أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - رجع الوجع / رواية بحلقات / 3















المزيد.....

رجع الوجع / رواية بحلقات / 3


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 3499 - 2011 / 9 / 27 - 19:51
المحور: الادب والفن
    


حالما يخرج حسن ، يتفكر ميثم بجسده و بوضعه . كانت ألهبة الوجع ألممض تستعر مشعةً من كل بقعة في جسده ، و خصوصاً رأسه و بطنه . يحس برأسه و كأنه يريد أن ينشطر شطرين : شطر متجمد ، و شطر متجمّر ؛ شطر يفور ، و شطر يخور ؛ شطر غضوب ، و الثاني طروب ؛ و كلا الشطرين يكبر بإستمرار ، يريد إزاحة توأمه . هل يمكن أن ينتهي به الأمر بأن يصبح رجلاً برأسين متلاصقين يشبهان نصفي قوسي قلب الحب ؟ إن حصل هذا فسيصبح فرجة للناس أجمعين ، و لن يستطيع أي لباس للرأس أن يغطي سوأته . و لكن ، هل سيستطيع أن يخترع نوعاً جديداً من القبعات بقبتين ، و بإطار عريض جداً ، فيكتب على القبة الأولى : أمة عربية واحدة ، و على القبة الثانية : ذات رسالة خالدة ، و يسطر أسماء الرئيس الحسنى التسعة و التسعين على الإطار ؟ سيتجمهر حوله الناس ، و يصفقون له ، و تتناقل الصحف و محطة الإذاعة و التلفاز إختراعه الجميل هذا ، و سيقابله الرئيس ، و يأمر : أعطوه مائة مليون دينار ، و سيارة الشهداء : كورونا موديل 82 ! و لكنه سيرفض قبول كل هدية ! نعم ، بالتأكيد ! سيقول للرئيس : لا أريد سوى طرد عبد الله الدليمي من سلك جهاز الأمن ! نعم ! و سيقول له : أرجوك أن لا تعاقبه جسدياً ، و أن لا تسجنه ، فهو رب عائلة . فقط أطرده من سلك جهاز الأمن ! أنقله من مديرية أمن الحلة إلى مديرية البلدية ليشتغل مديراً للزبالة هناك ! و لا بد أنه سينجح في هذه الوظيفة أيّما نجاح ، مثلما حصل في يوم ملحمة تنظيف السمك أمام داره ، و كنس كل مخلفاته : فقد تم تنظيف كل شيء ؛ و حتى التراب أزيل ، و ظهر طين الأرض الأحمر الحر . كل هذا يؤكد أن الكناسة هي الوظيفة المناسبة له ، و ليس وظيفة حفظ الأمن و النظام . و لا بأس لو يعين أبنه وليد مساعداً متدرباً لديه ، فيتولى عنه مهمة قرع رؤوس الزبّالين بالأوامر المضحكة : أرفع كيس الزبالة المتهرئ هذا من هنا ، و ضعه في بطن الحاوية هناك لكيلا تتناثر الزبالة منه من جديد ! يرفع العامل الكيس الضخم ، و يمشي به بسرعة نحو الحاوية ، فينفلق الكيس ، و تندلق الزبالة ، لتطرز طول الطريق ! هاهاها ! آخ ، رأسي ! ما هذه المطارق من أطنان الفولاذ التي تقرع على أم رأسي ؟ ها ؟ من أين تأتي ؟ يحرك رأسه للخلف ليرى أن كانت هناك مطارق معلقة فوقه تتحرك صاعدة نازلة مثل مكابس المحرك . يزداد وجع رأسه ، و يتضافر معه وجع عنقه المتيبس . لا توجد ماكنة للطرق فوق رأسه ! لا شيء غير السقف الصحراوي الكامد المليء ببيوت العناكب . و لكن ما خطب معدته التي تحرقه حرقاً جهنمياً كأن فيها مرجل لصهر الزجاج ؟ هل هي الأخرى مكسورة مثل جمجمته ؟ تمنى لو أن الطبيب موجود الآن ليطلب منه إستئصال معدته فوراً ، و ليكن ما يكون . و صدره ، أنه يحكه من الداخل و الخارج حكاً لا يبريه غير مبرد السكاكين . كيف أحكه و يداي المجبَّستين مغلولتان ؟ و مشط قدمي المهشم ؟ هل سأستطيع يوماً العدو ، و لعب كرة القدم ، و خداع المدافعين ، و تحويل كل تسديدة نحو المرمى إلى هدف محقق ؟ آه منك يا أبا الوليد ! كم أنت حقير ! كيف أصبحت ضابط أمن ، و أنت تعمل كل شيء لضمان تدمير الأمن الإجتماعي ، و ليس استتبابه ؟ يا ليتني مت قبل أن أرى وجهك العكر أنت و أبنك ، فلا أشهد كل هذا الوجع و الدمار الرهيب ! ولكن ، كيف يتسنى لي أن أتظاهر بالغياب عن الوعي طيلة يوم ونصف يوم و أنا جائع و عطشان و ملتاع و يغريني الأنين ؟ إمتحان درس الأحياء ! آههههـ ! كم إمتحان فاتني ، و سيفوتني ، بعد هذا المصاب ؟ هل سيتسنى أبداً لي العودة للمدرسة يوماً ، و حصد الخيارة و التمرتين في كل الدروس مثلما تفعل مريم ؟ الوداع يا مدرستي الحبيبة ! الوداع يا ملاعب كرة القدم ! أيييهأو-ووهههعأهأييأوو !
يدخل حسن حاملاً طاسة الماء .
- أرجوك ، لا تبك ! الوقت يداهمنا ، و ليس هذا أوان البكاء !
- هعئهئييئيهع ! إيييهئييهههع ! لقد تحطمت حياتي ! إييييهع ! و إنتهى مستقبلي كله ! إييييهع !
- لا حول و لا قوة إلا بالله . أخي : هل تريد أن تحقق كل أحلامك ؟
- يا ليت ! إيييي ، عهئهع .
- أذن كن رجلاً ، و أقلع عن البكاء غير المفيد ، أولاً ، ثم إصمد ليوم و نصف يوم فقط ، ثانياً ، و بعدها تربح الدنيا كلها ، فتحقق آمالك أجمعين . يوم و نصف يوم فقط ! هل هذا كثير عليك ، و أنت البطل ؟
- و لكن جسمي يؤلمني في كل شبر منه ، و رأسي يكاد ينفجر ، و أريد الصراخ بأعلى صوتي و أنا أركض مسابقاً السيارات في الشوارع !
- هذا شعور طبيعي ، و هو في صالحك ، لكونه يبين أن كل أجهزة جسمك قد بدأت تشتغل حسب الأصول . و أهم شيء هو أن دماغك صاحٍ و الحمد لله . أما الألم ، فأمره مقدور عليه : سأضع لك منوماً في زجاجة المغذي ، و ستنام على الأقل كل نهار اليوم ، و الباقي عليك ! إتفقنا ؟
- إتفقنا ! لقد فرجت عن كربي ! رحم الله والديك .
- و والديك ! صر سبعاً ! إتفقنا ؟
- إتفقنا .
- تصرّف في كل شيء و كأنك ميت . أو بالأحرى ، إجمد تماماً . لا ترمش جفنيك ، و أن لمسك أو ضربك أحد في أي موضع ، كل ما عليك فعله هو أن تعتبر ذلك الموضع خشبة ميتة ، و لا تبال بكل ما يحصل ، إتفقنا ؟
- إتفقنا !

عندما يصحو ميثم من تأثير المنوم ليلة نفس اليوم ، يبقي عينيه مغمضتين . فيسمع شخصاً في غرفته يسأل شخصاً آخر :
- دكتور ، متى سيصحو هذا المجرم الخطير ؟ ها ؟ لقد مضى عليه أربعة عشر يوماً دون أن يصحوا !
- أؤكد لك يا أستاذ بأن علم الطب لا يملك الإجابة الأكيدة عن سؤال من هذا النوع !
