أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسين علوان حسين - دفاعاً عن المفهوم المادي للتاريخ : الأستاذ نعيم إيليا متمنطقاً داخل شراك اللجاجة















المزيد.....



دفاعاً عن المفهوم المادي للتاريخ : الأستاذ نعيم إيليا متمنطقاً داخل شراك اللجاجة


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 3420 - 2011 / 7 / 8 - 21:47
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


في العدد : 3415 - 2011 / 7 / 3 من الحوار المتمدن ، تكرم الأستاذ نعيم إيليا بتدبيج مقال أسماه "الأستاذ حسين علوان متلجلجاً داخل شرك المنطق" خصصه لنقد ورقتي الموسومة "موجز لقوانين التاريخ : جواب محدد لسؤال محدد للأستاذ رعد الحافظ " المنشورة في العدد 3414 من الحوار المتمدن . و حسناً فعل الأستاذ نعيم إيليا في تطوعه لنقد ورقتي أعلاه ، على الأقل لكي يتفضل علي بفرصة التعرف على مثقفين نحتاج إلى ممازجتهم الآراء بعيداً عن الجو الداخلي الخانق في جنوب العراق و الذي لا يكاد يجد فيه الإنسان ما يكفي من الهواء ليستنشقه ، بله محاورة الأخوة الأخدان .
في إستجابتي لنقد ألأستاذ نعيم إيليا ، سأقسم نصه أدناه كما هو إلى نقاط حسب تسلسلها ، و بدون حذف و لا تغيير (إلا ما تعلق منها بمدحي شخصياً) ، ثم سأورد تعليقي على كل نقطة من تلك النقاط .
الملاحظة الأولى للأستاذ نعيم إيليا المحترم :
"من أخص سمات الشخصية الماركسية التزامها بالعقيدة الماركسية ومسلماتها إلى حد الخضوع لها خضوعاً يحاكي خضوع العبد الذليل لربه في العقائد الدينية. ولا تكتفي بهذا بل هي تنكر هذا الخضوع إنكاراً، وتوهم نفسها بأنها منعتقة من إسار الجمود بادعاء التطوير والتجديد إيهاماً. يظهر هذا التناقض في سلوكها، وفي تركيبها النفسي والعقلي، فهي أبداً: مضطربة، متقلبة، عنيفة، متطرفة، مستسلمة لمبدئها، محتدمة يتأكلها الغرور والاستعلاء، لا تهادن فكرة تأتيها من خارجها، ولو كانت هذه الفكرة نقية نقاء الماء المستقطر. وهذا شأن أصحاب العقائد جميعاً. " يبتدئ (البيان الشيوعي) بقانون الإيمان الماركسي – تشبيهاً بقانون الإيمان المسيحي يين–:
" إن تاريخ أي مجتمع حتى الآن، ليس سوى تاريخ صراعات طبقية. حر وعبد، نبيل وعامي، بارون وقن، معلم وصانع، وبكلمة ظالمون ومظلومون، في تعارض دائم، خاضوا حربا متواصلة، تارة معلنة وطورا مستترة، حربا كانت تنتهي في كل مرة إما بتحول ثوري للمجتمع كله، إما بهلاك كلتا الطبقتين المتصارعتين".

استجابتي للملاحظة الأولى للأستاذ نعيم إيليا المحترم
المستهل أعلاه يساعد القارئ الكريم في أن يتبين حالاً كون الأستاذ نعيم إيليا ليس من نوع الناقد الذي يبدأ نقده – حسب أصول البحث الأكاديمي – بإيراد نصوص من يريد أن ينقده أولاً ، فيحللها و يفندها أو يتفق أو لا يتفق معها بالأدلة النقلية أو العقلية واحداً بعد واحد ، ثم يخلص من تحليلاته العميقة السابقة إلى إستنتاج حكمه النهائي على النص المنقود . بل هو يؤثر عدم إضاعة وقته الثمين بالتحليل و التفنيد ، و اختصار الجهد و الزمن عبر الإستهلال بإطلاق الأحكام الجاهزة لديه بالجملة من دون مقدمات . و حسناً فعل الأستاذ نعيم إيليا في إختياره لهذا المنهج غير العلمي في النقد لأنه سيسر عليَّ مهمة تبيان إعوجاجه البادي للعيان بمجرد الإشارة عليه .
و يسمح لي أخي الأستاذ نعيم إيليا أن أقول له بأن تواصيفه بخصوص سمات الشخصية الماركسية التي يسطرها تحكماً و جزافاً دونما أدنى دليل ربما كانت تنطبق بحذافيرها عليه هو بالذات ، أو على شخصية عصابية مختزنة في ذاكرته ، و ليس على الماركسيين الذين يفهمون تماماً بأن كتابات ماركس و إنجلز لا تقدم سوى وجهة نظر لفهم هذا العالم ، و لتغيير هذا العالم بإلغاء إستغلال الإنسان لأخيه الإنسان . و وجهة النظر هذه – المبنية على الشك في كل شيء – ليست مُلزمة لأحد . لماذا ؟ لكونها تحكم بالضد ممن يلهجون بدعوى كون كلماتهم إنما هي التعبير الفعلي و المخلص عن إرادة الرب العظيم ، و أنه ليس للبشر الخطّائين سوى "نجدي الإيمان بها إيماناً أعمى و دخول الجنة ، أو الكفر و دخول النار لأن "كل ما هو ليس من الإيمان فهو خطيئة"" .
مسلمات الماركسية تحكمها وقائع تاريخ البشر ، و الواقع المعاش الملموس . و حيثما لا تتطابق وقائع التاريخ أو الحاضر مع أي نص لماركس و إنجلز ، فأن على الماركسي ليس فقط أن يعدّل نصوص ماركس و إنجلز ، بل و أن يعدّل معها أي إستنتاج لهما يمكن أن يكون قد أستند عليها . و ينبغي لي أن أشكر الأستاذ نعيم إيليا لكونه قد زودني بعظمة لسانه بالنص الذي تتكفل وقائعه الخطابية الثابتة بإقامة الدليل القاطع - و الذي لا يستطيع لا هو لا غيره دحضه - على أن التوصيف التحكمي الذي يقدمه عن الشخصية الماركسية يُجانب الحقائق ، كل الحقائق .
في عام 1888 ، أي بعد وفاة ماركس بخمس سنين ، و في الطبعة الإنكليزية للبيان الشيوعي ، يدرج إنجلز ملاحظته أدناه بخصوص جملة :" إن تاريخ كل المجتمع الذي وجد لحد الآن هو تاريخ الصراعات الطبقية ."
