غائباً أحياناً ، أو بعيداً ، أو متوفى ، أو غير معروف أصلاً . و حتى إذا كان موجوداً بيننا ، فإننا لا نستطيع الولوج إلى ذهنه إلا من خلال النص الذي بين أيدينا وحده . أذكر في إحدى المناسبات أنني ترجمت لأحد أصدقائي من الشعراء العراقيين الرائعين (و العراق هو بلد أكبر عدد من الشعراء في العالم !) قصيدة للإنگليزية . و بعد الفراغ من الترجمة ، قمت بإعادة ترجمة النص المترجم للإنگليزية بالعربية له . فإستوقفني الشاعر عند جملة معينة أعدت عليه معنى ترجمتي لها عدة مرات . و بعد تأمل شديد ، ضحك الشاعر ، و صافحني و هو يقول : " و الله لم أكن أعني أصلاً في بيتي الشعري هذا المعنى الذي نقلته أنت عنه في ترجمتك ، و لكنني أستحسن فكرتك"! هذا يعني أن كل الترجمة هي عملية تقريبية (approximation) ، و هو يؤكد ما قلته عن حتمية الربح فيها هنا و الخسارة هناك . واجب المترجم هو أن يعظِّم الربح ، و أن يقلل من الخسارة إلى أدنى حد ممكن تسمح به قوانين اللغة . أما المتلقي ، فلا وجود له عندي أكثر من وجوده بالنسبة لكاتب النص الأصلي . و من الناحية العلمية و العملية ، فإن الإخلاص للمتلقي لا يعدو كونه مجرد "تلفيق" أكاديمي ، لأن الترجمة ، مثلما أسلفنا ، محكومة بمتغيرات شروط القراءة الشخصية للنص من طرف المكونات الثقافية المميزة للمترجم ، و ليس من طرف المتلقي المجهول الهوية و المتعدد المشارب . و قد حصلت حالات ارتأى فيها المترجم للإنجيل – مثلاً – تغيير هذه المفردة أو تلك لعدم وجودها في لغة المتلقي المستهدف مثل ضرورة إستبدال ترجمة عبارة "أبيض كالجليد" بعبارة "أبيض كالقطن" أو ما شابه في لغة قوم لا تحتوي على مفردة "الجليد" لعدم وجود الجليد في بيئتهم . هذا الإستبدال تفرضه قوانين اللغة الثانية و ليس متطلبات المتحدثين بتلك اللغة ، و بالإمكان ترجمتها حرفياً كما هي في الأصل ، و من ثم شرح المقصود منها ، فمن شأن هذا أن يؤمن تلافي الإحالات غير المطلوبة التي تترابط مع كل مفردة في ذهن المتلقي . أذكر أن عدداً من الأساتيذ أثاروا ضجة في نهاية السبعينات و الثمانينات لدينا في بغداد بإصرارهم على ترجمة مفردة الصيف (summer) الواردة في وصف "لين عريكة الحبيبة" في إحدى سونيتات شكسبير بمفردة (الربيع) العربية و ليس المفردة الصحيحة المقابلة (الصيف) على أساس مفهوم "المعادل الدينامي" (dynamic equivalence) ليوجين نايدا في الستينات ، و الذي يعرّفه بـكونه : "خلق الإستجابة للنص المترجم عند المتلقي المستهدف و بما تتطابق مع إستجابة المتلقي للنص الأصلي" . و حجتهم في هذا الإستبدال هو أن إعتدال الجو في الصيف الإنگليزي لا يشبه هجير الصيف العراقي ، بل يشبه ربيعه ! و لا نعلم أي ربيع يقصدون : ربيع البصرة أم ربيع الموصل أم ربيع بغداد أم ربيع السماوة مثلاً ؛ ربيع الأمطار أم ربيع العواصف الترابية ؛ و كل هذا في العراق فقط . و نعجب لكل هذا التكلف في ضوء كون الصيف الإنگليزي المقصود يخص إنگلترا وحدها و ليس صيف أي مكان آخر يمكن أن يضارعه في العالم ، و لا وجود لمثل هذا المكان ! الحل هنا – بتصوري – هو الإلتزام بحرفية الترجمة أولاً ، و شرح الفرق القائم للمتلقي الصيني و الهندي و الأفريقي ، و غيره ، حسب مقتضى