أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسين علوان حسين - الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /7















المزيد.....

الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /7


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 3339 - 2011 / 4 / 17 - 15:42
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


سادساً/ أنكيدو و الموت

في الحلم يرى أنكيدو كبير الآلهة إنليل و هو يصدر بحقه حكم الموت . فيتصور أمامه البوابة العظيمة التي أقامها من خشب الأرز لمعبد إنليل ، و يلعنها لأنها لم تؤمن له الحظوة له عند إنليل . ثم يتجه بتفكيره إلى الراعي الصياد و شمخة اللذين كسباه للتمدين ، فيلعنهما . و لكن شمش (الكاشف عن الحق) يقنعه بالتراجع عن لعن شمخة ، و يذكّره بأفضالها عليه ، فيمنحها بركته مجدداً . ثم يرى حلماً ثانياً و قد أمسك به ملك الموت و أدخله في غياهب العالم الأسفل . وبعد أن يصف الحلم لگلگامش ، يمرض مرض الموت . و على فراش الموت ، يبث إنكيدو أحزانه لصديقه گلگامش ، و كيف أنه سيموت على فراشه بدل من أن يبني إسماً له بالإستشهاد في ساحة المعركة . و تلك ثيمة سيرددها بعده أغلب الفاتحين عبر التاريخ . و إستناداً إلى النص الناقص الذي لدينا ، فإن أنكيدو يموت في اليوم الثالث عشر من مرضه (يلاحظ شؤم الرقم الأخير). و في النص المجتزأ التالي سأركز على الأجزاء التي تكشف عن أبعاد الصراع بين أنكيدو و الموت .

في الليل ، رقد الرجال في فراشهم ،
و لما غفا إنكيدو رأى حلماً .
فإستيقظ ليروي حلمه ،
قائلا لصديقه گلگامش :
"ما الذي جعل كبار الآلهة يعقدون مجلسهم ؟"
.......
..... و جاء الفجر .

بدأ أنكيدو كلامه مع گلگامش :
"يا أخي ، أيّ حلم (رهيب) رأيت الليلة ،
لقد إجتمع آنو و إنليل و إيا و شمش السماوي ."
فقال آنو لإنليل:
"هذان اللذان نحرا ثور السماء ،
و قبله خمبابا حارس غابة الأرز الكثيفة ،
إختر أحدهما للموت."
فقال له إنليل :
"ليمت أنكيدو و ليس گلگامش."
فرد شمش السماوي على البطل إنليل قائلاً :
" ألستَ أنت الذي أذن لهما بذبح الثور السماوي ،
و كذلك فعلت مع خمبابا قبله ؟
فلم ينبغي لأنكيدو البريء أن يموت الآن ؟"
غضب أنليل البطل على شمش السماوي ،
و قال له :
"و أنت ، لم زحفت معهما كما لو كنت رفيقهما ؟"

رقد أنكيدو أمام گلگامش ،
و دموعه تسيل كالسواقي.
و قال له :
"يا أخي ، كم أنت عزيز عليَّ ،
سوف لن يَدَعوني أصعد مرة أخرى لرؤياك .
سأجلس مع الموتى ،
و أعبر عتبة الموت ،
و لن أرى أخي العزيز مرة أخرى ."
.....
.....
رفع أنكيدو عينيه كمن يخاطب الباب
خاطب الباب كما لو كانت إنساناً :
"يا باب خشب الغابة الذي لا يعقل ،
إن لي فهماً لا تملكينه .
إخترت خشبك الفاخر من مسافة فرسخين ،
حتى وجدت شجرة الأرز الشامخة .
إن شجرتك يا باب لا تدانيها شجرة في غابة الأرز ،
إرتفاعك إثنتان و سبعون ذراعاً ،و عرضك أربع وعشرون ذراعاً
و سمكك ذراع واحد .
لقد صنعت عمودك و محورك من الأعلى إلى الأسفل من قطعة واحدة ،
أنا الذي صنعتك و حملتك و رفعتك في نفر .
لو كنت أعلم أيها الباب أنك ستجازينني بهذا ،
لو كنت أعلم أيها الباب أنك ستكافئينني بهذا ،
لرفعت فأسي و لطوحت بك أرضاً ،
ولحولتك ألى طوف عائم إلى إيبابّارا .
لكنت إلى إيبارار ، معبد شمش ، قد جلبتك ،
و لوضعت الأرز عند مدخل إيبابارا .
و لأقمت تمثال طير الصاعقة و الثور العملاق ،
...... لوضعته عند مدخلك .
لكنت ... المدينة .... شمش
و في أوروك ......
لأن شمش أصغى لقولي ،
وفي الخطر ... أسعفني بالسلاح .
أيتها الباب ، أنا الذي صنعتك و نصبتك ،
فهل أستطيع الآن تهشيمك و إسقاطك ؟
عسى أن يأتي بعدي ملك فينزل بك حقده ،
أو ... يعلقك حيث لا يستطيع أحداً أن يراك ،
و عسى أن يزيل إسمي و ينقش إسمه بدلاً منه ."
.....