The history of all hitherto existing society(2) is the history of class struggles.
(و ليس الترجمة غير الدقيقة التي يعتمدها الإستاذ نعيم إيليا أعلاه) و ذلك بوضع إشارة رقم (2) بعد كلمة "المجتمع" للهامش المفصل التالي :
"المقصود هنا هو : "كل التاريخ المكتوب"(بتوكيد إنجلز على مفردة : المكتوب) . في عام 1847 (و هو تاريخ كتابة الجملة أعلاه) ، كان كل مجتمع ما قبل التاريخ ، و النظام الإجتماعي الذي وجد قبل التاريخ المكتوب ، غير معروفين . بعد ذلك ، إكتشف أوگست فون هاكسهافن (1792-1866) الملكية الجماعية للأرض في روسيا ، و أثبت گيورگ لودفيك فون ماورر أنها (أي الملكية الجماعية للأرض) كانت الأساس الإجتماعي الذي انطلقت منه كل الأجناس التيوتونية في التاريخ ، و قريباً من تلك الفترة ، فقد وُجد أن المجاميع القروية هي الشكل البدائي للمجتمع ، أو أنها كانت كذلك ، في كل مكان من الهند إلى أيرلندا . و لقد أُميط اللثام عن النظام الداخلي لنظام المشاعة البدائية ، بشكله النمطي ، من طرف لويس هنري مورگن (1818-1861) ، و الذي توَّجَهُ باكتشافه للطبيعة الحقيقة للعشيرة و لعلاقتها بالقبيلة . و مع تفكك الجماعات البدائية ، بدأ المجتمع يتمايز إلى طبقات منفصلة أولاً ، و متناحرة أخيراً . و قد حاولتُ أعادة اقتفاء آثار هذا التفكك في (كتابي) "أصل العائلة ، و الملكية الخاصة ، و الدولة "، الطبعة الثانية ، شتوتگارت ، 1886. "
أين دلالات فحوى النص أعلاه من إدعاء الأستاذ نعيم إيليا بـ"إلتزام الشخصية الماركسية بالعقيدة الماركسية ومسلماتها إلى حد الخضوع لها خضوعاً يحاكي خضوع العبد الذليل لربه في العقائد الدينية. ولا تكتفي بهذا بل هي تنكر هذا الخضوع إنكاراً، وتوهم نفسها بأنها منعتقة من إسار الجمود بادعاء التطوير والتجديد إيهاماً. يظهر هذا التناقض في سلوكها، وفي تركيبها النفسي والعقلي، فهي أبداً: مضطربة، متقلبة، عنيفة، متطرفة، مستسلمة لمبدئها، محتدمة يتأكلها الغرور والاستعلاء، لا تهادن فكرة تأتيها من خارجها، ولو كانت هذه الفكرة نقية نقاء الماء المستقطر. " ؟
في النص أعلاه ، يتولى إنجلز – بكل مصداقية و تواضع – تصحيح كلامه و كلام رفيق عمره ماركس بعد وفاته و ذلك لأول و لأهم جملة من البيان الشيوعي ، و ذلك بالاستناد إلى آخر الإكتشافات التاريخية لعلماء غير ماركسيين حاصلة بعد كتابة البيان الشيوعي ، فأين هي إذن مصداقية التمنطق حول "إستسلام الشخصية الماركسية لمبادئها ، و إحتدامها ، و تآكلها بالغرور و الإستعلاء و عدم مهادنتها فكرة تأتيها من الخارج ، و لو كانت هذه الفكرة نقية نقاء الماء المستقطر " ؟ هل أن موقف إنجلز بتصحيح كلامه هو و ماركس مثلما هو واضح أعلاه نزولاً عند موجبات المعطيات العلمية لآخر الإكتشافات التاريخية يقيم الدليل على "خضوعه للماركسية خضوع العبد الذليل لربه" ، أم أنه يدل بشكل واضح على إخضاعه لكلامهما للحقائق التاريخية بدافع حرصه على قول الحقيقة العارية و لو كانت على نفسه ؟ لو كان إنجلز "يخضع خضوع العبد الذليل لربه في العقائد الدينية" مثلما يزعم الأستاذ نعيم إيليا لما تجشم عناء تصحيح قول ماركس و قوله ، و لكان قد قال لقرائه : " فلي إفتخار في المسيح ماركس يسوع من جهة ما لله ، لأني لا أجسر أن أتكلم عن شيء مما لم يفعله المسيح ماركس بواسطتي لأجل إطاعة الأمم بالقول و الفعل" ، و لحقَّ عندئذٍ للأستاذ نعيم إيليا أن يتهمنا جزافاً مثلما يفعل أعلاه ، و أن يرمينا بدائه و ينسلِ . هنا تجب ملاحظة أن إنجلز يسمي قيامه بإعادة إقتفاء آثار تفكك الجماعات البدائية في كتابه "أصل العائلة ، و الملكية الخاصة ، و الدولة " بـكونها مجرد "محاولة" ، و ليست "آياتٍ و عجائبَ بقوة روح الله" مثلما يتحدث صاحب العقيدة الدينية المسيحية . و إزاء مثل هذا التواضع ، أين هو موضع فرية "الإضطراب و التقلب" ، و أين هو محل تهمة "الغرور و الإستعلاء" ؟
الأستاذ نعيم إيليا المحترم
لكي تعطوا لنفسكم الحق في إصدار تعميمات كاسحة في متن خمسة سطور متتالية تنعت الماركسيين بالخضوع الأعمى لفكرهم ، و بتوَهّم الإنعتاق من هذا الخضوع الأعمى ، و بالتناقض في السلوك ، و بالتناقض في التركيب النفسي (سلوك شنو ، تركيب نفسي شنو؟) ، و بالتناقض في التركيب العقلي (برافو : هاي جديدة !)