الحال ثانياً . لقد أثبت التعمق في فرضيات مثل هذه النظريات حول الترجمة عدم صمودها إزاء النقد ، إذ لا وجود للمعادل الدينامي عبر اللغات و ذلك لتفرد الترابطات (المعاني الإيحائية) لكل مفردة في كل لغة أولاً ، و لكون مفهوم الإستجابة (response) مفهوماً ملتبساً و غير قابل للقياس ، و ينطوي على مواقف شخصية متباينة ، و يتضمن فيما يتضمن حتى "الإستجابة السلبية" . فهل يجب على المترجم أن يترجم نصه بحيث ينتج الاستجابات السلبية و الأخرى الحيادية و الثالثة الإيجابية و الرابعة شبه إيجابية مثلما يؤدي إليه النص الأصلي حتماً ؟ و كيف يتسنى للمترجم أن يحتسب درجات الإستجابة للنص الأصلي فيستطيع مقارنتها بالاستجابات المزعومة للنص المترجم لكي يستنتج دينامية أو عدم دينامية نص الترجمة ؟
أما عندما لا يخلص المترجم للنص الأصلي ، و يتصرف به حسب الهوى دون ضابط ، فعندها يثبت المترجم مدى إخلاصه لذاته الغريبة و البعيدة عن النص ، و يتحول النص إلى كل شيء باستثناء الترجمة ، أي إلى ما يشبه "طبيخة الآش" : العدس و الرز و الماش مهروس ، و الحمص و الفاصولياء و الباقلاء حصى تتكسر عليها الأسنان اللبنية للمترجم ، و تتسبب في التلبك المعوي للمتلقي !
ترجمة النص الشعري و المقدس و الفلسفي /
هل يجب أن يكون مترجم النص الشعري شاعراً ، و مترجم النص المقدس مؤمناً ، و مترجم النص الفلسفي فيلسوفا ؟ الجواب السريع هو أن تحقق مثل هذا الشرط سيسجل إنتصاراً مدوياً للترجمة . أما التفصيل المطلوب فيرتبط بما سبق وأن قلته عن "مقدرة المترجم على إستخراج نوع النص" . و الشعر و النص الديني المقدس هما من أكثر أنواع النصوص تحسساً ضد عملية الترجمة بسبب عمليات التغيير الملازمة لها . في مثل هذه النصوص ، تكتسب الأصوات و الإيقاعات و النظم الأصلية قيماً نصية إضافية غاية في الأهمية الدلالية و البنوية على حد سواء . و عند التغيير من لغة إلى أخرى ، فلا بد لهذه القيم أن تُهدر ، فيخسر النص ألقه الفني الفذ . فما العمل ؟ جوابي الشخصي هو أن نستبدل نوعاً بنفس النوع ؛ أي أن نترجم الشعر شعراً ، و الطقس الديني طقساً . أما إذا كان المترجم غير قادر على ذلك ، فليترك هذه المهمة الصعبة للقادرين من المترجمين غيره . أو يمكنه – في أضعف الأيمان – أن يترجم دلالات القصيدة نثراً ، دون أن يدعي أن ترجمته هذه "شعرية" . و مثلما يقول "رسول حمزاتوف" ، فإن مثل هذه الترجمة ستكون بمثابة "الإنعكاس الثالث للوجه الثاني للسجادة الأصلية" . نعم ، ترجمة الشعر تحتاج و تتطلع إلى أقلام الشعراء ، و الدليل على ذلك أن أفضل الترجمات الشعرية التي لدينا نفذها مترجمون شعراء من المتمرسين بفن النظم مثل ترجمة أحمد الصافي النجفي لرباعيات الخيام و ترجمة سعدي يوسف لأوراق العشب لـ "وتمن" . أما الفلسفة ، فلا بد لمن يجرد نفسه لترجمتها أن يكون متبحراً في أمرين إثنين في الأقل : القدرة على الغوص في معاني النص الأصلي لأن لكل فيلسوف مصطلحاته الفلسفية الخاصة به و المتفردة الدلالات ؛ و التضلع بالمصطلحات الفلسفية المرادفة في اللغة الثانية ، مع القدرة على إستنباط الجديد منها . و قد يكفي للمترجم هنا أن يكون دارساً مجتهداً للفلسفة ، و ليس هذا بالأمر إلهين أبداً .