- و لكنه مجرم خطير ، و لديه معلومات لا تقدر بثمن عن مؤامرة كبرى على حياة الرئيس القائد صدام حسين ، حفظه الله و رعاه ، و يجب أن يصحو حالاً كي نكتشف خيوط كل هذه المؤامرة ! لماذا لا تعطيه دواءً قوي المفعول يجعله يصحو بسرعة ، ها ؟
- أؤكد لك بأننا قد أعطيناه كل الأدوية المعروفة في العالم كي يعود إلى وعيه ، و لكن دون فائدة ، على الأقل لحد الآن . هذا المريض مصاب بنزيف حاد في المخ ، و هو الأمر الذي اضطرنا لفتح جمجمته لتخفيف الضغط على الدماغ و النخاع ألشوكي . و مثل هذا النزيف لا يمكن أبداً التكهن بتأثيراته على الدماغ .
- و المقصود ؟
- المقصود هو أنه يمكن أن لا يستيقظ مطلقاً .
- لا ! لا ! هذا أمر خطير ؛ نعم ، خطير جداً ؛ و قد يتسبب في عواقب وخيمة على أمن الحزب و الثورة و حياة الرئيس القائد صدام حسين ، حفظه الله و رعاه ! لا ، لا ! لا يجوز أبداً أن لا يصحو يا دكتور ! هذه جريمة ضد الأمن القطري و القومي !
- هذا الكلام لا يقال لي أنا ، أستاذنا الفاضل ، بل يجب أن يقال لمن هشَّم جمجمة هذا الشخص الخطير ، و تسبب في غيبوبته ، فارتكب بذلك - مثلما تقول - الجريمة ضد الأمن القطري و القومي .
- و لكن ذلك لم يحصل ألا دفاعاً عن النفس ! فلولا قيام الشباب الثوريين النجباء بتكسير جمجمته في الوقت المناسب لكنت في عداد الموتى الآن !
- نحمد الله على سلامتكم ، أستاذنا الفاضل !
- طيب ، ما هو تقييمكم للوضع العام لهذا المجرم ؟ هل هناك أمل في أن يصحو في وقت قريب ؟
- حالياً ، المريض هو في حالة غيبوبة سريرية . هل تعرف ما معنى حالة ألغيبوبة ألسريرية للإنسان ؟
- و لكن أنظر إليه جيداً يا دكتور : أنه يتنفس ! كما أن الكيس هذا مملوء بالبول ! إنه حي و ليس ميتاً ، و نحن نريده حياً كي نستطيع انتزاع المعلومات الأمنية الحساسة منه ، و بدون تأخير !
- أستاذ ، المقصود بالغيبوبة السريرية هو غياب الوعي و القدرة على الإحساس و التفكير لدى المريض لمدة تزيد على ست ساعات ؛ مع استمرار عمل كل الأجهزة الحيوية الأخرى في الجسم : جهاز الدوران يشتغل ، و الجهاز التنفسي يشتغل ، و الجهاز الهضمي يشتغل ، و الجهاز البولي ، و الكبد أيضاً . في بعض الأحيان ، تستمر هذه الحالة لشهرين أو لثلاثة شهور قبل أن يعود الوعي التام للمريض . و قد لا يعود إلى وعيه مطلقاً ، فيصبح في حكم الميت سريرياً . أحياناً يستيقظ المريض من الغيبوبة ، و لكنه يصبح في حالة يقظة إغمائية : المريض يفتح عينيه ، و لكن عقله لا يستعيد وظيفته الإدراكية . أحياناً يصاب المريض بفقدان الذاكرة ، أو بفقدان القدرة على الكلام ، أو بالشلل الكلي أو الجزئي . كل شيء جائز عندما يصاب الإنسان في دماغه إصابة بليغة مثل هذه التي تعرض لها هذا المريض !
- أراك متعاطفاً مع هذا المجرم ! لم كل هذا التعاطف ، و هو مجرم خطير ؟
- تسمح لي بسؤال رجاءً ، أستاذ ؟
- إسأل !
- ما هو واجب الطبيب ؟
- أحم ! واجب الطبيب هو طبعاً معالجة مرضاه !
- ممتاز ! و كيف يستطيع الطبيب معالجة مرضاه ؟
- معلوم كيف : بالتشخيص الصحيح للمرض .
- عظيم ، ها قد قلتها بعظمة لسانك : التشخيص الصحيح للمرض ، و مرض هذا المريض – عدا الكسور الأخرى – هو إصابته البليغة في الدماغ .