لما سمع گلگامش قول صديقه أنكيدو ،
سالت دموعه فجأة كالسواقي .
فتح فاه و قال لأنكيدو :
"أنت يا من أعطاك إنليل الفهم ،
ومنحك الحكمة .... فكيف تجدف؟
لم تتفوه بهذه الكلمات المجدفة ؟
إن حلمك مخيف و لكنه غريب ،
و شفتاك المحمومتان تأزّان كدبيب الذباب .
إن الوهم كبير لأن الحلم غريب .
و مثلما تورث الآلهة الحزن لمن يبقى حياً،
كذلك الحلم يثير الحزن عند اليقظة .

سأدعو لك متضرعاً أمام الآلهة العظيمة ،
دعني أقصد شمش و أتوسل عند إلهك.
و بحضورك سأصلي إلى آنو أبي الآلهة،
و عسى المستشار العظيم إنليل أن يصغي لصلواتي بحضورك ،
و عسى تضرعاتي أن تجد دالَّة عند إيا ،
فسوف أصبُّ تمثاله بالذهب بلا حدود ."
......

"يا صديقي : لا تبذل الفضة و لا الذهب ولا ....
إن الكلمة التي يتفوه بها إنليل ليست مثل ...الآلهة .
و الأمر الذي يصدره لا رجعة فيه ،
و ما يمضي عليه... لا يمحوه .

يا صديقي إن مصيري قد تقرر ،
فالناس يموتون قبل أوانهم . "

و عند الضياء الأول للفجر ،
رفع أنكيدو رأسه يندب شمش.

تحت أشعة الشمس سالت دموعه ،
......
"أتوسل إليك يا شمش ، إن حياتي عزيزة ،
أما الصياد صاحب الفخاخ ،
الذي جعلني لا أبلغ شأو صديقي ،
فعسى أن لا يداني أبداً صديقه .
و عسى أن يُخرب كسبه و يُبدد رزقه ،
و يُـبخس نصيبه أمامك ،
فاجعل البيت الذي يدخله تغادره الآلهه من الشباك ."

و بعد أن لعن الصياد حتى ارتاح قلبه ،
قرر لعن البغي شمخة .
" تعالي يا شمخة لأقرر مصيرك ،
و ألعنك لعنةً تدوم إلى الأبد .
سأنزل بك لعنةً عظيمة
تلازمك من الآن فصاعداً .
لن تنالي عائلةً تقرين بها عيناً،
و لن تهنأي وسط الأهل .
و لن تجلسي في غرفة العرس أبداً ،
و ستوسخ الارض أجمل ثيابك .
و سيلطخ السكارى ثياب عرسك ،
و لن تصيبي أي شيء جميل .
....
لا المأدبة و لا البركة تدخل بيتك ،
و سرير السرور سيصبح تخت النكد .
و في تقاطع الطرقات سيكون مكان جلوسك ،
و عند الأطلال ستنامين و في ظلال الخرائب ستقفين .
و ستنهش الأشواك قدميك ،
و سيلطم خدك السكارى و الصاحون .
و سيتهمك .... و يرفع الدعوى عليك ،
و لن يسقف سطح بيتك أي عامل بناء .
و سيعشعش البوم في غرفة نومك ،
و لن تقام الولائم على موائدك .
......
أنتِ التي أوهنتني أنا النقي البريء ،
نعم في البرية أوهنتني أنا النقي البريء ."