تهميش دور المترجم في الأدب العراقي /
لقد هُمّش كل الأدب و الفن العراقي في العهد الفاشي السابق ، كما تفاقم التهميش في عهد سيادة ثقافة اللطم الحالية ، إلا التطبيل و التزمير . العراق بلد أعظم المترجمين العرب مثلما هو بلد أعظم الشعراء في العالم ! أنظروا إلى إرث المرحوم عبد المسيح وزير و غيره من مترجمي وزارة الدفاع العراقية في ترجمة المصطلحات العسكرية منذ عشرينات القرن الماضي ، و قارنوها بالمصطلحات التركية في الجيش المصري و التي بقيت سائدة حتى الستينات مثل الأونباشي اليوزباشي و البگباشي . و المترجمون العراقيون هم أحسن من ترجم من الأدب الروسي ، و هل هناك أحسن من ترجمات غائب طعمة فرمان و حياة شرارة بهذا الصدد ؟ و لكن المترجم العراقي يموت – مثل الأديب العراقي – إما وحيداً منسياً في غرفة قذرة مثل الرصافي أو غريباً مثل السياب و الجواهري و البياتي و غائب طعمة فرمان و و و . العراق هو بلد الآلهة العظيمة المغدورة ، فما بالكم بالآلهة الصغار ؟
مراعاة المفردة و القواعد و إختلاف المعاني و المقاصد /
المفردة تستبدل عادة بأقرب مرادف لها في اللغة المترجمة إليها . و على فرض عدم وجود المرادف الموضوعي ، فإن على المترجم أن يجد مفردة أو مصطلحاً جديداً مناسباً في لغته ، أو أن يتولى هو صياغة مثل هذا المصطلح بنفسه حسب قواعد الصرف في اللغة الثانية و إضافته لقاموسها . و هذا الأمر يتطلب معرفة معجمية موسوعية في اللغتين . و يمكن ترجمة المفردة الواحدة بكلمتين أو بمركب لغوي أو بالنحت أو بالإشتقاق أو بالإستعارة أو بغير ذلك من طرق صياغة الكلمات . أما القواعد النحوية للغة الثانية ، فهي حاكمة ، و لابد من الإلتزام بها . و هذا يعني بالضبط إستبدال نحو اللغة (س) بنحو اللغة (ص) ؛ و قد يحصل التوازي أو التماثل في هذا المركب النحوي أو ذاك بين النحوين ، و على المترجم أن يستثمر هذا التماثل حيثما وجد ، مثل إتباع الصفة للموصوف في العربية و الفرنسية ، أو تشابه الجملة الإسمية في نفس اللغتين . أما إختلاف المعاني ، فهو شر لا بد منه في الترجمة ، و لا بد من مواجهته مواجهة عميقة ، فكثيرة هي الحالات التي يتسبب فيها نقص الإطلاع بأسرار اللغة الأصلية و اللغة المستهدفة إلى مطبّات يمكن تجاوزها. خذ مثلاً تفريق الإنگليزية بين كلمتي (love) و (like) في نوع الحب ، و الغياب المدعى لمثل هذا التفريق في العربية رغم و جود مفردات "الود" و "الوداد" و "الحب" و "الإيثار" و "التعلق" و "الولع" و "الرغبة" و "الإلف"، ناهيك عن "العشق" و "العمد" و "الجبر"، الخ . مع ذلك ، تبقى الحقيقة الماثلة أمام المترجم هي أن اللغات كلها إنما هي بنات بيئاتها ، و أن لمعظم اللغات بؤرها الثقافية-الحضارية المتميزة الغائبة عن اللغات الأخرى مثل تعدد أسماء الجمل والأسد في العربية و أسماء أنواع الجليد لدى الأسكيمو أو أنواع الجبنة في الفرنسية . كما تختلف إحالات أو ترابطات (connotation) المفردات عبر الحضارات : فالتنانين مخلوقات حميدة عند الصينيين ، و البقر حيوان مقدس عن الهندوس ، و أكل لحم الحمام و لحم القرود و الكلاب مستهجن هنا و محبب هناك ، و صوت الغراب يمكن أن يكون نذير شؤم و يمن ، و الملابس البيضاء ترمز للفرح و للحزن . في مثل هذه الحالات وغيرها كثير جداً ، لا مندوحة للمترجمين من التقريب و التوفيق . خذ مثلاً ترجمة الشعر العربي للإنگليزية . يسمح نظام الصرف العربي الغني للشاعر العربي أن ينظم قصيدة من مئات الأبيات بقافية واحدة ، في حين أن نظام الصرف الإنگليزي لا يسمح بقافية موحدة لأكثر من ثلاثة أو أربعة أبيات (المعدل بيتان فقط) . ماذا يفعل المترجم للقصيدة العربية إلى الإنگليزية بصدد القافية ؟ هل يصر على الحفاظ على القافية الموحدة في الإنگليزية مثلما هي عليه في العربية ؟ سيفشل بالتأكيد ، أو يتحول إلى أضحوكة إن إستمر في عناده . هنا يأتي دور التكييف ، و مبدأ وعي جدل الإستبدال لنوع أدبي بنوع ثان مختلف و فاعل في الترجمة ، آخذين بعين الإعتبار ليس فقط قواعد الصرف للإنگليزية بل و كذلك قواعد النظم الشعري المتوارثة في تلك اللغة . الترجمة هي جسر يصل بين الثقافات ، و هو جسر ذو ممرين متصلين : رواح للغة (س) و المجيء إلى اللغة (ص) ، مع آلاف السيارات المتنقلة بإستمرار بين الممرين على طول الخط مع كل مفردة و تركيب . أما المقاصد ، فهي في عقل الكاتب ، و هي كائنة خارج حدود النص الأصلي ، و لهذا فهي تقع خارج تخوم الترجمة . المترجم معنيٌّ بالمعاني و المباني النصية و ليس بالمقاصد و النوايا الشخصية . و لا بد لكل مترجم من الإنطلاق من قناعة بديهية تنص على "أن ما يمكن أن يقال في لغة معينة يمكن أن يقال أيضاً في أية لغة أخرى" ، وبعكسه فلا وجود للترجمة أصلاً .
حدود التصرف لدى المترجم /
شخصياً ، لدي مبدءان مترابطان ألتزم بهما في عملية الترجمة . أولهما هو الالتزام بالنص الأصلي ، و ثانيهما أنه لا يجوز للمترجم إضافة (addition) أو حذف (deletion) أو تغيير (change) أي شيء من النص الأصلي إلا بحكم قواعد الصرف و النحو للغة المنقول إليها النص . أما في ترجمة الشعر شعراً على وجه الحصر ، فإنني أتآمر ضد قناعاتي ، و أسول لنفسي التصرف حيثما تفرض عليها قواعد الشعر (الوزن و القافية و الصوت) في اللغة الثانية مثل هذا التصرف . و السؤال هنا ، ما هو المعيار لمثل هذا التصرف ؟ المعيار هنا هو جمالي- نصي بحت : فحيثما كان التغيير (الحذف ، الإضافة ، الإستبدال) في الأصل يضيف قيماً لغوية جديدة (new linguistic values) للنص الشعري المنتج ترجمةً ، فإنه أمر مقبول . و مثلما يحق للشاعر ما لا يحق لغيره ، فكذلك يحق للمترجم الشاعر ما لا يحق لغيره من المترجمين !



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحدّاد و القوّاد
- سيّد خوصة : المناضل سابقاً و المجاهد لاحقاً
- آخر أحكام رب العالمين في أهل العراق
- من أخبار شيخ الشط
- قوانين التاريخ و جرائم الرأسمالية : أجوبة للأستاذ الفاضل رعد ...
- قوانين التاريخ ، و جرائم الرأسمالية وقادة الأحزاب الإشتراكية ...
- دفاعاً عن المفهوم المادي للتاريخ : الأستاذ نعيم إيليا متمنطق ...
- موجز لقوانين التاريخ : جواب محدد لسؤال محدد للأستاذ الفاضل ر ...
- الإمام العباس و أمين الصندوق صالح إبراهيم
- علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات ...
- علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات ...
- علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات ...
- خرافة دحض الماركسية العلمية / رد على الأخ الكبير الأستاذ يعق ...
- الكلبة -سليمة كُرْفَتِچْ- و البغل -خوشْطَرِشْ-
- النص الكامل لمسرحية -عرس واوية- : ذرة من وقائع كل إنتخابات ع ...
- نص مسرحية -معمعة العميان-
- مساء عراقي ساخن : كل شيء عادي كالعادة
- فضيحة الثعلبان -چيق- و -چاق- و الضبع -ورين-
- الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /8 ، و هو ال ...
- الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /7


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - ملاحظات شخصية في الترجمة