- ثم ماذا ؟
- و عليه فأن عملية تشخيص حالة المريض تقع في الصميم من واجب الطبيب ، وهي ليست تعاطفاً أو غير تعاطف . التشخيص مسألة علمية لا علاقة لها بالعواطف . بالنسبة لك : هذا الرجل مجرم خطير ينبغي التحقيق معه لإنتزاع المعلومات الخطيرة منه حفاظاً على الأمن . بالنسبة لي : هذا الشخص مريض مصاب بالغيبوبة و يجب إعادة الوعي إليه . و مثلما ترى ، فان هدفينا متكاملان لأن كلانا يروم إعادة الوعي إليه !
- أحسنت يا دكتور ! و لكن كيف يمكنك أن تتأكد يا دكتور من كون هذه الحالة هي فعلاً حالة إغماء ، و ليست حالة تمثيل ؟
- سهل هذا . ست جنان !
- نعم ، دكتور !
- أخرجي محقنة جديدة !
- حاضر ، دكتور !
- أفتحي كيس المحقنة ، دون أن تلمسي سوى المكبس ، لطفاً . أنت تعرفين كيف !
- هكذا ، دكتور ؟
- ممتاز !
- شُف ، أستاذ ، من أعراض الغيبوبة السريرية هي عدم إحساس المريض بالألم . تعال ننتقل الآن عند القدم غير المكسورة للمريض . أنظر هذا الكعب ؟
- نعم !
- ستقوم الممرضة ست جنان بغرز إبرة المحقنة هنا ، و ستجد أن المريض لا يستجيب للغرزة المؤلمة !
- و كيف تعرف أنه لا يستجيب ؟
- نعرف ذلك عندما لا تحصل لديه أية ردة فعل عصبية ، أو حركية ، مثل: انقباض أصابع القدم ، أو سحب القدم عن الإبرة ، أو التفوه بكلمة تدل على الإحساس بالألم . ست جنان : إغرزي الإبرة هنا ، لطفاً . جيد . أنظر : لا توجد أي ردة فعل ! مرة ثانية ، ست جنان !
- جيد . شكراً ، ست جنان ! هل رأيت يا أستاذ : لقد تسببت الإبرة في ثقب جلد المريض في موضعين ، و في تدفق الدم منهما ، دون حصول أية ردة فعل لديه ! لم تتحرك أصابعه ، و لا سحب رجله ، و لا عاط . هل تأكدت من ذلك بنفسك ؟
- نعم !
- هذا يؤكد أن جهازه الحسي لا يشتغل ، و كذلك جهازه الحركي !
- نعم ، نعم !
- أذن هذا المريض يعاني من حالة غيبوبة حقيقية ، و لا يوجد هناك تمثيل ، و لا من يحزنون !
- ست جنان !
- نعم ، دكتور.
- ضمّدي الجرح ، لطفاً .
- حاضر ، دكتور .
- طيب ، دكتور ، هل أستطيع أن أطلب منك طلباً شخصياً بحكم معزَّتي التي أعرفها لديك ؟
- تفضل ، أستاذ !
- هل ترى أنفي هذا ؟
- نعم . دعني أرى : أنه متورم قليلاً ، و فيه الكثير من الجروح .
- هذه هي عضّة إبن النغل الغائب عن الوعي هذا !
- صحيح ؟ أنها عضّة رهيبة !
- ها أنت قد رأيت بأم عينيك ، و قلتها بعظمة لسانك ! كل الذي أريده منك الآن هو أن تسمح لي بأن أعضّه من أنفه بمثل عضّته لي !
- هاهاهاها !
- و لماذا تضحك ؟
- هاهاها ! لا بد انك تمزح !
- و هل هذا هو وقت المزاح ؟
- هل تقصد أنك تعني فعلاً ما تقول ؟
- نعم بالتأكيد ! فالعين بالعين ، و السن بالسن !
- ألم تتأكد الآن بنفسك من كون المريض فاقد الإحساس بالألم ؟
- نعم !
- طيب ، فما هي المنفعة التي تجنيها من عض أنفه ، و هو غائب عن الوعي ، و فاقد الإحساس بالألم ؟
- أفش غلّي !
- طيب ، أستاذ ، أنظر إلى المريض : هل هو يتنفس من فمه ، أم من أنفه ؟
- أن فمه مغلق !