سمع شمش كلام أنكيدو ،
و من السماء صاح بصوتٍ مباشر :
"يا أنكيدو لم تلعن البغي شمخة ؟
و هي التي أطعمتك الخبز اللائق بإله ،
و سكبت لك الجعة اللائقة بالملوك ،
و التي ألبستك أزهى الحلل ،
و جعلتك رفيقاً لگلگامش الوسيم ؟

والآن فإن صديقك و أخاك گلگامش ،
سيوسدك سريراً مجيداً ،
سيسجيك سرير الفخر ،
و سيجعلك على يساره في كرسي .....
.....
و سيلثم قدميك كل حكام العالم الأسفل ،
و سيبكيك و يندبك شعب اوروك ،
و سيسود الحزن كل الناس عليك .
و سيطلق گلگامش غدائر شعره حداداً عليك ،
و سيرتدي فراء الأسد و يجوب البراري ."

سمع أنكيدو كلمات البطل شمش ،
فهدأ قلبة المكلوم ،
و استكان صدره المجروح .
"تعالي يا شمخة : سأثبت مصيرك .
إن الفم الذي لعنك سيباركك أيضاً .
سيغرم بك الحكام و الوجهاء أيضاً ،
و لأجلك سيضرب الرجال على مبعدة فرسخ منك أفخاذهم ،
و حتى مسافة فرسخين سيهزون لحاهم ،
و ما من مقاتل يتوانى عن رمي حزامه لك ،
و سيمنحك الجواهر و الذهب و العقيق ،
و يهديك الأقراط و الحلي .
......
و ستجعلك عشتار ... الآلهة تدخلين بيوت أغنى الناس ،
و لأجلك سيترك الزوج زوجته و إن كانت أم سبعة (أولاد) ."

ثم تملك القنوط ذهن إنكيدو ،
فاضطجع و راح يتفكر .
و صارح صديقه بأفكاره :
"يا صديقي ، لقد رأيت حلماً الليلة .
عصفت السماء ، فرددت صداها الأرض ،
و أنا أقف وسطهما .
فرأيت رجلاً متجهم الوجه ،
مخيف القسمات كطير الصاعقة ،
أكفه مخالب سبع و أظافره براثن نسر .
أمسكني من شعري و سيطر عليّ ،
ضربته و لكنه إرتد كالحبل متفادياً ضربتي .
و ضربني فقلبني مثل القارب ،
و تحت قدميه سحقني مثل الثور البري ،
و ملأ جسدي بسمومه ."
......
"إنقذني يا صديقي......
لقدكنتَ خائفاً منه ، لكنكَ....
......ضربني و مسخني حمامة ."

"شَدَّ ذراعيَّ مثل جناحي طائر ،
و أخذني مأسوراً إلى بيت الظلام : مملكة إركاللا.
إلى البيت الذي لا يغادره الداخل إليه ،
إلى الطريق الذي لا عودة منه ،
إلى البيت الذي يحجب الضياء عن سكانه ،
الذين زادهم التراب و طعامهم الطين .
هناك يرتدون ثياب الريش كالطير ،
و لا يرون الضياء و يحيون في الظلام ...."