، و بالإضطراب ، و بالتقلب ، و بالعنف ، و بالتطرف ، و بالإحتدام ، و بالغرور ، و بالإستعلاء ، و بعدم مهادنة أفكار الغير (و هذه 13 تهمة خطيرة تجاه مجموعة واحدة من البشر تفبركونها بدون مقدمات عبر خمسة سطور بيقينية كانت تنقص الحكيم دانيال) ينبغي لكم – لكي نصدق أن كلامكم صحيح و ليس مجرد حاوية من التخرصات الشوفينية التي يراد منها الدعاية لكراهية الماركسيين ، ولا شتائم مجانية – أن تستخدموا منهج التحليل العلمي في إثبات تعميماتكم إن كنتم حريصين على التماس الحقائق من مصادرها مثلما يفعل العلماء ممن يتشددون في الحرص على توخي الحيادية في الحكم على الغير . و لكي تكتسب إتهاماتكم الحد الأدنى من المصداقية ، عليكم أن تثبتوا صحة تواجد كل واحدة من التهم أعلاه لدى كل الماركسيين بلغة الأرقام باستخدام معطيات علم الإحصاء . و هذا لا يتم إلا بتعريف مصطلحاتكم أولاً ، و من ثم تصميم إختبار علمي تخضع له عينة عشوائية تمثيلية (representative random sample ) من مجتمع البحث (research/test population) من الماركسيين في كل أرجاء العالم . و في علم الإحصاء ، فأن الحد الأدنى للعينة التمثيلية المقبولة هو نسبة 5% من مجموع مجتمع البحث . فإذا ما إفترضنا أن هناك فقط مليون ماركسي في العالم ، فعندئذ يجب عليكم أن تتفحصوا مدى وجود كل صفة من الصفات أعلاه لدى خمسين ألف ماركسي من كل أرجاء العالم حسب آلية الفحص الموجودة لديكم و التي لا يجوز تطبيقها إلا بعد ثبوت مصداقيتها (Test Validity) و إعتماديتها (Test Reliability). ثم ينبغي لكم إخضاع مجموعة ثانية هي المجموعة المقارنة (control group) من غير الماركسيين لنفس آلية الفحص تلك . فإذا ما وجدتم أن عدد هؤلاء غير الماركسيين أربعة مليارات شخص في العالم ، فعليكم إخضاع مائتي مليوناً منهم لنفس آلية فحص العينة التمثيلية للماركسيين . و بعد مقارنة نتائج فحص المجموعتين ، ينبغي للفرق النسبي بخصوص وجود أو عدم وجود كل صفة من ألـ (13) صفة أعلاه أن يكون عالياً بما يكفي ليصبح منتجاً من الناحية الإحصائية (statistically significant) و على نحو يستبعد كل تشويش أو ميلان محتمل لصالح مجموعة غير الماركسيين لكي تسمحوا لأنفسكم بإطلاق مثل هذه التعميمات . و لما كنتم لم تقوموا بإجراء مثل هذا البحث العلمي الفذ (و الذي يتطلب جهود آلاف الباحثين و صرف مليارات الدولارات مثلما تعلمون ، و الذي قد يثير حفيظة أعداء تحرر الإنسان من الإستغلال خشية أن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن) حسب مقتضى القواعد العلمية لإثبات مصداقية إتهاماتكم أعلاه بدليل خلو مقالتكم من أية إشارة لإنجازكم مثل هذا البحث العلمي المرموق ، فلا مندوحة حينئذ من إعتبار إن تسطيركم (13) تهمة ضد كل ماركسيي العالم في خمسة سطور و بلا "إحم و لا دستور" هو إسقاط تعويضي لمميزات تتمتعون أنتم بها على أقرب و أقوى أغياركم من مناصري إنعتاق المستغًلين . و لكي يصبح بوسع الجميع التثبت من الحقائق الناصعة ، فإن علم النفس يعلمنا بوجوب فحص من يقوم بإطلاق مثل هذه الأحكام نفسه و ذلك من طرف هيئة علمية متخصصة غير منحازة للتثبت من مدى انطباقها عليه أولاً و ليس على من يرميهم بها جزافاً ، و ذلك تأسيساً على القاعدة الذهبية القائلة بأن إحتمال إصابة كل ماركسيي العالم بـ (13) مرض نفسي دفعة واحدة هو أقل بما لا يقاس من قوة إحتمال إصابة ناقد واحد لهم يرميهم بها جزافاً و دون أن يكونوا قد آذوه بشيء . و لما كان من غير المحتمل قبولكم الخضوع للفحص السريري – و ذلك طبعاً على حسابكم و مسؤوليتكم الكاملة باعتبار أنكم كما تُدينون تُدانون ، و أن البادي أظلم – بغية تشخيص أمراضكم النفسية من طرفٍ متخصصٍ و محايدٍ و موثوقٍ ثالث ، مثلما تكفلتم بكل كرم و أريحية بتشخيص الأمراض النفسية لماركسيي العالم طراً ، فالإحتمال المعقول المتبقي هو أن نضطر اضطراراً ليس للإعتذار للماركسية ، و إنما الاعتذار للجاجتكم (باستخدام المنهج التبريري المقيت لدينا لكون الضرورات تبيح المحذورات ، و تلك ليست فضيلة) ، فنعتبر أن تُهَمَكُم المكالة بالجملة ضد الماركسيين بالضد من الحقائق الثابتة المبينة أعلاه و ما سيلي منها هي من قبيل الدُعابة ، و ذلك على قاعدة "أن من يحبك ، يلاشيك" . و أنا أرحب كل الترحيب بحبكم للماركسيين لأنني أؤمن بأن الحب يصنع المعجزات ، و لأنني - مثلكم - غير شديد الإعجاب على الأقل بمن يحكم بـ :" إن كان أحدٌ مدعوٌ أخاً زانياً أو طمّاعاً أو عابدَ وثنٍ أو شتّاماً أو سكيراً أو خاطفاً أن لا تخالطوا و لا تؤاكلوا مثل هذا . لأنه ماذا لي أن أدين الذين من خارج . ألستم أنتم تدينون الذين من داخل . أما الذين من خارجٍ فالله يدينهم . فإعزلوا الخبيث من بينكم ."
الملاحظة الثانية للأستاذ نعيم إيليا المحترم
"ولعلها بداية موفقة صحيحة شكلاً بحسب منطق الأوليات ، تضع الصخرة التي سيقوم عليها البناء برمته أولاً، ثم تتدرج صعداً بعد ذلك في وضع التفاصيل والأركان والأجزاء. وقد آمن بهذه البداية (القانون العام) جميع الماركسيين على اختلاف مشاربهم ورؤاهم ومنازعهم، حتى إنك لا تجد بينهم واحداً ينبض في صدره شك فيها نبضة واحدة، ولا واحداً يختلج في عقله أن يبذل في التفكير فيها حُريرة واحدة ، بعد إذ أيقن أنها من البداهة ؛ وما كان بديهياً عنده ، فمن النفل التفكير فيه، أو تقليبه على وجوه أخرى مما يتعارض مع الوجه الذي رسخت صورته في ذهنه.