- أحسنت يا أستاذ ! و هذا يعني أن عضّتك لأنفه ، و هو في هذه الحالة ، ستقتله خنقاً !
- أرجوك ! عضّة واحدة فقط ، و أعدك أنني لن أنتزع اللحم ، و لن أطيل العض كي لا يختنق !
- ألم تقل لي بأن يقظة هذا المريض من صحوته هي أمر حيوي للكشف عن المؤامرة الخطيرة المدبرة ضد حياة الرئيس القائد صدام حسين ، حفظه الله و رعاه ؟
- نعم ، نعم ، بالتأكيد !
- وانه لا يجوز أبداً أن لا يصحو هذا المريض لأن هذه هي جريمة ضد الأمن القطري و القومي !
- نعم !
- فلماذا تريد قتله بمنعه عن التنفس ، و ارتكاب جريمة ضد الأمن القومي و القطري ؟
- لا ، لا ، دكتور ! يبدو أنك لم تفهمني جيداً ! قصدي هو مجرد عضّة سريعة ، و بدون نهش اللحم !
- و لكن مثل هذه العضّة ستتسبب في تورم أنفه ، و ربما في إختناقه !
- لا ، لا ، دكتور ! عضّة واحدة للأنف لا تميت ! أرجوك ، لا تهوِّل المسألة !
- أستاذ ، ممكن أن تقول لي أين نحن الآن ؟
- في المستشفى ، طبعاً !
- و ما هو واجب هذه المؤسسة الصحية ، أستاذ ؟
- واجبها هو ، طبعاً ، معالجة المرضى !
- و أنا أثنّي على قولك : المستشفى هو المكان الذي يجب فيه معالجة المرضى ، و ليس قتلهم ، و لا الإنتقام منهم ! المستشفى ليست مكاناً لتصفية الحسابات الشخصية ، و لا صالة لتنفيذ أحكام الإعدام ؛ أليس كذلك أستاذ ؟
- نعم ، و لكن –
- كل إصابات هذا المريض موثقة في هذه الطبلة منذ أول ساعة إدخاله للمستشفى ، و ليس من ضمنها و جود آثار عضة بشرية في الأنف . فإذا حل الصباح و سألني مدير المستشفى – باعتباري الطبيب الخفر للقاطع الخاص – عن المتسبب في هذه الإصابة الجديدة ، فهل تقبل أن أصرح له بإسمك ؟
- ها قد عدت إلى سوء الفهم ذاته . يبدو أنك قد أخذت مزاحي الأخوي بمحمل الجد ! لقد كنت أمزح معك فحسب ، و أختبر مدى ولاءك للحزب و الثورة ، ليس إلا !
- الحمد لله ! و ما هي نتيجة هذا الإختبار ؟
- ممتاز ، دكتور ! إن لديك حساً أمنياً تحسد عليه ! بالمناسبة دكتور ، أنا أشكو منذ زمن طويل من - تكرم أنت - وجع الخصيتين . هل يمكنك أن تكشف عليَّ الآن بشك مستعجل ، و لو أن الوقت متأخر ، و الساعة تقترب من منتصف الليل ؟
- تؤمر أستاذ . اخلع بنطلونك و لباسك الداخلي ، ثم أجلس على هذا الكرسي ، لطفاً . نعم ، جيد ! إفتح فخذيك تماماً ، و أرفع قضيبك إلى الأعلى كي أتفحص خصيتيك ! جيد ! أين الألم ؟ هنا ؟
- نعم ، دكتور .
- و هل لديك ألم هنا أيضاً ؟
- نعم ، هنا أشده .
- منذ متى و أنت تحس به ؟
- منذ زمان بعيد ، و لكنني أغالبه بإصرار و عزيمة !
- بالضبط ، منذ متى ؟
- منذ أن كنت في الحادية أو الثانية عشر من العمر !
- هل أنت متزوج ؟
- نعم !
- و ليس لديك أبناء ، بالتأكيد ؟
- كلا ، كلا ! لدي ولد واحد : وليد ! كما أن زوجتي قد سبق لها و أن أسقطت ثلاثة أجنة أخرى !
- و كم هو عُمْر ابنك و ليد ؟
- سبعة عشر عاماً .
