في رثاء محمد مرسي


مازن كم الماز
الحوار المتمدن - العدد: 6265 - 2019 / 6 / 19 - 18:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الحقيقة أن أهم ما يمكن أن يقال في رثاء الراحل هو أنه مسلي .. "رحمه الله" , كان مرسي أحد أهم منجزات الإخوان فلم يوجد إخواني أو إسلامي أو ليبرالي إسلامي أو عروبي تمتع بمثل قدرته على إثارة الضحك .. كان غباء مرسي و هرائه إلى جانب بلاغة القذافي أعظم متعة يمكن للسياسة العربية بنسخها الأكثر قداسة و جدية أن تتيحها , و كانا أكثر الشخصيات السياسية كوميدية و استحقاقا للسخرية و هما يشكلان بهذا المعنى خسارة حقيقية وسط البكائيات المملة و سطوة الرثاء و الوقوف على الأطلال .. أسوأ ما في الطريقة التي نتعامل بها مع فيلم الرعب الذي نعيشه و نمثله هو أننا نمارسه دون أي روح فكاهة , أننا نحتفي بالأبطال دون أن نلتفت إلى أنهم في الواقع ممثلين كوميديين و تافهين في معظم الأحوال و لا إلى العبث المسيطر في تراجيدياتنا الكبرى , أننا نأخذ قتلانا و قتلتنا بكل جدية , و كأنهم حقيقيون .. نحن نعيش في عالم كئيب فرضناه على أنفسنا , من لا يقدر جسد رانيا يوسف أو مؤخرة سما المصري أو سخرية جلال عامر أو جنون نجيب سرور لا يستحق أكثر من وحوش و أشباح معتوهين نكدين من أمثال صلاح الدين و النمر و الساروت .. يذكرني هوسنا بالجيف بذلك الفتى من قرية فنهام * , الذي كان يعيش عزلة حقيقية في شبابه لم يخلصه منها إلا الموتى .. اعتاد الناس في قريته أن يأتوا إلى جنازات الأشخاص "المهمين" , كانت تلك جنازة جده و وحدها هذه الجنازة استطاعت أن تنتزعه من قلقه و لا مبالاته .. أثارت جنازة جده "العادية جدا" فيه مشاعر غير عادية , كانت المرة الأولى التي يرى فيها الموت , لم يثر وجه جده الجامد فيه أي أسى أو أسف بل بدا أنه يعبر عن رضا غريب , و فجأة يشعر الفتى بانجذاب غريب نحو الجثة , "كانت عيناه تحاولان أن تحرق طريقها لترى ما هو تحت الأجفان المغلقة للرجل الميت لقراءة الرسالة السرية التي تختفي ورائهما" . سرعان ما ستنسى القرية جسد ابنها الميت و تنشغل بشيء آخر و ستذبل أيضا تلك الشرارة داخل الفتى حتى جاء موت أمه , عندها اكتشف أن لعنة ما قد حكمت عليه بأن يكون الموتى سر قوته و مصدر إغراء لم تقدر عليه أجساد الأحياء .. تقدم بعدها ليعمل مساعدا لحفار القبور في قريته و عندما مات أباه أصر على أن يدفنه بيديه قبل أن يتحول افتتانه بالجثث إلى عشق جسدي شبق , قاتل , دموي , و عندما اكتشف حارس المقبرة عشقه هذا اضطر إلى الهروب من مكان إلى آخر ليعمل و يعيش بالقرب من معشوقيه الموتى .. يقوده هروبه من جديد إلى قريته ليجدها و قد تغيرت و ليجد حفار المقبرة و قد قتلته الانفلونزا فيعود إلى عمله القديم , لكن الاستحواذ يصبح جنونا فيقارب الفتى بين هجماته و يترك أثرا هنا و هناك ليجد نفسه ذات ليلة بينما هو فوق أحد ضحاياه و موس الحلاقة المغمس بالدماء في يده و رجال الشرطة يحيطون به فيجد خلاصه الأخير في موس الحلاقة نفسه .. قد يثير ذكر الناكروفيليا شيئا من القرف فيكم , لكن ذلك العاشق القاتل أكثر صدقا و إخلاصا للحياة و الموت و للحقيقة من أولئك الذين يبلغون ذروة إشباعهم فقط عندما يتعبدون الموتى , الذين يرتعدون من ثدي أو فخذ أو شعر عاري , و ها هو مرسي جيفة أخرى تثير فيهم نفس الهوس و الرغبة .. يشبه مرسي و رفاقه مستر فرانكشتاين الذين خلق مسخا مثيرا للرعب و الكراهية , المسخ الذي اعتقد أن خالقه فرانكشتاين هو الشخص الوحيد الذي يمكن أن يفهمه و يساعده .. عندما رأى المسخ الكره و الرعب في عيون الجميع حتى الفقراء الذين كان يساعدهم سرا و حاول أن يكون أحدهم و هو يستمع إلى أحاديثهم عن الخير و الجمال و الحب الخ أدرك أنه لن يكون أبدا جزءا من هذا العالم , لا يهم أنه يستطيع القراءة أو الكتابة أو التفكير أو التحدث عن الفلسفة أو أشياء أكبر و أجمل , في تلك اللحظة كره المسخ فرانكشتاين و العالم بأسره .. و عندما رفض فرانشكتاين أن يخلق أنثى للمسخ , الكائن الوحيد الذي كان يمكن للمسخ أن يحلم بالسعادة بين يديها , اختار المسخ أن يقتل كل من يحبهم سيده قبل أن ينتحر .. مرسي كما مسخه السيسي كما كل المهووسين بالسلطة و المال .. ينسون دائما أنه لا يمكنك أن تخلق مسخا ثم تنام قرير العين

*
The loved dead ,
Howard Phillips Lovecraft–C. M. Eddy, Jr.