فإذا جاءهم أنّ هذا الذي آمنوا به ليس قانوناً ولا هو من البداهة، استشاطوا غيظاً، أو صعّروا احتقاراً، أو سخروا متهكمين، وربما استخدموا المنهج الاعتذاري (التبريري) منهجهم الأثير، إن وجدوا أنفسهم في حالة مسترخية راضية، أو وجدوا أن لا بد من مواجهة الذي جاءهم، يدرأون به الشبهة عما آمنوا به... وما الأستاذ حسين علوان إلا واحداً من هؤلاء، وإن كان متفوقاً على أكثرهم في الدماثة، وقوة الحجة، وحسن الرأي، ورونق العبارة.
فإنه ما يكاد يقترب من القانون المشار إليه (صراع الطبقات)، حتى يتلجلج. ففي محاورته للأستاذ رعد الحافظ؛ الذي ناقش معه صحة ادعاء وجود قوانين ثابتة حتمية للتطور الاجتماعي كما تدعي الفلسفة الماركسية، وذلك بأسلوب (رعدي) واقعي مقنع هادئ معلل، أخذ الأستاذ علوان يعتذر للماركسية عن الضعف، ويتمحل لها أوجه الصواب والتخريج، وما ينفك يعتذر ويتمحل حتى اتسع الخرق فيها، وبات إصلاحه على أمهر الخياطين مستحيلا.
فهو يرى، مثل جميع الماركسيين، أنّ قانون التطور الاجتماعي، هو الصراع الطبقي، بيد أن هذا القانون يتوارى في مراحل تاريخية محددة كالمرحلة الشيوعية – وهي مرحلة يتخيل أنها ستخلو تماماً من الصراع الطبقي - مثلما توارى الصراع في عصور ما قبل التاريخ. وهذه الرؤية للقانون الاجتماعي مبتسرة يشوبها القصور؛ لأنّها إذ ترى هذا القانون في مجتمعات محددة مختارة كالمجتمع الرأسمالي مثلاً، لا تراه في مجتمعات أخرى كالمجتمعات البدائية وغيرها. ومعلوم أن ما كان من القوانين، سواء الطبيعية منها أو الاجتماعية، مجرداً من صفة (العمومية)، فإنه لا يدعى قانوناً، وإنما هو حدث تاريخي عابر مرتبط بزمان ومكان كسقوط الدولة الآشورية مثلاً. "

استجابتي للملاحظة الثانية للأستاذ نعيم إيليا المحترم
لقد سبق لكم و أن ابتدأتم بتقديم الوجبة المؤلفة من ثلاثة عشر وصفة منوعة كما هو ثابت من نص ملاحظتكم الأولى ، و استمرأتم إصدار أحكامكم الثابتة الجاهزة ، فلماذا تبتدئون مرة أخرى من جديد عبر القول : " ولعلها بداية موفقة صحيحة شكلاً بحسب منطق الأوليات ، تضع الصخرة التي سيقوم عليها البناء برمته أولاً، ثم تتدرج صعداً بعد ذلك في وضع التفاصيل والأركان والأجزاء "؟ هل كانت ملاحظتكم الأولى التي تسطر (13) تهمة ضد الماركسيين مجرد مقبِّلات ، قبل الطبق الرئيسي ، أم أنكم وجدتم أن الطبق الرئيسي الذي إبتدأتم به "يشوي شوي" ، و تريدون التبريد بعده بتقديم المقبلات الآن ؟
واضح أن ملاحظة الأستاذ نعيم إيليا أعلاه تقطع بكون جميع الماركسيين طراً يؤمنون إيماناً أعمى بالقانون العام للماركسية ألا و هو الصراع الطبقي . لدينا هنا مقولتان : إيمان الماركسيين بالقانون العام للصراع الطبقي أولاً ، و ثانياً : تمسكهم بالقانون العام المذكور مع وجود ما يثبت كونه ليس قانوناً عاماً .
و لكن هل صحيح أن القانون العام للماركسية هو الصراع الطبقي مثلما يريد الأستاذ نعيم إيليا إيهامنا به ؟ بالطبع لا ، لأن القانون العام للماركسية هو "تطور المجتمعات عبر التغيير بتحسين وسائط إنتاج مستلزمات العيش" ، و لا يستطيع أي عالم مدرك لوقائع التاريخ إنكار فعل هذا القانون ، إلا إذا كان يعتبر أن الحضارة البشرية مازالت تراوح في عصرها الحجري القديم حتى الآن . طيب ، ما دام الأستاذ نعيم إيليا يخصص مقالته لنقد ورقتي باعترافه ، فهل يوجد في ورقتي تلك أي نص يبرر قيامه بتزوير الحقائق مثلما يفعل أعلاه ؟ فلنحتكم لنص ورقتي إذن :

"تعلمنا دروس التاريخ أن الخط العام في سيرورة حضارة الإنسان هو تطورها المضطرد من الأدنى إلى الأعلى في إنتاج ضرورات العيش من جيل لجيل . و هذا هو أول قانون لتاريخ البشرية . و بالإمكان إدراك صحة و واقع اشتغال هذا القانون من مقارنة وضع الحضارة الإنسانية من قرن لآخر . فقصة الحضارة كلها عبارة عن مسرد لوقائع إرتقاء البشر من سكن الكهوف واقتصاد جمع القوت ، إلى اقتصاد إنتاج القوت بإقامة أولى المستوطنات الزراعية و تدجين الحيوانات ، إلى إقامة القرى و من ثم المدن و الدول و الإمبراطوريات . إذن التطور و النمو هو أول و أهم قانون يحكم تاريخ البشر ."
واضح للقراء الكرام أن نصي أعلاه يبين كون تطور المجتمع في أنتاج ضرورات العيش من جيل لآخر هو أول و أهم قانون للفهم الماركسي للتاريخ ، و النص يكرر إيراد ذلك مرتين . ثم يؤكده في نفس الورقة بعدئذٍ عندما يختتم بتكرار إيراده للمرة الثالثة : "لقد كان ماركس أول من قال بكون الحاجة لإنتاج مستلزمات العيش هي الأساس في فهم المجتمع البشري و التطور التاريخي ." طيب ، ما دام نصي أعلاه غير مبهم في إدراج القانون الأول للماركسية في فهم التاريخ ، فلماذا يزوّره الأستاذ نعيم إيليا باستبداله بصراع الطبقات ؟ السبب واضح : لا يستطيع لا الأستاذ نعيم إيليا ، و لا أي مخلوق آخر عاقل إنكار صحة فعل هذا القانون في التاريخ .