- و هل راجعت الطبيب من قبل بهذا الخصوص ؟
- كلا !
- و لماذا لم تراجع الطبيب من قبل ؟
- أنها مشاغل الحفاظ على أمن الحزب و الثورة أربعاً و عشرين ساعة باليوم !
- مفهوم . إرتدي ملابسك ، لطفاً .
- شكراً ، دكتور . و الآن ، ما هو رأيك ؟
- لديك خصيتان مهاجرتان منذ الولادة !
- أين هاجرتا ؟
- إلى التجويف السفلي للبطن !
- ألا يمكن إعادتهما إلى مكانهما الآن ؟
- كم هو عمرك ؟
- خمس و أربعون سنة !
- يمكن ، و لكن مثل هذه العملية لن تفيدك بشيء الآن . في مثل هذا العمر تكون الخصيتان قد ضمرتا ، و انتهتا وظيفياً ! لقد كان ينبغي على والديك إجراء هذه العملية لك قبل سن البلوغ ! لقد فات الوقت الآن !
- و لكن ألا يوجد دواء يخفف الألم ؟
- يوجد بالتأكيد . ست جنان : إعط للأستاذ شريطاً من كبسول الپونستان ، لطفاً .
- حاضر ، دكتور ! تفضل أستاذ !
- و كم كبسولة آخذ ؟
- واحدة ، ثلاث مرات يومياً ، بعد الأكل !
- و لكن هذا الشريط لن يكفيني أكثر من ثلاثة أيام !
- ست جنان ، كم شريطاً بقي لديك ، لطفاً ؟
- شريطين فقط !
- سلميهما للأستاذ .
- حاضر . تفضل ، أستاذ !
- هل أنت واثق من عدم وجود آثار جانبية خطيرة لهذا العقار ؟
- واثق كل الثقة ، أستاذ !
- طيب ، نأخذه و نرى ، و أمرنا إلى الله !
- اطمئن ، أستاذ . هذا أحسن دواء ! و أنا المسؤول عنه !
- أنا مضطر الآن للخروج ! هل ستبقيان هنا ، أم ستخرجان معي ؟
- سنبقى هنا لبعض الوقت ، لو سمحت ! ينبغي لنا تبديل زجاجة المغذي الفارغة بأخرى ، و إعطاء المريض جرعته من الأدوية الليلية ، و أخذ عينات من دمه للفحص ألمختبري ، و استخدام ماكنة الصَكَرْ لسحب البلغم المتجمع من صدره ، و قياس درجة حرارته ، و درجة تحسسه ، و استبدال كيس البول ؛ و هذه تأخذ بعض الوقت .
- طيب ، أنا خارج الآن !
- رافقتك السلامة ، أستاذ !
يتبع / لطفاً !



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجع الوجع / رواية بحلقات / 2
- رجع الوجع / رواية بحلقات
- كتاب الدرر البهية في حِكَمْ الإمبريالية الأمريكية
- رسالة من طفل عراقي إلى الرئيس بوش
- ملاحظات شخصية في الترجمة
- الحدّاد و القوّاد
- سيّد خوصة : المناضل سابقاً و المجاهد لاحقاً
- آخر أحكام رب العالمين في أهل العراق
- من أخبار شيخ الشط
- قوانين التاريخ و جرائم الرأسمالية : أجوبة للأستاذ الفاضل رعد ...
- قوانين التاريخ ، و جرائم الرأسمالية وقادة الأحزاب الإشتراكية ...
- دفاعاً عن المفهوم المادي للتاريخ : الأستاذ نعيم إيليا متمنطق ...
- موجز لقوانين التاريخ : جواب محدد لسؤال محدد للأستاذ الفاضل ر ...
- الإمام العباس و أمين الصندوق صالح إبراهيم
- علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات ...
- علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات ...
- علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات ...
- خرافة دحض الماركسية العلمية / رد على الأخ الكبير الأستاذ يعق ...
- الكلبة -سليمة كُرْفَتِچْ- و البغل -خوشْطَرِشْ-
- النص الكامل لمسرحية -عرس واوية- : ذرة من وقائع كل إنتخابات ع ...


المزيد.....




- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - رجع الوجع / رواية بحلقات / 3