سهر العامري
الحوار المتمدن-العدد: 923 - 2004 / 8 / 12 - 09:56
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
يبدو أن الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث التي يرأسها الدكتور أحمد الجلبي ، والتي لها فروع في محافظات العراق الأخرى ، في طريقها الى الموت ، فقد حملت اخبار مؤكدة من أنه بوشر في أخلاء مكاتب أحدى لجانها الفرعية في الموصل من موظفيها ، وذلك طبقا لبلاغ صادر من مقر الهيئة العليا في بغداد 0
لقد عملت الهيئة تلك ، ومنذ زوال نظام صدام المجرم ، على طرد من كان منتميا لحزب البعث ، ومن كان بدرجة عضو فرقة فما فوق ، من منصبه الوظيفي، وقد اعتبرت اصحاب هذه الدرجات الحزبية من الذين أعانوا صدام المجرم في قمعه لعموم الشعب العراقي ، وشاركوا في الدمار الذي حلّ بالعراق وأهله ، وإلا فكيف وصل هؤلاء الى تلك الرتب الحزبية في جهاز بوليسي من أجهزة المجرم صدام البوليسية المتعددة ، اسمه حزب البعث ؟لقد كانت الهيئة الوطنية لاجتثاث البعث منصفة في طرحها هذا الى حد بعيد ، فلم يكن الاعضاء في حزب البعث سوى كتبة تقارير مخابراتيه على ابناء مجتمعهم ، واحيانا على ذويهم ممن يخالفونهم الراي ، وتصل درجة كتابة التقارير هذه الى حد السخف ، ويذهب ضحيتها أناس لا ذنب لهم إلا لانهم لم يكونوا مبتشري الوجوه في احتفال من احتفالات الحزب القائد ! كما حدث ذلك لزميل لي 0
والعراق ، بعد ذلك ، ليس البلد الوحيد الذي يعمد الى اجراء مثل هذا الاجراء ، فقد سبقته الى ذلك بلدان كثيرة ، منها على سبيل المثال المانيا، حيث صُفي النازيون فيها ، وايطاليا حيث شهد الفاشيون نهايتهم بها بعد ان وضعت الحرب العالمية أوزارها ، تلك الحرب التي دخلتها ايطاليا موسليني الى جانب حليفتها المانيا بزعامة هتلر 0
والملفت للنظر هنا هو أن الامريكان هم من كانت لهم اليد الطولى في تصفية هذين الحزبين في كل من المانيا وايطاليا ، وهم كذلك من شهد تصفية حزب البعث في العراق ، والذي لا يقل فاشية ولا نازية عن حزبي موسوليني وهتلر ، لكن هذه المهمة أخذها على عاتقه الدكتور احمد الجلبي، حين كان العراق يخضع لسلطة الاحتلال بقيادة بول بريمر ، ولم يختلف معه أحد من ممثلي الاحزاب العراقية التي تمثلت في مجلس الحكم المنصرف في هذا الاجراء ، وبهذا القدر أو ذاك ، فالشعب العراقي يدرك الضرر الكبير الذي الحقه هذا الحزب بالشعب العراقي ، وبجيران العراق، فالايادي التي أنزلت صنوف الاعدامات على العراقيين ، وقادتهم الى غياهب المعتقلات ، ومن ثم الى الموت ، لم تكن أيادي صدام وحده ، وإنما هناك جيش من القتلة كان يطيعه في كل ما يأمر به ، بل كان أفراد من هؤلاء المجرمين يتسابقون ويتفنون في قتل العراقي وتعذيبه ارضاء للقائد صدام ! وبلوغ الحظوة عنده 0
وعلى هذا حظيت الهيئة العليا لاجتثاث البعث في العراقي بدعم واسع من لدن شعبنا العراقي في داخل العراق وخارجه ، ليس لأن أحمد الجلبي هو رئيسها ، وإنما لما أوقعه هذه الحزب من قتل ودمار في العراق والعراقيين0
ويخطيء من يظن أن انهاء عمل الهيئة الوطنية من قبل الامريكان الآن ، والذين يوجهون اعمال الوزارة العراقية من باب خفي ، يرتبط برغبة الامريكان بانهاء دور الدكتور أحمد الجلبي في الحياة السياسية العراقية المعاصرة ، بعد أن تدهورت العلاقة بينهما في الاونة الاخيرة ، وذلك لسبب وجيه واحد سأأتي عليه فيما بعد ، رغم أن الدكتور أحمد الجلبي نفسه قد طرح أكثر من سبب لهذا التدهور ، ولتوجيه الاهانات المقصودة له ولتنظيمه ، فمن تفتيش بيته الصيني ، الى اصدار مذكر بتوقيفة من قبل القاضي ، زهير المالكي البعثي ، والمعين من قبل بريمر الراحل ، واخيرا أخراج حزب المؤتمر الوطني ، حزب الجلبي ، من مقراته في بغداد 0