بعدها ، تبيِّن ورقتي علاقة فعل القانون العام أعلاه بظهور الصراع الطبقي : " و مثلما يتطور نشاط الإنسان في حقل إنتاج الخيرات المادية ، كذلك يتطور توجه الإنسان نحو إستغلال علاقته بما هو كائن حوله : إستغلال ليس فقط عناصر الطبيعة ، بل و كذلك استغلال الإنسان لأخيه الإنسان نفسه بإعتباره أثمن رأسمال . من هنا نشأت العبودية بتحويل دين الفقير للغني إلى استعباد الفقير للغني ، و كذلك إستعباد الرجال للنساء . و بسبب اشتداد حروب النهب ؛ و مع تطور وسائل استغلال القوي للضعيف عن طريق تسخير الإنسان لعمل أخيه الإنسان عبر إستعباده ، بدأ اشتغال القانون الثاني للتاريخ البشري : الصراع الطبقي من أجل إلغاء استغلال الإنسان لأخيه الإنسان . "
ثم تعزز ورقتي ذلك من جديد بالقول :
"أن هناك تقسيماً للعمل في الطبقات الإجتماعية يستند على طبيعة ملكية وسائل الإنتاج التي يستغل بموجبها بعض البشر قوة عمل بشر آخرين ، والمرتبطة بنمط الإنتاج الذي يتأسس على مستوى قوى الإنتاج . و تنتقل المجتمعات البشرية – حيثما سمحت علاقات الإنتاج السائدة بذلك – من مرحلة لأخرى عندما تستطيع الطبقة الأدنى الحلول محل الطبقة السائدة الأقدم عبر كسر القوقعة السياسية التي تكرس العلاقات القديمة للإنتاج على الساحة السياسية ، و أقامة منظومة فوقية بديلاً عنها . "
علماً بأن إعتبار إنتاج المستلزمات الضرورية للعيش هو القانون الأول للمادية التاريخية أمر معروف و متواتر في مختلف مؤلفات ماركس و إنجلز . ففي مقدمته لـ "أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة" (1884) مثلاً ، يقول لنا إنجلز " وفقاً للمفهوم المادي ، فان العامل المحدد الأساس في التاريخ هو – في التحليل النهائي – إنتاج و إعادة إنتاج الضرورات ألمعاشيه الأساسية للحياة . و لهذا العامل صفة مزدوجة . فمن ناحية فأنه يشتمل على أنتاج مستلزمات العيش كمواد المأكل و الملبس و المسكن و الأدوات الضرورية لذلك الإنتاج ، و هو من ناحية أخرى فأنه يشتمل على أنتاج البشر أنفسهم و تكاثرهم كنوع ."
يتضح مما سبق أن الأستاذ نعيم إيليا ينطلق في نقده للماركسية و لورقتي أنا من منطلق حذف ما لا يقوى على إنكارة (و ما سيعترف هو به رغماً عنه دون أن يدري مثلما سنكتشف بعدئذ) ، و تزييف محتوى ما يتوهم أنه يستطيع إنكاره . و هو يفعل ذلك بتنصيب نفسه المرجع الأعلى المعتمد ، و الأول و الأخير ، ليس فقط لأحكامه الإعتباطية ، بل و كذلك لمبادئ الفكر الذي ينقده ، بإعتباره ليس فقط الوكيل العام ألحصري للميراث الفكري لماركس و إنجلز ، بل و كذلك الناطق الرسمي لهما ، و الحامل الوحيد لمفاتيح تفسير نصوصهما . و إزاء مثل هذه المنهجية التحكمية و التزويرية الخارقة ، فلا يوجد هناك مكان للحوار البنّاء و المتمدن للإقتراب من فهم الحقيقة عبر إدراك إمكانية تعدد وجهات النظر إليها . النقد الموضوعي بالنسبة للسيد نعيم إيليا هو مجرد إقامة محكمة من محاكم التفتيش للقرون الوسطى يتقمص فيها هو دور الشرطي و المدعي و الحاكم البطل على طريقة : فيك الخصام و أنت الخصم و الحكم .
و لكي أضع الأمور في نصابها ، و لا يتحول الحوار إلى جدل بيزنطي بين ما يدعيه حسين علوان حسين ( و هذا هو إسمي الصحيح لمن لا يقبل لنفسه إغفال تمييز كل مكونات المسميات ، و ليس : حسين علوان أو علوان (فقط)) أنه كنه الماركسية ، و ما يزعمه الأستاذ نعيم إيليا في تزويره لها ، فلا مندوحة من الإحتكام لنصوص ماركس نفسه ، بعد أن تم الإحتكام لإنجلز ، لحسم الجدال .
في نص مقدمته للطبعة الأولى لكتابه "مساهمة في نقد الإقتصاد السياسي" (1859) ، يشرح لنا ماركس كيفية توصله للمفهوم المادي للتاريخ بالقول :
"كان أول عمل قمت به لتبديد الشكوك التي تنتابني هو إعادة التفحص النقدي لفلسفة هيجل للقانون ... و قد أدى بي بحثي إلى الإستنتاج بأنه لا العلاقات القانونية و لا الأشكال السياسية يمكن إستيعابها ، سواء بحد ذاتهما أم على أساس ما يعرف بالتطور العام للعقل البشري ، إلا بكونها تتأصل في الشروط المادية للحياة .. ؛ و أن فسلجة هذا المجتمع المدني يجب أن يتم البحث عنها في الإقتصاد السياسي ... و الإستنتاج العام – و الذي ما أن توصلت إليه حتى أصبح القاعدة الإسترشادية لدراساتي – يمكن تلخيصه بما يلي :
في الإنتاج الإجتماعي لمقومات وجودهم ، يدخل البشر بالضرورة في علاقات محددة مستقلة عن إرادتهم ، و تلك هي علاقات الإنتاج المناسبة للمرحلة المعطاة في تطور قواهم المادية للإنتاج . و من مجمل علاقات الإنتاج هذه تتألف البنية الإقتصادية للمجتمع ، و هي الأساس الحقيقي الذي يقوم عليه البناء الفوقي القانوني و السياسي و الذي تتناسب معه أشكال محددة من الوعي الاجتماعي .. "
و ينبغي لي أن أتوقف هنا عن الإستمرار بترجمة نص ماركس أعلاه ، لإيضاح نقطتين مهمتين لهما علاقة بتفنيد إستنتاجات الأستاذ نعيم إيليا :
أ‌. أن بحث ماركس – و معه كل من يريد أن يعتبر نفسه باحثاً ماركسياً – في المفهوم المادي للتاريخ ينطلق أساساً من الشك في جوهر المظاهر القائمة للمجتمع المدني ، و ليس من اليقين الديني بتلك المظاهر . أي أن الماركسية لا يجمعها جامع باللصقة الدينية التي عبثاً يحاول الأستاذ نعيم إيليا ترحيلها من الفكر الديني إلى نقيضه الفكر الماركسي . يقول لنا ماركس – و هذا هو قول كل باحث علمي – بأن اليقين (الإستنتاج) الذي إنتهى إليه بحثه العلمي لتبديد الشك في حقائق الأمور ليس سوى "القاعدة الإسترشادية" لما يليه من الدراسات ، و هو ليس ركناً دينياً واجب الإتباع على نحو أعمى . لماذا ؟ لأنه حيثما ينتهي الشك العلمي ، ينتهي العلم ؛ و حيثما يسود الشك العلمي ، تتلاشى الأديان ، و تتطور العلوم . و لهذا فأن ماركس يعتبر أن نقد الدين هو أهم و أول النقود ، و أن الشك العلمي في كل شيء هو أعظم مبدأ ؛ و ليس تحويل القواعد الإسترشادية للفهم المادي للتاريخ إلى دين مثلما يزعم الأستاذ نعيم إيليا . و الشك في البحث العلمي المسترشد بقواعد المنهج إنما هو الفضيلة بعينها ، و هو ليس "شبهة" مثلما يدعي الأستاذ نعيم إيليا . الشبهة الحقيقية تحوم حول من يسعى للصق التهم جزافاً بالآخرين مثلما فعل هتلر بالماركسيين من اليهود و غيرهم ليشويهم بعدها شياً ، و مثلما فعل البعثيون في مجازرهم ضد الشيوعيين العراقيين عام 1963، لينتهوا إلى تسليم البلد لقمة سائغة بيد المحتل الأجنبي . و كل ذلك لأن الماركسية تهتم بتغيير العالم عبر دراسته بعمق ، و لذلك فهي لا تكتفي بعكسه انعكاساً بسيطاً غير فعال لكونها تعتبر أن من واجبها حل معضلاته ، و إنهاء الإستغلال البشر للبشر باستشراف آفاق المستقبل .
ب‌. أن البشر لا خيار لهم في المجتمع سوى العمل المتواصل على تحويل موارد الطبيعة إلى وسائل لعيشهم للإيفاء بمتطلبات إنتاج مقومات وجودهم كمجتمع . و في الإنتاج الإجتماعي لمقومات وجودهم ، يدخل البشر حتماً في علاقات الإنتاج المستقلة عن إرادتهم و التي تتناسب مع مرحلة تطور قواهم المادية للإنتاج . و الأساس الحقيقي الذي يقوم عليه البناء الفوقي القانوني و السياسي للمجتمع و الذي تتناسب معه أشكال محددة من الوعي الاجتماعي هو مجمل علاقات الإنتاج التي تؤلف البنية الإقتصادية للمجتمع . ففي مجتمع المشاعية البدائية كان يتحتم على كل الأشخاص المؤهلين بدنياً العمل بشكل مشترك للحصول على الطعام ، في حين يشترك كل أفراد المجتمع بدون إستثناء في إستهلاك نتاج الصيد و جمع القوت . علاقات الإنتاج لهذا المجتمع هي شيوعية : لا وجود للملكية الخاصة باستثناء الملابس الشخصية و الممتلكات الشخصية المماثلة لأن المجتمع لا ينتج أي فائض بالنظر لاستهلاك المجتمع كل إنتاجه بسرعة . و الأشياء المستديمة الاستعمال مثل البيوت و الأدوات كانت ملكية جماعية . البناء الفوقي لعلاقات الإنتاج هذه قائم على الإعتراف بالحق المشترك للجميع في إستثمار الموارد الطبيعية ، و التساوي في العلاقات الإجتماعية ( لغياب الهرمية الإجتماعية) و غياب ثقافة الخضوع لسلطة الحكم لإنتفاء الحاجة إليها . و لسيادة الملكية الجماعية فلا ينقسم المجتمع إلى طبقات و لا وجود للصراع الطبقي . هذا ما يوضحه إنجلز في كتابه "أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة" . أين هو إذن كلام الأستاذ نعيم إيليا كون الصراع الطبقي هو القانون العام ألذي يؤمن به كل " الماركسيين على اختلاف مشاربهم ورؤاهم ومنازعهم، حتى إنك لا تجد بينهم واحداً ينبض في صدره شك فيها نبضة واحدة، ولا واحداً يختلج في عقله أن يبذل في التفكير فيها حُريرة واحدة ، بعد إذ أيقن أنها من البداهة ؛ وما كان بديهياً عنده ، فمن النفل التفكير فيه، أو تقليبه على وجوه أخرى مما يتعارض مع الوجه الذي رسخت صورته في ذهنه" ؟
أذا كان الصراع الطبقي أمراً بديهياً عند الماركسيين - مثلما يعلمنا الأستاذ نعيم إيليا - فلماذا يقول لنا ماركس في نفس مقدمته المشار إليها أعلاه بأن الشيوعية هي التي تضع النهاية للصراعات الإجتماعية ، و هي البداية لإنعتاق البشر لكون "علاقات الإنتاج البرجوازية هي آخر الأشكال التناحرية لسيرورة الإنتاج الأجتماعي – تناحرية ليست بمعنى التناحر بين الأفراد – و انما بفعل الشروط الإجتماعية لحياة الأفراد . و في نفس الوقت ، فان قوى الأنتاج التي تتطور في رحم المجتمع البرجوازي هي التي تخلق الشروط المادية لحل لذلك الصراع "؟
الملاحظة الثالثة للأستاذ نعيم إيليا
ومع أن الأستاذ علوان يقرّ بهذا في قوله - والتقويس مني -:" القانون الاجتماعي هو (تعميم) لتوجه إجمالي (عام) محكوم بشروطه الموضوعية و الذاتية. أي أن هذا التوجه العام مشترط التحقق بتحقق موجبات ظروفة". حيث يؤكد عمومية القانون الاجتماعي، فإنه سيظل مقيماً على وصف الحدث التاريخي (بالقانون) كما جاء لدى مؤسسي الماركسية. ولن يلمح الفرق بين القانون والحدث، ولن يراعي حقيقة أنّ القانون، فضلاً عن كونه عاماً، هو حتميٌّ. فإذا اقترن القانون الاجتماعي العام، بشرط "تحقق موجبات ظروفه" فإن صفة الحتمية، ستنتفي منه عندئذ. وتفسير ذلك أنَّ الحتمية تحمل شروط تحققها في ذاتها، ولا تحتاج إلى شروط خارجية، مثلها مثل قانون الجاذبية. وعلى هذا، فما دام (قانون) الصراع الطبقي، ليس حتمياً، فلا يصح أن يدعى قانوناً؛ لأنه لو كان كذلك حقاً؛ أي قانوناً عاماً حتمياً – كما تصوره الماركسية - لكان هو القانون الذي نقل المجتمع المشاعي – اللاطبقي – إلى المجتمع العبودي الذي وليه. إذ لا يصح أن يعمل القانون العام الحتمي في مرحلة، ويتعطل في مرحلة أخرى. إنّ الحاجة عند الإنسان مثلاً، قانون عام ثابت حتمي لا يتغير، كان منذ بدء الإنسان، وسيكون ما دام الإنسان حياً، فإن قيل بزواله في مرحلة ما من حياة الإنسان، عُدَّ القول نكتة تلقى على الأسماع للتفكه . وعلى هذا فإن قول مؤسسي الماركسية هنا في البيان الشيوعي، إذ يؤكدان بثقة مفرطة: "إن تاريخ أي مجتمع حتى الآن، ليس سوى تاريخ صراعات طبقية"!؟ يستوجب التعديل. وإلا فعلى الماركسيين - وبينهم الأستاذ علوان - أن يقيموا البرهان على صحة أن "تاريخ أي مجتمع" هو تاريخ صراعات طبقية؟ عليهم أن يبينوا كيف انتقل المجتمع البدائي، الذي لم يكن فيه لقانون الصراع الطبقي أي وجود، إلى مرحلة أرقى؟. لأنه، إذا كان الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى، قد تم من دون صراع طبقي، قضى ذلك بأنّ التطور الاجتماعي يحدث من دون صراع طبقي. كما عليهم أن يفسروا: لماذا خلت المجتمعات الأفريقية والأسترالية، والأمريكية قبل غزو الأوربيين لها، من قانون الصراع الطبقي؟ ما دام " تاريخ أي مجتمع حتى الآن، ليس سوى تاريخ صراعات طبقية".