يوضح النص أعلاه أن الآلهة هي التي تحدد مصير و مقدرات كل إنسان ، فمن يعيش من البشر بعز فهم أعزاء بمشيئة الآلهة ، و من يحيى بذل فهم أذلاء الآلهة . كما أن الآلهة هي التي تتحكم بحياة و موت الإنسان . رأيناها سابقاً و هي تخلق أنكيدو ، و نراها الآن و هي تحكم عليه بالموت . و لكن لماذا يقع إختيار الآلهة على موت أنكيدو و ليس گلگامش ؟ يمكن تحري الإجابة على هذا السؤال في ثلاث أو أربع مسائل مترابطة : أولاهما سماوية بحتة و ترتبط بالهدف الأصلي من خلق أنكيدو و المتمثل بكبح جماح تهور گلگامش و تسلطه على مواطنيه من أهل أوروك ، و هذه المهمة قد أنجزت ، و لم تعد هناك ثمة حاجة لوجود أنكيدو الذي أصبح "فائضاً" على اللزوم قدر تعلق الموضوع بـهذا الغرض . أما الثانية فهي أرضية و ترتبط بحتمية سيطرة إقتصاد إنتاج القوت على إقتصاد جمع القوت الذي يمثله أنكيدو و خمبابا قبله بعد نشوء دولة المدينة العاصمة القوية . أما الإحتمال الأرضي الثالث فهو موضوعة عدم و جود مكان (= مستقبل) للغريب الوافد في المدينة ، و حتمية عودته إلى أصله : التراب ، لكونه ، ببساطة ، غريب لا ينتمي إلى التمدين . و هذه الموضوعة ترتبط إرتباطاً وثيقاً بسابقتها . أما الموضوع الواضح فهو إصرار أنكيدو على ذبح خمبابا ، وكذلك دوره في قتل الثور البري و رمي فخذه على عشتار . تعددت الأسباب و الموت واحد .
و نلاحظ كيف أن الملحمة تصور إجتماع الآلهة كما لو كان إجتماعاً لكبار رجال العائلة الأبوية في أوقات الأزمات حيث لا مكان للمرأة (ننخورساك) في الإجتماع . الأب الأكبر آنو هو الذي يبدأ بالكلام ، و يحدد الخط العام للإجراء المطلوب : موت أحـد ثـنائي الخطر : گلگامش أو أنكيدو . و لا يناقش قراره أحد . بعدها يقرر إبنه الأكبر إنليل (إله الأرض و الرياح و الهواء و الروح ، و الذراع التنفيذي لآنو) أن الذي يجب أن يموت هو أنكيدو و ليس گلگامش ، و لا يعطي سبباً لهذا الأختيار . يعترض عليه شمش الأدنى منه منزلة على إختياره هذا لكونه هو الذي سمح للبطلين بقتل خمبابا و الثور السماوي ، أي أنه هو الذي يتحمل مسؤولية مقتلهما ؛ فيرد إنليل بكون شمش قد "رافقهما المسيرة كواحد منهما" ، أي أنه قد تواطأ أو إشترك معهما في فعل القتل . و لا يستطيع شمش إنكار ذلك ، فيسكت علامة على نزوله عند قرار مولاه إنليل ، و ينتهي الأجتماع . هنا تراتب المراكز هو الذي يحدد من هو صاحب الكلمة العليا . و لكن لماذا يستبقي إنليل گلگامش ؟ أغلب الظن لأنه الملك ظل الآلهة على الأرض ، علاوة على أعتبارات مواصلة السرد الملحمي . و يلاحظ هنا أن إتهام إنليل لشمش بالتواطؤ مع البطلين يستبطن فكرة أن موت گلگامش سيضعف من قوة شمش بإعتباره الإله الحامي له . الإجتماع عملي و شديد الإقتضاب ، و يبين أن مصلحة الكبار هي فوق كل الإعتبارات الأخرى .
أما وصف أنكيدو لـ "بيت التراب" ، أو العالم الأسفل ، فهو يوضح فكرة العراقيين القدماء عن أحادية هذا العالم (أي عدم وجود ثنائية "الجنة" إزاء "النار") ، و عدم وجود بعث بعد الموت ، لكون هذا العالم هو "أرض اللاعودة" . فكل الموتى يؤخذون هناك بعد مسخهم طيوراً عند الوفاة ، و يحشرون حشراً فيه كما لو كانوا نزلاء أبديين لسجن هائل مظلم ، حيث لا تخضر الأشجار ، و تصاب كل الأحياء بالوهن الشبيه بالتخدير . و الوضع النهائي للموتى هناك هو وضع "ترابي" بكل معنى الكلمة . هنا تتكرر فكرة العودة "من التراب و إلى التراب" . و غياب فكرة الجنة في الآخرة أمر بالغ الأهميةً هنا ، لأنه يقطع السبيل أمام إستثمار هذه الفكرة كوسيلة لإقناع الطبقات المنهوبة لتحمل الظلم و الإستغلال ، و إرجاء الأنتقام من الظالم و إقامة العدل و التطلع إلى الرفاهية و الخلاص من الإستغلال إلى مرحلة مـا بعد الـموت . فبدون الموت لا تستطيع الآلهة السيطرة على البشر الأحياء والموتى في نفس الوقت ، و بدون الموت لا يستطيع الحكام و لا المستغلون إستغلال البشر و السيطرة عليهم . فبفضل حتمية الموت تستطيع الآلهة السيطرة على الإنسان لأنها تـحتكر لنفسها سلطة إنزال المـوت به . وهي لا تكتفي بهذا الإمتياز ، بل تلاحق الإنسان بمواصلة القبض على عنقه بعد الموت عن طريق تحـكمها بمصيره في العالم الأسفل . إذن فغاية خلق الأنسان أصلاً هو إستبقاءه خادماً أبدياً للآلهة في الدنيا (العالم الأرضي) ، و نزيلاً عاجزاً لسجن الآخرة (العالم الأسفل) .