قال الجلبي إن اسباب هذا التدهور بينه وبين الامريكان ، حلفاء الامس يعود الى سوء العلاقة بينه وبين بول بريمر ، وذلك بسبب من أن الجلبي كان كثير ما كان يسأله عن اوجه صرف الأموال العراقية ، حين كان بريمر يحضر جلسات مجلس الحكم ، وكذلك لسوء العلاقة بينه وبين بعض العاملين في دائرة المخابرات الامريكية ، يضاف الى ذلك اعتقاد بعض الجهات العربية من أنه هو الذي أتى بالامريكان الى العراق ليطيحوا بصدام المجرم ونظامه 0
ورغم وجاهة تلك الاسباب التي ذكرها الدكتور الجلبي إلا انه يظل هناك سبب مهم هو الذي اثار غضب الامريكان ضده ، وهو العلاقة التي بناها الجلبي مع النظام الايراني ، تلك العلاقة التي لم تكن الادارة الامريكية راضية عنها ، وهي تشاهد ما تضعه ايران من عراقيل امامها في العراق التي تهيمن عليه قواتها الان ، وما تمارسه ايران من سياسات خارجية كذلك لا تلقى بقبول تام من قبلها 0
هذا السبب الذي يظل هو أم الاسباب للتدهور الذي حل بين حليفي الامس ، يضاف الى ذلك أن حلفاء الجلبي الخلص في وزارة الدفاع الامريكية ، وفي مقدمهم وزير الدفاع ، رامس فيلد ونائبه ، بول وولفويتز ، قد خبا نجمهم الآن ، ويبدو أن وزارة الخارجية الامريكية هي التي تتحمل عبء المسؤولية السياسية في العراق الآن ، وقد دلت على ذلك زيارة وزير الخارجية الامريكية كولن باول الاخيرة للعراق ، وما صرح به الرئيس الامريكي في الامس القريب من أن الدكتور اياد علاوي ( مسؤول عن ادارة البلاد ، فهو قائد صلب ، يدرك بعمق تطلعات شعبه ، ونحن نعمل معه ، وإذا كان لديه اقتراحات فنحن على اتم استعداد ، واكثر من أي وقت مضى لسماعه ، لهذا السبب فان السفير جون تيغروبونتي هناك ، وسينظم العلاقات مع الحكومة العراقية حسب طلبها0) ويأتي بعد هذا أن الادارة الامريكية تريد أن تصرف الامور في العراق على هواها هي ، وليس على هوى الاحزاب والحركات السياسية التي تعاونت معها في باديء الامر من أجل التخلص من نظام صدام حين التقت مصلحة الطرفين في ذلك قبل الحرب ، رغم أن رغبة الادارة تلك كانت تنصب على تغير النظام من داخله ، وذلك لكونها كانت متأكدة من أن هناك الكثير من اتباع صدام في حكومته وفي حزبه من هو على اتم الاستعداد للتعاون معها ، وبطاعة منقطعة النظير ، ومن هؤلاء وزير دفاعة سلطان هاشم احمد ، بطل خيمة صفوان ، ووزير التعليم العالي الحالي ، طاهر خلف البكاء ، وأخرون غيرهم ، لكن محاولة التغير تلك لم تحدث ، وكانت الحرب هي البديل 0 والان وقد انتهى حكم صدام ، وصار الادارة تلك هي المتنفذة ، فما المانع من أن تعود الى سياسة احتضان بقايا نظام صدام المجرم من المطيعين ، وهم كثر ، وتلغي الهيئة العليا لاجتثاث البعث ، تلك الهيئة مع وجودها ، وكما تنقل الاخبار القادمة من العراق ، قد بدأ ازلام النظام الصدامي من العودة الى دوائر الدولة المختلفة ، وتحت ذريعة واهية ، هي ضرورة اشراك عراقيّ الداخل في الحكم والحكومة ، وكأنه لا يوجد غير هؤلاء القتلة من العراقيين في داخل العراق ممن يحلّ محلهم ! لكن الامريكان يريدون ذلك ، ويفضلون رجلا ، بعثيا ، خنوعا مثل القاضي ، زهير المالكي ، ينفذ لهم ما يريدونه وما يطلبونه في اعتقال هذا العراقي أو ذاك ، وخلاف للقانون العراقي الذي حزّ في نفس وزير العدل العراقي ، مالك دوهان الحسن ، أن يهينه رجل مثل زهير المالكي ! مما اضطر الوزير الى التهديد بالاستقال ، والاعتكاف بحضرة رئيس دولة الامارات العربية المتحدة !
#سهر_العامري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