وكيف يمكن أن يقرأ المرء تاريخ الامبراطوريتين الرومانية والفارسية وما كان بينهما من الحروب والتحولات، وليس فيه من الصراع الطبقي شيءٌ؟ وهل يصح الاعتقاد بأن الغزو الإسلامي العربي لمصر، كان تاريخ صراع طبقي؟وهل كانت الحرب الروسية التركية، صراعاً طبقياً؟بل هل كانت ثورة أوكتوبر، وانقلابها على الأحزاب الديمقراطية والأحزاب العمالية، التي تولَّت قيادة المجتمع الروسي عقب ثورة شباط وسقوط القيصرية ، طبقية حقاً ؟ وهل يمكن أن تنتقل أوروبا (بقانون) الصراع الطبقي، إلى الشيوعية؟ فإذا كان انتقال أوروبا ممكناً من دون صراع طبقي، فما معنى قول الأستاذ حسين علوان: "فقد كان ماركس و إنجلز شديدي التوكيد على أن مفهومهما هذا إنما يقترح دليل عمل في البحث التاريخي ، و ليس نظرية إسمية للتاريخ ، ولا فلسفة عظمى للتاريخ ، ناهيك عن زعم تقديم المفتاح العام للتاريخ"؟
أليس مؤسسا الماركسية "قدَّما المفتاح العام للتاريخ"؛ الذي هو صراع الطبقات كما جاء في البيان؟!
إنها أسئلة كثيرة تتحدى الماركسيَّ ذا "النظرية العلمية!" وتعترض عقله، ولكنه - مع الأسف - لا يكترث لها ولا يبالي بها؛ لأنه في شغل عنها بالسلطة، وبالحلم اللذيذ بجنةٍ لا شوك فيها.
ولا أعلم سبباً أغوى الأستاذ رعد الحافظ، وهو الكلف بالقيم الحضارية الجديدة، أن يظهر إعجابه بقول الأستاذ علوان: "وفي العديد من المناسبات فقد عبر ماركس و إنجلز عن شديد انزعاجهما من أولئك الأكاديميين الذين يحولون معارفهم المجتزأة و القاصرة عن التاريخ إلى منظومة فكرية متعالية تروم شرح كل شيء في التاريخ ، أو ممن يستخدمون وجهة النظر المادية للتاريخ ذريعة لعدم التعمق في دراسة أدق دقائق التاريخ" إلا أن يكون سوء الفهم الناتج عن استرخاء الذهن والشرود في زمن القراءة. فإن الكاتب إنما أراد أنّ الحقيقة وقف محبوس على ماركس وإنغلز، و ملك محتكر منهما، لا حقّ لغيرهما بالتصرف فيه.
إستجابتي لملاحظة الأستاذ نعيم إيليا
يمكن تحليل النص أعلاه إلى النقاط التالية :
1. بخصوص وجوب قيام الماركسيين بتعديل جملة "إن تاريخ أي مجتمع حتى الآن، ليس سوى تاريخ صراعات طبقية" ، فقد سبق لأنجلز و أن تكفل بهذا مثلما مر بنا في إستجابتي للملاحظة الأولى للأستاذ نعيم إيليا وذلك منذ عام 1888، أي قبل أكثر من مائة و عشرين سنة . و لو كان الأستاذ نعيم إيليا قد إختار قراءة كل نص البيان الشيوعي بلا حذف لهوامشه لوَفَّر على نفسه الحرج جراء بناء نظريات على قاعدة الجهل بالحقائق التاريخية ، باعتباره يعلم علم اليقين بأن الجهل ليس حجة .
2. بخصوص صراع الإمبراطوريات القديمة و تساقطها ، بودي إيضاح ما يلي : لقد شهد تاريخ البشرية و يشهد مجموعة مفتوحة (open set) من مختلف أنواع الصراعات : هناك الصراع القومي و الصراع الديني و العرقي سواء منه الأهلي أو العابر للحدود ، و الصراع لإحتلال و ضم المزيد من الأراضي و البلدان لنهب ثرواتها و شعوبها و الاستحواذ على المزيد من العبيد أو قوة العمل الرخيصة ، و هناك الصراع على الحدود ، و الصراع لكسب النفوذ السياسي – الإقتصادي ، و الصراع للهيمنة على أسواق العالم و الموارد الطبيعية فوق الأرض و تحتها و في الفضاء و تحت البحار، علاوة على صراع الإرادات ، و الصراع لتدمير أو إخضاع أقوى المنافسين دولاً و جماعات لضمان السيطرة و استمرار الوجود ، و هناك الصراعات التحررية و الاستقلالية ، ووو الخ ، علاوة على الصراع الطبقي . هذه الصراعات – و غيرها – يعرف أنواعها و أسبابها كل دارس مجتهد للتاريخ . أما ميزة الماركسية الفريدة هنا فهي بصيرتها النفاذة بكون غالبية تلك الصراعات إنما تحركها المصالح الإقتصادية الطافية أو الغاطسة . و لهذا السبب نجد أن ماركس و إنجلز يوجبان معرفة أدق دقائق التاريخ و الغوص في أعماقه قبل تسطير التنظيرات المتشامخة .
3. بخصوص قول الإستاذ نعيم أيليا : "فإذا اقترن القانون الاجتماعي العام، بشرط "تحقق موجبات ظروفه" فإن صفة الحتمية، ستنتفي منه عندئذ. وتفسير ذلك أنَّ الحتمية تحمل شروط تحققها في ذاتها، ولا تحتاج إلى شروط خارجية، مثلها مثل قانون الجاذبية. وعلى هذا، فما دام (قانون) الصراع الطبقي، ليس حتمياً، فلا يصح أن يدعى قانوناً؛ لأنه لو كان كذلك حقاً؛ أي قانوناً عاماً حتمياً – كما تصوره الماركسية - لكان هو القانون الذي نقل المجتمع المشاعي – اللاطبقي – إلى المجتمع العبودي الذي وليه. إذ لا يصح أن يعمل القانون العام الحتمي في مرحلة، ويتعطل في مرحلة أخرى. إنّ الحاجة عند الإنسان مثلاً، قانون عام ثابت حتمي لا يتغير، كان منذ بدء الإنسان، وسيكون ما دام الإنسان حياً، فإن قيل بزواله في مرحلة ما من حياة الإنسان، عُدَّ القول نكتة تلقى على الأسماع للتفكه ." أقول ما يلي :
• لكل قانون عام شروطه اللازمة للتحقق ، ولذلك فإنه لا يتحقق متى ما إنتفت تلك الشروط . و حتمية القانون ترتبط كذلك بموجبات تحققه . هذه الحقيقة البسيطة يعرفها طلاب المتوسطة و لا تفيد هنا اللجاجة المتمنطقة بشيء . مثال : الجسم الطائف يفقد من وزنه بقدر وزن السائل الذي يزيحه . قانون أرخميدس هذا يتطلب تحققه و حتميته توفر الشروط الأدناه : 1. وجود جسم ، 2. وجود سائل (مائع ، غاز)، 3. وضع هذا الجسم (1) في السائل (2). و في حالة غياب أي واحد من الشروط أعلاه ، فستنتهي مفعوليته ، و معها تنتفي حتمية القانون . مثال ثان : لكل فعل رد فعل يساويه في المقدار و يعاكسه في الإتجاه . شرط تحقق هذا القانون وجود الفعل الفيزياوي ، و بعكسه لا يوجد و لا يحصل رد فعل ، و لا من يحزنون . و مثل ذلك ، فان قانون الجاذبية - الذي يخص وجود قوة الجذب بين كل الكتل في الكون - لا يشتغل في حالة عدم وجود الكتل أو الأجسام ، و عندها لا يمكننا الحديث عن وجود قوة الجاذبية ، بله حتميتها .
• و بخصوص قول الأستاذ نعيم أيليا بـ "إنّ الحاجة عند الإنسان مثلاً، قانون عام ثابت حتمي لا يتغير، كان منذ بدء الإنسان، وسيكون ما دام الإنسان حياً، فإن قيل بزواله في مرحلة ما من حياة الإنسان، عُدَّ القول نكتة تلقى على الأسماع للتفكه " ، أقول : حسناً فعل الأستاذ نعيم أيليا باعترافه أخيراُ – و بعظمة لسانه دون أن يدري - بقانون حاجة البشر للغذاء و المأكل و الملبس ، و هو أول قوانين المفهوم المادي للتاريخ . الآن حصحص الحق ! و الشرط الموجب الوحيد لإشتغال هذا القانون هو وجود البشر ، و لهذا فانه لم يكن نافذ المفعول قبل وجود البشر على وجه الأرض ، و سينتهي مفعوله عند انقراض البشر من على الأرض ، و هو غير نافذ المفعول في الكواكب غير المأهولة بالبشر ؛ و تلك نكتة جدلية لطيفة !
• و أخيراً ، و بخصوص الزعم بكون "الحقيقة وقف محبوس على ماركس وإنغلز، و ملك محتكر منهما، لا حقّ لغيرهما بالتصرف فيه " ، أؤكد لأخي العزيز الأستاذ نعيم إيليا بأن الماركسية لا تقدم سوى "شذرات" من الحقيقة . فإن كانت تلك الشذرات لامعة و قوية كالألماس ، إلا أن إشراق لألائها بحاجة للإغتناء باستمرار بضياء كل الجواهر الكثيرة و المتنوعة الأخرى للحقيقة مهما كان مصدرها .



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موجز لقوانين التاريخ : جواب محدد لسؤال محدد للأستاذ الفاضل ر ...
- الإمام العباس و أمين الصندوق صالح إبراهيم
- علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات ...
- علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات ...
- علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات ...
- خرافة دحض الماركسية العلمية / رد على الأخ الكبير الأستاذ يعق ...
- الكلبة -سليمة كُرْفَتِچْ- و البغل -خوشْطَرِشْ-
- النص الكامل لمسرحية -عرس واوية- : ذرة من وقائع كل إنتخابات ع ...
- نص مسرحية -معمعة العميان-
- مساء عراقي ساخن : كل شيء عادي كالعادة
- فضيحة الثعلبان -چيق- و -چاق- و الضبع -ورين-
- الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /8 ، و هو ال ...
- الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /7
- الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /6
- الدكتور محمد مهدي البصير / الشخصية الحلية الفذة
- الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /5
- الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /4
- الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /3
- الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /2
- الصراع في ملحمة كلكامش : قراءة في جدلية الملحمة /1


المزيد.....




- لقاء مع عدد من الناشطات والناشطين العماليين في العراق بمناسب ...
- صادق خان يفوز بولاية ثالثة لرئاسة بلدية لندن.. ويعزز انتصار ...
- الختان، قضية نسوية!
- جرائم الشرف، كوسيلة للإدامة بالأنظمة الإسلامية القومية في ال ...
- الرئيس السوري يؤكد أهمية المحاسبة داخل حزب البعث العربي الاش ...
- التصور المادي للإبداع في الادب والفن
- حوار مع العاملة زينب كامل
- شاهد كيف رد السيناتور بيرني ساندرز على انتقاد نتنياهو لمظاهر ...
- وثائق: تأييد عبد الناصر لفلسطينيي غزة أزعج بريطانيا أكثر من ...
- شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسين علوان حسين - دفاعاً عن المفهوم المادي للتاريخ : الأستاذ نعيم إيليا متمنطقاً داخل شراك اللجاجة