ثم تأتي موضوعة مناجات إنكيدو للباب الخشبي الذي أقامه لمعبد آنو . وهذه قـطعة فنـية فريدة و متقدمة على زمنها في صياغـة "الصوت" ( tone ) . و الباب هو تعبير المتحدث الإنسان عن مرارة موقفه الإستنكاري من المخاطَب الجماد و إزاءه . هنا الباب الجامد يمثل سلطة الإله إنليل الحيوية على الأرض . و مرارة موقف أنكيدو هي التعبير الذاتي عن الإكتشاف المتأخر للإنسان لجحود الآلهة لخدماته الجليلة لها ، و إستهتارها العشوائي بمصيره . و رمزية فكرة تدمير الباب أو قيام ملك آخر بوضعها "حيث لايراها أحد" واضحة ، و تؤشر رغبة الإنسان المخذول في الإنتقام من الآلهة التي تتخلى عن الإنسان عبر محو رموزها المادية – على الأقل تلك التي ساهم المخذول نفسه في إقامتها – و بالتالي الحكم عليها بالموت نسياناً . و يبدو أن الزمن قد حقق أمنية أنكيدو هذه ، حيث لا نرى الآن رمزاً لإنليل إلا و هو مطمور تحت الأرض ينتظر معاول المنقبين من البشر للكشف عنه من غياهب النسيان و إعطائه حياة جديدة ، لا لعبادته ، و إنما لـ "تشريحه" بـحثياً مثلما نفعل الآن . و سيخلف الأرض بعد موت أنكيدو ملوك آخرون فيستبدلون إنليل بمردوخ ، أو بآشور ، أو بعل ، أو زوس ، أو جوبيتر، الخ . و على العكس من سلبية إنليل ، نجد أن موقف شمش ثابت في مناصرته لأنكيدو و گلگامش في كل الملحمة و على طول الخـط . و تلك كناية عن فائدة الشمس لكل البشر ، و عن أبدية سلطة الحق التي يمثلها شمش . وحسناً فعل العراقيون القدماء عندما ربطوا بين العدل و بين النور و المعرفة و الكشف عن الحقائق المستورة .
و لا بد من التطرق هنا إلى موضوعة "لعن البشر لبعضهم" و التي ما تزال رائجة في العراق و البلدان المجاورة . و لعل هذه الممارسة تنبع من الإيمان بكون دعوة المظلوم مستجابه . و إنكيدو يعتبر نفسه مظلوماً بإعتباره إبن البرية البريء الذي تغويه إمراة يكتسب عبرها المعرفة التي لا يربح منها غير الموت وهو في عز الشباب . و لعناته على الراعي الصياد و شمخة كلها قابلة للتحقق لأنها تنطلق من وعي بوضعهما الإجتماعي-الإقتصادي القائم على التقلب. و يبدو أن تدخل شمش لتأنيب أنكيدو على لعنه لشمخة في محله ، و لا بد أنه ينطلق من إحساسه بسلطة الحق التي لا تجيز نكران الجميل ، و لا تعليق الموت المحتم للإنسان على شماعة الغير من الرجال و النساء زوراً .



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /6
- الدكتور محمد مهدي البصير / الشخصية الحلية الفذة
- الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /5
- الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /4
- الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /3
- الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /2
- الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /1
- قصة قصيرة : يوم جمعة في حياة جندي مكلف عراقي
- حكاية الموت الغريب للفيل -جَلا-
- ملاحظات حول حركة حقوق المرأة و مدرسة النقد الأدبي الأنثوي
- خَلَفْ
- دِشَرْ
- ستراتيجيات سلطة الاحتلال الأمريكي للعراق خلال الفترة 2003-20 ...
- قصة الخنزير البهلوان -نجم-
- رسالة قصيرة


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسين علوان حسين - الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /7